نواصل بفضل الله وفتحه تناولنا لسور المرحلة المدنية لنبين ترتيب نزولها ومناسبات نزولها, ونعرض اليوم لسورة الكافرون فنقول:
اختلفت كتب أسباب النزول في مدنية ومكية سورة الكافرون, إلا أن المشهور أنها مكية ومن أوائل ما نزل (الثامنة عشر نزولاً), أما أنا فأقول أنها مدنية ومن أواخر ما نزل مطلقاً, وأنها التالية نزولاً للبينة!
ففي البينة كان الحديث عن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين وكيف أنهم شر البرية, وأنهم ما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين وذلك دين القيمة, وفي الكافرون أتى التأكيد على ما كان في البينة بإعلان الانفصال التام الصريح عن هؤلاء!
فيؤمر الرسول بأن يقول للكافرين أنه لا يعبد ما يعبدون وأنهم لا يعبدون ما يعبدون وأن دينهم غير دينه.
والنداء ب: أيها الكافرون –والذي لم يرد في القرآن كله إلا في هذا الموطن– كان من أكبر المرجحات على أن السورة من أواخر ما نزل من القرآن, والذي سبب إشكالية كبيرة للمفسرين
إذ أنه لا يُقبل أن ينادى المخالف بالكافر, وبغض النظر عن الأدب والتلطف مع المخاطب فإنه من غير المعقول أن يقال للمدعوين للدين في مبتدأ الدعوة: أنتم لن تعبدون ما أعبد!! لكم دينكم ولي دين!! فمعناها صراحة أنتم لن تؤمنوا!! فلماذا يدعوهم إذا؟؟!
ناهيك عن أن معالم وأسس الدين لم تبن بعد ليُعرف هل سيؤمنون أم لا؟!
بينما يختلف الحال كثيراً في نهاية البعثة –حيث السور النازلة الباقية أقل من أصابع اليد الواحدة- وحيث لا تشريع ولا عقيدة جديدة ستضاف!! وبعد أن عاندوا ورفضوا الدين, والذي تم واكتمل, فتأتي هذه السورة مثل إخوتها والتي تحمل ملامح الختام.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)