المطالبة بالحقوق!

حديثنا اليوم بإذن الله وعونه عن سمة من أهم سمات الأحرار, وهي سمة المطالبة بالحقوق!
تلك السمة التي غيبت أو كادت في مجتمعاتنا العربية, وذلك لعموم وانتشار ثقافة تقديس الكبير! بدءً من الأسرة وانتهاء بالحكام والسلاطين !

فليس من الأدب أن ترد على والدك! وأن تعترض على الحكومة الراشدة هو بالتأكيد هدم للمجتمع وإثارة للفتن والقلاقل… وأن تطالب بجزء من حقوقك! (والتي هي في الأصل منّة منهم وليست حقاً لك!) اعتراض على قضاء الله وقدره, وضعف إيمان ويقين منك!

لذا فالحل هو أن تصبر وتصبر وتصبر! فنجد تواصٍ بالصبر على الظلم, بل والرضا به! فإذا كنت قد ظُلمت أو ضيع حقك, فعليك أن ترضى بذلك وتقبل, فهذا قدر الله, ومن ثم فعليك البحث عن غيره!

وينسى هؤلاء أن الصبر هو مرحلة انتقالية للتعامل مع ظلم لا يستطيع الإنسان رفعه أو تغييره! فليس مطلوبا أن نصبر حتى نهلك! وإنما إذا تهيأت الفرصة لتغيير المكروه وإبطاله, أصبح من الظلم للنفس أن يصبر الإنسان عليه ولا يسعى لرفعه!!

إن الفارق بيننا وبين المجتمعات الأخرى هو مثل الفارق بين أبوين, ربى أحدهما ابنه على الحوار والنقاش, وأن يطالب بما يراه صحيحا, وآخر استعلى على ابنه وقهره, وأقنعه أن عليه الطاعة العمياء له, وأفهمه أن المطالبة بالحقوق هو نكران للجميل, وعاقبه إذا طالب ببعض حقوقه!

فينشأ الأول على العزة والكرامة, تأبى نفسه الظلم ويسعى لرفعه, ويأتي الصبر في آخر تفكيره! أ
ما الآخر فينشأ على الخنوع والرضا بالدونية وإقناع النفس بالصبر …. وقد … يهمس مطالبا بحقوقه …. ثم يصمت إذا وجهت له النظرات القاسية … أو أُمر بالصمت!! على الرغم من أنه قد لا تنقصح الحجة والبرهان أو القوة للمطالبة بالحقوق!

وللمشائخ أيضا نصيب في إشاعة جو السكون والرضا وعدم المطالبة بالحقوق وذلك بخلطهم بين التسامح والحياء والاستكانة, فالحياء خير والتسامح خير …. ولكن لا يكون هذا هو الشعار الغالب للإنسان في كل حياته … وإلا فإنه غالبا ما يُضيع ويستهان به ويستباح!

كما أنه لا يمكن أن يكون الشعار الغالب في كل المراحل الحياتية للأمة!
ففي الفترة الراهنة التي تعاني الأمة من الوهن الشديد ومن تكالب الأعداء عليها … وتخطفهم إياها …. وتقسيمها …. وتشويه صورتها! … وإعلاء غيرها عليها!

وعندما يكون الحكم غير شوري, حكما استبداديا طاغيا … يُستعلى به على الشعوب … وتُخضع به لغيرها!

لا يمكن أن يكون الحال نفس الحال عندما تكون للأمة الكلمة العليا في العالم … وبشأن مقدراتها لوجود حكم شوري … يجعل الأمر بين الناس وللناس … تبعا لكتاب الله!

إننا كلنا نشتكي ونأن ونسخر من أوضاعنا وأحوالنا …. ولكن أصواتنا هذه في غير موضعها … فنحن نشكو إلى من يعاني مثلنا ونسخر أمام من لا حول له ولا قوة!
وإذا حدث وتشجع فريق وأخذوا في المطالبة بالحقوق وجدنا من المحبطين من يقول أنه لا فائدة … وأنه لا أمل في التغيير!! وأنه لن يسمع لك أحد أو يستجيب … وسيظل الوضع على ما هو عليه!!

لذا فإننا ندعو إلى أن ننفض عن أنفسنا أحمال وأوزار الخنوع والجبن! فنحن لا ندعو إلى أن يُضرب الناس أو يخرجوا إلى الشوارع –وهذا حق مشروع- وإنما فقط إلى عدم الرضا بالظلم! فطالب بحقك … واستمر في المطالبة … فما ضاع حق وراءه مطالب!

فإذا رأيتَ تقصيرا وسكت عنه, فاعلم أنك شيطان أخرس … لأنك رأيت الباطل ورضيت به, وسيأتي اليوم الذي يطالك فيه بعض من أهداب هذا الباطل!

وإذا حلمت بشيء فطالب به … واجمع حولك من يطالب معك به … فصوت الجماعة أعلى من صوت الفرد … وسيُسمع الآخرين به!

فعلينا أن نُسمع آباءنا والمسؤولين عنا وحكامنا, والعالم كله بمطالبنا ونعرفه بحقوقنا وحقيقتنا!

إن الناظر في أحوال الشعوب العربية والإسلامية يجد أنها كلها تتحرك في واد, وتحلم بأحلام معينة مشتركة …. ويتحرك القواد! في واد آخر! ويسعون إلى أهداف أخرى!

ثم يدعون بكل وقاحة وصلافة … أنهم ينفذون رغبات الشعوب وإرادتها …. وإذا صورحوا بأن الشعوب تريد شيئا آخر … رمونا بنقص الحكمة والدراية …. وأنهم أدرى بمصالحنا منا …. وأنهم لو تركونا لأوردنا أنفسنا موارد الهلاك والخسران!

لذا فمن الحتمي في هذه المرحلة ألا تكون مطالبنا في جلساتنا الودية … وإنما في النوادي العلنية … نطالب بها بشكل علني … نعرف الآخرين بما نريد … حتى لا يدعي بعض الأفاكون أنهم يسعون لتحقيق مطالبنا!

طالما أننا صامتون فستزور إرادتنا … ويُدعى لنا ما لا نريد, أما إذا تكلمنا فلن يكون أمام الآخرين إلا الخضوع لنا … أو الظهور بمظهر الرافض المعاند!!

إن الدول الغربية يدعمون الأقليات في بلادنا العربية والإسلامية ويمدونهم بالمال … والسلاح … ويوفرون لهم كل الوسائل الإعلامية … ليعلوا صوتهم بالصراخ والشكوى من الظلم الواقع عليهم من المسلمين … ومن ثم يطالبون بالاستقلال عن المسلمين الظلمة …. الخراف!!

فنجد مثلا أن المسيحيين المصريين أصبحوا هم الأقلية الحاكمة ذات المكانة, فلا يهان مسيحي في مركز للشرطة, ويعامل القسيس معاملة القديسين! بينما لا كرامة لمسلم ولا احترام لرجل الدين الإسلامي!!


وذلك لأنهم يصرخون في كل مطلب ويتجمعون لتحقيقه … ناهيك عن الاستقواء بالغرب … المهم أنهم يُظهرون أنفسهم بمظهر المظلوم الذي يسعى لرفع الظلم … على الرغم من أنهم كثيرا ما يكونوا هم الظالمين!!

وتُسخر كل وسائل الإعلام لتجعل من اللا حبة قبة!! وتصبح هناك قضية من لا شيء! وكل هذا لأنهم طالبوا وصمتنا ولم نرد ولم نظهر الحقيقة …. أو اكتفينا بمخاطبة أنفسنا بدلا من أن نخاطب غيرنا!!

علينا أن نقتل سلبيتنا هذه ونميت القناعة الراسخة بأنه لا فائدة, ونتحرك … وسينضم إلينا غيرنا … فهناك كثيرون في حاجة إلى من يبدأ الحراك وسينضمون إليهم … وطالما أننا جماعة فلا نخشى أي بطش … وسنجد تجاوبا … أما إذا ظلت المطالب والمساعي فردية …. فسيتجاوزونها بكل يسر!!

كما أن علينا أن نربي أبناءنا على الحوار وعلى المطالبة بالحقوق … فلا ننشئهم في بيوت ذات قيادة استبدادية ثم نعجب من هذه السلبية ومن كونهم مستضعفين بين الناس!!

فلنتكلم ولنعلي الصوت لنعيد الاتزان في مجتمعاتنا … لنجعل قادتنا مطالبين بما نريد نحن … لنغرقهم بالمطالب حتى لا يكون أمامهم الفرص والفرص لتحقيق المكاسب الشخصية … لنشعرهم بالتقصير … وأنهم ليسوا فوق المساءلة … وأننا نحتاج إلى الكثير والكثير … فبهذا يتغير حالنا … ونصبح نحن الأكثرية القوية … وليس قطيع الماشية الذي يقوده حكامه والأقليات والغرب إلى المذبح!!

فطالب الآن بحقك … وإلا فليس من حقك أن تصرخ فيما بعد من الظلم … وعليك أن تصبر حتى تموت!!
والسلام عليكم ورحمة الله!

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

الإنسان ليس مجبرا

جاءني سؤال يقول:هل الانسان مجبر عن البحث عن حقيقة الكون والغاية من الحياة، فقد يقول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.