سورة البينة … والتمسك بالباطل

اختلفت كتب علوم القرآن في مكية ومدنية سورة البينة, فقيل أنها مكية وقيل أنها مدنية, والمشهور أنها المائة أو المائة وواحد في ترتيب النزول, أي أنها من أواخر ما نزل من القرآن,

ونحن نقول بمثل هذا أيضا, لما فيها من علامات المرحلة الختامية من البعثة, حيث اللوم على التمسك بالباطل والحكم بالشرية على فريق والخيرية على الآخر والحديث عن مآلات كل فريق!

ولكنا نقول أنها المائة وعشر تقريباً, إلا ابن عاشور رغماً عن هذا جعلها في تفسيره: التحرير والتنوير! مما نزل في أواخر السنة الثالثة أو أوائل الرابعة من الهجرة, وذلك لأن الرواية تقول أنها نزلت بعد الطلاق وقبل الحشر!

ومن ثم فهي في هذا العام! ولست أدري كيف يستقيم هذا مع الترتيب المتأخر!

أما نحن فنقول أنها التالية نزولاً للجمعة وليس للطلاق! ففي الجمعة كان الحديث بعد التسبيح عن الرسول الذي يتلو الآيات ويزكي ويعلم الكتاب والحكمة, وعن الذين حُملوا التوراة ثم لم يحملوها وأنه بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله, وتنبيه للمسلمين حتى لا يتكاسلوا ويغفلوا فيصيروا مثلهم!

وهنا تؤكد البينة ما جاء في الجمعة, فتواصل الحديث عن الرسول وعن موقف الذين أوتوا الكتاب من البينة, فالرسول يتلو صحفاً مطهرة, لينفكوا مما هم عليه, (ولكن هذا لا يعني أنه سيٌرفع التفرق فسيبقى التفرق دائما!

فالبينة من ناحية تزيل الكفر ومن ناحية أخرى توجد اختلاف, لوجود البغي في القلوب ولرفض الحق وليس لسبب فيها نفسها) فالذين أوتوا الكتاب لم يتفرقوا إلا من بعد ما جاءتهم البينة, رغما عن أن التكليف لم يكن إلا لإخلاص العبادة لله وذلك دين القيمة!

فمن تمسك بما هو عليه من كفر من أهل الكتاب والمشركين (ولم ينفك رغم البينة) فهم شر البرية, والذين آمنوا وعملوا الصالحات هم خير البرية رضي الله عنهم ورضوا عنه.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)

والسلام عليك ورحمة الله وبركاته

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

نقد رفض التعقل

من الأقوال المستفزة والمنتشرة بين العدميين –وأشباههم وأنصافهم- مقولة:“لا يوجد معنى في الطبيعة … نحن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.