هذا الموضوع منقول من كتابنا: السوبرمان بين نيتشه والقرآن:
ما المشكلة في إقامة علاقة جنسية خارج الزواج؟
فأنا أحب هذه المرأة, ثم إن هذه علاقة بيولوجية بحتة لا دخل للدين فيها! وما الذي سيحدث إذا عاقرت الخمر أو المخدرات فأنا لا أوذي أحدا بفعلي هذا؟ وما الضرر في ممارسة الحب! مع مثيلي في الجنس, طالما أننا لا نؤذي أحدا أو نجبره على ذلك وخاصة إذا كنا نتخذ الإجراءات الطبية الواقية؟ وما الضرر في أن أنفق أموالي على ما أشاء من الملاهي, أليس هذا حق طبيعي! لي؟
كثيرة هي أشباه هذه الأسئلة والتي يطرحها كثيرٌ ببراءة وسذاجة, ولا يرون فيها أي حرج على الإطلاق, فما العيب أو الخلل في كذا أو كذا أو … الخ القائمة التي لا تنتهي من الرغبات أو الشطحات التي تجول بذهن الإنسان؟
نقول: تبعا للنظرة التي يتعامل بها البشر في حياتهم, والتي هي النظرة التجزيئية القائمة على فصل الإنسان عن عالمه, فلا حرج على الإطلاق, ولا حرج في أي فعل يفعله الإنسان كائنا ما كان,
فإذا رأينا الإنسان كرسام فقط, أو لاعب كرة قدم أو طبيب أو مهندس, ومطلوب منه أن يبدع في مجاله فقط, وليفعل بعد ذلك في حياته ما يشاء, فإن هذه النظرة ذات عواقب كارثية أدت إلى جُل المصائب التي حاقت بالبشرية, فقد يرى الإنسان بريقا جذابا, فيراه حسنا,
فإذا وضعنا باقي أجزاء الصورة بان لنا أن ما يلمع كان ناباً ساما كبيراً! وعموم هذه النظرة التجزيئية راجع إلى التجزيئية التي أصابت المجتمع, فكله قائم عليه, فلم يعد هناك انشغال بالكليات, لا العقلية ولا العملية! ويذكر إريش فروم سببا هاما من أسباب هذه النظرة المبتثرة المدمرة, فيقول:
“وعامل آخر في المجتمع المعاصر سبقت الإشارة إليه يؤدي إلى هدم العقل أود أن أعيد القول فيه في هذا المقام. ليس هناك في الوقت الحاضر فرد واحد يقوم بعملية واحدة كاملة, وإنما يقوم بجزء منها فقط.
وما دام حجم الأشياء وتنظيم الجماعات أضخم من أن يدرك بكليته, فالشيء لا يمكن أن يُرى في مجموعه. ومن ثم فإن القوانين التي تتحكم في الظاهرة خفية لا تُرى. والذكاء يكفي لكي يتناول تناولا صحيحا جانبا من وحدة كبرى سواء كانت الآلة أو الدولة, ولكن العقل لا ينمو إلا إذا ارتبط بالكل, وعالج كليات يخضعها لملاحظته وإدارته.
وكما أن آذاننا وأعيننا لا تؤدي وظائفها إلا في حدود كمية معينة من الأطوال لموجية, فكذلك العقل مقيد بما يلاحظ ككل وفي حدود وظيفته من مجموعها .” ا.هـ
إلا أن المتبع للمنهج يتميز عن البشري المخالف أنه لم يقع ضحية النظرة التجزيئية, وإنما ينظر إلى نفسه وإلى كل ما يمر به نظرة شمولية عامة للفعل ولعاقبته, نظرة بعيدة المدى, تضم كل عناصر الصورة في إطار واحد, فيستطيع أن يصدر الحكم المناسب عليها ولها.
وهذه النظرة ليست مأخوذة من أي مصدر بشري قاصر, وإنما هي نابعة من كلمة الإله –القرآن-, لذا فيمكننا أن نسميها: نظرة بعين الرب!
فالمنهج يُعلم المتبع ألا ينظر إلى يومه فقط عند اتخاذه قرار الفعل أو الترك, وإنما عليه أن ينظر إلى الآثار المترتبة عليه في الغد القريب والبعيد, هل سيكون فيه نفع أو ضر, وهل من الممكن أن يكون فيه نفعٌ له وضر لغيره:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر : 18]”
ويُعلّم المنهج أن النوايا الحسنة لا تكفي عند اتخاذ القرار وإنما على المرء الاستعداد والتخطيط, فالمصائب والكوارث لا تنزل بالإنسان عبثا, وإنما تنزل بسبب ما اقترفت يداه, فهو الذي يجلب المصائب على نفسه, ثم يسخط بعد ذلك! ولا يُشترط أن يكون الفرد بعينه أو كل أفراد المجتمع هم من قاموا بالفعلة, وإنما يكفي أن يقوم بها بعضهم, ويسكت الآخرون عن ذلك, فينزل الوبال على الجميع: ” وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال : 25]”, فالفتنة ستصيب الجميع, لا الظالمين فقط!
ولقد أكثر المنهج من التركيز على مسألة عاقبة الأفعال, وأن الإنسان هو السبب فيما يحيق به, ومن ذلك قوله تعالى:
“وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ [الروم : 36]”, “…… وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ [الشورى : 48]”, “وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ [الشورى : 30]”.
وعلّم المنهج المتبع أن له دور محدود في سير التاريخ وأن الثمار قد تُجنى بعد ذهابه, ولكن عليه أن يسعى لدوره ولا ينتظر النتائج فستأتي لاحقا:
“فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ [غافر : 77]”
فعلى الإنسان أن يروض نفسه على إسقاط هذه النظرة على كل ما يواجهه, حتى يكون طليقا في اتخاذ قراره من رأسه!
ونظرا لأن أصحاب المتاع البشري يسعون بالدرجة الأولى إلى تسويق متاعهم, ماديا كان أو فكريا, بأي وبكل شكل ممكن, فإن أفضل وأقصر طريق لغايتهم هو النظرة التجزيئية له, بأن ينزعوا كل فعل عن سياقه العام وظروفه ويجعلونه هدفا قائما بذاته, مضخما أمام البشري, فإذا نظر إلى المشهد لم ير إلا ما يريدونه أن يرى
فليس هناك في الصورة إلا بضاعتهم الرديئة التي غطت الصورة كلها, بعد أن أزاحوا باقي العناصر التي قد تؤثر في تقبل فكرتهم, فيرى الإنسان البضاعة حسنة مقبولة جيدة لا ضر فيها, فيقبل عليها ويظل هكذا أبدا في إقبال وعدم سكينة, حائرا باحثا عن مكمن الخلل في هذه التصورات الحسنة كلها!
والحل البسيط لهذه الأزمة هي تصغير الصورة قليلا ووضعها في ركن من أركان المشهد العام والاطلاع على باقي المتعلقات المرتبطة بها, وبهذا فقط يمكن للإنسان أن يحكم بيقين إذا ما كانت البضاعة جيدة أم رديئة! وحتى لا نطيل, نبدأ في نقاش بعض هذه الأسئلة من المنظور الشامل العام, كنموذج لكثير من الأسئلة والتصورات المشابهة, لنوضح كيف أن النظرة القاصرة أدت إلى إصدار أحكام غير مصيبة تماما:
ما المشكلة في إقامة علاقة جنسية خارج الزواج؟ هل هذه الورقة أو تلك العقد هو الذي سينشأ فارقا كبيرا؟
ليست الورقة أو العقد بداهة هو الفارق, وإنما الآثار اللاحقة المترتبة على إباحة ممارسة الجنس بهذا الشكل. ولنلق المنظور العام للمسألة:
الإنسان كائن يتبع الفصيلة الحيوانية التي تتكاثر عن طريق وطء الذكر للأنثى, ولكن العملية الجنسية عند الإنسان تختلف عنده عن الحيوان, في كونها ممارسة غير مرتبطة بموسم تخصيب معين, وإنما يمارسها لذة في أي وقت اشتهي ذلك, وكتعبير عن الحب.
إذا فللجنس هدفان رئيسان عند الإنسان وهما تلقيح الأنثى لإنجاب الأطفال وكذلك التلذذ, ويدخل تحت الهدف الثاني جملة المشاعر المرتبطة بالممارسة الجنسية, من شعورٍ بالحب وبالسيطرة من الذكر على الأنثى وبشعور المرأة بتملك الرجل لها, وبشعور كلا الطرفين أن كلاهما مرغوب فيه .. إلخ المشاعر الإيجابية المرتبطة بالممارسة الجنسية!
ولكن الإنسان يختلف عن الحيوانات في كونه كائن اجتماعي مُتملِك, لا يحيى متنقلا, وإنما يبحث عن الاستقرار والعلاقات المتينة مع غيره من البشر, والتي توفر له عنصر الأمان!
وهذه العلاقات الاجتماعية تتشكل بأشكال مختلفة تختلف من بيئة إلى أخرى, ولكن الوحدة المشتركة في المجتمعات البشرية كلها, والتي تختلف بها –جزئيا- عن الدواب, هي الأسرة, ففي هذه الوحدة يجد الإنسان الرعاية المطلوبة –حماية من الرجل للمرأة, ورعاية وحنان من المرأة للرجل- التي تساعده على الحياة المستقرة في المجتمع. وفي ظل هذا الرباط الأسري يمارس الرجل أو المرأة الجنس, معلنين بذلك رغبتهما في الاتحاد وإنجاب أفراد جديدة للمجتمع, وتوفير الحب للطرف الآخر وتحمل مسؤوليته
وبهذا يصبح للجنس معنى كبير وهو أنني أريد أن أكرم الطرف الآخر بأن أعطيه نفسي وما يحتاجه مني, لا أني أريد استغلاله لإشباع رغباتي!
فإذا مورس الجنس خارج الزواج تهاوت هذه المنظومة العظمى لإعداد الأجيال الجديدة, فالإنسان بطبعه يميل إلى التفلت من المسؤولية, مع رغبته في التمتع بمزاياها, وهذا ما حدث ويحدث في هذه المسألة:
يقابل الرجل المرأة في العمل أو خلافه, فيحبها أو يشتهيها! فيبدأ في التقرب منها, -وقد يحدث العكس فتتقرب المرأة!- إلى أن يصل إلى مبتغاهه منها, ويستمر في علاقته معها, طالما أن هذه العلاقة لا تكلفه شيئا أكثر من بعض هدايا, فليست هناك أي إلزامات أسرية أو اجتماعية, وإذا جدّ ما يعكر الصفو من خلافات أو حمل غير مرغوب فيه, ينسحب الرجل من حياة المرأة بدون أي خسارة, ويبحث عن غيرها.
وكذلك تبحث المرأة عن الحب والجنس مع الرجل بدون زواج, لأنها لا تريد أن تتحمل مسؤولية أسرة وتبعية رعاية رجل وأطفال, وكذلك تحمل مضايقاته, فإذا تشاجرا تستطيع المرأة أن تنهي العلاقة, وتبدأ مع غيره وهكذا!
وهكذا ينشأ مجتمع يقل فيه عدد المواليد من ناحية, -وتبدأ الدولة في حث المواطنين, الغير راغبين في تحمل المسؤولية, على الإنجاب, وتشجيع الهجرة إلى الدولة!
ومن ناحية أخرى تنشأ نسبة كبيرة من المواليد –القليلة!- بدون أب, وينشأون في حجر الأم ورجالٍ كثر, سيحلون ضيوفا عليهم في بيوتهم, لا يزيد أحدهم عن بضعة أشهر أو بضعة ليال! أو ينشأون في رعاية الأم فقط إذا كانت قد أخذت درسا من العلاقة الماضية!
فإذا غضضنا الطرف عن هذه النقطة, نجد أن ممارسة الجنس خارج الزواج تؤدي إلى كثير من الأمراض المستفحلة, التي قد تؤدي إلى وفاة البشري بعد معاناة طويلة مع هذه الأمراض العصية, وتكاليف علاج باهظة!
وقائمة الأمراض الناتجة عن الجنس طويلة, منها الزهري والسيلان والإيدز والكلاميديا والتهاب الكبد الوبائي, وأخرى كثيرة!
والزناة يتجاوزون هذه النقطة حاليا باستخدام الواقي الذكري ولا يرون حرجا في ذلك! وأنا أعجب من المرأة –الغير عاهرة- التي تقبل هذا النوع من الممارسة!
فهو يعني أن الرجل يقول للمرأة –وبالعكس-: أنا لا أثق فيك, فربما أنت حاملة للأمراض بسبب كثرة ممارسة الجنس مع رجال مختلفين, ولكن بما أني أشتهيك كجسد, فلنمارس الجنس بأي شكل يوفر الأمان البدني!
وهذا يقلب العملية الجنسية إلى ممارسة حيوانية بحتة, لا رائحة للإنسانية فيها!
فإذا تُجووزت الأمراض الجسدية, فكيف تُتجاوز الأمراض النفسية التي قد تصيب المرأة أو الرجل عند هجر الطرف الآخر له, بدون أي مبررات أو أسباب كافية أو عند اضطرار المرأة للإجهاض, لأن الفحل لا يريد الولد؟ من فقدان للثقة والاكتئاب والانعزال … إلخ الأمراض النفسية, التي لا واقي نفسي لها!
فإذا تركنا الأمراض المرتبطة بهذه المسألة, وجدنا أن ممارسة الجنس خارج الزواج أدت إلى ظهور غاية ثالثة للممارسة الجنسية وهي الربح
وهذا الأمر وإن كان موجودا منذ قديم الزمان, إلا أن إباحته وتقبل المجتمع له يؤدي إلى أن يصبح ذلك الأمر تجارة مدارة, لها عصابات كاملة تعمل على تنظيمها, وتوفير العناصر البشرية لها, هذا بخلاف صناعة الأدوات الجنسية! وهكذا ظهرت تجارة الرقيق مرة أخرى –في أوروبا تحديدا-, وظهرت عصابات تختطف الفتيات وتحتجزهن في بيوت الدعارة, ويُعتدى عليهن مرات عدة حتى يألفن المسألة, ويعملن فيها, وظهرت قنوات مرئية كاملة متخصصة في بث وتوصيل هذه الوساخات إلى البيوت!
فإذا تركنا الربح المادي الوسخ, وجدنا أن ممارسة الجنس خارج الزواج تحت دعوى الحب قد أوهى قدسية! هذه العلاقة, فلم يعد هناك فارق بين ممارسة الجنس مع من أحب أو مع عاهرة ألتقطها من الطريق, وأدفع لها مقابل قضاء ليلة!
وأتحدى أن يأتيني إنسان بفارق يجعل هذه الممارسة مقبولة وتلك مرفوضة منطقيا! فإذا نحن تركنا وهن العلاقة وتشبهها بالدعارة, وجدنا أن انفتاح هذه المسألة أدت إلى ضياع كثير من البشر –الشباب خاصة- فيها, لانحصار تفكيرهم وسعيهم فيها ولها
ومن لم يُضّيع أو يفشل في حياته بسببها, فغالبا ما أتى الجنس بكثرة, وكثرة الإتيان تؤدي إلى الملل, فيضطر الإنسان إلى الابتكار في الممارسة من أجل القضاء على الملل, وفي النهاية قد يؤدي به هذا الملل إلى الانتقال إلى ممارسة الجنس مع مثيله في جنسه من أجل التغيير!
فانظر إلى الآثار الكارثية التي ترتبت على هذه المسألة, والتي لا يراها من ينظر إلى الأمر نظرة قاصرة على نفسه, كأنه هو الوحيد الذي أبيحت له هذه المسألة, لا المجتمع كله! وكيف أنها أدت إلى طامة أخرى وهي انتشار الشذوذ!
يدافع كثير من الغربيين عن الشواذ, على الرغم من كونهم غير شواذ, ويرفضون أن يوصموا بهذه التسمية! ويريدون أن يسمونهم ب المثليين
أما الشواذ فكلمة ذات مداليل سلبية سيئة تؤثر على نفسية المثله (وليس مثلي!) ونحن نرى أنهم شواذ ولا بد أن يسموا شواذا, فهم مخالفون للطبيعة ويمثلون قلة قليلة, فكيف لا يكونون شواذا؟!
والغربيون يرون أن هؤلاء المثليين أناس وُلدوا باختلالات معينة في أجسادهم, دفعتهم إلى الميل إلى أفراد نفس الجنس!
لذا فلا مبرر لرفض هذا المسلك. ودفاع الغرب عن الشواذ نابع من إيمانهم بالحرية, ومن النظرة التجزيئية, مثل نظرتهم للجنس خارج الزواج. ولننظر نظرة فاحصة لهذه المسألة لنر ما الأضرار المترتبة عليها:
ذكرا وأنثى خلق الله الإنسان, وجعل لكل منهما طبيعة مخالفةً الآخر, ليؤدي الدور المنوط به في الحياة, ويفترض في الذكر والأنثى أن يتكاملا ويتقاربا, من باب أن الأقطاب المختلفة تتجاذب, ومن باب أن كل منهما يوفر للآخر ما لا توفره له طبيعته!
فالمرأة لين ونعومة وضعف والرجل خشونة وقوة, فيكملان بعضهما! وكل واحد منهما يفتخر بطبيعته ويتفنن في إبرازها, فالمرأة تتفنن في إبراز نعومتها وضعفها والرجل يتفنن في إظهار قوته وخشونته, ولا حرج في ذلك, فعليه جُبلا! فإذا ما حدث وعاشر الرجل الرجل انتكست طبيعة أحدهما وصار مثل الأنثى! والرجل خُلق ليرجل لا ليُستأنث! وإذا حدث وعاشرت المرأة المرأة فتترجل أحدهما!
والعجيب أن بعض الشواذ يرغبون في إقامة عقد زواج, ويمثل أحدهما الرجل والآخر المرأة, ولست أدري لم؟! إذا كانت كل أهداف الزواج غير متوفرة في هذه العلاقة! ورفضنا للشذوذ نابع من أن السماح بهذه المسألة مفسدة لطبيعة الجنسين وقضاء على الفوارق الطبيعية بينهما, وعلى أدوارهما في المجتمع! –ناهيك عن الأمراض المرتبطة بهما-, والسماح بهذا الشذوذ مؤذن بانتشاره, وفيه ما فيه من انعدام النسل.
ويرفض الغربيون مسألة انتشار الشذوذ وخطورته على المجتمع من حيث ضياع النسل, فيقولون أن الشذوذ لا ينتشر وإنما يولد به صاحبه, وهم قلة لذا فلا خطر ولا خوف.
أما نحن فنجزم أن الشذوذ ينتشر مثله مثل أي سلوك خاطئ, مثل التدخين ومعاقرة الخمر, فهذان سلوكان لا مبرر لهما عقلا, وعلى الرغم من ذلك ينتشران انتشارا واسعا, خاصة مع وجود الدعاية التي تجمّلهما! ودليلنا على ذلك قوم لوط, فلقد كانوا مجتمعا عاديا, إلى أن دبت فيهم هذه الآفة وانتشرت, ولم يكن لهم في ذلك سابق, وإنما فيهم بدأت, بدأت وانتشرت إلى أن عمت القوم كلهم, ولم يكتفوا بأنفسهم وإنما تعدوا على أضيافهم ففعلوا بهم الفاحشة, فأنزل الله عزوجل بهم العذاب!
فهذا نموذج أكثر من واضح على انتشار الشذوذ اجتماعيا بدون أي مرض, وأنه قد يصل إلى درجة عموم المجتمع كله إذا وجد البيئة المناسبة له, فليس الأمر مرضا بحال. وينظر المرء في حال قوم لوط فيجده نفس حال الشواذ بنفس الأقوال والأفعال:
“َولُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [العنكبوت: 28-29]”, ويصل الحال بهم إلى الضيق من الطهر والارتياح إلى الفاحشة والدعوى إلى إخراج المتطهرين من الأرض: “فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ [النمل : 56]”!
وانتشار الشذوذ في المجتمع والدفاع عنه علامة على بدء انهيار الأمم, وذلك لضياع أخلاق الرجولة منها, وهي الضرورة الحتمية لبقاء الأمة!
أما مسألة أن الشواذ مولدون باختلال في الجينات, فهذا اعتراف بأن المسألة غير طبيعية وأن الطبيعي أن يولد الإنسان بشكل آخر, فماذا يُسمى هذا غير الشذوذ؟!
ونحن نرفض الإقرار لهم بهذا الأمر, ونرى أن عدد من وُلدوا بهذا الاختلال قليل جدا جدا جدا! أما الأكثرية الساحقة فاتجهت إلى هذا المجال لأسباب نفسية ولمشاكل اجتماعية, فمنهم من تعرض لتحرش في الصغر, ومنهم من لديه مشاكل نفسية, ومنهم من غُسلت دماغه ليقتنع بذلك, ومنهم من مل من الجنس مع الجنس الآخر فمارسه مع جنسه! ومنهم من تأخذ الأمور من باب التجربة, ومنهن معقدات من الرجل فيلجأن إلى الممارسة مع المرأة, ومنهن من تمارسه من باب التحدي, لأنها من أنصار “الأنثوية”.
ونحن نجزم أن السبب الأكبر هو الملل من الممارسة مع الجنس الآخر, وميوعة تصور دور وطبيعة الرجل والمرأة! وما قيل في أضرار الجنس خارج الزواج يقال هنا, يضاف إلى ذلك التغيرات النفسية التي تحيق بالشاذ إثر شذوذه. هذا إذا غضضنا الطرف عن صناعة الشذوذ, التي أصبحت تعبث في أجساد البشر من أجل انتاج أنصاف ذكور وإناث! وأخيرا فإن الشذوذ ظاهرة لا توجد إلا عند الإنسان والخنزير –وهما اللذان يمارسان الجنس لذة واشتهاءا- أفلا يدل هذا على أن مسألة اختلال الجينات مشكوك فيها؟
فلم لم يحدث هذا الاختلال إلا عند الإنسان؟ لم لم نره عند الحيوانات الأخرى؟ وإن حدث ووجد فهو يوجد بنسبة لا تذكر, وهي نفس النسبة الموجودة في بني البشر لا تلك النسبة المزعومة!
إذا فمسألة الشذوذ مسألة مصيرية للأمة بأكملها وليست مسألة هينة, ولكن الغربي لا يرى عيوبها وأثرها, لأنه ينهب ثروات الغير –بشرية قبل المادية- ويواري به عورته الخلقية والاجتماعية والعلمية!
ونترك الشذوذ وننتقل إلى الخمور والمخدرات! وأعتقد أن الضر في هذين الصنفين أوضح من السابقَين, ففيهما ضياع للعقل وغياب لتحكم الإنسان في أفعاله, وفي هذه الحالة يضر الإنسان نفسه وغيره!
ولكن هناك من يجادل ويقول: ولم المنع ابتداءا؟ ما الضرر في قليل من الخمر أو المخدرات, وخاصة إذا كان الإنسان في بيته, أو في حفل يوزع فيه نصيب قليل لا يُسكر! فهذا لا ضرر فيه للنفس أو للغير؟
نقول: لا يوجد شيء أبيح قليله إلا وأدى ذلك القليل لا محالة إلى الكثير, والضرر من الكثير كارثي! وتبعا للنظرة الشمولية نقول:
أثمن ما يمتلكه الإنسان هو عقله, والذي عليه أن ينميه ويحافظ عليه بكل ما يملك, والخمور تذهب العقل, فلم تًشرب أصلا؟ نعم, لا ضرر من هذا القليل, ولكن لا نفع كذلك!
ولكن هل هناك من يلتزم بهذ القليل؟
مشاهدةً, لا يوجد إنسان يشرب الخمر ولا يصل إلى مرحلة السكر, فإذا سكر صدر منه ما لا يحمد عقباه! وإذا كان لا يريد السكر فلم يشرب الخمر أصلا, فليشرب أي نوع من العصائر!
من يريد أن يمنع ضررا يوصد جميع أبوابه, لا أن يترك بعض أبوابه مفتوحا, خاصة إذا كان هذا المفتوح لا نفع منه يرتجى! والآفة في الخمر والمخدرات لا تنحصر في السكر, وإنما تتعداه إلى الإدمان, فإذا وقع البشري في فخه, فعل أي شيء من أجل الحصول على المخدر, فيسرق ويقتل ويغش, المهم أن يحصل على تلك اللحظات العقيمة التي يغيب فيها عقله ويشعر معها بلذة ساذجة!
وتعاني الأسرة والمجتمع من هذا الفرد المدمن الذي ما عاد له أي دور في الحياة سوى السكر والإفساد, فما عادت لديه أي قدرة على الانتاج! وتنفق الدولة الأموال الطائلة في تطبيب المدمنين ومداواتهم, وفي إقامة الكمائن لمراقبة شاربي الخمر حتى يُتأكد من تيقظهم! وهذا هو ثمن الحرية –التي لا تضر الغير بطريقة مباشرة!-, نعطيها للفرد ثم يدفع الفرد والمجتمع بأكمله ثمنها!
وحتى يعرف القارئ كم هو باهظ حجم هذه الخسارة, والذي قد لا يكون شاربا للخمر, والذي قد لا يرى في شربها الضر الجليل, نقدم له هذه الأرقام ليتصور بنفسه, ويعرف كم تنزف البشرية بسبب حرية إهلاك الذات:
تقول دائرة معارف جامعة كاليفورنيا للصحة : “يعتبر الخمر حاليا القاتل الثاني – بعد التدخين– في الولايات المتحدة. فشرب المسكرات في أمريكا سبب موت أكثر من 100.000 شخص سنويا. والخمر وحده مسؤول عن أكثر من نصف الوفيات الناجمة عن حوادث الطرق في أمريكا (والبالغة 50.000 شخص سنويا) وليس هذا فحسب ، بل إن الخمر مسؤول عن إصابة أكثر من نصف مليون شخص بحوادث السيارات في أمريكا في العام الواحد. وأما في المنزل فالمسكرات مسؤولة عن كثير من حرائق المنازل ، وسقوط شاربي الخمر على الأرض أو غرقهم أثناء السباحة”.
” ولا تسبب المسكرات المشاكل في البيت أو على الطرقات فحسب، بل إن خسائر أمريكا من نقص الإنتاج وفقدان العمل نتيجة شرب الخمر تزيد عن 71 بليون دولار سنويا ، ناهيك عن الخسائر التي لا تقدر بثمن من مشاكل نفسية وعائلية واجتماعية.” ويقول البروفيسور “شوكيت” -مدرس الأمراض النفسية في جامعة كاليفورنيا ومدير مركز الأبحاث المتعلقة بالإدمان على الكحول-: “إن 90 % من البشر في الولايات المتحدة يشربون الخمر، وإن 40 – 50 % من الرجال هناك يصابون بمشاكل عابرة ناجمة عن المسكرات . وإن 10 % من الرجال و 3 – 5 % من النساء مصابون بالإدمان على الكحول “.
وحسب ما جاء في كتاب Cecil الطبي الشهير: “إن الخسائر الكلية الناجمة عن مشاكل المسكرات في أمريكا بلغت ما قيمته 136 بليون دولار في العام الواحد . ويقدر الخبراء أن ربع الحالات التي تدخل المستشفيات الأمريكية سببها أمراض ناجمة عن شرب المسكرات” اهـ
أعتقد أن هذه الأرقام ستغير منظور كُثُر بشأن قليل الخمر الغير ضار!