حول شهوة المرأة

“الشهوة” كلمة سيئة السمعة في فكرنا العربي الشرقي, وإذا ما أطلقت فإن الذهن ينصرف تلقائياً إلى “الجنس”, والذي يحمل نفس السمعة السيئة!!
وإذا انصرف الذهن إلى المدلول الثاني للكلمة: “شهوة الطعام/ البطن”, فإن الصورة لن تتحسن, فهي كذلك من المذموم, باعتبارها علامة على ضعف الإرادة ودنو الرغبات وعدم العناية بالجسد,
وإن كانت لا ترتبط ب “الدنس”! فإذا قمنا بإضافة الشهوة إلى المرأة .. أصل كل الشرور, فقد تجاوزنا الحدود!! فلماذا الخوض في هذه المنطقة الحساسة؟!

وأجيب فأقول: لأنني مهتم كثيراً بطريقة تفكيرنا, كيف نفكر في القضايا المختلفة, وكيف ننطلق في تعاملنا معها من منطلقات متعارضة, بدون أن ننتبه إلى هذا التعارض
, رأيت أن أعرض لهذه المسألة, والتي هي مهمة ومحورية في حياة كل إنسان, وإن غضضنا الطرف عنها, واكتفينا بتكرار ما لدينا من أساطير بدون تمحيص, فأقول:


شاع في تراثنا العربي القديم أن شهوة المرأة (الجنسية) أقوى من شهوة الرجل بسبع أو تسع (أو تسع وتسعين) جزءً ولكن الله ألقى عليهن الحياء!! ونُسب هذا إلى الرسول العظيم!!!
وهذه النظرة راجعة إلى عدم قدرة الرجل على فهم المرأة, وأنها كانت –ولا تزال- ذلك المجهول!! وربما كانت هذه المبالغات راجعة إلى قدرة المرأة على ممارسة الجنس لفترة أطول ولمرات أكثر بدون استعداد جسدي مخصوص, بينما لا يستطيع الرجل أن يفعل هذا!
وربما كذلك لتفسير الرجال تزين المرأة, باعتباره طلباً –غير مباشر- للجنس!
ولأن التفكير في “الجنس” هو من الشواغل الرئيسة للرجال, قاموا بإسقاط هذه التصورات على النساء, ورأوا أن الجنس هو شاغلهن الشاغل!! ورغما عن أن الرجال يتداولون هذه الأساطير فيما بينهم, إلا أن الواحد منهم يعجب ويتضايق عندما تطالبه زوجته بممارسة الجنس, ويعتبرها “شهوانية قليلة الأدب”!! ويرى أنه من المفترض أن يكون هو المطالب!!
وعندما يبحث عن شريكة الحياة فإنه يبحث عن تلك الفتاة “الخام” التي لا تعرف شيئا عن هذه “الأمور”!! وإذا حدث وتفاعلت المرأة معه في الممارسة الحميمة بدأت تراوده الشكوك حول “خبرة” زوجته, وكيف عرفت هذه “الأمور”, رغما عن كونه رد فعل طبيعي, وهكذا لا يعرف الرجل هل هو يرد “حجرا” أم “إنسانة”؟!!


إن ما لا ينتبه إليه أكثر الرجال هو أن المرأة خضعت لنفس “المكون الفكري الثقافي”, ومن ثم فهي تفكر –بدرجة كبيرة- كما يفكر الرجال, وهي طريقة تفكير واحدة لا يمكن وصفها بالذكورية أو الأنثوية!! وتستخدم المفردات كما يستخدمها الرجال, وتتعامل كما يتعامل الرجال!! فالنساء لا ترى إشكالا مثلاً في أن تقول أنها “تحب” لاعب الكرة الفلاني أو الممثل العلاني –كما نقول نحن الرجال
– (ربما لا تقول هذا أمام زوجها, ولكنهن يقلن هذا فيما بينهن!), وهي تمزح مع زملاء الدراسة والعمل وتضحك, باعتبار أنهم زملاء دراسة أو عمل لا أكثر ولا أقل, كما يمزح الآخرون!! ولا يخطر ببالها أن هذه الأفعال تُفسر تفسيرا “جنسيا”!! وخاصة عندما تضع حدودا في التعامل مع الرجال!!
وكما أنه من الصعب جدا أن يخطر ببال واحد منا –من الرجال- عندما يخرج مع زميل له أنه يفكر في استغلاله “جنسيا”, نعم قد يفكر في أن زميله هذا يريد أن يستغله ماليا, أو كما نفهمها بلغة الأصدقاء “يستند” عليه مالياً, فكذلك الحال مع الفتاة, فلا يخطر ببالها أن زميل العمل أو الدراسة “الثقة” يفكر هذا التفكير!
أعلم جيداً أن الاثنين ليسا متساويين وأن الاحتمالية لا تكون مستبعدة تماماً عند الفتاة مع الشاب, ولكنها تكون احتمالية خافتة!! وإن حدث فإن التفكير يكون في أن هذا الزميل “يحبها”, ويرغب في الارتباط بها, وليس في “اغتصابها”!!


ونكتفي بهذا القدر من الحديث عن الشهوة الجسدية للمرأة, لننتقل إلى الحديث إلى شهوات أخرى لها, هي ذات درجة وأهمية أكبر عند المرأة, وهي المحركات الأقوى لها, وقبل أن نعرض لها نقول:
إننا كرجال لا نعرف إلا شهوتي البطن والفرج, ولا نعرف غيرهما ولا نتصور وجود غيرهما! ولكن المرأة تُظهر لنا أشكالا أخرى من الشهوات, مثل: شهوة الجمال! فالمرأة تشتهي الجمال فعلياً, بل يمكنني القول أن المرأة “تعبد” الجمال!!
ولهذا تُعنى كثيرا بالألوان والنسب والتناسق, وتعمل على زيادة درجة جمال الأشياء, ولهذا تقوم بتنظيم وترتيب وتنظيف المنزل –والذي هو الحد الأدنى من الجمال-, .. الخ, ولأن ال “أنا” عند المرأة حاضرة بارزة, وهي ترى نفسها أجمل ما في الطبيعة, فمن البديهي أن تسعى لزيادة جمالها, ولهذا تتزين المرأة وتتجمل لتزداد جمالاً على جمالها, ولتتفوق على غيرها من النساء الجميلات!! فتزين المرأة في المقام الأول للتفوق على “الأخريات”, وكذلك لجذب انتباه المحيطين, كما يريد الرجال أن يجذبوا الانتباه إليهم! وبطبيعة الحال هناك من تفعل هذا بنية الإثارة الجنسية! ولكن هذه دوما نسبة يسيرة!


وبالمناسبة فالمرأة عندما تتزين للرجال فإنها تريد بذلك أن تُشبع في المقام الأول شهوة أخرى وهي شهوة “الأذن”, فهي تريد بهذا أن تحصل في المقام الأول على “المدح” “الثناء” “الإطراء”, فهي تريد أن تسمع بأذنيها كلمات الإعجاب والوله من الرجل,
وهي بهذا تكون في موضع “الاستعلاء”, فالرجل هو من يتزلف إليها, وهو من “يدللها”, وهو من يطلب ودها, فهي المطلوبة وهو الطالب! وبعد أن يُقر الرجل –كذبا في الغالب هههه- بخضوعه وعلو المرأة وجمالها وتفردها, ترضى “الأنا” عند المرأة, وتتفتح وتصبح مستعدة لاستقبال الرجل وللخضوع له! ولا يعني هذا أننا ننفي أن للمرأة “شهوة جنسية” أو أنها تطلب الجنس بشكل صرف لذاته وليس لأي غرض آخر, فهي إنسان من لحم ودم, وليس هذا مما يعيبها بأي حال من الأحوال!!


ونختم بالشهوة الأكبر والأدوم والأكثر تأثيراً على المرأة وهي شهوة: الأطفال! نعم, فالمرأة تشتهي الأطفال! (ولا يعني هذا اشتهاء ممارسة جنس!!),
وإنما هو اشتهاء الشجرة للثمرة! فالنساء يحببن الأطفال, وهن في غاية الضعف أمام الأطفال ويلبين لهم طلباتهم ويصعب جداً عليهم الرفض (كما هو حال الرجل أمام المرأة الجميلة),
والمرأة تحلم بذلك اليوم التي تصبح فيه أماً, تنجب فيه طفلاً, وتعطيه حبها ورعايتها! وتأخذه في حضنها وتؤكله وتشربه! وهي تفعل هذا بحب وسرور! ورغما عن المعاناة التي تعانيها النساء في تربية الأطفال, إلا أننا نجدهن يرغبن في الإنجاب والإنجاب! ونحن معشر الرجال نتعجب من هذه الشهوة, ولكنها شهوة “الدور الطبيعي”, وهي أشد الشهوات!
فكما أن الرجل يظل يفكر طيلة عمره في الجنس, حتى بعدما يكبر! وذلك لأن دوره التلقيح! فكذلك فالمرأة تشتهي الأطفال وذلك لأن دورها “الإنجاب” و”الإرضاع”! لذلك نشكو كلنا بعد الزواج من اهتمام المرأة بالأطفال أكثر من اهتمامها بنا!
ولهذا تضحي كثير من النساء ب “حياتها” الجنسية مثلا بعد الطلاق, من أجل الاعتباء بأطفالها ورعايتهم! ولأن “الإطعام” من أبرز أشكال العناية, حتى أن المرأة تقدمه من جسدها في المرحلة العمرية الأولى للطفل “الإرضاع”, فإن المرأة تُعنى كثيرا بالطعام –وبتجميله- وبتوفيره.

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

حول إنكار العقل الغربي ل “النظام الكبير”!!!

في إحدى اللقاءات المطولة على اليوتيوب عن اللغة وفلسفتها، ذكر المتحدث رأي دو سوسير، القائل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.