نواصل بفضل الله وفتحه تناولنا لسور المرحلة المدنية لنبين ترتيب نزولها ومناسبات نزولها, ونعرض اليوم لسورة الجمعة فنقول:
سورة الجمعة مدنية بلا خلاف قالت كتب أسباب النزول أنها نزلت بسبب انفضاض المؤمنين عن الرسول الذي كان يخطب الجمعة بسبب قدوم قافلة من الشام, ولا مانع من وقوع هذه الحادثة
وربما كانت هذه هي الحادثة السابقة مباشرة لنزول السورة, إلا أنها لم تكن الواقعة الوحيدة, فالظاهر من نص الآيات أنه كان هناك تأخر عام في القدوم إلى الذكر, وأن الانفضاض عن رسول الله تكرر ولم يكن مجرد مرة واحدة (بدليل استخدام: إذا: وإذا رأوا .. وليس: لمّا, مثلاً)
ولم تحدد كتب أسباب النزول متى نزلت سورة الجمعة إلا أنه قيل أنها متأخرة النزول, لوجود رواية عن أبي هريرة تقول أن سورة الجمعة نزلت عليه وهم جلوس عنده (وهذا يعني أنها نزلت بعد السنة السابعة من الهجرة, السنة التي قدم فيها أبو هريرة للمدينة)
وبغض النظر عن الرواية فإننا نقول أن السورة متأخرة النزول جداً وأنها من سور العام الأخير من الهجرة! وأنها التالية نزولاً للحديد!
والتي كان فيها الأمر بالإيمان بالرسول الخاتم والتذكير بالميثاق المأخوذ مع أهل الكتاب بالإيمان به! وخُتمت السورة بالحديث عن النبوات والكتاب وعن فضل الله الذي يؤتيه من يشاء لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون .. وأن الفضل بيد الله.
وبعد نزول الحديد استمرت نسبة من اليهود في إيمانهم بما هم عليه وبدء حدوث تراخي من المسلمين في الالتزام بالصلاة الأسبوعية لتعارض ميعادها مع السوق, بل وتكرر انفضاضهم عن الرسول إذا رأوا تجارة أو لهوا!
فأنزل الله سورة الجمعة مؤكدا على ما ورد في سورة الحديد, من أن الفضل بيده يؤتيه من يشاء وهو آتاه الأميين هذه المرة فبعث فيهم رسولاً منهم, بينما الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا, فهم حملوها ولكنهم تهاونوا وفرطوا فأوكلت إلى غيرهم,
وهم الآن لم يعودوا أولياء الله فلقد انتقلت الرسالة وانتقل الفضل والتحميل إلى أمة أخرى! فإن زعموا الولاية فليتمنوا الموت!
ثم يُحث المؤمنون على الالتزام بذكر الله وعدم تقديم شيء عليه من بيع أو ما شابه وتأمرهم بالإكثار من ذكر الله (تذكر الحث على الذكر والتحذير من قسوة القلب الواردين في الحديد), حتى لا يكونوا مثل السابقين الذين حُملوا فتهاونوا ولم يحملوا!
وندعو القارئ لقراءة سورة الحديد ثم الجمعة فسيرى الاتصال بينهما جلياً.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4) مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته