الاستثناء الغربي(المعظم)

عندما أتحدث عن “قضية” ما, أجد كثيرا من المتأثرين بالفكر الغربي في طريقة التفكير (والقائم في أحد أركانه على تعظيم بعض المستثنيات وجعلها ركنا رئيسا كباقي المكونات)
أجدهم يدخلون فيقولون الجملة الشهيرة:
هذا تعميم
ويوجد استثناءات لهذا التعميم!

ولو درسوا أصول الكلام لعلموا أن الأصل في التعميم هو “التغليب” وليس “الاستيفاء”
فعندما أتحدث عن قيمِ ما وسيادتها في مجتمع ما, فيقينا هناك قيم أخرى سائدة مؤثرة وليست هذه المذكورة فقط!!
وعندما أقول مثلاً:
الرجال يشتهون النساء أو النساء يشتهين الجَمال.
فيقينا هناك نسبة ما من الرجال لا يشتهين النساء ونسبة من النساء لا يهتممن بالجمال

والجملة لم تزعم أن كل الرجال أو كل النساء كذلك, ويمكن الاعتراض على مثل هذه الجمل عند وجود ما يفيد استيفاء المعنيين في الجملة, مثل:
كل أو جميع أو أسلوب الحصر
مثل: كل/ جميع الرجال يشتهون النساء.
ما من امرأة إلا وتشتهي الجمال.
ساعتها يمكن الاعتراض والحديث عن عدم صدق الجملة!

المشكلة عندي هي:
أن هؤلاء لا ينتبهون للأوصاف المحددة للتعميم!
فعندما أقول مثلا:
نسبة كبيرة من النساء المصريات يفعلن كذا
فإن الجملة تعني عند كثير منهم:
كل النساء المصريات!!
ولا ينتبهون إلى أن الحديث عن نسبة كبيرة (وليس الأكبر حتى, وهذا يعني أن الحديث عن نسبة هي أقل من 50 %), ومن ثم يكررون النهي المحفوظ:
هذا تعميم, الرجاء عدم التعميم!!
!!!!!!!

وكذلك مشكلتي معهم أنه ما من مجتمع يستطيع التعامل بدون تعميم, لذلك فإن مطالبتهم بعدم التعميم نوع من العبث!
إلا أن التوجه السائد في الغرب فرق بين أمور وأبرز الاستثنائي فيه, مطالبا بمعاملته مثل الأصل, ولم يفرق بين أمور أخرى -حتى الآن – وتركها كما هي مجموعة!!!
و اعتراض هؤلاء المعترضين -في الغالب- يكون على ما اعترض عليه الغرب
وسكوتهم عما سكت عنه!
بينما هم يعممون كذلك فيما لم يُنهوا عن التعميم فيه!

ولا مفر من التعميم,
وذلك لأن الأصل في كلام الناس التعميم.
ناهيك عن أن الظواهر البشرية والطبيعية متحركة متغيرة, لا يصلح معها الوصف العلمي الجامع المانع, لأنه بعد فترة قصيرة لن يصبح صالحا هو الآخر وسنظل دوما في حاجة إلى أوصاف جديدة.


ولا إشكال لدي مع عدم الدقة في الوصف, وذلك لأن الأصل في اللغة البشرية نفسها كلها, في المفردات هو “عدم الدقة”,
فليس الأصل: الحقيقة أو المجاز, وإنما “التعميم/ التغليب” أو عدم الدقة, فالمطالبة بالتوصيفات الجامعة المانعة أمر خيالي غير متحقق!

ولا يعني هذا أنني أدعو إلى إطلاق الأحكام على عوانها, وإنما أحبذ التدقيق وإضافة أوصاف مرنة مثل:
نسبة قليلة, نسبة كبيرة, النسبة الأكبر, الأعم الغالب .. الخ
وأختم بقولي:
أقر بأن أكثر البشر يطلقون أحكاما عامة غير صادقة, لأسباب عديدة, ولكن لا يعني هذا في عين الوقت أن “التعميم” نفسه كأسلوب هو أسلوب خاطئ.

الفلسفة_التسييقية

حول قواعدالفكر_والكلام

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

نقد رفض التعقل

من الأقوال المستفزة والمنتشرة بين العدميين –وأشباههم وأنصافهم- مقولة:“لا يوجد معنى في الطبيعة … نحن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.