من الأقوال التي تثار مرارا وتكرارا ويركز عليها كثيرا غير المسلمين هي مسألة المتاع الحسي للجنة! فيقولون: هل يكون جزاء الإنسان بعد كل سعيه في الدنيا هو هذا الذي تقدمونه في القرآن من أكل وشرب ووطء للحور العين فقط! هل هذا هو غاية الإنسان وأقصى ما يرنو إليه؟!
إنه لمن الجلي الواضح أن محمد كان يثير حماس أتباعه بهذه التصورات البدائية! التي لم تعد تناسب عصورنا ولا عقولنا, فإذا كان محمد قد خدع بها الأوائل فلن تخدعنا هذه التصورات الساذجة!
لذا فنبدأ متوكلين على الله تعالى في تفنيد هذه الأقوال ليرى القارئ الكريم أنها كلها ما هي إلا زخرف من القول مخالف للعقل وللمنطق!
إذا نحن نظرنا إلى منطلقات القائلين بهذه الأقوال نجد أنها لا تخرج ولا تزيد عن منطلقين إثنين, وهما:
لا يوجد إله ولا توجد حياة أساسا بعد الموت وكل هذا تدليس في تدجيل , أما المنطلق الثاني فهو أنه ينبغي للإنسان بعد الموت أن يكون روحا ويعيش عيشة الملائكة.
فأما الظانون بأنه لا يوجد إله فالأمر عندهم سيان سواء كانت الجنة متاعا ماديا أو روحيا, فكل هذا بالتأكيد من عند محمد ! فلو قال أن المتاع روحي لقالوا: هل يعقل أن يكون جزاء هذا الإنسان الذي مات وهو مطبق للشريعة ومضيق على نفسه وحابس نفسه عن الشهوات أن يصير روحا كالملائكة!
إذا لقد نال من تمتع بالدنيا نصيبا أفضل منه بانتفاعه بشهوات الدنيا! إذا فالمسألة بالنسبة للمكذب هي مسألة تكذيب واستهزاء وعناد لأن المسألة من الأصل مرفوضة لديه أما إذا قال: لا , فعلا أن أرى أنه إذا كانت هناك حياة بعد الموت فمن الأولى أن تكون حياة روحية! فننتقل به لنضعه في طائفة القائلين بالحياة الروحية بعد الموت ونرد على كلا الصنفين قائلين:
إن قولكم أن الحياة ينبغي أن تكون روحية بعد الموت متأثر بكتبكم , فلقد ورد في الإنجيل مثلا ما يشير إلى هذا , لا أنه يقوله صراحة , لذا فلقد قلتم بهذا التصور!
كما أن هذا القول نابع من تصوركم العجيب للحياة الدنيا والتي ترون فيها الدنيا شر لا بد منه! وأنه على الإنسان أن يتجنبه قدر الإمكان ويتقلل منه قدر المستطاع! لذا فإنه إذا مات الإنسان فمن الأولى أن يصير مثل الملائكة ! كائن روحاني لا يأكل ولا يشرب ولا يمارس الجنس وإنما يستغرق في عبادة الله عزوجل فهذه هي الحياة الحقة!
ولست أدري إذا كانت هذه هي العبادة الحقة فلم لم يخلقنا الله تعالى على هيئة الملائكة! وينشأنا ملائكة ابتداءا؟!
أما النظرة الإسلامية إلى هذا الأمر فتختلف اختلافا كليا وجذريا فلسنا مثل الملاحدة المتأثرين بالفكر المسيحي المزهد في الدنيا وإنما نرى أن الإنسان خلق وأوجد في الدنيا ليعمرها ويتمتع بها وليعبد ربه قبل كل شيء!
وأنه لا تعارض ولا تضاد بين الإثنين وليس أحدهما أولى من الآخر فليست العبادة تمنعنا من الدنيا وليست الدنيا ملهاة عن العبادة بل وإنه في أكثر الأحوال إذا حدث تداخل بين أوامر الدين وضروريات الدنيا يتنازل عن الأمر من أجل الضرورة
فمثلا في حالة المضطر يشرب الإنسان الخمر ويأكل الخنزير وفي حالة الخوف يصلي راجلا أو راكبا وفي حالة المرض يتيمم بدلا من الوضوء إلخ!
إذا فنحن نرى الدنيا من منظور أن الإنسان خلق فيها ولها وللآخرة في آن واحد ولا تعارض! أما تلك النظرة المغلوطة الرافضة للدنيا فليس لنا منها نصيب! لذا فإنه من المنطقي جدا أن يكون جزاء الإنسان المطيع المتقي والإنسان المظلوم الذي ضيع حقه في الدنيا أن ينال نصيبه من متاع أفضل في الآخرة في جنات النعيم! وليس في هذا أي حرج أو نقص !
فليس التلذذ بالمطعم أو المشرب أو بالنساء من الخطايا أو الذنوب! أو مما ينقص من قدر الإنسان!
والنقطة التي سببت هذا الإشكال كله هو تلك الفطرة التي غرزها الله عزوجل في نفس كل إنسان وهي أنه لم يخلقه ليأكل ويشرب مثل الأنعام وإنما هو مخلوق لغرض أعلى ولهدف أسمى وهي عبادة الرحمن!
لذا فإنا نجد عند كل الناس قاطبة أن الإكثار من المأكل والمشرب مساو للبهيمية! ولكن هذا في الدنيا دار الابتلاء ودار الاختبار والفناء حيث يجب على الإنسان أن يشد الرحال إلى الآخرة!
أما إذا عرف ربه وآمن به وخضع له واتبع أمره ونزل على قضائه ووصل إلى الآخرة فما الحرج من تقبل نعيم الرحمن عليه؟!
إذا فلا حرج من النعيم المادي كجزاء من الرحمن لمن اطاعه وكذلك العذاب المادي لمن عصاه ! ولا يقول أحد أن الرحمن أرحم وأكبر من أن يعذب الإنسان فهذه تخرصات وأماني لا أساس لها من الصواب ( وليرجع القارئ إلى تناولنا لسورة التين على موقعنا فسيجد فيها تفنيد هذه الدعاوى!)
أما إذا قال القائل: ليس الاعتراض أساسا على نقطة المتاع الحسي ولكن الاعتراض على التركيز على شهوة الفرج والبطن فلم هذا التركيز العجيب على هاتين النقطتين البسيطتين؟
فنقول له: إن قولك هذا ينم على كونك إما غافل أو متغافل, فليست هاتين النقطتين بسيطتين بحال من الأحوال, بل عليهما معظم النزاع والشقاق بين البشر! بل هما حلم البشرية في جميع أطوارها حتى عصرنا هذا وحتى في العصور القادمة!
ونطلب إلى القارئ أن يتذكر ماذا كان منهج الدولة الشيوعية التي توهمت أنها أتت بما لم يأت به الأوائل؟ لقد كان كل همها وكل صراعها وتأصيلاتها من أجل توفير الطعام والشراب والجنس للجميع بالتساوي! وظنوا أن هذا سيكون جنة المادية في الأرض!
فالشيوعية لعبت على هذا الوتر الحساس وأوهمت الجميع بتكفلها بما تكفل به الرحمن وهو توفير المطعم والجنس للجميع بالتساوي, وهذا ما لم ولن يكون في الدنيا لوجود مكنونات الصدور ولاختلاف طبائع الإنسان من فرد إلى آخر! فإذا نحن انتقلنا إلى الناس عامة بغض النظر عن الدولة الشيوعية والفكر الشيوعي
سنجد كذلك أن هاتين النقطتين هي سبب عامة حركة وخلاف البشر في الدنيا وما قامت عامة الحروب إلا من أجل تأمين المطعم خاصة والحروب الصليبية المكرورة نموذج أكثر من رائع للنزاع والقتال من أجل اللبن والعسل! ( إن بلاد الشرق تفيض لبنا وعسلا!) فإذا نحن تركنا الدول وانتقلنا إلى الأفراد وجدنا أن هاتين النقطتين جد مركزية لكل فرد فكل منا يحب أن يتلذذ بهذين الصنفين
والإسلام لا يرى في ذلك حرجا , فالله خلقنا بشرا, ما دام لن يؤثر على دور الإنسان في الحياة,فنجد أن عامة حركة الإنسان في حياته من أجل اكتساب هذه الأنواع ومن أجل تأمينها لعياله من بعده!
قد يقول قائل: جميل, ولكن ألا تلاحظ أن ما تقوله يحصر الإنسان في احتياجاته الأساسية من مأكل ومشرب وجنس , أين باقي الاحتياجات إذا؟ الإنسان مكون من جسد وعقل وقلب وروح فأين غذاء باقي هذه الأصناف في الجنة؟ ونحن لا نمانع من وجود هذه الأصناف في الجنة ولكن الناظر يجد أن التركيز هو على هذه الأصناف في الجنة, فهل ينتهي الإنسان إلى جسد في الجنة
نقول: لا, بداهة لن ينتهي الإنسان إلى جسد في الجنة ولكن المنظور الرباني للإنسان يقدمه على أنه جسد فإذا أوفي هذا الجسد حقه حق عليه وله أن يعبد ربه حق العبادة, وفي هذا غذاء العقل والروح ( ونطلب إلى القارئ أن يرجع إلى تناولنا لسورة قريش على موقعنا فسيجد فيه كلاما طيبا)
فالإنسان في الجنة لن يشغل باله بهذه الاحتياجات الأساسية فهي متوفرة عنده وهو ينشغل بها متى شاء ومتى أراد ولكن لا يعني هذا أنه طيلة بقائه في الجنة لا يفعل شيء سوى أنه يأكل ويشرب ويمارس الجنس!
والمشكلة أن هذا هو تصور كثير من الناس عن الجنة أنها أكل وشرب وجنس مع الأبكار على ضفاف الأنهار! وهذا التصور غير مستخرج من القرآن, فالقرآن يقدم لنا أمثال للجنة وللنار لأننا لا نستطيع أن نستوعب بعقولنا القاصرة كيف ستكون هذه الجنة, لذا فالله تعالى يقول:
” مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ [محمد : 15]”
إذا فمثل الجنة أنهار من ماء وخمر ولبن وخمر لذة, إذا فيخرج الإنسان من هذا المثل أن كل ما يحتاجه الإنسان ويخطر بباله ولا يخطر بباله متوفر بكثرة هائلة وبفائض رهيب في الجنة فلا ندرة ولا قلة ولا شح ثم بعد ذلك هناك مغفرة من ربهم, فلقد غفر الله لهم وأدخلهم الجنة كما أنهم في مغفرة فمهما فعلوا فليس هناك أي عقاب على فعلهم , وبداهة لن يفعل أهل الجنة أي فساد فلقد “َونَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ “
أما القول أن القرآن ركز على شهوة الفرج أيما تركيز فلست أدري أين هذا؟ كل ما ذكر في القرآن عن الحور العين هو أربعة مواضع وهي :
” كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ [الدخان : 54] ” , و ” مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ [الطور : 20] ” , ” حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ [الرحمن : 72] ” , ” و َحُورٌ عِينٌ [الواقعة : 22] ” .[1]
إذا فالحديث في الآيات عن تزويج وركز عزيزي القارئ على هذه الكلمة فالمسألة ” تزويج” فليست المسألة سبهللة أو فوضى ولم يذكر القرآن أن الإنسان سيتزوج في الجنة آلافا أو آلاف آلاف من الحور العين, هو تحدث فقط عن الزواج بحور عين[2] وسنعود إلى نقطة الزواج هذه فيما بعد!
نعم وردت آيات أخرى تحدثت عن هذا الأمر مثل قوله تعالى في سورة الواقعة:
“وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً (36) عُرُباً أَتْرَاباً (37)”
وقوله في سورة النبأ: “إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا {31} حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا {32} وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا {33} وَكَأْسًا دِهَاقًا {34} لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا {35}”
ولكن يجب حمل هذه الآيات على آيات التزويج!
إذا فالله عزوجل عندما يتحدث عن الجنة أو النار فهو يقدم لنا أمثالا ومقتطفات وصور مما سيكون فيهما ولا يجب حملهما على ما عندنا في الدنيا
فعلى الرغم من أن النار نار إلا أنه يخرج فيها شجر! ففيها الزقوم “ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ [الصافات : 64] “ وليس هذا هو العجب الوحيد في النار فأهلها كذلك يتكلمون ويتحاورون مع أهل الجنة ” وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ [الأعراف : 50]” , فعلى الرغم من شقاءهم في النار إلا أنهم يتحدثون مع أهل الجنة !
وكذلك هناك محاورات لأهل النار مع أنفسهم يتلاومون فيها على أفعالهم, ويعرض الله عزوجل لنا في سورة غافر مشهدا من هذه المشاهد:
” وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنْ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48) وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنْ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (50(“
فهناك محاجة بين أهل النار وهناك تلاوم وندم فهذه حياة عجيبة يجتمع فيها العذاب وباقي مستلزمات الحياة!
وهم كذلك يأكلون ويشربون ” إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طعام الأثيم ” كمنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ [محمد : 15] ” ” ُثمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِّنْ حَمِيمٍ [الصافات : 67]” ” فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ َفشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ [الواقعة : 54, 55]”
بل والأعجب من هذا أنهم يحاولون الخروج من النار !
“كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [الحج : 22]” فهذا يدل على أنه لهم حركة وتقابلات وتخطيطات في النار على الرغم من كونهم يعذبون!
إذا فكما أن نار الآخرة ليست كنارنا فهي نار تحرق ولكن بها شجر , وبها أناس يأكلون ويشربون ويتحاورون ويحاولون الفرار!,
و كذلك أهل الجنة فليس كل همهم الأكل والشرب فهم يرون أهل النار ويتحاورون معهم : “ وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [الأعراف : 44]”
ونجدهم كذلك يذكرونهم بما كانوا يفعلون ” َونَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ [الأعراف : 48]” (وأصحاب الأعراف هم الأشراف الجنة وليسوا أولئك الصنف الذي زعموا وجوده على سور بين الجنة والنار, وسنفرد لأصحاب الأعراف موضوعا بإذن الله على الموقع)
وهم يعيشون في مجتمعات لذلك احتيج إلى ” وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الأعراف : 43]”
فالله نزع الغل من صدور المتقين في الجنة لأنه لو لم ينزع لحصل النزاع والشقاق في الجنة وليس هذا وارد في الجنة فهي دار السلام !
أي أن من فيها يعيش بلا نزاع ولا شقاق , فهم يتمتعون بما في الجنة ولكنهم لا ينسون ذكر الله عزوجل, فليست الجنة هي دار الشهوات فهي حياة كلها متعه, مطعم ومشرب وحمد للرب خالق هذه النعم! فيحمدون الله على نعمه عليهم , فيأتيهم النداء من الملائكة أو من الله ! “ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الأعراف : 43]” فما أعظمه من تواصل بين الإنسان وخالقه!
ثم إن مجتمع الجنة هذا فيه حركة وتنقل ودخول للمتقين على بعض ويستلزم هذا الأمر السلام “ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [يونس : 10] ” ” وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ [إبراهيم : 23]” ,
فأهل الجنة في الجنة يذكرون الله عزوجل حق الذكر ويسبحونه ويمجدونه وينهون تسبيحهم الطويل هذا بحمد الله تعالى على نعمه!
وإذا تقابلوا سلموا على أنفسهم من عند الله تحية مباركة طيبة وهي السلام! تحيتنا نحن أهل الإسلام!
وبما أن الحديث عن الكلام والسلام فهناك ذكر لمتع الأذن فهناك لا يسمع الإنسان لغو الدنيا ولا تفاهاتها بل كل ما يسمعه الإنسان في الآخرة نافع مفيد ممتع للإنسان:
“لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا تَأْثِيماً [الواقعة : 25] ” ” لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا كِذَّاباً [النبأ : 35]” , ” لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلَّا سَلَاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً [مريم : 62]”
فهم يتكلمون ويتحدثون ولكن ليس في الجنة لغو, ونتوقف عند هذه النقطة طويلا فهي ترد على أولئك الذين يرون أن أهل الجنة مجموعة من الأناس الذين لا يجدون ما يقولون أو يفعلون !
لا فهم يحيون الحياة الكاملة حيث المتعة والذكر والتساؤل والتحاور, أما الكذب والتأثيم فليس في الجنة! بل هناك فقط السلام ” جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد : 24]”
فالملائكة تدخل على المؤمنين وتسلم عليهم, فيسمعون سلامهم ويردون عليهم, وعلى الرغم من أن المؤمنين يرون الكافرين والعصاة في النار لكي يعرفوا فضل الله عليهم إلا أنهم لا يسمعون صوت النار وإلا ستتحول حياتهم إلى تنغيص وأي تنغيص:
“لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ [الأنبياء : 102]”
فمتعة الأذن واللسان موجودة في الجنة على أشمل ما يكون!
ثم إن الله عزوجل لا يترك عنصرا هاما من أهم عناصر المجتمع وتمام النعمة فيه وهو اجتماع العائلة, فليس كل إنسان مشغول بنفسه وببطنه وفرجه بل هو متصل بأهله
“وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور : 21]
” فالله يرفع الذرية إلى درجة الآباء على الرغم من أنهم لم يصلوا إلى مرتبتهم في الطاعة ولا ينقص الآباء من أجل ذلك شيء بل هو من فضل الله تعالى وكرمه عليهم!
وليس الأمر مجرد عائلات فقط بل هناك اتصال بباقي المؤمنين المتقين “ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ [الحجر : 47]”
فالمؤمنون متقابلون من أجل الحديث والتحاور والتذكر لما فعله كل إنسان منهم في الدنيا وكيف وصل بفضل الله تعالى إلى الجنة, ويعرض الله تعالى لنا مشهدا من هذه المشاهد في سورة الصافات فيقول:
” فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنْ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60)
ويقدم لنا مشهدا آخر لنعيم أهل الجنة في سورة الطور فيقول:
” يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ (23) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28(“
ويعرض لنا مشهدا آخر في سورة المدثر فيقول:
” إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنْ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46)”
إذا فالمتاع في الجنة مادي ولكنه ليس مثل ما تعارف عليه الناس , فكل ما ذكر هو من باب التقريب للأذهان أما الحقائق و المدلولات فسنراها في الجنة ,
وهناك متاع معنوي أعظم من كل هذا وهو مغفرة الله ورضوانه والقرب منه والأنس به. ولم يذكر لنا القرأن أن همنا سيكون فقط وطء الآلاف من حور العين , والأكل والشرب , نعم سيكون كل هذا متوفرا في الجنة , ولكن اللذة الحقيقية في الجنة هي بالقرب من الله و رضوان الله علينا ” وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة : 72] “
فرضوان الله أكبر من أي شيء من أي متعة أو نعيم موجودين في الجنة. وبالتأكيد سيستشعر الإنسان هذا الرضوان والذي هو أكبر من كل شيء, وهذه اللذة الروحية والتي يذوق جزءا منها بعض العارفين في الدنيا سنذوقها كاملة في الجنة وسنعرفها ونحس بهم إن شاء الله في الجنة
وليست هذه هي الآية الوحيدة التي تتحدث عن المتع الروحية في الجنة ويكفي في التدليل على المتع الروحية في الآخرة التعبير القرآني ” الرجوع إلى الرب ” , ونرجو منك عزيزي القارىء أن تبحث بنفسك عن هذه المواضع , وهي كثيرة في القرآن , منها قوله تعالى “ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ [السجدة : 11] “
فالتعبير بالرجوع إلى الله يشعر بالانفصال عنه والرجوع إليه, ونحن لا نقول بالتجسيم أو ندعو إليه ولكن هذا فقط إشارة من ضمن إشارات الكلمة , فكأن الناس خرجوا من الله ثم يعودون إليه , فهل هناك متاع روحي أكبر من ذلك الاتصال بالرحمن, والله المستعان.
ثم إن المتع في الجنة ليست جسدية وروحية فقط بل هناك متع تراعي الجانب النفسي للإنسان, فمن يقول أن القرآن يركز على المتاع المادي ولم يتكلم عن المتاع الروحي (النفسي) ينسى وصف الجنة الأساسي في القرآن وهو ” جنات تجري من تحتها الأنهار ” ,
فلقد ورد هذا الوصف في القرآن سبع وعشرون مرة , وهذه المتعة هي متعة نفسية قبل أي شيء , فتفكر في منظر الجنان تجري من تحتها الأنهار[3],
فهذا منظر يتمتع به الإنسان روحيا قبل أي شيء, أما الآيات التي تحدث فيها القرآن عن الطعام والشراب في الجنة فلا تصل إلى هذا العدد, ولم توصف بها الجنة قط , فلم نجد آية تقول ” جنة الطعام أو النساء ” , بل توصف بما تستحقه من أنها ” جنة النعيم ” , ” جنة الخلد ” , فهذه هي الأوصاف التي تستحقها الجنة , ثم إن من يقول أن المتاع مادي بالدرجة الأولى ينسى آيات تحدثت عن الترقي الذي يصل إليه أهل الجنة بسبب المتاع الروحي الذي يكون فيه أهل الجنة , فالله تعالى يقول :
” وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [الحديد : 19] “
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التحريم : 8] “
فأهل الجنة لهم نور في الآخرة في موقف الحساب وفي الجنة كذلك , فهل سأل أحدنا نفسه مرة : لم هذا النور ؟
بداهة هذا النور ليس من أجل الإضاءة ! و لما كانت الهداية نورا معنويا للإنسان, فإن ترقيه في مدارج الوصول اليوم الآخر يؤدي إلى أنه سينير فعلا ! فسيكون لكل منا – إن شاء الله – نورا يوم القيامة قبل وفي الجنة , و تأمل في آية الحديد ” لهم أجرهم ونورهم “
فالأجر كما أرى هو المتعة العادية أما النور فهو الترقي في مدارج الوصول إلى الله عزوجل , فللمؤمن شوق إلى الله تعالى وفي الجنة سيترقى الناس في القرب إلى الله , فهذا القرب هو المتعة الحقيقية للمؤمن , لذا ندعو الله أن يجعلنا من أهل النور ولا يجعلنا مع أهل النار .
و لا بد من التذكير أننا كلنا نغفل الحديث عن ثمار الجنة , فثمار الجنة لا يقدر أحد أن يتصور ما هي, وبداهة سينصرف ذهن الناس عند الحديث عن الثمار إلى ما يخرج من الشجر, ولكن هذا أحد دلالات الكلمة , فالثمر كما جاء في المقاييس : ” الثاء والميم والراء أصلٌ واحد، وهو شيءٌ يتولّد عن شيءٍ متجمِّعاً، ثم يُحمَل عليه غيرُه استعارةً. فالثَّمَر معروفٌ. يقال ثَمَرَةٌ وثَمَرٌ وثِمارٌ وثُمُر. والشّجر الثامِر : الذي بلَغَ أوانَ يُثْمرُ. والـمُثْمِر : الذي فيه الثَّمَر. كذا قال ابن دريدُ , وثمّر الرّجلُ مالَه أحسَنَ القيامَ عليه. ويقال في الدعاء : ” ثَمَّرَ اللهُ مالَه ” أي نمّاه. والثّمِيرة من اللبن حين يُثْمِرُ فيصيرُ مثلَ الجُمَّار الأبيض؛ وهذا هو القياس. ويقال لعُقْدَة السَّوط ثَمَرة؛ وذلك تشبيهٌ . ” اهــ
و تتبع كلمة ” ثمرة ” في أصح مصدر لغوي وأنظر كيف استعملت , فستجد أنها استعملت بمعنى ما يخرج من النبات أو الشجر, واستعملت كذلك بمعنى كل ما يتولد أو يخرج من غيره , فانظر مثلا في قوله تعالى ” ولهم فيها من كل الثمرات “ هل المراد هنا فقط من كل ما يخرج من شجر الجنة أم أن المعنى أعم؟
و إذا ظن البعض أن المراد من الثمر في الآية هنا هو ما يخرج من الشجر , نسوق له هذه الآية ” وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [القصص : 57] “
فهل ” ثمرات كل شيء ” معناها ثمرات النبات ؟
لا طبعا فلقد كان هذا استجابة لدعاء الخليل التي دعا ربه قائلا : ” ر َّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [إبراهيم : 37] ” فهل الثمرات التي كان يقصدها الخليل هي الثمرات التي تخرج من النبات فقط ؟
إذا فمعنى ” الثمرات ” عام لكل ما يخرج من شيء والفائدة منه, ونحن نستعمل هذه الكلمة بهذا المعنى فنقول : ثمرة الموضوع أي ما يخرج منه . فالثمرات في الجنة ثمرات كل شيء , وتأمل عزيزي القارىء في قوله تعالى ” و َبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة : 25] “
فالمرء يستشعر أن المراد من الثمرات التي يتحدث عنها هي ثمرات روحية أكثر منها ثمرات مادية – ولا ننفي أي نوع منهما – , فها هي الثمرات تختلف في كل مرة عن سابقتها , وهذا يكون في الجانب الروحي أكثر منه في الجانب المادي .
إذا بعد هذا العرض نكون قد قدمنا للقارئ تصورا مخالفا للمألوف عن أهل الجنة من آيات القرآن البينات أثبتنا فيه عكس المتعارف عليه حول أهل الجنة حيث بينا أنهم في مجتمع يتزاورون ويذكرون ربهم ويسبحونه ويحمدونه ويتزوجون ويعيشون مع ذرياتهم ويتقابلون مع إخوانهم ويسلمون عليهم ويتحاورون ويتذكرون نعمة الله عليهم كما أنهم يتحاورون مع أهل النار, ويتمتعون كذلك بمتع الجنة !
أي أن الجنة مجتمع شمل كل جوانب حياة الإنسان الخيرة ما عدا النصب والتعب ومن يشتاق إليهما فعليه بالنار ففيها الكفاء!
لذا فنرجو من إخواننا أن يغيروا صورتهم عن الجنة والنار بعض الشيء ويعرفوا أن المتعة الحقيقية في القرب من الله و في مغفرة الله وفي رضوانه أكبر من أي شيء آخر .
هدانا الله لما فيه خير الصواب!
فتأمل عزيزي القارىء في هذه الآيات وفي السياق التي وردت فيه , هل هناك ما يدل على أن هذه الآيات مخصصة للذكور فقط ؟
فمن المعروف أن الحديث في هذه الآيات عن المتقين الذين في الجنة , والمتقون بهم ذكور وإناث , فمن عنده دليل على أن هذه الآيات مخصصة للذكور فقط , فليبرزه لنا , إذا فالحور العين للذكور وللإناث وتكون بالتزويج! [2] هناك من يرى أن المقصود من “حور العين” في الآيات ليس “الحور العين” ! حيث أن القرآن ذكرها هكذا ” حور العين ” وليس ” الحور العين” وشتان بين المعنيين, من حيث الإضافة والتوصيف! ويرى أن المراد من حور العين هو أصناف من الفاكهة في الجنة!
[3] هناك من يرى أن الجنات هي التي ستجري في الجنة , والأنهار ستكون تحتها !! .