السماء في القرآن!

حديثنا اليوم بإذن الله وعونه هو عن السماء والسماوات في القرآن الكريم.
ذلك الموضوع الذي يثير الفكر والذي يمتلئ في دنيانا بالغموض والإثارة! والذي يتخذه كذلك بعض الملاحدة كباب للطعن في القرآن, بزعمهم أن التصور الذي يقدمه القرآن للسماوات تصور غير علمي! يحمل الكثير والكثير من الأخطاء العلمية! وأن هذا العرض بدائي يستند إلى التصورات الموجودة في ذلك الزمان!

ومن أشهر تلك المطاعن أن القرآن تحدث عن سماوات سبع هي أفلاك السيارات السبع المعروفة في ذلك الزمان, وهي: الشمس – عطارد – الزهرة – القمر– المريخ – المشترى – زحل! وهي مما يمكن أن تراه العين المجردة!

لذا فإننا سنتناول أهم الآيات التي عرضت للسماء وللسماوت! لنبين أن المطاعن التي يطعن بها الملاحدة تستند إلى قراءة سطحية مغلوطة للنص القرآني, وأن العرض القرآني عرض دقيق يفرق بين السماء والسماوات! وأن مصطلح السماء ليس من العمومات, التي يمكن إطلاقها على كل ما علا الإنسان!

ولأن الآيات التي وردت فيها “السماء” أو “السماوات” جد كثيرة (وردت كلمة: السماء, في خمس عشرة ومائة آية, وكلمة: السماوات في ثلاث وثمانين ومائة آية, وكلمة: سماوات, في خمس آيات, بخلاف آيات أخرى ذكرتها بألفاظ أخرى!)

فإننا لن نتناولها كلها وإنما سنتناول عددا من الآيات, نرى أنه أكثر من كاف لإظهار التصور الذي يقدمه القرآن!
ونبدأ بسم الله الخلاق العليم

يقسم القرآن الخلق إلى قسمين: أرض وسماوات سبع! فالأرض وحدها في كفة والسماوات السبع كلهن في كفة أخرى!
وهذه السماوات السبع كانت في الأصل سماء واحدة فسواهن الله سبع سماوات:
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة : 29]

ويعبر القرآن الكريم عن الأرض بالفراش أو المهاد, بينما يعبر دوما عن السماء بالبناء وبأنها بُنيت! (ولم يقل عن الأرض أنها بناء أبدا!)
“الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء …..[البقرة : 22]”
” أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً [النبأ : 6]”
” أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا …. [قـ : 6]”

والناظر في القرآن يجد حديثا عن “السماء, والسماء الدنيا, والسماوات السبع!”
وتفريقا بينهم, فليست السماء هي السماوات السبع وليست السماء هي السحاب! فليست المسألة غير واضحة المعالم, وأن كل ما علانا فهو سماء! فالسحاب ليس سماء وإنما هو سحاب:
” إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاءوَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة : 164]”

ففي هذه الآية نجد حديثا عن خل*ق السما*-وات والأرض وذكرا لإنزال الماء من السماء, ثم حديث عن السحاب المسخر بين السماء والأرض!/
فهذا أول دليل على أن السحاب ليس السماء وإنما هو بين السماء والأرض! كما يدل أن السماء ليست السماوات! فالله تعالى يفرق بينهما, فنحن نجد أن الله تحدث في عشرين آية عن إنزال الماء من السماء, بينما لم يقل في آية واحدة أنه أنزل من السماوات ماء! لاحظ:
اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ ….. [إبراهيم : 32]”
” أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ …… [النمل : 60]”
” خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً …… [لقمان : 10]”

وأول انحراف وقع فيه المتعاملون مع النص القرآني هو إسقاطهم الآيات التي تتحدث عن إنزال الماء من السماء على الماء النازل من السحاب! فقالوا أن المراد من ا*6-/*9-+لسماء هو السحاب!
مع أن الله تعالى قد تحدث عن السحاب في تسع آيات, اقترن في بعضها بالسماء, وفرق الله بينهما –كما في آية البقرة السابقة وكما في قوله تعالى:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ [النور : 43]”

وهناك من انتبه من الملاحدة إلى هذه المسألة, فقال إن القرآن يتحدث عن إنزال ماء من السماء! وهذا راجع إلى جهل محمد بأن الماء ينزل من السحاب! فقد كان يظن بأن هناك ماء ينزل من السحاب ومن السماء!

ويُرد على هؤلاء وعلى من جعل السماء بمعنى السحاب –من المفسرين!- بأن هذا راجع إلى جهلكم وإلى ظنكم بكمال علمكم! فمن قال أن الماء ينزل من السحاب فقط؟!

كان هذا هو ,/|<المشتهر فيما مضى, في عصور: قشور العلم! (والتي عدها الجهال عصوم الفتوح العلمية اليقينية!!) أما ////////////الآن فهناك حديث عن المطر الكوني! (مع تحفظنا على كلمة: مطر!) ونهدي للفريقين جزءً من مقال للأستاذ فهد عامر الأحمد يتحدث عن هذه الظاهرة الطبيعية المكتشفة حديثا:

” توجد أكثر من عشرين آية تتحدث عن نزول الماء من السماء (وليس من السحاب).. فهناك مثلا: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا} و{وأنزلنا من السماء ماء بقدر} و{فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه}، {ونزلنا من السماء ماء مباركاً فأنبتنا به جنات وحب الحصيد}…
وهي آيات تختلف عن تلك التي تتحدث صراحة عن نزول المطر من السحاب، مثـل قوله تعالى: {حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء} و{هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال} و{ألم تر أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما}…

فمن المعروف أن المطر ينزل من السحاب بعد مروره بثلا++ث مراحل.. الأولى حين تبخر الشمس مياه البحر.. والثانية حين يصعد هذا البخار فيكون السحاب.. والثالثة حين يواجه جبهة باردة فيتكثف وينزل مطراً…

غير أن العلماء اكتشفوا أيضا نوعا آخر من المطر ينزل من السماء.. وهو بدوره يتشكل بعد مروره بثلاث مراحل: الأولى حين تدخل المذنبات الثلجية جو الأرض قادمة من الفضاء..
الثانية حين تتبخر هذه الثلوج (بسبب حرارة الشمس واحتكاكها بالغلاف الجوي) فـتتحول إلى سحب..
الثالثة حين تنزل من السحب كقطرات ماء عذبة!!
وهذه الحقائق لم تكتشف إلا في منتصف الثمانينات حين افترض الدكتور لويس فرانك (من جامعة أيوا) أن نسبة كبيرة من مياه الأرض نزلت من الفضاء.

وفي عدد يونيو 1997 نشرت مجلة التايم تقريرا عن هذا النوع من المطر تحت عنوان المطر الكوني (أو The cosmic Rain ) قالت فيه إن الأرض تستقبل بشكل مستمر جلاميد ومذنبات ثلجية لا نرى معظمها؛ فهي تتحول إلى بخار فور دخولها الغلاف الجوي (بسبب الاحتكاك وحرارة الشمس) ثم تعود للتجمع كسحب.
وقالت إن الأرض تتلقى في كل دقيقة حوالي 30 كرة ثلجية تزن كل منها قرابة الستة والثلاثين طنا من الماء العذب. وتصبح أكثر نقاء وصفاء بسبب تبخرها في الجو ثم إعادة تكثفها كمطر و{ماء طهورا} !!” اهـ

فها هو العلم يكتشف أن هناك مذنبات جليدية تدور في الفضاء (السماء) وتدخل إلى الأرض, ومنها ينزل الماء إلى الأرض! وبهذا يكون الماء قد نزل من السماء فعلا! فما هو قول الطاعنين الآن؟!

وسواء كان هذا هو مراد الله أو أن الله ينزل الماء من الغلاف الجوي نفسه بشكل ما, (والغلاف الجوي مجموعة من الغازات, وليس ببعيد على الله أن يحول بعضها إلى ماء!!) فليس في المسألة أي إشكال على الإطلاق! فالمهم هو أن القرآن لم ينف نزول الماء من السحب! فلقد تحدث عن نزوله منه, كما تحدث عن نزوله من السماء, فهل يعني عدم اكتشافنا له إلى الطعن في القرآن أو لي آياته؟!

المشكلة الدائمة أن بشر كل زمان يظنون أن علومهم علوم
يقينية نهائية ولن تتغير, ومن ثم يجذبون النص القرآني إليها, وتمر السنون ونكتشف خطأها وخطأهم وعلو كلمات الله!
إننا كمسلمين يجب علينا التسليم بما في كتاب الله, وما لم ندركه نتركه لمن بعدنا, لا أن نلوي أعناق النص القرآني!
ومن ذلك الذي يجب علينا التسليم به “أبواب السماء” وألا نفهمها كمجاز, فالله أعلم كيف هذه الأبواب, إلا أنها أبواب, وهي بداهة ليست مثل أبواب الدنيا!

فإذا قال الله تعالى عند حديثه عن إهلاك قوم نوح:
“فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ [القمر : 11]”
فهناك حتما أبواب فُتحت ونزل منها ماء منهمر! أي أن الماء النازل على قوم نوح لم يكن من السحب وإنما كان من السماء مباشرة!!

وكذلك نسلم بأنها “أبواب” في قوله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ [الأعراف : 40]
ومن هذه الأبواب تنزل البركة! ولكن بما أنهم كذبوا واستكبروا لا تفتح لهم! وفي الآخرة لا يدخلون الجنة!
وبما أننا نتحدث عن أبواب السماء, فلا بد أن نتوقف مع قوله تعالى:
“وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم[1]بَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ [الحجر : 14]”
والذي يستدل به أنصار الإعجاز العلمي على الدقة القرآنية في اللفظ القرآني باستخدامه العروج, حيث يقولون:
“( العروج ) لغة: سير الجسم في خط منعطف منحنٍ،
وقد أثبتت الدراسات العلميةالحديثة أن حركة الأجسام في الكون لا يمكن أن تكون في خطوط مستقيمة، بل لا بد لهامن التعرج والانحناء، نظرًا لانتشار المادة والطاقة في كل الكون. فأي جسم مادي – مهما عظمت كتلته أو تضاءلت – لا يمكنه التحرك في الكون إلا وَفْقَ خطوط منحنية .” اهـ

فنقول: الملاحظ أن الله تعالى قال: “فظلوا فيه يعرجون” أي أن العروج سيكون في الباب وليس في السماء! ولو كان المراد السماء لقال: “فظلوا فيها يعرجون”

فما هو هذا الباب الذي يمكن أن يعرج فيه الإنسان (في زمن الرسول بدون أدوات تنفس أو بذة فضائية!) والذي سيقول عنده: لقد سكر بصري؟!
لا نقول إلا: الله أعلم, وربما يعلم من بعدنا!

[1]بما أننا نتحدث عن الفتح, فنشير إلى الفارق المشتهر بين “فتح ل” و “فتح على”, حيث يقال أن “فتح ل” هي لما في نفع الإنسان, كما في قوله تعالى: “إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً [الفتح : 1]” و: فتح على” تستعمل مع العذاب والإهلاك” كما في قوله تعالى: ” حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ [المؤمنون : 77]” , “فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ [الأنعام : 44]”, ونقول نحن: هذا التقسيم غير صحيح, فلقد قال الله تعالى: “وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [الأعراف : 96]”, فهنا فتح على المتقين بالبركة! والذي نقول نحن أن “فتح على” تفيد الشمول والاستغراق والوفرة” بغض النظر عن نوع المفتوح!

إذا فالقرآن يفرق بين السحاب والسماء! فالسحاب مسخر بين السماء والأرض! وهنا يطرح سؤال نفسه: هل يمكن القول أن السماء هي الغلاف الجوي؟ أم هي الفضاء الخارجي؟ أم أن الغلاف الجوي هو السماوات السبع؟!
نقول: الذي نراه والله أعلم, أن السماء هي الغلاف الجوي وما نطلق نحن عليه الفضاء! (وإن كان في الواقع ليس فضاء, فهو مكون من مادة!), كما يمكن أن يطلق على كل واحد منهما مستقلا!
وهذا جلي واضح من آيات عدة, مثل قوله تعالى:
تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً [الفرقان : 61], فهنا الحديث عما يسمونه الفضاء!

أما الغلاف الجوي فهو المقصود في قوله تعالى:
“أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [النحل : 79]”
وكذلك في قوله:
اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الروم : 48]

أما أن تكون السماوات السبع هي الغلاف الجوي فقول عجيب, راجع إلى تقسيم الغلاف إلى سبع طبقات! وهذه التقسيمات اعتبارية, من الممكن أن تتغير من وقت لآخر!
والعجيب أن يقال هذا القول مع أن الله تعالى يقول أن السماء الدنيا مزينة بمصابيح! فكيف تكون السماء الدنيا مزينة بمصابيح –والتي هي بعد الغلاف الجوي!- ويكون الغلاف الجوي السماوات السبع؟!!

والملاحدة الذين قالوا أن السماوات السبع هي أفلاك السيارات السبع المعروفة حاولوا الالتفاف على هذه الآيات بزعمهم أن الزينة لا يشترط أن تكون في الشيء نفسه! فمن الممكن أن أضغ زينة خارج البيت –أمام الباب مثلا- وتكون زينة للمنزل! وهكذا تكون الأجسام السماوية زينة للسماء الدنيا وهي ليست فيها أو منها!!!

وهذا القول عجيب –ولكن لا عجب من ملحد!!!- راجع إلى عدم معرفتهم لاستعمال الكلمة في القرآن! فالقرآن عندما يتحدث عن “السماء” كمقابل للأرض, لا يحتاج إلى مزيد تحديد أو نعت! فيقول: السماء!

أما عندما يكون هناك ذكر للسماوات يكون هناك نعت للسماء بأنها: السماء الدنيا! أي أننا لن نجد “السماء الدنيا” إلا إذا كانت مسبوقة بذكر للسماوات!
وذلك في المواطن الثلاثة التي وردت في القرآن:
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ [الصافات : 5-10]
فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [فصلت : 12]
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ [الملك : 3-5]

وذلك للتفرقة بين السماء الدنيا التي هي للبشر! وبين السماوات التي هي للملائكة! فإذا نحن نظرنا في الآيات السابقات, نجد أن الله تعالى يفرق بين السماء الدنيا والسماوات بأن السماء الدنيا مزينة بمصابيح (وهذا يعني أن باقي السماوات ليس فيها نجوم أو كواكب!) وأنها كذلك محفوظة بهذه الأجرام السماوية من الشياطين, فلا يستطيعون التسمع إلى الملأ الأعلى!
“وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ [الأنبياء : 32]”
فالسماء هي كوننا والذي لن نستطيع نحن أو الشياطين أن نتجاوزه, أما ما بعد ذلك فهو السماوات والتي هي للملأ الأعلى والملائكة.
والقول بأن السماوات للملائكة ظاهر في القرآن, في آيات عدة, منها قوله تعالى:
“وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم : 26] (ولم يقلفي الأرض!)
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ …….. وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِوَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ [الأنبياء : 16-19]
(فله من في السماوات, والحديث عن عقلاء “من” وهم الملائكة, وله من في الأرض, كما أن هناك ملائكة أخرى “أو الروح” والتي هي عند الرحمن!)
ويدل على ذلك حفظ السماء, فلو لم تكن هناك سماوات أخرى يمكن الوصول إليها لما كان هناك حاجة إلى حفظها!

كما نلاحظ أن الله تعالى لم يتحدث أبدا عن “من في السماء” ولم ينسب إليهم فعل! وذلك لأن السماء ليس فيها أحد! فالبشر يعيشون في الأرض, وعلى النقيض من ذلك نجد أنه تحدث عن “من في السماوات”, وذكر لهم أفعالا وخضوعا له في ثلاث عشرة آية!, منها:
“أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [آل عمران : 83]
وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ [الرعد : 15]
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً [الإسراء : 55]
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [الحج : 18]
وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ [النمل : 87]”

فيكون هذا دليلا إضافيا على أن الملائكة تعيش في السماوات! وأن السماوات عوالم أخرى غير عالمنا تماما!
ولا يعني هذا أننا ننفي أن يكون هناك خلق آخر غير الملائكة يعيش في تلك السماوات, فنحن نرى أنه هناك دواب!

” وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ [الشورى : 29]”

والله أعلم ماذا هناك غير ذلك, وكيف هي وما فيها!! فنخرج من هذا بأن السماوات للملائكة والسماء الدنيا للبشر!
ولأن الملاحدة يستندون إلى بعض الآيات, كدليل على أن السماوات السبع ممكنة المشاهدة للإنسان, أي أنها من عالمنااالمنظور, والمشكلة أن بعض المسلمين يفهمونها نفس الفهم المعوج! مما يعطيهم تأكيدا لقولهم, نتوقف مع هذه الآيات لنبين كيف أنهم يقولون ما لا تقولوه الآيات:

“الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ [الملك : 3-5]”
فيستدلون بهذه الآيات على أن السماوات السبع قريبة من الإنسان, بل إنه يمكنه أن يراها بالعين المجردة! وأن الله تعالى يطلب إلى الإنسان أن ينظر في السماوات السبع حتى يتأكد أنه ليس هناك تفاوت!

ونعجب من انحراف الذهن والعين عن النص! فالآيات تتحدث عن الله عزوجل, فقالت –بعد أن بيده الملك وأنه خلق الموت والحياة- أنه خلق سبع سماوات طباقا! ثم تقول أنك أيها الإنسان ما ترى في خلق الرحمن (ولم تقل: فيهن!) من تفاوت في الصنعة والإحكام, فكله محكم لا خلل فيه!

وخلق الرحمن محيط بك أيها الإنسان بأشكال كبيرة, صغيرة وعظيمة ودقيقة وهائلة, وتراه على أفضل هيئة وصورة, وعلى الرغم من ذلك فارجع البصر هل ترى من فطور؟! لا, فليس ثمت أي عدم انتظام أو اعوجاج[1]!

ثم يأمرنا الله أن ننظر في خلق الرحمن مجددا كما نظرنا مرتين سابقتين, فينقلب إلينا البصر خاسئا, فلن نجد خللا!
ثم يخبرنا المولى بأنه زين السماء الدنيا بمصابيح وجعلها رجوما للشياطين! فهنا فرق الله تعالى بين الاثنين, فكيف تكون السماء هي السماوات, فالسماوات لا مصابيح فيها بينما السماء هي المزينة بالمصابيح! وهي رجوم للشياطين حتى لا يسمعون إلى الملأ الأعلى!!

والذي يدلل على أن خلق الرحمن غير السماوات هو قوله تعالى:
“أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ [الأعراف : 185]”
فهنا عطف ما خلق الله على ملكوت السماوات والأرض! فالآية تتساءل: ألم يتفكروا في ملكوت السماوات والأرض ……
(“نظر في” في اللغة تعني تفكر في الأمر, وذلك كما في قوله تعالى: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ [الصافات : 88], ولا تعني بحال نظر بعينه, لأن النظر بالعين متعد بإلى!)

والذي أعجب له أن بعض المسلمين يأولون أمثال هذه الآيات, فإذا كان الملاحدة يطعنون فيها لغلف قلوبهم, فما بال المسلمين لم يصدقوها؟!

إن الله تعالى قد قال إن النجوم أو الكواكب هي رجوم للشياطين, فما الذي يمنع ذلك عقلا؟! إن الرافض لذلك ينطلق من منطلق أن الكواكب والنجوم أجرام فلكية موجودة في كون عبثي لا غرض لها, لذلك فإن فعلها هو الدوران والدوران والدوران … إلى ما لا نهاية!

أما المسلم فهو يؤمن أن لها فلك تسبح فيه, إلا أن هذا ليس عبثا, فهي لتزيين السماء, ولنهتدي بها, كما أنه لا يوجد من أن تؤدي أدوارا أخرى فتكون رجوما للشياطين, وذلك لا يعني أنها تترك أفلاكها لترجم الشياطين, فإذا كنا نسلم لها مدارات محددة لا تخرج عنها, إلا أن هذا لا يمنع أن يخرج منها شظايا فترجم الشيطان بينما الكوكب نفسه في فلكه!
إذا فالحديث هنا عن خلق الله المحيط بالإنسان, وليس عن السماوات السبع!

[1]كنا قد عرضنا لهذه الكلمة: فطر, عند تناولنا لسورة الانفطار, في كتابنا: القرآن سورة واحدة, جزء عم نموذجا, وبينا خطأ الفهم السائد لها, وقلنا هناك:

عامة المفسرين على أن المراد من الانفطار هو الانشقاق, وأنه مثل الوارد في سورة الانشقاق: “إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ [الانشقاق : 1]”, وليس هذا مثل ذاك بداهة, فهذا معنى وذاك آخر. ويعكر على قولهم هذا قوله تعالى: “تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً [مريم : 90], ولو كان الاثنان بمعنى واحد لما فرق الله بينهما في الآية!
وينسون كذلك أن السماء والأرض تُفطر دوما في الدنيا: “الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً ….. [فاطر : 1]”,
فالله فاطر السماوات والأرض, وهن “مفطورات” أبدا في الدنيا, أما في الآخرة فهي “منفطرة”: “السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً [المزّمِّل : 18]“.
والناظر في المقاييس يجد ابن فارس يقول:
“الفاء والطاء والراء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على فَتْح شيء وإبرازهِ” اهـ
وبقريب من هذا نقول, فنحن نرى أن الفطر هو تمدد أو انبعاج الشيء بسبب دفع أو ضغط, فإذا زاد الضغط والدفع فُتق الشيء –لاحظ الشبه بين فتق وفطر مبنى ومعنى, وانتهاء الفتق والشق والفسق بالقاف-,
ولا يمكن أن يكون الفطر بمعنى الشق أو الفتق أبدا لأنه مما انتهى بالراء, وهي تفيد التكرار لا القطع, بخلاف القاف التي تفيد القطع. ويبرهن على فهمنا هذا قوله تعالى: “الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ [الملك : 3]”,
فالحديث في الآية عن تفاوت, وسؤال عن عدم انتظام أو اعوجاج في خلق الله, والعجيب أن السادة المفسرين جعلوها بمعنى “الفروج والشقوق!”.
وإذا فهمنا الفطر على هذا المعنى أمكننا أن نفهم الآيات التي تتحدث عن خلق الإنسان, مثل قوله تعالى: “يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ [هود : 51]“, فهل المقصود أن الإنسان شُق في خلقه أم أن الخلية تتمدد وتتحور إلى أن تصل إلى شكل الإنسان؟
ونفهم قوله تعالى: “فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ….. [الروم : 30]“, أي الشكل الذي شكل الله الناس عليه.” اهـ

فإذا تركنا آية تبارك, وجدنا أنهم يستدلون كذلك بآيتين وردتا في سورة نوح, وهما قوله تعالى:
“أَلَمْ تَرَوْاكَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً [نوح :15- 16]”
فيقولون أن الآيات تتحدث عن سماوات سبع يراها قوم نوح! بالعين المجردة بدون مناظير, وأن القمر فيهن نورا, فلا يمكن أن يكون ذلك إلا إذا كانت السماوات السبع هي هي أفلاك السيارات السبعة المعروفة!!!

ونعجب من تقويلهم الآيات ما لم تقل, فالآيات لا تتحدث عن رؤية سبع سماوات, وإنما تتحدث عن كيفية خلق سبع سماوات! وبما أنه ليس هناك واحد من البشر قد رأى خلق السماوات أو خلق الأرض! فإن الحديث هنا عن الرؤية القلبية! والتي تفيد العلم!

فسيدنا نوح يسأل قومه الذين علموا كيف خلق الله سبع سماوات (وغالبا أنهم عرفوا ذلك عن طريق آباءهم, والذين تلقوا ذلك عن الملائكة التي كانت تعلمهم! ومسألة السماوات السبع هي من النقاط التي قدمها الوحي إلى البشر في الرسالات المختلفة! وكذلك الإشارات إلى كيفية الخلق, فنجد ذلك في الكتب السابقة, وأيضا في القرآن!)
فإذا قال قائل: كيف يخاطبهم بما لم يروا بأعينهم؟

نقول: ليست العبرة بما يراه الإنسان بعينه, وإنما بما يعلمه ويصدق به, وكلنا نؤمن بأشياء ولم نرها قط, وآمنا بها من خلال سماعها من الثقات!
لذلك نجد أن الله تعالى خاطب أهل مكة بالعرش العظيم, ولم يروه ولم يره أحد من البشر! فقال:
“قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [المؤمنون : 86]”
فلأن أهل مكة كانوا مؤمنين بأن الله هو رب العرش العظيم خاطبهم بذلك.

فكذلك يذكر سيدنا نوح قومه بمعرفتهم بقدرة الله, أما أن القمر فيهن نور وأن الشمس سراج فهذا راجع إلى أن السماوات الباقية –كما قلنا- ليس فيها كواكب أو نجوم, فالسماء الدنيا هي التي زُينت بهذه الأجرام, ووجود القمر والشمس في السماء الدنيا لا يمنع من أن كونهما في الباقيات!

فإذا أنت وضعت قلما في حقيبة وكانت الحقيبة داخل حقيبة أخرى, والأخرى داخل أخرى, فهو فيهن!

ولا نريد أن نقع فيما وقع فيه السابقون, فالله أعلم بهيئة السموات الطباق, فربما يكون الأمر أقرب إلى ما نعرفه في زماننا هذا بالأبعاد! وفي هذه الحالة يكون القمر نوره في السماوات! كما لا ننسى أن للسماء أبوابا, فلا مانع من أن يكون نور القمر يصل إلى السماوات السبع عن طريق هذه الأبواب, خاصة إذا تذكرنا أن طبيعتها مختلفة عن سماءنا!

وبما أننا نتحدث عن الطبيعة وجهلنا بطبيعة السماوات نذكر إخواننا بأننا لا زلنا على جهل كبير بسماءنا وأرضنا التي نعيش فيهما! فنحن لا نزال نجهل الكثير والكثير من الظواهر التي تحدث حولنا, فكيف نفهم ما اختلفت طبيعته؟!
ومن ذلك الذي لا نريد الإقرار به عند حديثنا عن السماوات والأرض!!! ما ذكره القرآن من أنه يمكن وصفهما بأنهما “كائن حي” عاقل بقدر ما!

ونجد ذلك المعنى في آيات كثيرة, -تفضل السادة المفسرون بتأويلها!- منها قوله تعالى:
” فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ [الدخان : 29]”
فالسماء والأرض تبكيان, إلا أنهما لم يبكيا على فرعون وجنوده!
والسماوات والأرض تسبح وكل شيء يسبح:
“تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً [الإسراء : 44]”
وهذه الآية أكبر دليل على أن الفعل ليس مجازي (ولكن لا تفقهون تسبيحهم!)
خطاب السماوات والأرض لله:
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [فصلت : 11]
ومن ذلك إباء السماوات والأرض والجبال أن يحملن الأمانة المعروضة!

وأنا أعلم أن كثير من المفسرين يأولون هذه الآيات ويحملونها على المجاز! إلا أننا نأخذها كما هي, ونؤمن بأن الأجيال السابقة سترى فيها ما لم نره نحن فيها! وأنها متطابقة مع القرآن الكريم!

ومن الشبهات التي يستندون إليها, الفهم العقيم لقوله تعالى:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [الحج : 63-65]
فيقولون إن محمدا تصور السماء كشيء يمكن وقوعه على الأرض! ثم كيف يمكن وقوع كل هذا الكون العظيم على الأرض؟!
فنقول: الحمد لله الذي رد كيدهم في نحورهم
فالمتعارف عليه حاليا هو أن الفضاء ليس فضاء وإنما مكون من مادة سوداء! أي أنه مبني كما قال القرآن! لذلك فلا مانع ولا عجب من أن يسقط ذلك البناء المنصوب فوقها عليها!

أما قولهم: كيف يمكن أن يقع الكون كله على الأرض؟ فمن حمق القول!فعلى الرغم من إيماني الجازم أن الكون أصغر بكثيـــــــــر مما يدعي الفلكيون! إلا أنه على أي حال أكبر بكثير من الأرض! ونرد على قولهم بجملة واحدة تبين حمقهم, وهي:
“سقطت طائرة بوينج بالأمس على مواطن منحوس يدعى …..”
فكما سقطت الطائرة العملاقة على فرد, يمكن أن تقع السماء على الأرض!

وعلى الرغم من أن القرآن الكريم نعت السماء بالبناء في آيات عديدة, إلا أننا وجدنا أنصار الإعجاز العلمي للقرآن يدعون أن القرآن تحدث عن تمدد الكون! ويستندون في ذلك إلى آية وحيدة وهي قوله تعالى:

“وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ [الذاريات : 47]”
والمشكلة أن أنصار الإعجاز العلمي تنقصهم المكنة اللغوية اللازمة, كما أنهم لا يجرون البحث الكافي للتأكد من معنى الكلمة, ولذلك قالوا أن الوسع بمعنى التمدد!! ولست أدري كيف يكون البناء متمددا؟!!

إن البناء في اللغة يشير إلى الثبات! واستعملوه بهذا المعنى في علم النحو! فكيف يكون الثابت متمددا؟!
ثم من قال أن الوسع أصلا يفيد التمدد, إنه يفيد الإحاطة والكفاية! ويمكن للقارئ الكريم أن يبحث بنفسه عن “وسع” في القرآن فسيجدها دوما بهذا المعنى! وأشهر مثال لهذا هو قوله تعالى:
“اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة : 255]”
وربما كان من الممكن قبول قولهم هذا إذا استعمل كلمة “فسح”! أما وسع! فلا تكون بحال! إن الآية تتحدث عن إحكام بناء السماء وكيف أنها محيطة كافية غير ضيقة!

ونعرض هنا ما ذكره الإمام الفخر الرازي عند تناوله لهذه الآية حيث قال:
“أن البناء باق إلى قيام القيامة لم يسقط منه شيء ولم يعدم منه جزء ، وأما الأرض فهي في التبدل والتغير فهي كالفرش الذي يبسط ويطوى وينقل ، والسماء كالبناء المبني الثابت ،
وإليه الإشارة بقوله تعالى : { سَبْعاً شِدَاداً } [ النبأ : 12 ]
وأما الأراضي فكم منها ما صار بحراً وعاد أرضاً من وقت حدوثها . …………. وقوله تعالى : { وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } فيه وجوه أحدها :
أنه من السعة أي أوسعناها بحيث صارت الأرض وما يحيط به من الماء والهواء بالنسبة إلى السماء وسعتها كحلقة في فلاة ، والبناء الواسع الفضاء عجيب فإن القبة الواسعة لا يقدر عليها البناءون لأنهم يحتاجون إلى إقامة آلة يصح بها استدارتها ويثبت بها تماسك أجزائها إلى أن يتصل بعضها ببعض .
ثانيها : قوله : { وإنا لموسعون } أي لقادرون ومنه قوله تعالى : { لاَ يُكَلّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } [ البقرة : 286 ] أي قدرتها والمناسبة حينئذ ظاهرة.” اهـ

فكما رأينا فليست الوسع بحال بمعنى التمدد! ونحن نجزم استنادا إلى الآيات الكثيرة التي تحدثت عن بناء السماء إلى أن الكون ثابت لا يتمدد بحال!
والسنون بيننا!

وبهذا نكون قد أنهينا حديثنا عن السماوات والسماء في القرآن الكريم, وبينا فيه أنه لا تداخل في المداليل وأن القرآن يقدم وصفا منطقيا علميا راقيا لا عوج فيه, وأن العوج في أذهان القارئين للنص القرآني!
أعاذنا الله أن نكون منكم ومتعنا بالفهم والفقه والسلام عليكم ورحمة الله!

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

اجتهاد جديد غير مسبوق حول صدقة الفطر

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد وسلام على عباده الذين اصطفى، ثم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.