الشك

بعض “القارئين” -تقليدا لبعض الفلاسفة- يمدحون ويزينون لك:
“الشك”
وأنه ضروري لتحقيق المعرفة .. وبناء الذات والحضارة!!!!!!!

وأنا “أشك” في هذا الرأي!
بل أنا على يقين من عدم صحته!
وأؤكد لك أن الشك سيئ ومؤذ وضار
وأنك إذا وقعت فيه فلن تجد إلا المرار .. بينما أنت مطالب بالنظر وبالتفكر!

وقبل أن تسارع إلى الاعتراض وإلى رص أقول لفلاسفة ومفكرين -من تراثنا الإسلامي حتى- مثل أبي حامد الغزالي:
“من لم يشك لم ينظر،ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر يبقى في العمى والضلال.. فـ الشك أول درجات اليقين”

سأقوم أنا بالتوضيح قائلا:
هناك فارق بين الشك وبين النظر والتفكر!
فالشك والذي هو: التردد بين النقيضين بلا ترجيح لأحدهما على الأخر عند الشاك.. أو: هو ما استوى طرفاه، وهو الوقوف بين الشيئين لا يميل القلب إلى أحدهما..

فهذا مَرار كما قلنا، وهي مرحلة على الإنسان أن يتجاوزها، لا لأن يعمل على تكريثها ووضع غير المتساوين في منزلة واحدة.
بينما النظر والتفكر والتعقل هي المطلوبة!

وحتى لا يخطر ببالك أن الفارق “لغوي”، فنستخدم مفردة: النظر مكان الشك!
أقول:
ليس الأمر كذلك وإنما هناك فارق بين الاثنين!
فالشك مصحوب بسوء النية … يدفعك لفحص وتمحيص “كل” ما يقال لك!
وهو ما لا -ولن- تستطيع أن تفعله .. وهو وبال فعلا على من -س-يقوم به!

بينما “النظر” ينبع من موقف محايد، فإن كان في الكلام أو سياقه أو محتواه ما يستدعي التمحيص .. كمخالفة للمعقول أو للمعلوم المستقر أو أو … “تثبت” الإنسان وتبين .. حتى يصل إلى “يقين” بخصوص هذه المسألة، فإما أن يقبلها حاكما بصحتها، وإما أن يرفضها جازما بخطئها!
فإن لم يكن فيه ما يستدعي التمحيص .. تقبله الإنسان!
(وهذا القبول لا يعني التيقن .. وإنما “الظن” بصحته .. فهو مما لم يُمحص .. ولذا يكون لدى الإنسان في “منزلة بين المنزلتين” .. مقتربا من القبول .. فهو أقرب إلى القبول منه إلى الرفض)

إذا فالنظر مطلوب لإيجاد مساحة من اليقين -نابعة من فحص وتمحيص- تزداد لدى الإنسان مع إطالة النظر والتفكر، وهذه المساحة تصبح -لدى الإنسان مع تنوع الحوادث وتبدل الأحوال- قاعدة ومنطلقا لإطلاق الأحكام .. فتزداد قدرة الإنسان على إصدار الأحكام بنظرٍ وفكر أقل .. مما يترتب عليه هدوءً وسكينة .. وقدرة أعلى على مواجهة الحياة والتحكم في مقدراتها !

إذا فالنظر انطلاق من الواحد البسيط إلى الأعلى المركب المعقد … لتأسيس قاعدة وأسس للحكم، بينما الشك انتكاس يقيد الإنسان بوضعه كل شيء موضع البحث وهذا ما لن يجني منه الإنسان إلا المرار .. لأنه فوق طاقة الإنسان … وهو تكليف للنفس بما لا طاقة لها به!

ختاما:
استخدام الفلاسفة والمفكرين ل “الشك” في تعبيراتهم هذه لم يكن دقيقا، وكان من الأدق أن يستخدموا مصطلح: النظر والتفكر!
أو ربما كان هو حديثا عن حالة خاصة مروا بها، وحاولوا تجاوزها ..
ويقينا فإن هذه ليست هي الحالة “الطبيعية” التي -ينبغي أن- يواجه بها الإنسان الأفكار والتصورات.

بينالشكوالنظر

الفلسفة_التسييقية

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

حول الإيمانات

أخذوك معهم في جدالهم حول الإيمان، هل يزيد وينقص أم يزيد ولا ينقص.ولكنهم كلهم -تقريبا- …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.