بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الله تعالى مخاطبا نبيه الكريم ومبينا لحاله فيقول ” وإنك لعلى خلق عظيم “ , إذا فالنبي المصطفى كان على خلق عظيم ! وعلى كل مسلم أ ن يقتدي بالنبي المصطفى , ولكن قبل الخوض في أي باب نبدأ دوما كعادتنا بالتعريف اللغوي ,
فما هي الأخلاق وما معنى التهذيب ؟
ونتجه كعادتنا إلى المعجم الذي يدلنا على الأصل الجامع لمعاني المفردة الواحدة , فنتجه إلى معجم مقاييس اللغة فنجده يقول :
الخاء واللام والقاف أصلان: أحدهما تقدير الشيء، والآخر مَلاسَة الشيء.
فأمّا الأوّل فقولهم: خَلَقْت الأديم للسِّقاء، إذا قَدَّرْتَه. ………..
ومن ذلك الخُلُق، وهي السجيَّة، لأنّ صاحبَه قد قُدِّر عليه. وفلانٌ خَليق بكذا، وأَخْلِقْ به، أي ما أخْلَقَهُ، أي هو ممَّن يقدَّر فيه ذلك. والخَلاقُ: النَّصيب؛ لأنّه قد قُدِّرَ لكلِّ أحدٍ نصيبُه.
ومن الباب رجلٌ مُخْتَلَقٌ: تامُّ الخَلْق. والخَلْق: خَلْق الكذِب، وهو اختلاقُه واختراعُه وتقديرُه في النَّفس. قال الله تعالى: { وتَخْلُقُونَ إفْكاً } [العنكبوت 17].
وأمّا الأصل الثاني فصخرة خَلْقَاء، أي مَلْساء. ………
ويقال اخلَوْلَقَ السَّحابُ: استَوَى. ورسمٌ مخْلَولِقٌ، إذا استوى بالأرض. والمُخلَّق: السّهم المُصْلَح.
ومن هذا الباب أخْلَقَ الشَّيءُ وخَلُِق، إذا بَلِيَ. وأخلقْتُهُ أنا: أبليتُه. وذلك أنَّه إذا أخْلَقَ امْلاسَّ وذهب زِئْبِرُه. ويقال المُخْتَلَق من كلِّ شيء: ما اعتدَلَ.. … اهـ
إذا ف ” خ ل ق ” أصل يدور بين تقدير الشيء ونعومته واستوائه .
فإذا نحن نظرنا إلى معنى الأخلاق ودورها في الإنسان وجدناها تدور في هذه الدائرة تحديدا بحيث لا تخرج عنها بتاتا , فهي تلعب دور التشكيل والتقدير بالنسبة لأفعال وتصرفات الإنسان ولتوجهاته ولمسيره في الحياة ولولاها لأصبح الإنسان مثل الحيوان في الدرجة بل ينحدر إلى درجة أقل منه لوجود العقل وهذا التشكيل يؤدي في نهاية المطاف إلى النعومة والاستواء في التصرف والتعامل فهو يقوم بإبلاء وإذهاب خشونة الإنسان وطباعه السيئة ولا يبقي إلا السجايا الحسنة المرادة .
وهذه الكلمة استعملت في القرآن بمعان وتركيبات مختلفة فجاءت ” خلق , خلاق , خُلُق … إلخ “ بخلاف كلمة ” هذب “ والتي لم ترد في القرآن بتاتا . فإذا نحن بحثنا عن ” هذب ” في مقاييس اللغة وجدناه يقول :
كلمةٌ تدلُّ على تَنقِيَةِ شيءٍ مما يَعِيبه. يقال:
شيءٌ مهذَّبٌ: منقَّىً مما يَعِيبُه. وأصله الإهذاب: السُّرعةُ في الطَّيَرانِ والعَدْو، ومعناه أنّه لا يُمكِنُ التعلُّق به. يقال مَرَّ الفرَسُ يُهْذِبُ. ومَشَى الهَيْذَبَى. كذلك المهذَّبُ لا يُتعلّق منه بعَيب. والله أعلمُ بالصَّواب .
إذا فالتهذيب هو تنقية الشيء مما يعيبه ! والنفس البشرية كما قال الله عزوجل تشتمل الفجور والتقوى ” ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها “
فهكذا خلقها الله عزوجل وتهذيب النفس يكون بتجنيب الفجور أو القضاء عليه قدر الاستطاعة , فهكذا ننقي النفس مما يعبيها ! وبهذا نجد أن الخلق والتهذيب اشتركا في نهاية المطاف في الغرض
, فإذا كان الخلق بمعنى التقدير والملاسة ( الاستواء والاعتدال والنعومة ) فالنفس تتخلق بالأخلاق من أجل أن تصل إلى التهذيب .
إذا نخرج من التعريفين بأن الأخلاق هي الوسيلة والطريق المؤدي إلى التهذيب , فإذا تخلق الإنسان بالأخلاق أصبح مهذبا , أما إذا أهمل الأخلاق فلا خلاق له في الدنيا ولا في الآخرة !
فإذا نحن أردنا تعريف الأخلاق تعريفا عاما بغض النظر عن الأصل اللغوي لكلمة ” خ ل ق “ حتى يعرف القارئ عما نتكلم تحديدا , سنجد أن لها الكثير من التعريفات ونذكر هنا التعريف الذي ذكرته موسوعة ويكبيديا :
إذا فالأخلاق هي مجموعة القيم المقدرة التي قدمها الدين للإنسان قديما ليتعامل على أساسها مع إخوانه ويهذب بها نفسه , ثم جاء الملاحدة فعزلوا الأخلاق عن الدين وقالوا أن الأخلاق الحميدة تستخرج من العقل
, ولا حاجة للدين فيها ,ثم نفوا عنها عنصر الثبات وأصبحت الأخلاق تابعة لعقولهم العظيمة ! يفصلونها كما يحلوا لهم ! فما أتوا في الأخلاق إلا بما أتى به الإسلام قديما وما زادوا عليه إلا تلك الترهات التي يريدون أن يحشرونها في الأخلاق حشرا .
أما نحن كمسلمين فنرى أن الأخلاق ثابتة (الكلمة نفسها توجب علينا ذلك !) ونرى أنها من الدين وليست من العقل , ونرى أن في ديننا الكفاية والغناء ولا حاجة لنا بغيرنا في هذا الباب فنحن – مستخدمين شرع الله – الذين أسسنا الأخلاق وعلمناها غيرنا , فلسنا في حاجة إلى أن نأخذها من غيرنا .
ونحن مستعينون بالله نبدأ في هذا المنبر الحديث عن الأخلاق من خلال المنظور الإسلامي العظيم والدستور الكامل ( الكتاب والسنة ) , وندعوا الله أن يوفقنا في العرض وفي تبيين شمولية المنظومة الأخلاقية الإسلامية , والله الموفق وعليه التوكل وبه الاستعانة . والسلام عليكم ورحمة الله .