من أشهر التهم المعلبة التي يرمي بها الملاحدة الأديان –بما فيها الإسلام- تهمة احتواء الأديان على الخرافة وأنه لا يمكن أن يجتمع الدين والعقل أبدا! فإذا أراد الإنسان أن يتمسك بالدين فعليه أن يتنازل عن العقل.
ونحن نقبل دعواهم هذه إلا في مسألة ضم الإسلام إلى باقي الأديان فالوضع في الإسلام عندنا جد مختلف, فليس عندنا في الإسلام خرافة أو معطيات مخالفة للعقل.
ونحن إذ نذكر الإسلام نقصد به القرآن الكريم والسنة التابعة له, أما ما زاد على ذلك فليس من الإسلام في شيئ!
ونحن نقر في أول المقال أن السنة –الموضوعة- تحتوي حقا بعض الخرافات والأساطير, وكذلك أقوال فلان أو علان من المسلمين ولكن هذه من المدسوسات التي دست على الإسلام فلا يستدل بها علينا, حيث أنه من غير المنطقي محاكمة الأصول إلى الفروع فهذا لا يقول به عاقل –كل الطاعنين في الإسلام يقولون به ولا يتحرجون!!-
فالقرآن لا يحتوي أي خرافة
ونحن إذ ندعي هذه الدعوى فإننا ندعيها من خلال دراسة وقراءة جيدة للقرآن, وجدنا فيه منهجا علميا صارما دقيقا, حتى أني أشعر في بعض الأحيان –ووالله إني لأجد هذا الشعور كثيرا- عند قراءتي للقرآن أني لا أقرأ كتابا دينيا وإنما أقرأ كتابا علميا! ثم أعود فأهز رأسي لأنفض هذا التصور البدائي الساذج المتأثر بالأقوال السائدة وأقول في قرارة نفسي: وهل ديننا إلى علم ودعوة إلى العلم وإعمال العقل. لذا فأنا أعجب كثيرا عندما أجد من يتهم الإسلام بمعاداة العقل وأنه لا يمكن أن يجتمع الإسلام والعقل أبدا!
ونقدم لك عزيزي القارئ نموذجا من دعاوى كبار الملاحدة الطاعنين في الإسلام لير بأم عينه كم هي سطحية متهافتة دعاويهم, وكيف أنها ستفند بإذن الله وعونه بسهولة وفي سطور قليلات لا تحتاج إلى إطالة! ونقدم لك عزيزي القارئ مقالة لكامل النجار, بعنوان: “النقيضان لا يجتمعان: الدين والعقل”
الحوار المتمدن – العدد: 1563 – 2006 / 5 / 27
“الإيمان بالأديان ما هو إلا تأمين على حياة المؤمن لضمان الخلاص من العذاب إذا صح ادعاء الأنبياء بأن هناك يوماً للحساب. فالشخص المؤمن كالإنسان الذي يشتري بوليصة تأمين على حياته، وعندما يموت، بدل أن يقبض أحفاده مبلغاً من المال، يأمل هو أن يقبض ثمار التأمين بدخوله الجنة وتفادي الحريق في النار.
ولكن الفرق أن الثمن الذي يدفعه الشخص المؤمن على حياته لشركات التأمين ثمنٌ بسيط ويُدفع على أقساط مريحة، بينما الثمن الذي يدفعه المؤمن مقابل بوليصة التأمين على حياته في الآخرة ثمن مبالغ فيه (!!!) وربما لا يكون العائد مساوياً لأقساط التأمين.
فالمسلم عليه أن يدفع أقساطاً عالية تتمثل في الصلاة خمسة مرات يومياً والحج والصيام والزكاة وتجنب جميع متع الحياة من موسيقى وغناء وخمر ومخالطة النساء أو حتى النظر إليهن. وبما أن هذه الثمن باهظٌ والمردود غير مضمون، حاول رجال الدين الإسلامي منع الناس من التفكير في احتمال أن لا تكون هناك قيامة ولا تكون جنة ولا نار. أو كما قال أبو العلاء المعري:
ما جاءنا أحدٌ يخبرأنه **** في جنةٍ مذ مات أم في نار
و وسيلة رجال الدين (ركز جيدا على كلمة رجال الدين هذه!) الوحيدة لمنع الناس من التفكير في الأقساط الباهظة التي يدفعونها لبوليصة التأمين هذه هي تغييب العقل والمنطق في الخطاب الديني. فالمنطق يقود صاحبة إلى الشك أولاً ثم إلى الحقيقة، ولذلك قال الفلاسفة إن الشك يقود إلى الحقيقة.
ولكن الخطاب الديني يمنع الشك بمنع الناس من التفكر في ذات الله وهل من الممكن أن يكون الله غير موجود؟ فالتفكير في ذات الله كفر يُعاقب عليه المسلم بتهمة الزندقة التي تقود إلى هلاكه.
والسبب طبعاً هو أن رجال الدين لا يملكون حُججاً يمكن أن تُقنع الإنسان المتعلم بوجود الله أو بصحة ادعاء الأنبياء بأنهم مرسلون من عند الله.
وإذا عجز رجل الدين عن الدفاع المنطقي يحاول الالتفاف على الآخر باتهامه بالزندقة لأنه لا يعترف بالشريعة.
وكمثال على منطق الخطاب الديني المعوج فقد أخرج مالك في الموطأ عن ربيعة قال: (( سألت سعيد بن المسيب. كم في أصبع المرأة؟ قال: عشرة من الإبل. قلت: ففي أصبعين؟ قال عشرون. قلت ففي ثلاث؟ قال: ثلاثون. قلت ففي أربع؟ قال عشرون. قلت: حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها (أي: ديتها ) فقال سعيد: أعراقي أنت؟ فقال ربيعة: بل عالم متثبت. أو جاهل متعلم. قال سعيد: هي السنة يا ابن أخي )).
فنلاحظ هنا غياب المنطق كلياً. فدية اصبع المرأة عشرة من الإبل ثم عشرون في اصبعين ثم ثلاثون في ثلاثة أصابع ثم ترجع إلى عشرين إذا فقدت أربعة أصابع. والسبب في هذا المنطق المعوج هو مذهب سعيد والحجازيين أن دية المرأة كدية الرجل حتى تبلغ الثلث من ديته، فما زاد عن الثلث تكون فيه ديتها نصف دية الرجل،
(وبما أن دية الرجل المقتول مائة من الإبل، فأقصى ما تكون دية المرأة ثلاثين. وما زاد عن ذلك تكون ديتها نصف دية الرجل. وبما أن دية الرجل الذي يفقد أربعة أصابع هي أربعون من الإبل تكون دية المرأة التي تفقد أربعة أصابع عشرين من الإبل) وذلك لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى تبلغ الثلث من ديته )
ونلاحظ هنا أن سعيد بن المسيب لما أعجزه الرد المنطقي سأل السائل إن كان عراقياً، لأن أهل العراق كانوا معروفين بمحاولة إخضاع الدين للمنطق كما فعل المعتزلة الذين كان أول ظهورهم في العراق. ولما أجابه الرجل بأنه إما عالمٌ لا يقبل رد سعيد وإما جاهل يريد أن يتعلم، أجابه سعيد ب “إنها السنة يا ابن أخي”. والذي يخالف السنة ملحد.
والغالبية من الذين يؤمنون بالأديان، خاصة الدين الإسلامي، يصبحون كالروبوت الذي يتحكم فيه المبرمج بواسطة شرائح الكومبيوتر فيفعل الروبوت كل ما يطلبه المبرمج دون الحاجة إلى عقل أو تفكير.
فمثلاً عندما جاء محمد وقال إنه مرسل من عند الله آمن به الأنصار أولاً ثم بقية العرب ولكن عندما جاء ثمامة بن حبيب أبو مروان بنفس الادعاء في اليمامة وجاء بقرآن يشبه قرآن محمد، اتهمه محمد بالكذب على الله رغم أن بني حنيفة آمنوا بثمامة، تماماً كما آمن أهل المدينة بمحمد.
والمسلمون لم يناظروا ثمامة في محاولة لمعرفة الحقيقة، إنما سموه “مسيلمة الكذاب” و لجئوا إلى السيف والقتل للظهور على دينه حتى لا ينافس الإسلام. فأرسل أبو بكر خالد بن الوليد على راس جيش عظيم ليحارب بني حنيفة ونبيهم، فقُتل من المسلمين حوالي ألف ومائتان، منهم أربعمائة وخمسون من حفظة القرآن (شذرات الذهب، ج1، ص 23).
وقُتل من بني حنيفة سبعة آلاف بعقرباء ومثلهم بالحديقة وفي الطلب نحو ذلك (الكامل في التاريخ، ج2، ص 222). أي قُتل من بني حنيفة ما يزيد عن عشرين ألف رجلٍ.
فلا بد أن الذين آمنوا بمسيلمة كانت أعدادهم لا تقل عن الذين آمنوا بمحمد. ولكن لأن أتباع محمد انتصروا وقتلوا مسيلمة، حرّفوا قرآنه وسموه مسيلمة الكذاب ثم طمسوا قرآنه نهائياً. والمنتصر دائماً يكتب التاريخ الذي يمجده ويمحو الآخر. ونفس الشيء كاد أن يحدث لمحمد وأتباعه في موقعة “أُحد” عندما دعاه المكيون كذاباً وشجوا وجهه وكادوا أن يقتلوه. ولو نجحوا لما قامت للإسلام قائمة. ومع ذلك يشهد مسلم اليوم “أن محمداً رسولٌ الله” وأن مسيلمة كذاب، رغم أنه لم ير أي منهما ولم يقرأ قرآن مسيلمة. لكنها البرمجة العقلية.
وتكتمل برمجة أدمغة المسلمين لدرجة أنهم كلما ذكروا محمداً قالوا “صلى الله عليه وسلم” بطريقة مملة ومليئة بالتكرار، وقد تتكرر عشرة مرات في فقرة واحدة. فما المقصود بهذه العبارة؟ فإن القرآن يقول لنا “إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما” (الأحزاب 56).
فإذا قلنا صلى الله عليه وسلم، إما أن تكون كلمة “صلى” فعل ماضي تخبرنا أن الله قد صلى عليه، وإما أن تكون كلمة رجاء نطلب بها من الله أن يصلي عليه. ولكن الله قد أخبرنا مسبقاً أنه وملائكته يصلون على النبي، فلماذا نطلب منهم أن يصلوا عليه كلما ذكرناه ونحن نعرف أنهم يصلون عليه؟ فهل يجلس الله وملائكته طوال اليوم في انتظار أن نذكّرهم أو نطلب منهم أن يصلوا على النبي؟
وبعد موت محمد جعل المسلمون نبيهم كالإله وأسبغوا عليه معجزات تسيء إلى عقل الطفل دع عنك أي شخص عاقل يؤمن بالمنطق.
فرغم أن القرآن كرر في عدة آيات أن محمد ما هو إلا بشرٌ مثلنا يوحي إليه ” قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلي” (الكهف 110).
ورغم أن القرآن قال إن الله لم يعط محمد آيات أي معجزات “وما منعنا أن نُرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون” (الإسراء 59).
رغم كل هذا امتهن المفسرون عقولهم وعقولنا وجعلوا لمحمد من الآيات ما يفوق آيات موسى وعيسى معاً. فقالوا: “فكان لا يمر بحجر ولا شجر إلا سلم عليه وسمع منه، فيلتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه، وعن يمينه وشماله، فلا يرى إلا الشجر وما حوله من الحجارة، وهي تقول: السلام عليك يا رسول الله.” (أسد الغابة في تعريف الصحابة لابن الأثير، ج1، ص 22). و
“من معجزاته أن الماء نبع بين أصابعه أكثر من مرة”.
فإذا علمنا أن آية التيمم نزلت لأن عائشة أضاعت عقداً لها كان الجمل قد برك عليه، فتأخر القوم عن الرحيل وظلوا يبحثون عن العقد إلى أن غابت الشمس ولم يكن معهم ماء للوضوء فأنزل الله آية التيمم، تيقنا أن المفسرين وكتاب السيرة قد أعطوا عقولهم والمنطق إجازة مفتوحة. فإذا كان الماء ينبع من بين أصابعه لماذا لم ينبع لهم ماءً ليتوضئوا به؟ أم أن الله أضاع عقد عائشة ومنع نبع الماء بين أصابعه حتى يجد سبباً لإنزال آية التيمم ليسهّل على المسلمين حياتهم؟
وبما أن المسلمين أصبحوا مولعين بالتأليه بعد أن ألّهوا نبيهم، فقد ألّهوا أصحابه كذلك وأصبح كل هم أهل الحديث هو سند الحديث عن طريق الصحابة المؤلهين حتى يصل إلى النبي.
فإذا استطاعوا إيجاد هذا السند كبروا وهللوا، ولا يهمهم بعد ذلك متن الحديث في شيء حتى وإن كان معارضاً لصريح القرآن.
ومن أمثلة هذه الأحاديث التي تجاهل الرواة متنها حديثاً رواه عبد الله بن عمر:
” عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: هَجَّرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية، فخرج رسول الله يُعرف في وجهه الغضب فقال: إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب”.
فالنبي هنا قد غضب ومنع الرجلين من الاختلاف في القرآن، ولكن نفس هذا النبي تبسم عندما جاءه عمر بن الخطاب مع رجل كان يقرأ في صلاته بآيات سمعها عمر من النبي بطريقة مختلفة.
وعندما أخبر عمر النبي بما حدث، طلب النبي من الرجل أن يقرأ الآيات وقال “هكذا نزل” ثم طلب من عمر أن يقرأ ما حفظ، ثم قال “وهكذا نزل”. ثم قال إن القرآن نزل بسبعة أحرف. فلماذا إذاً غضب من الرجلين الذين اختلفا في آية في الشارع ؟ ويؤكد هذه القصة الحديث المروي عن ابن مسعود: ” عن النزال بن سبرة قال: سمعت عبد الله بن مسعود قال؛ سمعت رجلاً قرأ آية سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافها، فأخذت بيده فأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : “كلاكما محسن ” قال شعبة: أظنه قال: “لا تختلفوا فإن من قبلكم اختلفوا فهلكوا “
فالمنطق يحتم علينا أن نرفض إما حديث عبد الله بن عمر ونقبل الحديثين عن عمر وعن ابن مسعود، أو نقبل حديث ابن عمر ونرفض الأخيرين. ولكن أهل الحديث أثبتوا الأحاديث الثلاث لأن المتن لا يهمهم بقدر الإسناد.
وبعض الأحاديث تتهم النبي بالجهل دون قصد من الراوي الذي يحاول تأليه نبي الإسلام،
فمثلاً نجد: ” أخرج أبو داود والدارقطني من حديث جابر قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلاً منا حجرٌ في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه : هل تجدون رخصة لي في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات. فلما قدمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أُخبر بذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: “قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العيِّ السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم، ويعصر أو يعصب على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده…”.
فمتن الحديث عليه عدة اعتراضات منها:
أولاً:
لا توجد أي علاقة بين غُسل الرجل وموته، فالرجل قد مات من ضربة الحجر على رأسه، وهذا من الأشياء المعروفة في الطب اليوم عندما يُصاب الإنسان بضربة على الرأس. فقد يظهر عادياً لفترة تتراوح بين دقائق وساعات ثم تظهر عليه علامات النزيف داخل الجمجمة ويموت إذا لم تُجر له عملية لإزالة الدم من الجمجمة. فلا علاقة للماء بموت الرجل، فكم من إنسان أصاب رأسه جرح واغتسل ولم يمت.
ثانيا:
إذا كان الرجل سوف يعصب خرقةً على رأسه ثم يغسل سائر جسده بالماء ويمسح على الخرقة، فليس هناك أي داعي للتيمم كما يقول الحديث إذ أن الغسل يُبطل التيمم.
ثالثاً:
قال النبي لماذا لم يسألوا أهل العلم، وهؤلاء الرجال كانوا على سفر عندما حدث هذا الشيء وسألهم صاحبهم وقت الصلاة هل يتيمم أم يغتسل، فأين لهم من يسألونه وهم في سفر؟ فالنبي هنا قد لعن أناساً أبرياء لمجرد إبداء رأيهم عندما سألهم صاحبهم وهم في الصحراء وليس لهم من مرجع يسألونه. فرواة الحديث اهتموا بالسند ولم يعيروا متن الحديث أي اهتمام فرموا النبي بالجهل لأنه ربط بين الغسل وموت الرجل الذي كان مصاباً في رأسه، واتهموه بالظلم لأنه لعن الأبرياء لمجرد إبداء رأيهم.
فالعقل يغيب عندما يدخل الإيمان صدور الناس إذ أن العقل والإيمان لا يجتمعان،
وقد قال القرآن: “ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه” (الأحزاب، 4).
وغياب العقل هذا هو الذي يجعل الإنسان يُضحي بالحياة الدنيا القصيرة ويدفع أقساطاً مبالغاً فيها للتأمين على الآخرة التي ربما لا تأتي.
وإذا غاب العقل اختفي الخوف عند الإنسان. والخوف غريزة زرعتها الطبيعة في الإنسان والحيوان للحفاظ على النوع، وبدون الخوف لا يهرب الإنسان ولا الحيوان من الخطر الذي قد يودي بحياته وبالتالي ينقرض النوع. وانعدام الخوف هو الذي أدى إلى ارتطام الطائرات التي كان يقودها الرجال المؤمنون ببرجي التجارة بنيويورك، وهو الذي يجعل المسلم الذي قد فخخ جسمه يقف وسط أناس أبرياء وهو يعرف أنه سوف يموت عندما يفجر حزامه وسطهم ولكنه لا يأبه لذلك لأن الخوف قد غاب عنه كما غاب عقله.” اهـ
وكما رأيت عزيزي القارئ فإن المقال من أول إلى آخره مليء بالتناقضات التي ينفي آخرها ما أثبته أولها, ومليء بالدعاوى الباطلة التي لا أساس لها من الصحة كما أنه يحتوي بعض الإثبتات والتأكيدات التي تثبت أن ديننا دين العقل وأن العقل والدين قد اجتمعا في الإسلام –على عكس ما يريد الكاتب أن يثبته من خلال مقاله-
وقبل أن نبدأ في نقد هذا المقال نطلب إلى القارئ العزيز أن يرجع إلى مقالنا ” أعمال العقل في القرآن” لير أي دين هو الإسلام وكيف أنه دين عقلي يدعو إلى إعمال العقل, وأنه هو الدين الوحيد في العالم الذي دعا إلى ذلك! فحتى الملاحدة أنفسهم الذين يتبجحون بالعقل يتفنون أيما تفنن في تعطيله ولكنهم يزينون أقوالهم وأفعالهم. ونبدأ بإذن الله في تناول المقال:
يبدأ النجار مقاله بالقول أن الإيمان بالأديان ما هو إلا تأمين على حياة المؤمن لضمان الخلاص من العذاب” ولست أدري ما الحرج في ذلك, إذا كنت أنت تقبل التأمين من أجل أخطار بسيطة أفلا يحتاط المرء من أجل مصيره كله!
والعجيب أن النجار يحصر الإيمان بالأديان في التأمين! مع أن كثيرا من المؤمنين بالأديان لا يؤمنون بوجود حياة بعد الموت! وكثير ممن يؤمنون بالحياة بعد الموت يؤمنون لأن الإيمان أقنعهم عقلا أو على الأقل وجدوا فيه راحة القلب!
فدعوى الكاتب الأولى ساقطة متهافتة! ثم يحاول الكاتب أن يفخم ويعظم الثمن الذي سيدفعه المؤمن –والذي تحول هنا إلى المسلم فقط دونا عن باقي الأديان-
فيقول أن الثمن الباهظ هو: ” الصلاة خمسة مرات يومياً والحج والصيام والزكاة وتجنب جميع متع الحياة من موسيقى وغناء وخمر ومخالطة النساء أو حتى النظر إليهن ”
فما أصعب الصلاة خمس مرات –والتي تريح النفس وتطمئن القلب!- وما أثقل الزكاة التي يعطيها الإنسان للفقراء, فحقا يجب على كل إنسان أن يكنز ماله لنفسه ولا يهتم بهؤلاء الفقراء الصعاليك وليذهبوا إلى الجحيم –معذرة: ليموتوا وليريحونا منهم فليس هناك جحيم- فليس لهم ضرورة في الحياة فما هم إلا كم زائد واجب التخلص منه! وكذلك ما أعسر هذا الصوم , لم لا نأكل ونأكل ونأكل حتى نموت من الشبع! أما مسألة تجنب جميع متع الحياة فلست أدري هل انحصرت متع الحياة في الموسيقي والغناء, فإذا كان الأمر كذلك فنعلمك أنه قد قال بحلهما من قدماء علماء الإسلام الكثيرون أشهرهم ابن حزم ومن المحدثين أكثر! –
وهناك فارق بين الغناء وبين تصرف ومظهر المغني أو المغنية, ومن يرم التفصيل فليرجع إلى موضوع الغناء على موقعنا ففيه تفصيل واسع للمسألة- .
ولا يبقى إلا الخمر والنساء فلا أجد للإسلام حقا عذرا في تحريم الخمر اللذيذة التي لا تؤذي المعدة ولا تذهب العقل! ولست أدري كيف يحرم الإسلام هذا الشراب الطيب المفيد! والأنكى من ذلك أنه حرم الزنا تصور! إن الإسلام يريد للإنسان ألا يصير حيوانا فيضاجع ما شاء من النساء! ولا يتتبع هذه الأجساد اللينة بعينيه , كم هو قاس هذا الإسلام؟!! ماذا ترك لنا من حيوانياتنا, هل يريدنا أن نكون أناسا عقلاء حكماء متزنين؟
حقا إنه دين غير منطقي!!!
صحيح أنه ترك لنا الكثير والكثير والكثير من المتع الحلال والتي تغني عن أي حرام ! حتى أنه قال ” هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا …. ” وقال ” أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ [لقمان : 20]”
ولكن أنى له أن يمنع عنا هذه المتع التي لا ضرر فيها! حقا كم ضيق علينا هذا الإسلام؟ إننا حيوانات ونريد أن نعيش كحيوانات , ما لنا وللعقل وللآخرين, فما استحق أن يولد من عاش لغيره. إن هذه شعارات يخدع بها أصحاب الأديان أتباعهم!!!!!!!!!
ثم يستدل النجار على دعواه ببيت يضحك الثكالى لأبي العلاء المعري والذي أتى فيه بنفس دعوى السابقين, حيث أنهم يريدون أن يعود لهم واحد من الأموات فيخبرهم! انظر أخي في الله إلى المستوى الفكري العقلي الراقي الذي يتكلم به الملاحدة! حقا كم نحن سذاج معاشر المسلمين!
ثم ينتقل السيد النجار ,والذي لم يقدم لنا حتى الآن أي دليل أو بينة على عدم اجتماع الدين والعقل, إلى مناقشة تصرف رجال الدين –وليس عندنا في الإسلام رجال الدين- أي العلماء! فيقول أنهم يفعلون كذا وكذا! ونتوقف لنسأل:
ما ذنب أو جريرة الإسلام إذا كان بعض –وليس كل- من تصدوا للدعوة له قد سلكوا مسلكا خاطئا هل ينسب فعلهم هذا إلى الإسلام أم أن الإسلام منه براء؟ بداهة الإسلام منه براء, حيث أنهم لم يسلكوا مسلكا قد سكت عنه الإسلام وإنما أتوا بما يخالف تعاليم وآيات الذكر الحكيم, فكيف نجعل فعلهم هذا من الإسلام!
أما مسألة منع التفكر في ذات الله فهو منع منطقي إذ كيف يتوصل الإنسان إلى ما ليس له به علم؟!
إن الإنسان لا يستطيع أن يتصور إلا ما رأى له مثيلا في واقعه, فإذا كان الله ليس كمثله شيء فكيف يتصوره الإنسان؟ لقد قدم الإسلام تصورا علميا لله عزوجل, أما المحاولة لجعل صورة لله فهي محاولة ساقطة لذا نهى الإسلام عنها. ثم يذكر لنا نموذجا على منطق الخطاب الديني المعوج, والمثال والحمدلله تعالى صادر عن بعض الأفراد الذين لا يحسبون على الإسلام فهم وأن كانوا علماء ولكنهم أفراد ليسوا بحجة وأما الحديث الذي استدل به فضعيف وسنده مشتهر بالضعف ولكنه يستدل به!
ثم يحاول أن يجعل كلامه عاما فيقول ” والغالبية من الذين يؤمنون بالأديان، خاصة الدين الإسلامي، يصبحون كالروبوت الذي ..” والعجيب أنه كاذب في دعواه هذه, فهذه الجملة وإن كانت صحيحة
ولكن يمكننا القول أن أتباع الدين الإسلامي هم أقل الاتباع إلغاء للعقل لظهور العقل وسيطرته على الدين! ثم يحاول أن يقدم دليلا تاريخيا على دعواه فيقول:
” ولكن عندما جاء ثمامة بن حبيب أبو مروان بنفس الادعاء في اليمامة وجاء بقرآن يشبه قرآن محمد، اتهمه محمد بالكذب على الله رغم أن بني حنيفة آمنوا بثمامة، تماماً كما آمن أهل المدينة بمحمد. والمسلمون لم يناظروا ثمامة في محاولة لمعرفة الحقيقة، إنما سموه “مسيلمة الكذاب” و لجئوا إلى السيف والقتل للظهور على دينه حتى لا ينافس الإسلام. فأرسل أبو بكر خالد بن الوليد على راس جيش عظيم ليحارب بني حنيفة ونبيهم، فقُتل من المسلمين حوالي ألف ومائتان، منهم أربعمائة وخمسون من حفظة القرآن (شذرات الذهب، ج1، ص 23). وقُتل من بني حنيفة سبعة آلاف بعقرباء ومثلهم بالحديقة وفي الطلب نحو ذلك (الكامل في التاريخ، ج2، ص 222). أي قُتل من بني حنيفة ما يزيد عن عشرين ألف رجلٍ.
فلا بد أن الذين آمنوا بمسيلمة كانت أعدادهم لا تقل عن الذين آمنوا بمحمد. ولكن لأن أتباع محمد انتصروا وقتلوا مسيلمة، حرّفوا قرآنه وسموه مسيلمة الكذاب ثم طمسوا قرآنه نهائياً. والمنتصر دائماً يكتب التاريخ الذي يمجده ويمحو الآخر. ونفس الشيء كاد أن يحدث لمحمد وأتباعه في موقعة “أُحد” عندما دعاه المكيون كذاباً وشجوا وجهه وكادوا أن يقتلوه. ولو نجحوا لما قامت للإسلام قائمة.
ومع ذلك يشهد مسلم اليوم “أن محمداً رسولٌ الله” وأن مسيلمة كذاب، رغم أنه لم ير أي منهما ولم يقرأ قرآن مسيلمة. لكنها البرمجة العقلية.” اهـ
وأنا أسأل السيد النجار: من أدراك أن القرآن الذي أتى به مسيلمة أو ثمامة كان مثل قراءن محمد؟ فإذا كان المسلمون أنفسهم لم يقرأوه وطمسوه فمن أدراك أنت أنه مثل قراءن محمد؟ يبدو أن السيد الفاضل أخذ آلة الزمن وعاد وحصل على نسخة منه قبل تدميرها بواسطة المسلمين! ومن أدراك أن المسلمين لم يروا وحيا في القرآن ورأوا خرافات في دعاوي الآخرين؟
إن السيد النجار يطلق دعاوى متناقضة في الهواء ولست أدري هل لاحظ تعارضه أم لم يلحظ؟ ثم يدعي أن المسلمين جعلوا الرسول كالإله, من أجل ماذا؟ من أجل دعواهم أنه أتى بالمعجزات على الرغم من أن القرآن ينفي ذلك, وهناك نسأل: أليس في هذا دليل على أن القرآن كتاب عقلي يخاطب العقل ولا يتكل بأي حال على المعجزات! أفلا يعد هذا دليلا على اجتماع الدين والعقل؟!
ثم يدعي أن المسلمين ادعوا أن محمدا أتى بما لم يأت به موسى وعيسى معا, ولست أدري أين قال المسلمون هذا؟ فإذا نحن أعرضنا عن الموضوعات فسنجد أن دعواه هذه كاذبة, وكل ما نسبه المسلمون إلى الرسول هو من باب الكرامات للنصرة وليس من أجل الإيمان! وإن كان بعض علماء المسلمين قد نزهوا الصحابة فهذا لا يصل بحال إلى التأليه ولا التقديس! نعم هناك علماء حديث قبلوا أحاديث معارضة للقرآن ولكن هناك من ردها فليس هؤلاء حجة على الإسلام!
ثم يختم النجار دعواه بقوله: ” فالعقل يغيب عندما يدخل الإيمان صدور الناس إذ أن العقل والإيمان لا يجتمعان، ”
وبعد هذه المقالة يعود فيكرر نفس المقالة التي يدور حولها من أول المقال ولم يثبتها بدليل واحد من القرآن! وانتبه إلى هذه النقطة فالنجار لم يأت بدليل واحد من القرآن وهذا أكبر دليل على سقوط دعواه! وهنا يأتي فيدعي أن العقل يغيب عند دخول الإيمان! ولست أدري ما هو الدليل؟ والعجيب أنه يدلل على دعواه بآية من القرآن تنفي اجتماع قلبين للإنسان (عقلين) وليس لها علاقة بالدين والعقل! وينهي مقاله بدعوى أعجب وهي قوله: ” وإذا غاب العقل اختفي الخوف عند الإنسان. والخوف غريزةزرعتها الطبيعة في الإنسان والحيوان للحفاظ على النوع،” ولست أدري كيف غيب الدين العقل, فهو لم يقل حتى الآن كيف! وهذه دعوى كاذبة فحتى المجنون تام الجنون يخاف النار ويخاف من السقوط في الهاوية!
وننهي نحن مقالنا بسؤال السيد النجار: لقد قلت أن الخوف غريزة, ونحن نسألك: من غرزها؟ أن تدعي أن الطبيعة هي التي زرعتها, وهذه دعوى كاذبة تثبت فيها العقل الواعي للطبيعة,
وأنا أقول لك: أنا جزء من الطبيعة فهل يعني هذا أني قبل أن أولد, أو الأشجار والحيوانات والأرض منذ مئات السنين غرست في الحيوانات التي ستولد شيئا اسمه غريزة! والطبيعة هي أرض وسماء وأنهار وآبار وأنا أسأل: من منها بالتحديد هو الذي غرز أم أنها هي التي غرزت,
وهل كان الجيل الأول من الحيوانات غير مغروز فيه أم كان فيه نفس الغريزة, وهو حتما جزء من الطبيعة, فمن غرز فيه وكيف غرز؟
إن الإجابة الواضحة البينة الجلية هي أن الذي غرس ذلك هو الله تعالى والذي قال في كتابه الكريم: ” قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى “ فالله هو الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى! أما نسب الفعل إلى الطبيعة فنسب عجيب عقيم لا يقول به إلا من لا عقل لهم.
إذا فكما رأينا فإن السيد النجار قد ادعى أن الدين والعقل لا يجتمعان ولكنه لم يقدم دعوى واحدة سليمة على قوله بشأن الإسلام من بناء الإسلام نفسه وإنما قدم كلاما متناقضا يثبت الإسلام ويقويه ويوضح أن دعاوى الملاحدة بشأن الإسلام دعاوى باطلة واهية لا تحتاج إلا إلى عرضها لتتهاوى من نفسها. ولكن هكذا هو دأب الملاحدة يدعون الحياد والعلمية ولكنهم يدعون إلى الفوضى والهمجية والانحلال.
غفر الله لنا وهدانا وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.
شاهد أيضاً
نقد رفض التعقل
من الأقوال المستفزة والمنتشرة بين العدميين –وأشباههم وأنصافهم- مقولة:“لا يوجد معنى في الطبيعة … نحن …