من الأقوال المستفزة والمنتشرة بين العدميين –وأشباههم وأنصافهم- مقولة:
“لا يوجد معنى في الطبيعة … نحن من نعطي الطبيعة وأحداثها معنى!”
وهذه المقولة نموذج للمقولة الصادقة الكاذبة في عين الوقت
والتي لا يلتفت قائلها “المقلد” إلى التبعات الكارثية لها!
وأبدأ بقولي:
يقينا إننا من استنطق الطبيعة! وإلا فإن الطبيعة “صاخبة صامتة”!
وهذا الاستنطاق هو فعل إنساني مستمر وهو السمت المميز الأكبر للإنسان فهو نتاج العقل .. والذي به أنتج الإنسان اللغة والكلام والفكر، وبدونه لن يكون الإنسان إنسانا!
وللتوضيح أقول:
يوجد في الطبيعة حيوانات .. مثل الأسد والزرافة والجمل والخروف .. الخ! ونباتات مثل الياسمين والنخل وأشجار .. الخ
وهذه الحيوانات لم تقل لك إن اسمها كذا، وإنما هي حيوانات ذوات أشكال وأصوات ونحن من أعطاها هذه الأسماء! ونفس الحال مع النباتات!
ولا يقتصر الأمر على الكائنات الموجودة وإنما يتعداه إلى الأعراض، فلم يقل لك اللون الأحمر إنه أحمر ولا الأخضر أنه عليك أن تسميه أخضر!
ولم تنطق الطبيعة لتقول لك: هذا كبير وهذا صغير وهذا مدور وهذا مثلث!!
وإنما من خلال تعامل الإنسان واحتكاكه بالطبيعة استخلص هذه النعوت، وقام بوضع تصنيفات لها مثل:
الأسد والحية “خطيران” والخروف والبقرة “مفيدان”، و اللحم المشوي المملح “لذيذ”، بينما الصبار جد “مر”.
ولأن “الغاية” من البديهيات العقلية عند الإنسان .. حيث أنه يفعل ل “هدف” … وليس لمجرد الفعل
ولأنها “معان/ تصورات” موجودة بداخل كل الناس العاقلين أوجد مثل هذه المفردات وغيرها: غاية هدف قصد نية.
لذا فإن رفض “المعنى” يعني!! بكل بساطة ومباشرة:
رفض العقل والأنسنة!! أن ننتكس إلى الحيوانية الصرفة!
لأنه لا فرق بين هذه العملية العقلية وما ذكرته من العمليات العقلية السابقة، فهي واحدة منها لا تغايرها في شيء!!
فلو قبلنا أن نتوقف عن إطلاق المعنى فعلينا أن
نتوقف عن تسمية الكائنات والأشياء، وإنما نكتفي بالإشارة إليها مع إطلاق بعض الصرخات التنبيهية!
ونتوقف كذلك عن إعطاء الأوصاف التجريدية مثل: إن هذا جيد!
هذا جميل وذاك قبيح!
هذا “أفضل” من الآخر!
ونكتفي بأن نتناول ما تصل إليه أيدينا من الطعام .. بدون طهي!
ثم نخلد إلى النوم في ذلك “الخرم” الموجود داخل “تلك الحاجة الكبيرة العالية“
(*لم نكن قد اخترعنا بعد مفردة: كهف ولا مفردة: جبل)