قد يكون من المستغرب أن تناقش أحكام الوضوء في هذا الموقع , فأحكام الوضوء معروفة للعامي وللعالم , فما الجديد الذي سيضيفه الكاتب إلا إذا كان سيأتي برأي عجيب غريب ؟
ونطمئن القارئ أننا لن نأتي بالغريب العجيب وإنما سنعرض بعض الآراء المخالفة وسنحاول أن نرجح بعض الآراء التي اندثرت أو كادت مع أنها هي المطابقة لكتاب الله تعالى ,
وهذا ما سيحكم به القارئ نفسه إن شاء الله تعالى :
فإذا أردنا التعرض لأحكام الوضوء والتيمم أغنتنا آية واحدة وهي قوله تعالى : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة : 6] “
بداهة هذه هي آية الوضوء وكلنا نعرفها ونطبق أحكامها , ولكن آسفني جدا وجودها وذكرها دوما في مواطن الخلاف بين السنة والشيعة , فما وجدت أحدا من السنة يتكلم عن الشيعة إلا ويذكر هذه النقطة , أن الشيعة يمسحون أرجلهم في الوضوء ولا يغسلونها مثل أهل السنة , وهم يقولون بالمسح لأنهم أخذوا بقراءة الخفض في ” أرجلكم ” , أي أن أرجلكم تقرأ بكسر اللام لا فتحها ,
وطبعا عندهم أحاديث موجودة في كتبهم وكتبنا , يستدلون بها على وجوب المسح في الوضوء , وعندما قرأت توجيههم للمسح في هذه القراءة , وجدت أنهم يقولون أنه يجب المسح و أن الغسل لا يجوز حتى على قراءة ” أرجلكم ” بالفتح ,
وعندما قرأت توجيه فقهاء أهل السنة وجدتهم يوجهون القراءتين على وجوب الغسل وأن المسح لا يجوز , ولكل وجه في اللغة وظواهر روايات يستدل بها , فالذي أراه أن هذه النقطة لا يجب أن تكون مثار خلاف بين الفريقين تثار حوله المشاكل ويكون من العلامات البارزة بين السنة والشيعة ,
فمن رأى المسح فليمسح فهو رأي محترم مأخوذ من الكتاب والسنة واللغة وله مناسباته التي يكون فيها المسح مطلوبا , ومن رأى الغسل فليغسل فهو رأي محترم مأخوذ من الكتاب والسنة واللغة .
المسألة الثانية المترتبة على هذه الآية هي مسألة المسح على الخفين :
فنجد أن الشيعة والإباضية يقولون أنه لا يجوز المسح على الخفين لأن الآية أمرتنا بالمسح على الرجلين , ومن المعلوم أن الخفين غير الرجلين , وهم يردون الروايات الواردة في هذا الموضوع
إما على سبيل القول أنها موضوعة أو أنها كانت قبل نزول آية الوضوء , ويرون أن ما يقولون به هو الأحوط وأنا أرى هذا ايضا .
أما أهل السنة فيقولون : لا مانع أن تزيد السنة على ما في القرآن أو تخصصه !! , لذا فهم يقبلون هذه الروايات ويوجهون هذه الآية توجيها معينا حتى يجوز العمل بهذه الأحاديث , بجوار الآية .
والمسألة الثالثة : هي مسألة التيمم :
فمن المعلوم أنه يجوز التيمم في حالة السفر والمرض أو عند ملامسة النساء أو عند مجيء الغائط وعدم الماء , ولكن النقطة التي نود الإشارة إليها هي مسألة : هل يجوز التيمم في السفر مع وجود الماء ؟
الرأي الموجود تقريبا في كل جميع كتب الفقه أنه يجوز للمريض التيمم مع وجود الماء لأنه معدوم حكما في حقه , أما المسافر فلا يجوزون له التيمم إلا في حالة عدم الماء حقيقة أو حكما بأن لا يستطيع الوصول إليه أو الحصول عليه . ولكنا نرى أنه يجب على المسافر التيمم في حالة السفر حتى ولو وجد الماء ,
ولقد قال بهذا الرأي كما اعتقد الشيخ محمد الغزالي والشيخ محمد رشيد رضا ولكنهما قالا بالجواز ونحن نقول بالوجوب , أي أن المسافر يجب عليه التيمم في حالة السفر , وجد الماء أو عدم , وأنا أرى أن في هذا الحكم الكثير من التخفيف على الناس الذين يجدون مشقة في الوضوء في السفر على الرغم من توفر الماء , وغالبا ما يؤدي ذلك إلى ضياع الصلاة , فهم يرون أنه لا يجوز التيمم لأن الماء موجود , ولكنهم يتحرجون من الوضوء لأسباب عدة , فلا يتوضأون , وتضيع الصلاة ,
ولكن القول بالتيمم في السفر حتى مع وجود الماء رخصة عظيمة وتسهيل كبير , و لا يحق لأحد الاعتراض على هذه الرخصة فالله يخفف عنا في السفر الكثير من قصر في الصلاة إلى إفطار في الصيام إلى تيمم , فهل يوجد تخفيف أكثر من هذا , ولكن المشكلة أن الناس يرفضون ويشددون على أنفسهم , ولا حول ولا قوة إلا بالله .
المسألة الرابعة : حكم الوضوء .
أنا أعرف أن العنوان قد يبدو غريبا بعض الشيء , ولكن ألم يتوقف أحدنا ليسأل نفسه مرة هذا السؤال : ما حكم الوضوء ؟ أي هل الوضوء واجب لكل صلاة , أم أنه يجوز صلاة أكثر من صلاة بوضوء واحد ؟
الذي أراه والذي يبدو واضحا من النص هو أنه يجب الوضوء لكل صلاة , والدليل على ذلك قوله تعالى ” إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا ” , فهذا شرط وجوابه , إذا فيجب على الإنسان أن يتوضأ لكل صلاة ,
وهذا هو ما روي عن النبي ص من أنه كان يتوضأ لكل صلاة , ولكنهم قالوا أن هذا كان من خصوصيات النبي ( ص ) , ومن المعلوم أنه لا يمكن القول بالخصوصية بلا دليل , ولا دليل على ما يقولون , وهذا أيضا رأي بعض الصحابة في هذه المسألة مثل سيدنا علي رضي الله عنه , وقبل هذا كله هذا ما تقوله الآية .
وهذا ما أقوم به فأنا أتوضأ لكل صلاة , ولكن هناك حالتين يمكن فيهما صلاة أكثر من مكتوبة بوضوء واحد وهما :
1– حالة الجمع , أو صلاة السنن قبل أو بعد المكتوبة فهذه يمكن فيها صلاة أكثر من صلاة بوضوء واحد.
2- إذا لم يجد الإنسان الماء ولم يكن قد أحدث أو لامس النساء ففي هذه الحالة يمكنه أن يصلي بنفس الوضوء الماضي , أما إذا احدث أو لامس النساء ولم يجد الماء ففي هذه الحالة عليه التيمم .
لذا فيجب على الإنسان المسلم أن يحتاط لنفسه ويتوضأ لكل صلاة حتى على سبيل السنة , أليس هذا هو المأثور عن النبي الكريم والله أعلى و أعلم .
شاهد أيضاً
نقد رفض التعقل
من الأقوال المستفزة والمنتشرة بين العدميين –وأشباههم وأنصافهم- مقولة:“لا يوجد معنى في الطبيعة … نحن …