سؤال حول الجنابة؟!

 سبق وتناقشنا مع الاستاذ ايهاب حسن عبده فيما يخص كلامه أن الجنابة ليست بمعنى المعاشرة الجنسية, وليس لها أي علاقة بالجنس أو الإنزال وإنما هي حالة يترتب عليها أن يبتعد صاحبها عن الناس وتمنعه من الاختلاط بهم! كالرائحة الكريهة أو أن يغطي البشرة التراب والأوساخ أو الجراثيم!

وضرب أمثلة للجنب ببائع السمك وعامل المنجم وعامل الكيماويات والمسلخ والعامل بالمجال المرضي!
المهم أن الجنب هو من يتجنبه الناس لشيء منفر فيه!!

كما قال أن الصعيد الطيب ليس هو الأرض أو ما خرج منها وإنما هو ما يصعد وينتشر مرتفعا, كما جاء في القرآن: ” إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ” ” كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء “,
ومن ثم قال أن الصعيد الطيب هو الروائح العطرية, لأنها تتصاعد وتنتشر في الجو بمجرد فتح القارورة!!
فنقول:  بطل بحثه الذي أطال فيه نقطتان, أولهما:
أن القرآن في حديثه عن الطهارة لا يقصد به إزالة الأوساخ المادية وإنما يقصد بها التنقية المعنوية من شيء ألم بالإنسان, ولو تتبعنا الآيات التي ورد فيها الطهر والتطهر في القرآن لوجدنا هذا الملحظ ظاهرا, ومن ثم فإن القول بأن الحديث عن الطهارة في آية المائدة:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة : 6]
فالقول بأن المراد منه تنظيف البدن قول مخالف لكل آي القرآن, وحتى الآية التي تحدثت عن تطهر النساء من المحيض هي مثل هذه الآية, فهو تطهر من حالة يكون عليها الإنسان, ومن المعلوم أن المحيض لا يوسخ جسد المرأة ولا يجعل الناس تنفر منها, وعلى الرغم من ذلك كتب الله على النساء أن يتطهرن بعد المحيض!

وكذلك هنا فلقد أمر الله أن يتطهر من كان جنبا بأن يغتسل:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً [النساء : 43]
والجنابة أمر معروف ولم يختلف العرب في فهمه, ومن ثم فإن التشكيك فيه لا معنى له! ثم إن الإنسان عابر السبيل قد يكون جنبا! فهل سيبيع المسافر سمكا أو يعمل في منجم أو في أي شيء يؤدي به إلى هذه الحالة؟!

ثم إن الحديث  عن تكرار الحكم “الجنب/ملامسة النساء” واتخاذه متكئا للقول بأن الجنابة غير ملامسة النساء, حديث لا معنى له! فليس هناك أي تكرار! فالجزء الأول من الآية يقول أن القائم إلى الصلاة يفعل كذا وكذا وإن كان جنبا يتطهر “يغتسل, كما في آية النساء”-

فهنا تفريق بين حالتي الإنسان مع وجود الماء, فحالة يتوضأ فيها وأخرى يغتسل فيها, أما عند عدم وجود الماء فسواء كان الإنسان هكذا أو هكذا فإن التيمم يكفيه ويغنيه فلا يشق على نفسه!!

ثم إن محاولته جعل الجنب بمعنى البعيد محاولة عجيبة! فلأن الجنب معروف وهو يدل على الاقتراب والعلاقة, وهذا يبطل مبحثه من أوله, جعل الجنب في الآيتين القادمتين بمعنى البعيد:
وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً [النساء : 36]
وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [القصص : 11]
وهو فهم عجيب لا ينهض له!

فإذا تركنا هذه النقطة وانتقلنا إلى النقطة الأخرى وهي مسألة الصعيد الطيب, وجدنا أنه قد اعتمد على بعض الأفعال الواردة في القرآن ولم يكلف نفسه البحث عن الكلمة, هل وردت في القرآن في مواضع أخرى وكيف استعملت! وهذا يسقط البحث كبحث!!

فإذا نظرنا في القرآن وجدنا أنه قد جاءت فيه كلمة “صعيد” أربعة مرات, مرتان متعلقتان بالتيمم, والأخريتان في سورة الكهف وهما قوله تعالى:
وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً [الكهف : 8]
فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً [الكهف : 40]
فهل سيجعل الله ما على الأرض مادة متصاعدة متطايرة, وكيف يكون هذا وهو سيكون جرزا خاوية بلا شجر ولا نبات؟ وهل كان صاحب صاحب الجنة يقول له أن جنته ستتطاير في السماء على الرغم من أنها ستكون زلقا؟!!

إن عملية التيمم هي عملية رمزية للتطهر, ومن ثم فإن حديث الأستاذ إيهاب عن وضع التراب على الوجه وكيف أنه أمر يستقذره الإنسان وقد يؤدي إلى إصابته بالأمراض العديدة حديث غريب! فلست أدري من قال أن التيمم يعني أن يمرغ الإنسان وجهه في التراب أو يهيل عليه التراب!

فكما يعلم أي طالب مبتدئ في العلم الشرعي أن المتيمم بعد أن يخبط يده في الأرض ينفضهما ببعضهما ثم يمسح وجهه بهما!! وحتى لو لم ينفضهما فماذا سيكون قد علق بيده من التراب؟!

إذا فالحديث عن الأمراض الناشئة من التيمم هو مثل الحديث عن خطوة المشيء في الشوارع لما فيه من الأتربة المتطايرة!

ثم كيف يتيمم الإنسان زجاجة العطر؟! هل نسى الأستاذ إيهاب معنى التيمم أصلا؟! لو كان الحديث عن العطر لما كان هناك حاجة لذكر كلمة التيمم ولكان الحديث مباشرة عن استخدامه!! ثم من هو ذلك المسافر الذي لا يجد الماء ويحمل زجاجات العطر, ثم هل كل الناس تحمل زجاجات العطر في جيوبها؟!!

إن الجنابة والتيمم والصعيد في لسان العرب والقرآن معلوم, ومن ثم فإن هذا الكلام المذكور في الملف الذي وضعت رابطه أخ أبو كريم لا يستحق أن يسمى بحال بحثا, فلقد استعمل صاحبه كل المفردات فيه على خلاف القرآن واللسان!
غفر الله لنا وللمسلمين والسلام عليكم ورحمة الله!!

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

التقديس لدرجة الهجران و التهميش

يقدس الناس في بلادنا العربية و الإسلامية الدين أيما تقديس و هذا أمر حميد في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.