سورة فاطر وتزييف الأعمال

سورة فاطر سورة مكية تقول كتب أسباب النزول أنها نزلت قبل هجرة الرسول, وليس في السورة ما يشير إلى هذاوالذي يظهر من السورة أن المشركين كانوا قد قاموا “بخدعة التفافية” للثبات على الشرك, وذلك بتزيين سيئاتهم (أعمالهم الشركية وأعمال السوء) التي يقومون بها وإظهارها بمظهر الأعمال الصالحة, عن طريق بعض الاستدلالات الباطلة

كمقابل للأعمال الصالحة التي يقوم بها المؤمنون, حتى يظهروا أنفسهم بمظهر المتقين العابدين. كما كان بعض المشركين يثبتون بعضهم على الشرك! بالزعم أنهم سيحملون أوزارهم يوم القيامة, كما كان الرسول في حالة شديدة من التحسر بسبب عدم إيمان المشركين.

فأنزل الله سبحانه السورة ليقول للمشركين أن عليهم أن يعملوا شكرا (وليس مكرا) –وهذا هو المحور الرئيس الذي تدور السورة في فلكه- فهو وحده المنعم, وهم في حاجة إليه فالاستكبار عن شكره (والإشراك فيه) يعني الخسران ولن يستوي أصحاب العمل الصالح بالطالح أبدا فشتان بينهما.

والسورة بمثابة الامتداد للسورة السابقة, والتي دارت في فلك جزاء الشكر والكفر بالله, وكيف أن طاعة السادة والكبراء الآمرين بالكفر كانت سببا في الخسران, وهنا تعلم السورة الناس بافتقارهم إلى الله وتذكرهم بنعمه عليهم الواجبة الشكر, وأن الشكر لله يجب أن يكون حقيقيا خالصا وليس مصطنعا.


ونبدأ في تناول السورة لنبين كيف قالت بهذه المعاني:
بدأت السورة بتحميد الله خالق ومشكل السماوات والأرض الذي يجعل الملائكة رسلا أولي أجنحة *, وكيف أن خلقه غير ثابت فهو يزيد ما يشاء فهو على كل شيء قدير, فإذا فتح للناس رحمة فلا راد لها وإن أمسك فلا مرسل (فلا دور لشركاءكم الذين تتوسلون إليهم).
ثم يؤمر الناس بذكر نعمة الله –الذي ليس هناك خالق غيره يرزق- فكيف تؤفكون عن هذه الحقيقة الجلية؟! (وإن كذبوك يا محمد فليس هذا بالجديد والأمر إلى الله) وكذلك يُنهون عن الاغترار بالحياة الدنيا وبالغرور فوعد الله حق, ومن ثم فعليهم اتخاذ الشيطان عدوا (وليس وليا) فهو داعية إلى السعير (وليس إلى الهدى), فالكافرون لهم عذاب شديد والمؤمنون الذين يعملون الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3) -وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4)- يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7)

ثم ينهى الله الرسول عن إهلاك نفسه حسرات عن الضالين منكري البعث, مظهرا حكمته في فعله, فإذا كان ذلك قد رأى أعماله السيئة حسنة فماذا ستفعل معه؟ فالله عليم بما يصنعون (ومن ثم فهم مستحقون لما هم فيه), وهو سبحانه سينشر البشر كما يحيي الأرض الميتة بإرسال الرياح فتسوق السحاب إلى البلد المراد. ثم تبطل الآيات مبررات الشرك بتبيان أن العزة لله وحده


فلا حجة في الشرك ابتغاء العزة, فإليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه (أما الأعمال الطالحة السيئة التي يمكرونها فيظهرونها بمظهر الأعمال الصالحة فهي بائرة وسيعذب أصحابها), (والعلم بأعمال العباد يسير) فهو سبحانه خلقكم في مراحل عديدة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع وما يعمر من معمر ولا يُنقص من عمره ** إلا وهو مسجل عند الله سبحانه:

أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8) وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9) (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) ) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11)

(ثم يؤكد الله مسألة اختلاف الأعمال وجزاء أصحابها وأنه لا يستوي العمل الصالح بالسيء, بذكر نماذج على مشتركات متفقة في نواح ومختلفة في أخرى)

والبحران لا يستويان فهذا عذب فرات والآخر ملح أجاج وإن كان يخرج منهما لحما طريا وتمخر الفلك فيهما (ابتغاء فضل الله وكمحفز للشكر لله) الذي يولج الليل في النهار وبالعكس وسخر الشمس والقمر فهو سبحانه له الملك أما الذين تدعون فما يملكون حتى غشاء نواة البلح, وهم لا يسمعون دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا وسيكفرون بكم في اليوم الآخر.

ثم يذكر الله الناس بحالهم وأن الله ليس بحاجة إليهم وإنما هم من في حاجة إليه, فهم الفقراء والله هو الغني الحميد, وهم ليسوا بأعزة على الله فإن يشأ يذهبهم ويأت بخلق جديد, ولا تحمل نفس آثمة وزر أخرى (فلن يحمل بعضكم أوزار الآخرين) بل لو دعت نفس مثقلة إلى حملها فلن يستجيب لها أحد ولو كان المدعو ذا قربى (فكيف بغير الأقارب؟)

وإنذارك يا محمد هو نافع لمن يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة, ومن تزكى فلنفسه (وليس لله) والمصير إلى الله.
ثم تواصل السورة ذكر المتناقضات وكيف أنهما لا يستويان (فكذلك لا يستوي المشركون والمؤمنون) فلا يستوي كذا وكذا ولا يستوي الأحياء ولا الأموات 

والفيصل في هذا هو الله العليم (وليس أنت يا محمد) فهو يسمع من يشاء فأنت فقط نذير وإن يكذبوك فقد كذب السابقون فأخذتهم. إن مسألة اختلاف الأثر مع اتحاد المؤثر هو أمر مشهود معروف, فلقد أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها (فلا تحزن لعدم استجابة المشركين للقرآن وعدم تخوفهم من وعيد الله) فالعلماء فقط هم من يخشون الله بين عباده:

وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18) وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (25) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (26) ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)
_____________________
* لاحظ أن الله تعالى قال: أولي أجنحة (وليس: أولوا أجنحة) ومن ثم فهي صفة للملائكة المجعولة رسلا, فهل يُفهم من هذا أن الملائكة حال كونها رسلا (إلى الرسل) تكون أصحاب أجنحة وغير ذلك لا تكون!!! وعلى هذا الفهم: ما هو الجناح؟!

** الآية دليل على عدم ثبات الأعمار, ولقد عرضنا لهذا الأمر “هل الأعمار ثابتة؟” في موضوع مستقل في نفس القسم, فليرجع إليه من أراد الاستزادة.

ثم تعرض السورة بعد ذلك لأعمال المؤمنين المتاجرين مع الله والذين لن تبور أعمالهم (على النقيض من مكر أولئك الذي هو يبور) فتقول أن التالين لكتاب الله والمقيمي الصلاة والمنفقين ابتغاء وجه الله سيوفيهم الله أجورهم (ويرفع أعمالهم)

والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما سبقه من سور القرآن.
(والآيات من أول قوله تعالى: ألم تر أن الله أنزل من السماء … إلى: بصير, هي اعتراضية) فتعود الآيات بعدها إلى الحديث عن الأقوام الذين جاءتهم رسلهم بالبينات وبالكتاب المنير وكيف أن الله أخذ المكذبين ثم أورث الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فاختلفت أحوالهم بعد ميراث الكتاب

وهؤلاء سيدخلهم الله جنات عدن يحلون فيها من أساور وسيحمدون الله على ما أنعم الله عليهم, أما الكافرون فلهم نار جهنم, وسيصطرخون طلبا للخروج ليعملوا أعمالا غير التي كانوا يعملونها فلا يستجاب لهم لأنهم عُمروا وجاءهم النذير فلم يستجيبوا (وإنما غرهم الغرور):

إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) ) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35) وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)

ثم تبين السورة أن الله عالم غيب السماوات والأرض ومن ثم فهو عليم بما في الصدور, وهو جعلنا خلائف في الأرض, فلن يحمل أحد كفر أحد, وإنما الكافر عليه وزر كفره, ولن يجلب لهم هذا الكفر عند الله إلا المقت والخسار. إن ضلال هؤلاء واضح, وسلهم هل خلق هؤلاء الشركاء شيء أم لهم شرك في السماوات أم أنهم استندوا إلى كتاب من الله في هذا الشرك؟!

ليس لهم أي مستند ووعودهم التي يعدون بعضهم بعضا بها ما هي إلا غرور. إن الله وحده يمسك السماوات والأرض أن تتلاشيا ولو حدث فلن يستطيع أي مخلوق أن يمسكهما.

إن هؤلاء أقسموا –سابقا لمن قال لهم أنهم على ضلال- أنه لو جاءهم نذير ينذرهم عواقب أفعالهم السيئة لاستجابوا, فلما جاءهم ما ازدادوا إلى نفورا استكبار في الأرض ومكر السيء, ولن ينزل هذا المكر إلا بأهله, فما ينتظرون ليتأكدوا من ضلالهم؟ هل ينتظرون أن ينزل بهم العذاب؟!

إنهم ساروا في الأرض ورأوا عواقب السابقين لهم ولم يعجز الله شيء في الأرض ولا في السماوات فهو العليم القدير.
ثم تختم السورة بالرد على تلك الشبهة الواهية التي مفادها أنهم لو كانوا على ضلال لأهلكهم الله, بأنه لو يؤاخذ الله الناس –مباشرة- بما كسبوا لما ترك على ظهرها من دابة وإنما يؤخرهم إلى أجل مسمى, فإذا جاء هذا الأجل فإنهم لن يستأخروا ساعة ولن يستقدموا:

إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (38) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39) (قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا (40)) إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42) اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)
وبعد أن بينا للقارئ الوحدة الموضوعية للسورة ندعوه لقرائتها مرة واحدة, فسيفتح الله عليه فيها ما لم نذكره نحن, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

إستعاذة من إحباط الأعمال

سبحان الله الملكسبحان ربنا المدبرسبحان العلي الحكيمسبحان الرحمن الآمر بالقسطسبحان ذي الجلال والجبروتوالعزة والسلطان والملكوت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.