سورة الأحزاب …. تثبيت النبي والمؤمنين على حكم الله!

نواصل بفض الله العلي العظيم تناولنا لسور القرآن, بغرض إظهار الوحدة الموضوعية لها, ونتناول اليوم بإذن الله وعونه سورة الأحزاب, -والتي لا تعد من السور القصيرة- لنؤكد أن قولنا بالوحدة الموضوعية ينطبق على طوال السور كما ينطبق على قصارها!

أول ما نبدأ به هو إظهار الاتصال بين السورة والسورة السابقة واللاحقة, فنقول:
تبدأ هذه السورة بأمر النبي بالتقوى وبنهيه عن طاعة الكافرين والمنافقين, فإذا نظرنا في السورة السابقة (السجدة)

وجدنا أنها انتهت بأمر النبي بالإعراض عن الكافرين وعدم الرد على سؤالهم بخصوص زمن وقوع الفتح, وذلك كما جاء في قوله تعالى:
“وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٨) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (٢٩)فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (٣٠)”

إذا فالسورة السابقة انتهت بأمر النبي بالإعراض, وهذه ابتدأت بأمر للنبي بتقوى الله وعدم طاعة الكافرين والمنافقين!

فإذا انتقلنا لنهاية السورة وجدنا الرب العليم يقول:
يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (٦٣) …….. لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (٧٣)”
فإذا نظرنا في بداية السورة التالية (سبأ) وجدنا الرب يقول:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (٢) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٣) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤)”

فالناس تسأل عن الساعة, والله سيعذب المنافقين والمشركين, وهو غفور رحيم, وفي سبأ يقول أنه رحيم غفور, ويقول الكافرون أنه لا تأتي الساعة, والله جعلها ليجزي الذين آمنوا!

إذا نظرنا في سورة الأحزاب وجدنا أن موضوعها الرئيس هو:
لا استدراك على حكم الله, ففي أمره الفلاح, وعلينا الطاعة والإذعان مهما كان!

المنظور العام للسورة.
الناظر في السورة يجد أنها جلها تدور في فلك تأكيد أحكام سابقة اعترض عليها المعترضون من غير المؤمنين, وتبعهم من تبعهم!

فتبدأ السورة بأمر النبي بالتقوى والإتباع, ثم ترد على دعاوى الجاهليين, المقيمين والمصرين على أحكام الجاهلية بتبيان أحكام الأسرة الصحيحة وإظهار منزلة النبي الكريم.

ثم تأمر المؤمنين بتذكر نعمة الله عليهم والذي نصرهم بدون جنود وبدون قتال, بعد أن أصابهم ما أصابهم, فكما نصرهم بدون قتال سينصرهم ويحقق لهم الفتح, ولأنهم أطاعوا الله وصبروا وصدقوا جازهم الله بأن أعطاهم أرض اليهود الغادرين!

ثم تبين لأزواج النبي أن هذا الفتح لا يعني أن يغدق النبي عليهن, وإن كن يردن زينة الحياة الدنيا فليس مع النبي, فكونهن أزواج النبي يعني أن عليهن الإكثار من الطاعة ومن ذكر الله حتى يكن من المفلحين!

ثم تبين الآيات أن المؤمن ليس بالخيار أمام أمر الله فليس له إلا التنفيذ, وكذلك ليس على النبي حرج فيما يأمره الله به, فأمره هذا سنة الله مع السابقين وعلى النبي الإتباع, وعلى المؤمنين ألا ينسوا مرتبة النبي ومنزلته فهو ليس كواحد منهم.

ثم تعود السورة لتبيان أحكم الأسرة المتعلقة بالمؤمنين وبالنبي الكريم وبأهله, وكيف أنه لكونه النبي فُرضت له أحكام مخصوصة حتى يتفرغ للدعوة, وكذلك لكون نساءه أمهات المؤمنين فلهن أحكام مخصوصة!

ثم يتوعد الله أصحاب الألسنة المتقولين بإغراء النبي بهم, وبالعذاب, وينهي المسلمين عن تكرار ما يقوله هؤلاء الأفراد, فيؤذوا نبيهم فيصبحوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله! وإنما على المسلمين أن يقولوا قولا سديدا, لكي يغفر الله لهم, فالمسألة ليست هينة, فعليهم أمانة واجبة التأدية, فإن لم يفعلوا عُذبوا جزاء لهم على كفرهم أو نفاقهم, وإن تابوا غفر الله لهم!

ونبدأ عرض تناولنا التفصيلي للسورة والذي سيظهر الاتصال الواضح الشديد بين الآيات, والذي أضاعه المفسرون بسبب “تفسيرهم” لأول آية في السورة, والتي يمكن من خلالها, استكشاف الوحدة الموضوعية للسورة!

إذا نظرنا في أول السورة وجدناها تبدأ بقوله تعالى: ” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (١)”

والذي قال أكثر المفسرين فيه أنه أمر غير مسبب, فالله يأمر النبي الكريم بالتقوى وينهاه عن طاعة الكافرين والمنافقين لنلتزم نحن بذلك! فالنبي لم يفعل شيئا يستلزم هذا, ولكنه أُمر ليزداد في التقوى! ونُهي بدون سبب, ليكون دافعاً لنا –نحن المقصرين العاصين- للالتزام والإتباع!

والذين ذكروا وقائع كسبب لنزول هذه الآيات ذكروا روايات غاية في الضعف, لا علاقة لها بالسورة!

أما نحن فنربط الآيات والسور ببعضها ونقول:
نزلت أحكام العلاقات الأسرية في بعض سور القرآن, مثل سورة البقرة والمجادلة, وكان المسلمون يلتزمون بها, إلا أن الكافرين كانوا رافضين لهذه الأحكام, وكانوا يصرون على الأعراف التي نشئوا عليها
ومن ثم أتوا للنبي الكريم يطالبونه بالعدول عن أمر الله, وقبول الأحكام والأعراف التي يقولون بها, -وربما وعدوا النبي الكريم بالدخول في الدين إذا هو استجاب لهم, وربما هددوه- وجاء بعض المنافقين ليصدِّقوا على كلامهم, محاولين أن يلينوا جانب الرسول تجاه هؤلاء الكافرين, بترغيبه أو بترهيبه من هؤلاء.

فنزل الأمر من الله للنبي بتقوى الله, وبالنهي عن طاعة الكافرين والمنافقين, فالله كان عليما حكيما في تشريعه, ومن ثم فلا وزن لاعتراض معترض.

وأن عليه أن يتبع ما يوحى إليه من ربه, فهو خبير بما نعمل فلا يخفى عليه تنفيذنا, كما أن على النبي أن لا يهتم بهؤلاء الكافرين, وعليه أن يتوكل على الله, وكفى به جل وعلا وكيلا:
“يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (١) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (٢) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (٣)”

ثم يبطل الله العليم للنبي دعوى الكافرين المجادلين في تشريعات الأسرة, بقولهم بأن من شرع هذه التشريعات الجاهلية كان يختلف عن باقي البشر, بأن كان له قلبان[1] فيقول أنه ما جعل لرجل من قلبين في جوفه, وما جعل الأزواج أمهات وما جعل الأدعياء أبناء, ويبين أن هذا قول باطل, ويقدم البديل الحق, فيقول:

مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (٤) ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (٥)

ثم يشد الله من أزر النبي العظيم بتعريفه أنه والمؤمنون أسرة واحدة, فهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم, -فإذا مات منهم أحد وليس له وارث يرثه النبي, وإذا كان عليه دين يدفعه الرسول عنه- وأزواجه أمهاتهم, وأولوا الأرحام أولى ببعض في كتاب الله –كما جاء في سورة الأنفال-.

وليس هذا الأمر بالجديد, فهو كذلك إذ أُخذ من النبيين الميثاق, وأُخذ الميثاق غليظا, ليسأل الصادقين عن صدقهم, هل نفذوا المواثيق التي واثقوها مع الله, أما الكافرون فلهم عذاب أليم:

النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (٦) وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (٧) لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (٨)

وكما ذكّر النبي بنعمته عليه بأن جعله أولى بالمؤمنين من أنفسهم, يُذكر المؤمنين بأنه نصرهم على الأحزاب بأن أرسل عليهم ريحا وجنودا لم يروها, فنصرهم عليهم على الرغم من حالة الفزع التي انتابتهم عندما جاءت الأحزاب وكيف زلزلوا, وكيف نطق ضعاف الإيمان بتثبيط المؤمنين وكيف تهرب فريق منهم من هذا الموقف, على الرغم من أنهم قد عاهدوا الله من قبل:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (٩) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (١٠) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (١١) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (١٢) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (١٣) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَأَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (١٤) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (١٥)

ثم يأمر الله النبي بإعلام المؤمنين أن الفرار لن ينفع فليس في هذا النجاة, وأنه لا عاصم من الله ولا ولي من دونه ولا نصير, ومن ثم فعليهم الثبات, ثم يشد أزر المؤمنين بتعريفهم أنه يعلم المعوقين الناطقين بالسوء الجبناء أصحاب الألسنة الحداد, ومن ثم فعلى المؤمنين ألا يسمعوا لهذا الفريق, حتى لا تُحبط أعمالهم كما أحبط الله أعمال هؤلاء الذين لا نفع منهم تقريبا:

قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (١٦) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (١٧) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (١٨) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (١٩) يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (٢٠)

ثم يلفت نظر المؤمنين إلى الذين يجب عليهم الاقتداء بهم, فلقد كان في الرسول في ثباته في ذلك الموقف أسوة حسنة, ولقد تصرف المؤمنون كما ينبغي ونطقوا بالحق, وبفعلهم هذا صدقوا ما عاهدوا الله عليه, سواء نفذوا ما نذروه والتزموه أم لم, الشاهد أنهم ما بدلوا, ولثبات هؤلاء رد الله الذين كفروا بغيظهم, وكفى الله المؤمنين القتال ومكنكم من أنصارهم من أهل الكتاب وأورثكم أرضهم وديارهم جزاءً للمؤمنين على صبرهم وصدقهم الله عهده:

لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (٢١) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (٢٢) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (٢٣) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (٢٤) وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (٢٥) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (٢٦) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (٢٧)

وذِكْر الآيات التي تتحدث عن القتال وسط آيات السورة التي تدور جلها في فلك الرد على المعترضين على أحكام الأسرة هو لتثبيت المؤمنين وصدهم عن الميل إلى اقتراحات الكافرين رغبة في إيمانهم أو في دفع أذاهم, فيذكرهم الله أن الله نصرهم بدون قتال وأنعم عليهم بأرض لم يطئوها, فلا حاجة لهم إلى هؤلاء الكافرين.

كما أن فيه ردٌ لما جاء في السورة الماضية التي ذكرت سؤال الكافرين عن الفتح, فيقول الله أن الذي نصرهم بدون قتال قادر على تحقيق وعده!

وبعد أن تكلم عن الله أورث المؤمنين ما أورثهم, يؤمر النبي بتذكير أزواجه بأن كونهن أزواج النبي هو تكليف قبل أن يكون تشريفا, فليس معنى أن الله فتح على المؤمنين وأغنمهم من الغنائم الكثير أن يطالبن بالتقلب في نعيم الدنيا, فإن كنتن تردن الحياة الدنيا فسيسرحكن النبي
أما إن كنتن تردن الله والرسول والدار الآخرة فللمحسنات الأجر العظيم, ثم يبين لهن اختلافهن في الثواب والعقاب عن غيرهن, كما أنهن لسن كباقي النساء –إن كن متقيات, وليس لكونهن أزواج النبي فقط- فعليهن أن يراعين المنزلة التي هن فيها, وفي نهاية المطاف فالعبرة بالطاعة, فسواء كان المطيع رجلا أم امرأة فله المغفرة والأجر العظيم, لأنه ليس للمؤمن خيار إلا الطاعة:

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (٢٨) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (٢٩) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (٣٠) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (٣١) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٣٢) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (٣٣) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (٣٤) إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (٣٥) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (٣٦)


ثم يذكر النبي بموقفه من زيد وكيف أنه كان يأمره بإمساك زوجه, لأنه يخشى كلام الناس واتهاماتهم له, وكيف أن الله زوجه إياها بعد أن طلقها زيد[1], وأنه ليس عليه حرج فيما فرضه الله, فلقد فرض مثل هذا لمثله من الأنبياء, الذين عليهم أن يبلغوا رسالات الله ولا يخشون أحدا إلا الله, ثم يرد على القائلين بأن محمدا جعل ابنه يطلق ليتزوجها, بالقول بأنه ما كان أبا لرجل منهم حتى يقال ذلك, فهذا قول بالباطل, وإنما هو رسول الله وخاتم النبيين!

وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (٣٧) مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (٣٨) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (٣٩) مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (٤٠)

ثم يأمر الله المؤمنين بذكر الله وتسبيحه لأنه أنزل إليهم وحيه ليخرجهم من الظلمات إلى النور[2] وبذلك سيكونون من أصحاب السلام ولهم الأجر الكريم الذي أعده لهم, ومن ثم فلا ينبغي الالتفات لغير وحي الله!

كما يذكر النبي الكريم بدوره وأنه أُرسل لكذا وكذا, ومن ثم فعليه ألا يطيع الكافرين والمنافقين وألا يهتم بأذاهم –وهو الكلام الذي قالوه وسيقولونه بشأن زواجه- وأن يتوكل على الله- ثم يؤكد للمؤمنين أنهم ليس لهم على أزواجهم اللائي لم يدخلون بهن عدة, وإنما لهن المتاع:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٤٢) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (٤٣) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (٤٤) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٤٥) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (٤٦) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (٤٧) وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (٤٨) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [3](٤٩)

ثم يُعرف النبي الكريم بأحكامه مع نساءه وكذلك يعرف المؤمنين بأحوالهم مع بيوت النبي ومع أزواجه, كما يعرف أزواجه بأحكامهن في الظهور والاختفاء:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (٥٠) تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (٥١) لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (٥٢) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (٥٣) إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (٥٤) لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آَبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (٥٥)

ثم يقول الله للمؤمنين أنه ليس فقط يصلي عليهم, وإنما هو وملائكته يصلون على النبي, -فهو على هداية في كل أحواله- ومن ثم فعلى المؤمنين أن يصلوا عليه بأن يقولوا له ما يريحه ويذهب غمه, ويخضعوا له الخضوع التام
أما الذين يؤذون الله ورسوله بقولهم أنها تشريعات غير صالحة أو محاباة لمحمد فملعونون, والذين يرمون المؤمنين بالباطل فقد احتملوا بهتانا وإثما
ومن ثم فعلى النبي أن يأمر النساء بالاحتشام في الثياب حتى لا يُتقول عليهم بالباطل, وهذه خطوة أولى فإن لم تنته تلك الأصناف الحقيرة لنجعلنك تتتبعهم متابعة شديدة كأنك ملاصق لهم, ومن ثم فلا يجاورونك فيها إلا قليلا! وسواء ظلوا أما رحلوا ففي أي مكان هم ملعونون! وهذه سنة الله مع المخالفين:
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٥٦) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (٥٧) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (٥٨) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (٥٩) لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (٦٠) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (٦١) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (٦٢)

وكما خُتمت السورة الماضية بالسؤال عن الفتح يذكر هنا سؤال الناس عن الساعة ويرد عليهم, -وتأتي السورة التالية كاملة: سبأ, في الرد عليهم وفي التفصيل بهذا الشأن- ويبين كيف أن قولهم هذا راجع لتحريض السادات لهم:
يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (٦٣) إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (٦٤) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (٦٥) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (٦٦) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (٦٧) رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (٦٨)

ثم ينهى المؤمنين عن ترديد كلام المنافقين والكافرين حتى لا يكونوا مثل الذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها, وعليهم أن يتقوا الله ليغفر لهم ويصلح لهم أعمالهم, فالإنسان بطبعه ظلوم جهول في حمل الأمانة ولكن مع تقوى الله يعينه وييسر له حملها ليؤديها على أكمل وجه, وهذه الأمانة كانت لتميز الناس وتفرقهم, فيكون منهم المنافقين والمشركين المعذبين والمؤمنين الذين يتوب الله عليهم إذا أخطئوا في أعمالهم:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى[4] فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (٦٩) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (٧١) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (٧٢) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (٧٣)

وكما رأينا فالسورة كلها تؤكد المعنى الذي ذكرناه ويمكننا اختصار السورة كلها في أغراض محورية وهي تثبيت النبي والمؤمنين على حكم الله والنهي عن طاعة الكافرين -لأي سبب كان- فالله قادر على نصر المؤمنين في أي حال كان, وإنزال أحكام خاصة بالنبي وأهله –كتكليف مقابل لتشريف المنزلة- وتأكيدا على عدم إقامة أي وزن لاعتراض ورفض الرافضين, وعلى المؤمنين ألا يلتفتوا بحال إلى تشكيك المشككين, فالله ينزل شرعه ليخرجنا من الظلمات إلى النور, أما الكافرون وأتباعهم فلهم عذاب أليم بما كانوا يعملون!!

وفي الختام نورد بعض الأرقام المتعلقة بالسورة والتي قد تفتح لغيرنا فيها ما لم يفتح الله لنا فيها:
نلاحظ أن نداء النبي “يا أيها النبي” قد جاء في القرآن كله ثلاث عشرة مرة, منها خمس مرات في هذه السورة, لما فيها من تثبيت للنبي الكريم!

جاءت تركيبة “يا أيها الذين آمنوا” في القرآن 89 مرة, في هذه السورة 7 مرات!
لم تخاطب أزواج النبي إلا مرتين في القرآن في هذه السورة!
ورد 14 نداءً في السورة!
وردت كلمة النبي في السورة 14 مرة, والنساء 4 مرات.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته!

[1] يرى المفسرون أن المراد من قوله تعالى “فلما قضى زيد منها وطراً” أي لما فرغ منها,أي بلغ ما أراد من حاجته (الجماع) –بالعامية: أخذ غرضه منها! ولكن هذا قول غير مقبول ومتناقض مع الآية, فكيف يقال: عندما بلغ زيد غرضه من فلانة تزوجها آخر؟! هل تزوج زيد زينب ليضاجعها فقط, ولما وصل لهذا الغرض طلقها؟!

ولكي يتجاوز المفسرون هذه الإشكالية قالوا أن المراد أنه لم يعد له فيها غرض –وطلقها- فأضافوا كلمة “طلقها” من عند أنفسهم ليستقيم المعنى! وحتى هذا المعنى بعيد, فهل يقال للرسول الكريم, لما لم يعد لفلان غرض في زوجته زوجناكها! إن هذا مما يعيب أي إنسان, والمعنى الوحيد الذي يستقيم مع الآية ولا يسبب أي تقليل لقدر النبي هو أن يكون المراد من “قضى وطر” هو أنه فارقها/طلقها, وهو ما جاء عن بعض المفسرين!

[2] اختلف المفسرون في توجيه قوله تعالى “هو الذي يصلي عليكم” فقال بعضهم أن الصلاة بمعنى الرحمة! على الرغم من أن الله قال: “أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة : 157]”, فعطف الرحمة على الصلوات وهذا يقتضي التغاير
وقالوا أن الصلاة من الله رحمة ومن الملائكة استغفار! وقالوا أن صلاة الله على النبي هي الثناء عليه, أما نحن فنفهم أن الصلاة هي إنزال الوحي على النبي الكريم, بدليل أن الله قال أن صلاته ليخرجنا من الظلمات إلى النور, فإذا نظرنا في الآيات التي تتحدث عن الإخراج من الظلمات إلى النور وجدنا مرتبطة بإنزال الوحي: “يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [المائدة : 16]

فالله يهدي بالوحي ويخرج من الظلمات إلى النور, “الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [إبراهيم : 1]”, “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [إبراهيم : 5]”, “هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [الحديد : 9]”, فيكون الصلاة علينا أنه ينزل علينا هداية تخرجنا من الظلمات إلى النور.

[4] اختلف المفسرون في الإيذاء الذي أوذيه موسى, فقال بعضهم أنه لما مات هارون في التيه ادعوا على موسى أنه قتله ، فأمر الله الملائكة حتى مروا به على بني إسرائيل فعرفوا أنه لم يقتله ، فبرأه الله مما قالوا, وقال بعضهم –استناداً إلى رواية منسوبة إلى الرسول- أن بني إسرائيل كانوا يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض, إلا موسى فلم يكن يغتسل معهم, فقالوا: ما منعه أن يغتسل معنى إلا أنه آدر –كبير الخصية-, فكان يغتسل مرة فجرى الحجر بثيابه فجرى وراءه موسى حتى رآه بنو إسرائيل فأدركوا أنه غير معيب, ولما أدرك سيدنا موسى الحجر أخذ يضربه!!

ومنهم من قال أن هذا الإيذاء هو في عرض موسى, وذلك أن قارون استأجر مومس لتقذف موسى بنفسها على رأس الملأ, فلم تقدر على قول ذلك ونطقت بالصدق! وأميل إلى تصديق هذه الرواية أو إلى أن الأمر كان قريبا جداً من ذلك, فبغض النظر عن أن التوراة قالت بقريب من هذا:

وتكلمت مريم وهرون على موسى بسبب المرأة الكوشية التي اتخذها.لانه كان قد اتخذ امرأة كوشية. 2 فقالا هل كلم الرب موسى وحده.ألم يكلمنا نحن ايضا.فسمع الرب. 3 واما الرجل موسى فكان حليما جدا اكثر من جميع الناس الذين على وجه الارض 4 فقال الرب حالا لموسى وهرون ومريم اخرجوا انتم الثلاثة الى خيمة الاجتماع.فخرجوا هم الثلاثة. 5 فنزل الرب في عمود سحاب ووقف في باب الخيمة ودعا هرون ومريم فخرجا كلاهما. 6 فقال اسمعا كلامي.ان كان منكم نبي للرب فبالرؤيا استعلن له في الحلم اكلمه.

7 واما عبدي موسى فليس هكذا بل هو امين في كل بيتي. 8 فما الى فم وعيانا اتكلم معه لا بالالغاز. وشبه الرب يعاين. فلماذا لا تخشيان ان تتكلما على عبدي موسى 9 فحمي غضب الرب عليهما ومضى. 10 فلما ارتفعت السحابة عن الخيمة اذا مريم برصاء كالثلج. فالتفت هرون الى مريم واذا هي برصاء. 11 فقال هرون لموسى اسألك يا سيدي لا تجعل علينا الخطية التي حمقنا واخطأنا بها. 12 فلا تكن كالميت الذي يكون عند خروجه من رحم امه قد اكل نصف لحمه. 13 فصرخ موسى إلى الرب قائلا اللهم اشفها. 14 فقال الرب لموسى ولو بصق ابوها بصقا في وجهها اما كانت تخجل سبعة ايام. تحجز سبعة ايام خارج المحلّة وبعد ذلك ترجع. 15 فحجزت مريم خارج المحلّة سبعة أيام ولم يرتحل الشعب حتى أرجعت مريم.” ا.هـ

بغض النظر عن هذا فإن سورة الأحزاب تدور حول العلاقات الأسرية وخاصة علاقة النبي بالنساء, فيكون هذا مرجحا أن الإيذاء الذي رُمي به موسى عليه السلام كان متعلقا به كذلك!


عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

اجتهاد جديد غير مسبوق حول صدقة الفطر

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد وسلام على عباده الذين اصطفى، ثم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.