هل المرأة طفل كبير؟!

كتبت ذات مرة “بوست”, عن أننا كلنا نحلم ونتمنى بأن لو ظللنا أطفالاً, وقلت أن هذا زعم غير سليم, فها هي المرأة تعيش أمامنا بقلب طفل, ولكننا لم نتقبل هذا!
ومر الأمر مرور الكرام على خاطرة كُتبت على أحد مواقع التواصل الاجتماعي, ثم مع مرور الوقت بدأت ألحظ المزيد والمزيد من أوجه التشابه بين “نفسية” المرأة ونفسية الطفل, فخطر ببالي أن أجري مقارنة بين الاثنين, وعندما بحثت هل كتب أحد حول هذه المسألة مسبقاً, لم أجد تقريباً من كتب فيها, وإنما كالعادة وجدت مقارنات بين الرجل والمرأة, والتشابهات والاختلافات بينهما!

لذا سأحاول في هذا المقال أن أجري مقارنة بينهما, وفي البداية وحتى لا يُساء فهمي, لا أهدف بمقالي هذا إلى الزعم بأن المرأة “قاصرة” أو غير ناضجة, وإنما أود أن أقول: إن الطفل بداخل المرأة لم يمت, وإنما اكتسبت هي بعضاً من سمات النضج, تعمل بالتوازي بداخلها مع “شخصية الطفل”,بينما قد مات الطفل بداخل الرجل مبكرا.


كلنا مر بمرحلة الطفولة, تلك المرحلة التي كنا نشعر فيها بسعادة غامرة, وانطلاق وإقبال على الحياة, نحلم بمستقبل مشرق, نجري ونلعب ونضحك من قلوبنا, ونسعد بكل جديد وبكل مذاق, ومع مرور الأيام بدأت الأشياء تفقد بهجتها, والأطعمة لذتها, ولم نعد نضحك من المواقف المرحة, ولم نعد –كشباب- نتقبل أن تُقدم لنا يد العون وأصبحنا نريد أن نعتمد على أنفسنا, ..

لقد مررنا بالعديد من المواقف التي صلبت أعوادنا وأكسبتنا خشونة وقوة, فلم نعد ذلك الطفل الساذج البريء.

ولا أعلم صراحة ما سبب هذا, ولكن ما يمكنني قوله هو أن المرأة لا تلحظ “السمت المشترك” بين الأشياء بينما يلحظه الرجال بدرجة كبيرة, لذا تنبهر مع كل جديد وتسعى وراءه –كالأطفال-, فاختلاف بسيط في شكل الشيء أو في اللون, أو مجرد حلية تُضاف إليه, كاف لجذب المرأة وإثارة إعجابها, بينما الرجل يرى الشيء كأخيه ولا اختلاف بينهما, لذا فالطفل منبهر, والمرأة كذلك,

وانظر مثلا سعادة الطفل بالثياب الجديدة والنظر لنفسه في المرآةوكذلك المرأة, وانظر كم مرة تشتري المرأة ثيابا في حياتها ومقدار سعادتها بالجديد, وقارنها بسعادة الرجل بالثياب الجديدة, ولا داع للحديث عن العدد المهول من “السيلفي” الذي تأخذه المرأة لنفسها ولملابسها, وفي كل مكان جديد تدخله, فهو دليل كبير على مقدار السعادة لديها وفرادة اللحظة حتى أنها تستحق التسجيل.

و المرأة لا تزال كما, تصف نفسها بأنها “كائن رقيق”, ولو دققنا النظر سنجد أنها ذات نفسية هشة تتأثر بأبسط الأمور سواء فرحاً أو حزنا أو غضباً كالأطفال! فكلمة قد تجعلها تطير فرحا, أو تضحك حتى لا تستطيع التنفس, وتتساءل أنت في قرارة نفسك: “هي البنات فشتها عايمة ليه؟!!”, ويسافر ابنك فتحزن لفراقه, ثم يعود ثم يسافر, وفي كل مرة يقل الحزن حتى تعتاد على فراقه, بينما تجد أمه التي قاربت الثمانين عاما لا تزال تبكي في كل مرة على فراقه,

فشخصية “الرجل” تتصلب مع مرور الزمان, ومع الأحداث التي يمر بها والخبرات التي يكتسبها, بينما تظل “نفسية” المرأة غضة طرية! وكذلك يرى الطفل الأمور بعين “تضخيمية”, فيهول من حجمها وأثرها, وكثيرٌ منا يشكو من أن المرأة تعمل من الحبة قبة, وأنها تهول الأمور وتعطيها أكبر من حجمها!!
وتبعاً للنظرة غير “الدقيقة” للأشياء وللحياة احتفظت المرأة بكونها “حالمة”, فكما الطفل تستطيع المرأة بسبب موقف بسيط أن تتخيل أموراً كثيرة, بينما فقد الرجل –بدرجة كبيرة- القدرة على الحلم, ويرى الأشياء كما هي .. بقدرها!!


وغني عن الذكر أن المرأة تخاف من أمور نضحك منها نحن معشر الرجال, بينما كنا نخاف منها ونحن صغار, ولما كبرنا صغرت هي في أعيننا, بينما ظل –بعضها- كبير في عين المرأة, لذلك فالمرأة –في المعتاد- “خوافة”
والزواج بالنسبة للمرأة بدرجة كبيرة هو بحث عن “الأمان”, وكذلك “الاحتواء”, والطفل يشعر بالأمان في حضن أحد والديه,
وغني عن الذكر أهمية “الحضن” بالنسبة للمرأة مهما كبرت! فأسعد لحظاتها هي تلك اللحظات التي تكون في حضن “زوجها”! فالمرأة تريد من الرجل بشكل عام أن يحتويها, ومهما كبرت سنا –ومكانة- تسعد بهذا وتسعى وراءه, بينما تظل مسألة “الاحتواء” بالنسبة للرجل مسألة فرعية.


وكما أن التدليل من حقوق الطفل, فإنه من حقوق المرأة وهي تحب أن تُدلل .. وباستمرار, ومهما بلغت من العمر فهي تسعد بالتدليل, فكلمة تدليل أو “اسم” تدليل شيء مفرح للمرأة, وبالتأكيد فحمل المرأة بين ذراعي الرجل هو من أسعد لحظات المرأة, وغني عن الذكر أن المرأة تسعد جدا عندما “تُقبَّل”, وترضى كمكافأة .. بقبلة.


وقريب من التدليل: اللعب, فلا يتقبل الرجل أن يلعب ألعاب الطفولة, أو أن يلعب بشكل عام, إلا ألعاب معينة فيها حظ أو مغامرة وتحدي.. وربح, أو أن يمارس الرياضة, فهي في الغالب ممارسة ل “غاية”, بينما تتقبل المرأة وتحب اللعب لذاته, فهي تحب لعب ألعاب الطفولة وألعاب البنات وألعاب الكبار وتحب اللعب بشكل عام ولا تتحرج منه, وبالتأكيد هي تحب اللعب ب ومع أطفالها.

وعلى العكس من الرجال الذين يتمردون على القوانين ويبدؤون “العبث” في حياتهم ويخالفون الأوامر عندما يكبرون, فإن المرأة كالأطفال تظل معتقدة ب “قدسية” الأوامر وال “ما ينبغي”, فكذا يجب أن يُفعل, والنجاح طريقه كذا, فتتبع التعليمات ويندر أن تخالفها, لهذا نادرا ما نجد فساداً ماليا من امرأة, فالمرأة نادراً ما تعبث في الواقع.


وكما أن الطفل يخجل فنسبة الخجل عند المرأة في الغالب مرتفعة, والرجل كذلك يخجل, ولكن قارن مثلا خجل الرجل بشأن الحديث الجنس, وكذلك مع أول ممارسة جنسية بالممارسة الجنسية المائة, وقارنه بخجل المرأة عند الحديث عن الجنس, ورغما عن أن المرأة قد تكون قد مارست الجنس مرات عديدة إلا أن هناك نسبة من الخجل تظل موجودة! (تذكر حديثنا عن غياب “السمات المشترك” وكيف أن الأمور مع أي اختلاف بسيط تكون لدى المرأة جديدة) ولهذا يحتاج الأمر إلى التمهيد والمداعبة.


ولا يقتصر الأمر على الخجل الجنسي, فالمرأة تخجل كثيراً من أخطاءها وتقصيرها وأنها لم تفعل الأفضل –لاعتقادها بتميزها, وعلوها وأنها مما لا يفترض أن يصدر منها هذا-, بينما يتبلد كثير من الرجال, فيخجلون من أخطاءهم ولكن بدرجة أقل, أو يضحكون وهم يقرون بأخطاءهم!!

ولهذا نجد أن المرأة تكابر ولا تعترف بأخطائها -إلا فيما ندر!!-, بل –وكالأطفال- تنتظر من الرجل أن يأتي هو ل “يصالحها”! وعندما تقر المرأة بخطئها قد تبكي, والمرأة تبكي –كالأطفال- في مواقف عديدة وليس فقط عند الاعتراف بالأخطاء, فعند الضغط تبكي, وعند الفراق تبكي, وعند الخوف تبكي .. الخ.


وكأطفال كنا متعلقين بوالدينا, ولكن عندما كبرنا انفصلنا عنهم بدرجة ما, حتى أن الرجل الكبير عندما يموت والده مثلا لا يعتبر يتيما, بينما إذا مات والد الأنثى في أي مرحلة عمرية كانت تتيتم, وتشعر بفقدان الظهر, ويترك غيابه أثراً غائرا في وجدانها!
ولهذا فإن المرأة تبحث في الزوج عن الأب, ولهذا نجد أكثر الزوجات تنادي زوجها ب “بابا”, وكما أن الطفل أناني في علاقته وحبه يريد والديه فقط له, فالمرأة أنانية في حبها, تريد زوجها فقط لها –وهذا بديهي-, ولكن أن تغير عليه من بناتها ومن إخوته الإناث, طبعا ليس كالغيرة من الغريبات/ الأجنبيات, ولكن هناك درجة من الغيرة موجودة, بينما لم يحدث أن غار رجل على زوجته من إخوتها الذكور أو من أبناءها الذكور!!!

ونكتفي بهذا القدر من التشابه بين المرأة والطفل, وتظل هناك أوجه تشابه أخرى مماثلة في الدرجة والقوة, وأخرى ضعيفة, مثل أن الطفل منطلق والمرأة كذلك, الأطفال يحبون الحلويات والشيكولاتة ونهديهم ونكافئهم بها والمرأة كذلك, الأطفال يحبون التمثيل والمرأة كذلك, يحبون سماع القصص والحواديت, والمرأة كذلك ولهذا تجذبها الأفلام والمسلسلات بدرجة أكبر من الرجال, ونظرة البراءة في عيون الأطفال والمرأة واحدة, والرجل يدعوه ضميره لمساعدة الطفل والمرأة ..
نعم قد تتبدل نيته لاحقا, ولكنه يظل يلوم نفسه أنه كانت هناك امرأة بحاجة للمساعدة ولم يفعل .. بخلاف لو كان المحتاج رجلا سليما!

ويظل هناك الكثير من التشابه بين المرأة والأطفال والذي يدل دلالة كبيرة على أن الطفل بداخل المرأة لا يزال حياً وأنه لا يزال محركا رئيساً رغما عن خطوب الدهر.

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

هل الفلسفة .. فلسفة؟…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.