إبصار الذات في سياق الدين

بين مقام “خلافة الرسول” و “العبودية” في التأصيل للدين

“تبعا للمنظور يكون المشاهَد”
هذه قاعدة مسلمة لا خلاف فيها, فالأشياء تُرى تبعا ل “الزاوية” التي يبصر بها الناظر الشيء أو الأمر.

ورغما عن أننا نكرر دوما: إن الإسلام واحد, إلا أنه لم يكن استثناءً, فاختلفت المناظير في رؤية وإدراك الإسلام تبعاً لزوايا الناظرين إليه/ مستبصريه.
وهنا نركز حصرا على زاوية واحدة من زوايا إبصار الإسلام, وهي مسألة: إبصار الذات داخل الإسلام
وأوضح فأقول:
عندما تم التأصيل العلمي للإسلام, كيف رأى القائمون على الدين “العلماء” أنفسهم؟!

ما لاحظته هو أن “العلماء” أنزلوا أنفسهم منزلة “الأمراء”, فإذا كان الأمراء خلفاء رسول الله في الشأن السياسي الإداري للدولة/ للأمة.
فهم (العلماء) خلفاء رسول الله في حمل الدين وتبليغه وتفهيمه وتوضيحه وتقديم حكم الله ل “العوام” في مستجدات المسائل.
وهذا ما يظهر بجلاء في الرواية المنسوبة إلى الرسول: “وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ” اهـ
وهكذا جعلوا ميراث الأنبياء علما, وحاملوه هم العلماء بداهة, بدلاً من أن يكون “ميراث” الأنبياء هو: صلاح وهدى وإيمان.

وكون الميراث علماً مشكلة كبيرة ما كان لها أن تحدث, ولو حدثت ما كان لها أن تستمر.

قد يقول قائل: وما الإشكال في هذا؟!
فأقول: الإشكال أنه كان يُفترض أن يتم التأصيل للدين من منظور العبودية وليس: الخلافة, وبشكل أدق من منظور”المتلقي العبد”
وإجابة عن التساؤل: وما الفارق الكبير الذي كان سيترتب على هذا, لو رسخ هذا في “لاوعي” المسلمين المؤصلين؟!

أقول: سيترتب عليه أمور كثيرة, من أهمها:
عدم التحدث باسم الله, فلسنا مبلغين ولا موقعين عن الله وإنما كلنا مجتهدون
ويترتب على هذا إلغاء الحساسيات بين المسلمين وعدم تضليلهم وعدم تكفيرهم بعضهم بعضا, وساعتها سيمكن فقط تقبل: قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب.
لأننا لا نتكلم باسم الله وإنما نتكلم عن: الله, ولأن حكمنا ليس حكم الله وإنما هو طلب لما يُرضي الله.

النقطة الثانية: النزعة التخففية من التكليف
وذلك لأن الإنسان بطبعه لا يحب أن يُلزم نفسه أو يكلفها الكثير, ومن ثم ما كانت لتكون وجهة الفقهاء: الأخذ بالأحوط, ولا اختراع القواعد التي يُستخرج بها مزيدا من الأحكام, وإنما ستكون الوجهة فعلا هي التيسير ومراعاة قدرات الناس وما يصلح لهم والتثبت هل هناك “نصوص ملزمة” فعلا أم أنها ظنون؟!
ولا يعني هذا التحلل من الدين, وإنما ما قاله النبي المصطفى: إن الدين يسر, و: بعثت بالحنيفية السمحاء, وأن الدين جاء أصلا لوضع الآصار والأغلال عن الناس, وهو ما ضاع ونُسي أثناء قرون عدة تضخم فيها “الدين” وتشعب لدرجة أصبح من المستحيل المستحيل المستحيل الإلمام به من المتخصص المتفرغ -فما بالك بغير المتخصص؟!!-

أمور كثيرة كانت ستتغير لو كنا نؤصل للدين من منظور العباد المتلقين, مثل البعد عن الشكلية والانشغال بالمضمون والاقتناع بأن الدين قد تم واكتمل وليس بحاجة إلى مزيد توليد, وهو ما لا يتحقق أبدا بالعلم, فالعلم لا محالة شكلي متوسع متشعب,
وشتان بين من يطلبون رحمة الله في شرعه, والذين يؤمنون ب: يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا وبين من هو غارق في معمعة عقلية, يرى نفسه -على أقل تقدير- على مقعد:
القاضي.

الفلسفة_التسييقية

حول إبصارالذات في سياق_الدين

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

الإنسان ليس مجبرا

جاءني سؤال يقول:هل الانسان مجبر عن البحث عن حقيقة الكون والغاية من الحياة، فقد يقول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.