قدرية الإيمان!

من عجيب تصاريف “القدر”, أن يكون الإيمان “قدَرٌ” على الإنسان لا يستطيع الفكاك منه!
فلا يمكن لإنسان أن يحيى بدون “إيمان”.
نعم, لا يمكن أن يوجد إنسان “عاقل” واحد بدون إيمان
فكلنا بلا استثناء نؤمن بشيء ما,
بغيب ما, على مستوى ما!

سيظهر الاعتراض الشهير:
هناك الكثير من الماديين الذين لا يؤمنون بأي غيب ويقولون:
لا توجد إلا المادة!
فأقول:
أولاً: لا بد من وجود إيمان عند الأشخاص, فبقاء كل شيء في حالة من الشك أو التكذيب عند الإنسان يهلكه, والدعوة إلى التشكك والبحث والتنقيب ما هي إلا دعوة مثالية لا يتحملها عقل الإنسان!
ثانيا: ما من إنسان اختبر كل أفكاره أو قناعاته, والنسبة الأكبر من هذه الأفكار والقناعات والمعلومات نتلقاها هكذا من غيرنا سماعا أو انطباعا!
فإما تنسجم مع منظومتنا الفكرية العامة أو الخاصة فتمر بسرعة, وإما تصطدم ببعضها فربما نلجأ لفحصها, ومن ثم نحكم بصحتها أو خطأها أو نقوم بتأويلها بشكل ما لتنسجم مع المنظومة الفكرية خاصتنا!

والنافرون من الإيمان يقولون إن الإنسان القديم لجأ إلى الإيمان لأن معارفه كانت محدودة حيث لم يستطع تفسير أكثر الظواهر المحيطة به فلجأ إلى الإيمان لإيجاد تفسير بسيط مريح له!

وبغض النظر ع صوابية هذا الطرح أو سذاجته, فإننا لن نجادل بخصوص الإنسان القديم, وإنما سنطبق قاعدتنا على الإنسان المعاصر, الذي يعيش في زمن يُسمى ب “عصر العلم”:
نعم تمدد العلم الحديث في كثير من النطاقات وكشف لنا الكثير من الألغاز, ولكن كم من البشر “يعلمون” هذا العلم؟!

إن أكثرنا “يؤمن” بالعديد من النظريات -أو الحقائق- العلمية, ولكنه لا يعلم أدلتها ولا المستندات العقلية والعملية التي بُنيت عليها!
وكل ما هنالك أن هذه النظريات أصبحت تشكل “الاتجاه السائد” المسيطر في المجتمع, والمكونة لثقافته العامة, ومن ثم درس هذه النظريات في المدرسة أو قرأها في كتابِ ما!
واقتنع بها وأصبح يسخر ممن يرفضون هذه النظريات ويعترضون عليها!

فلم يقم الأكثرية الساحقة من البشر بفحص أدلة ما يؤمنون به من علوم وقارنوها بأدلة المخالفين, سواء في النظريات العلمية أو الاقتصادية أو حتى المعلومات التاريخية؟!
لم يحدث هذا -ولن يحدث-
وذلك لأن العلم بعد تشعبه وتوسعه وتفرعه أصبح من المستحيل أن يحيط الواحد بفرع من فروعه مهما تفرغ له, ومهما أنفق من سنوات عمره.
فما بالك بباقي فروع العلم, فما بالك بباقي العلوم؟!!

ولهذا فسيظل حال عامة البشر أنهم:
مجموعة من المقلدة تؤمن بأن التيار العلمي السائد هو الرأي الصحيح!
وهذا يسري على الكل, فحتى لو لم تكن مقلدا في البيولوجيا, فستكون مقلدا في الفلك, وستكون مقلدا في الاقتصاد وهكذا.


وهكذا فستظل ذلك “المؤمن” الذي يعتقد لأسباب عديدة أن نظرية كذا صحيحة وكذا خاطئة!
(بغض النظر عن صحة النظرية من عدمها, فطالما أنك لم تبحث ولن تبحث عن الأدلة فستكون في موقف المؤمن)
وإلا فلن تعلم سوى بعض المعلومات الرياضية وعدد من المعلومات البسيطة تُعد على أصابع اليد.

ويقينا هناك اختلاف بين أنواع الإيمان, فهناك من هو مؤمن بغيب نسبي/ جزئي ومن هو مؤمن بغيب مطلق.
وللأسف فإن كثيرين ما يتعاملون مع العلم بمبدأ مشجعي الفريق الأقوى في الرياضة
فلأن أكثر البشرية تقول بكذا فهو صواب

وتذكر أنه في يوم ما كان من يقول بدوران الأرض يرمون بالجنون والسفه
وكان من يرفض هذا القول يرفضه لنفس سبب رفضك أنت
أنه يؤمن ب “نظرية أخرى” سائدة في المجتمع!!

الفلسفة_التسييقية

قدرية الإيمان

لا مفر!!

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

الجزء الثاني من لقاء الأستاذ عمرو الشاعر ومناقشة كتاب نشأة الإنسان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.