التأدب مع الله! (مباحث جد خطيرة!)

حديثنا اليوم بإذن الله وعونه هو عن التأدب عند دعاء المولى سبحانه! وكيف أننا لا نراعي جناب الله تعالى جده عند دعاءه!

ولقد اكتشفت هذا الأمر عرضا! فلم يكن بدأ بحثي حوله, وإنما كان حول كلمة “اللهم”! فقد كنت أتساءل: ما هو أصل هذه الكلمة, وماذا تعني؟!
وكنت أنشغل عن البحث عنها اكتفاءً بما قيل فيها! ثم لاحظت ذات مرة الشبه الكبير بين كلمة “اللهم” وكلمة “ألوهيم” الواردة في كتب اليهود!

فأجريت بحثا عن هذا الموضوع فوجدت أن هناك من يقول أن العرب –ومحمد تباعا- أخذ هذه الكلمة من اليهود كما هي بدون أن يغير فيها شيئا!
ووجدت من المسلمين من لا يطعن وإنما يتقبل أن الكلمة مما نُقل عن العبرانية, ومن ثم أصبحت من المفردات العربية!

ولما كنت مقتنعا تماما الاقتناع أن العربية لم تأخذ يوما من العبرية شيئا! لأن الأصل لا يأخذ من الفرع! وإنما العبرية –كلغة من لغات اللسان العربي- هي التي تأخذ وتحور! عزمت البحث عن أصل هذه الكلمة “اللهم” لأثبت أن هذه الكلمة ذات أصالة في اللسان العربي! ومن ثم تكون العبرية هي المتطفلة على العربية وهي التي أخذتها وحورتها إلى “إلوهيم”! وخاصة أن الكلمة لا تخلو من الإشكالات اللغوية في اللغة العبرية[1]!

فلما نظرت في كتاب الله تعالى ظهر لي ما ظهر بخصوص التأدب مع الله, وكذلك بطلان الكثير مما تعارفنا عليه من القواعد النحوية!
وقبل أن نبدأ هذه المباحث نذكر القارئ المسلم بالمتعارف عليه أن الله عز وجل كرم النبي الخاتم فلم يخاطبه باسمه قط, فلم يقل له مرة: يا محمد! وإنما كان يقول له: يا أيها النبي! يا أيها الرسول!


وهنا يحق لنا أن نتساءل:
إذا كنا قد تقبلنا هذا مع النبي الكريم, فكيف تجاوزنا هذا مع الرب القدير وأصبحنا نخاطبه مجردا! قائلين: يا الله؟!
قد يستغرب القائل هذا السؤال لتعوده على مخاطبة الرب العظيم باسمه مباشرة! وسيرد بأنه لا حاجب بين الرب والعبد وأن الله قريب من الإنسان فلا حاجة لوضع حواجز بين الإنسان وربه!

ونقول: لا اعتراض على هذا كله, فنحن لا نتحدث عن وضع حواجز أو فواصل وإنما عن اللفظة التي نخاطب بها المولى! وأن “يا الله” مما لا يقبل مع الله! وذلك لأسباب عدة:

1- أنه خطاب للعلي العظيم بدون تعظيم! فإذا كنا نستعمل الألقاب مع بني البشر من قبيل: أستاذ/ حضرتك, أفلا يكون من الأولى أن نعظم الله عند خطابه!

2- لم يرد “يا الله” في القرآن الكريم كله في موضع واحد! كما أنها لم ترد في السنة إلا في روايات قليلة جدا, وهي روايات تتأرجح بين الضعيف والموضوع! (تبعا للتقييم بالسند أم للمتن فهي موضوعة[2]!) كما أنها لم ترد في الشعر الجاهلي!

3- الحرف “يا” لا يدخل أصلا على المحلى بالألف واللام, وعلى الرغم من أن لفظ الجلالة محلى بهما, إلا أن النحاة جعلوه الاستثناء الوحيد! وهو قول مرفوض, لعدم الدليل من النقل الصحيح على استثناءه!

4- عند إدخالنا “يا” على “الله” فإننا ننطق لفظ الجلالة نطقا خاطئا, فنحول همزة الوصل إلى همزة قطع! فننطقها: يا ألله! وهذا غير صحيح.

5- كيف يمكن قبول البديل وهناك الأصل الأصيل في القرآن, وهو: اللهم!

فإذا كان القرآن الكريم قد قدم لنا الأصل, فكيف نرضى بالبديل؟!

ونبدأ في تناولنا لآيات “اللهم” لنبين للقارئ أن ما أُمرنا به لخطاب الله هو “اللهم”, وكيف انحرفنا عنها, وكيف أن البديل الخاطئ عسّر علينا اكتشاف الأصل والتزامه!:

إذا نظرنا في كتاب الله تعالى وجدنا أنه سبحانه تحدث عن نفسه “الله” بصيغة الغائب أو المتكلم كثيرا, بينما لا نجد أن الله تعالى قد ذكر آية واحدة تعرض صيغة المخاطبة (الدعاء) مع الله! فلم نجد آية تحكي قول من يقول: يا الله! أو: الله! اغفر لي أو آتني …. إلخ.

وعلى العكس من ذلك وجدنا الكثير والكثير من الآيات التي تعرض دعاء الأنبياء والمرسلين والمؤمنين ربهم, فعلى سبيل المثال:

وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَرَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ [هود : 45]

إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً [مريم :3- 4]


رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْآمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ [آل عمران : 193]


وغير ذلك كثير من الآيات! ونلاحظ أنه على الرغم من كثرة هذه المخاطبات في القرآن, بصيغها المختلفة: رب, ربنا, إلا أنها كذلك لم تسبق ب “يا”, فلم نجد:
“يا رب” أو “يا ربنا” أو: ” يا ربي!”

إلا في موضع واحد, وهو شكوى النبي الكريم قومه لربه في اليوم الآخر:
وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً [الفرقان : 30]
(وسنناقش الحرف “يا” هذا بعد سطور قلائل!)

وهنا نتوقف ونتساءل:
إذا كان المرء لا يريد أن يدعو الله بصيغة الرب, فلا يريد أن يقول: رب! وإنما يريد أن يدعوه باسمه, فماذا يقول, إذا كان قول “يا الله” إساءة أدب؟!

نقول:
يقول, ما أمر الله به نبيه, وما عرفنا أنه دعاء أهل الجنة, وهو: اللهم! فهي الصيغة التي أمر الله تعالى بها نبيه, وأمرنا بها تباعا, وننظر في الآيات لنبصر بأعيننا:
وردت كلمة “اللهم” خمس مرات في كتابه العزيز في معرض مخاطبة الله عز وجل, إما أمراً بقولها, كما في قوله تعالى:

قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران : 26]
قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [الزمر : 46]

وإما إخبارا عن استعمال الناس لها في الدعاء, في الماضي والحاضر (في زمن النبي) والمستقبل في الجنة, كما في قوله تعالى:
“قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [المائدة : 114]

وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [الأنفال : 32]


دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [يونس : 10]”

والآيتان الأول دليل على وجوب استعمال هذه الصيغة “اللهم”, فلقد أمر الله النبي الكريم بأن يدعوه قائلا: اللهم …..!

ثم يحكي أن سيدنا عيسى استعملها في دعاءه (وحكايته سبحانه لاستعمال سيدنا عيسى -عليه الصلاة وله السلام- لها, دليل على أن بني إسرائيل كانوا يستعملونها, ومرجح لقولنا أن “ألوهيم” هي اللهم!)

ثم يحكي المولى استعمال العرب في زمن النبي الكريم لها! ولم يقل أنهم قالوا: يا الله!
وأهل الجنة دعواهم فيها سبحانك اللهم! وليس: سبحانك يا ألله! كما يقولها مؤلفو الأدعية في زماننا هذا!!

ولست أدري أي دليل أكبر من الأمر بها والحكاية عن استعمالها! وأما من يجادل ويدافع عن: يا ألله! بهمزة القطع! فندعوه إلى ترك المألوف والتفكر فيما يقول! وأنه يخاطب الرب القدير هكذا مباشرة!!!

فإذا تركنا هذه النقطة وانتقلنا إلى النقطة المترتبة عليها, وهي:
ما هي هذه الميم الزائدة في “اللهم”؟!
نقول: قدم علماء اللغة الأقدمون العديد من التوجيهات التي لا تستحق إلا أن توصف بالعجيبة! –إلا إنه لا عجب في نحو قائم على التقديرات! وعلى تقدير محذوفات لا عدد لها!- ولقد ذكر الإمام الفخر الرازي هذه التوجيهات في تفسيره, عند تناوله لآية آل عمران, حيث قال:

” اختلف النحويون في قوله {اللهم} فقال الخليل وسيبويه { اللهم } معناه:
يا الله، والميم المشددة عوض من يا! (مع إنه لا استعمال لها في القرآن ولا في السنة الصحيحة ولا في كلام العرب! ولم تظهر إلا متأخرة! –عمرو-)

وقال الفرّاء : كان أصلها: يا الله أم بخير! فلما كثر في الكلام حذفوا حرف النداء، وحذفوا الهمزة من: أم ، فصار { اللهم } ونظيره قول العرب : هلم! والأصل : هل ، فضم : أم إليها .

حجة الأولين على فساد قول الفرّاء وجوه:
الأول : لو كان الأمر على ما قاله الفراء لما صحّ أن يقال: اللّهم افعل كذا إلا بحرف العطف ، لأن التقدير: يا الله أمنا واغفر لنا، ولم نجد أحداً يذكر هذا الحرف العاطف.

والثاني: وهو حجة الزجاج أنه لو كان الأمر كما قال ، لجاز أن يتكلم به على أصله ، فيقال ( الله أم ) كما يقال ( ويلم ) ثم يتكلم به على الأصل فيقال ( وَيْلٌ أُمُّهُ )

الثالث : لو كان الأمر على ما قاله الفراء لكان حرف النداء محذوفاً ، فكان يجوز أن يقال: يا اللّهم ، فلما لم يكن هذا جائزاً علمنا فساد قول الفراء بل نقول: كان يجب أن يكون حرف النداء لازماً ، كما يقال: يا الله اغفر لي.
وأجاب الفراء عن هذه الوجوه، فقال :

أما الأول فضعيف، لأن قوله ( يا الله أم ) معناه: يا الله اقصد، فلو قال : واغفر لكان المعطوف مغايراً للمعطوف عليه فحينئذ يصير السؤال سؤالين أحدهما : قوله { أمنا } والثاني : قوله { واغفر لَنَا } [ البقرة : 286 ] أما إذا حذفنا العطف صار قوله : اغفر لنا تفسيراً لقوله : أمنا . فكان المطلوب في الحالين شيئاً واحداً فكان ذلك آكد ، ونظائرهكثيرة في القرآن.

وأما الثاني فضعيف أيضاً ، لأن أصله عندنا أن يقال : يا الله أمنا . ومن الذي ينكر جواز التكلم بذلك ، وأيضاً فلأن كثيراً من الألفاظ لا يجوز فيها إقامة الفرع مقام الأصل ، ألا ترى أن مذهب الخليل وسيبويه أن قوله : ما أكرمه ، معناه أي شيء أكرمه ثم إنه قط لا يستعمل هذا الكلام الذي زعموا أنه الأصل في معرض التعجب فكذا هاهنا.

وأما الثالث : فمن الذي سلم لكم أنه لا يجوز أن يقالّ : يا اللّهم, وأنشد الفرّاء :
وأما عليك أن تقولي كلما … سبحت أو صليت يا اللّهما

وقول البصريين : إن هذا الشعر غير معروف ، فحاصله تكذيب النقل، ولو فتحنا هذا الباب لم يبق شيء من اللغة والنحو سليماً عن الطعن، (والمشكلة أنهم قعدوا قواعد غريبة, ولما لم يجدوا لها دليلا من القرآن اختلقوا لها أبياتا شعرية يستدلون بها على تخريجاتهم التي لم تعرفها العرب!! –عمرو-)

وأما قوله : كان يلزم أن يكون ذكر حرف النداء لازماً فجوابه أنه قد يحذف حرف النداء كقوله { يُوسُفُ أَيُّهَا الصديق أَفْتِنَا } [ يوسف : 46 ] فلا يبعد أن يختص هذا الاسم بإلزام هذا الحذف.” اهـ

ولقد ذكر الإمام الفخر بعد ذلك رد الفراء عليهم, ولكنها تخريجات عجيبة كذلك! يشعر من يقرأها بأن اللسان العربي لسان لا منطقية فيه!! وكل هذا أن السادة النحويين وضعوا كلام البشر بمساواة كلام رب العالمين, بل وربما قدموه أحيانا فيختلقون بيت شعر يستدلون به, ولا ينتبهون إلى عشرات الآيات القرآنية, التي وردت مخالفة لم يقولون!

وبسبب هذه التخريجات العجيبة أصبحنا لا نستطيع أن نفهم كلام الله إلا بافتراض زيادات محذوفة, فإذا قرأنا مثلا قوله تعالى: ” قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ [الشعراء : 12]” أصبحنا نفهمها تلقائيا: يا رب!

ويجب أن نُقوم أذهاننا عن هذه الإضافة ونعود ألسنتنا على الدعاء بدون “يا” فلم يأت ذلك الحرف في دعاء واحد في القرآن, فنتعود على أن نقول: رب, ربنا أو اللهم أو إلهنا .. اغفر لنا وارحمنا … إلخ!

ونحن في غنى عن هذه التخريجات العجيبة, فليست الميم عوضا عن أي محذوف متوهم! وإنما هي للتعظيم والتفخيم!
والعرب تزيد الميم لتأكيد المعنى وتوكيده ولبيان زيادة سمة الشيء, ولقد أورد ابن منظور نماذج لهذه الزيادة في اللسان, فعند حديثه عن الجَذعَمة, قال “الجذعمة: الصغير. وفي حديث علي: أسلم أبو بكر رضي الله عنهما، وأنا جذعمة، وأصله جذعة، والميم زائدة، أراد: وأنا جذع أي حديث السن غير مدرك، فزاد في آخره ميماً. كما زادوها في الابن فقالوا: ابنم, كما ورد ذلك في شعر حسان رضي الله عنه:

ولدنا بني العنقاء وابني محرق فأكرم بنا خالاً وأكرم بنا ابنما
ومما أورده ابن منظور في اللسان:
“الزرقم: الازرق الشديد (بوزن فرح) والمرأة زرقم أيضا، والذكر والانثى في ذلك سواء، قال الراجز: ليست بكحلاء ولكن زرقم * ولا برسحاء ولكن ستهم. وقال اللحيانى رجل أزرق وزرقم، وامرأة زرقاء بينة الزرق وزرقمة” اهـ

والحق يقال فلقد استغرق الوصول إلى هذا التوجيه فترة طويلة, فأخذت أبحث هل قال بهذا التوجيه آخرون, فهذا مما يزيد النفس اطمئنانا –ويشجع الآخرين على تقبله!- فوجدت أن الإمام ابن القيم يحكي أن هناك من قال به ويؤيده, ثم يعلل إلحاق الميم بلفظ الجلالة تعليلا لغويا طيبا, يغني المرء عن الكتابة حوله!


لذا فإننا سنكتفي بإيراد ما قاله الإمام ابن القيم –رحمه الله- في كتابه “جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام”, حيث قال بعد أن رد على من يقول أن “الميم” عوض عن يا النداء, وأبطل حججهم:
“وقيل: زيدت الميم للتعظيم والتفخيم, كزيادتها في “زرقم” لشديد الزرقة, “وابنم” في الابن, و هذا القول صحيح و لكن يحتاج إلى تتمة, وقائله لحظ معنا صحيحا لابد من بيانه.


وهو أن الميم تدل على الجمع وتقتضيه, ومخرجها يقتضي ذلك, وهذا مطرد على أصل من أثبت المناسبة بين اللفظ و المعنى, كما هو مذهب أساطين العربية, وعقد له أبو الفتح بن جني بابا في الخصائص و ذكره عن سبويه, و استدل عليه بأنواع من تناسب اللفظ و المعنى, ثم قال: ولقد مكثت برهة يرد عليّ اللفظ لا أعلم موضوعه, وآخذ معناه من قوة لفظه, ومناسبة تلك الحروف لذلك المعنى ثم أكشفه فأجده كما فهمته أو قريبا منه, فحكيت لشيخ الإسلام هذا عن ابن الجني, فقال: وأنا كثيرا ما يجري لي ذلك, ثم ذكر لي فصلا عظيم النفع في التناسب بين اللفظ و المعنى, ومناسبة الحركات لمعنى اللفظ, وأنهم في الغالب يجعلون الضمة التي هي أقوى الحركات للمعنى الأقوى, و الفتحة خفيفة للمعنى الخفيف, و المتوسطة للمتوسط, فيقولون: “عزَّ يعَزُّ” بفتح العين إذا صلب “وأرض عزاز” صلبة، و يقولون” عزَّ يعِزُّ” بكسرها إذا امتنع, و الممتنع فوق الصلب, فقد يكون الشيء صلبا و لا يمتنع على كاسره, ثم يقولون: “عزَّه يعُزُّه” إذا غلبه

قال الله تعالى في قصة داود:{وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ}صّ: من الآية23, والغلبة أقوى من الامتناع, إذ قد يكون الشيء ممتنعا في نفسه, متحصنا عن عدوه, و لا يغلب غيره, فالغالب أقوى من الممتنع فأعطوه أقوى الحركات, و الصلب أضعف من الممتنع فأعطوه أقوى الحركات, و الصلب أضعف من الممتنع فأعطوه أضعف الحركات, و الممتنع المتوسط بين المرتبتين فأعطوه حركة الوسط. (……………)

ومثل هذه المعاني يستدعي لطاقة ذهن, ورقة طبع, ولا تتأتى مع غلظ القلوب, و الرضى بأوائل مسائل النحو و التصريف دون تأملها و تدبرها, و النظر إلى حكمة الواضع و مطالعة ما في هذه اللغة الباهرة من الأسرار التي تدق على أكثر العقول, و هذا باب ينبه الفاضل على ما وراءه { وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}النور:40, و انظر إلى تسميتهم الغليظ الجافي بالعتل و الجعضري و الجواظ كيف تجد هذه الألفاظ تنادي على ما تحتها من المعاني, (……….) ولو أطلقنا عنان القلم في ذلك لطال مداه, واستعصى على الضبط, فلنرجع إلى ما جرى الكلام بسببه فنقول:

” الميم” حرف شفهي يجمع الناطق به, فوضعته العرب علما على الجمع, فقالوا للواحد, ” أنت” فإذا جاوزه إلى الجمع قالوا: ” أنتم” و قالوا للواحد الغائب: “هو” فإذا جاوزوه إلى الجمع قالوا: ” هم”, وكذلك في المتصل يقولون: ضربت, ضربتم, و إياك, و إياكم, و إياه, و إياهم, نظائره نحو: به و بهم, و يقولون للشيء الأزرق أزرق فإذا اشتدت زرقته و اجتمعت واستحكمت قالوا: ” زرقم” و يقولون للكبير الأست: ” ستهم”.

وتأمل الألفاظ التي فيها الميم كيف نجد الجمع معقودا بها مثل: ” لم الشيء يلمه” إذا جمعه, و منه: ” لم الله شعثه” أي ما تفرق من أموره, ومنه قولهم: “دار لمومة” أي تلم الناس و تجمعهم, ومنه: {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمّاً} الفجر:19, جاء في تفسيرها: يأكل نصيبه ونصيب صاحبه, و أصله من “اللم” وهو الجمع, كما يقال: ” لفه يلفه”, ومنه : ” ألام بالشيء” إذا قارب الاجتماع به و الوصول به, ومنه: ” اللمم” وهو مقاربة الاجتماع بالكبائر, ومنه:” الملمة”وهي النازلة التي تصيب العبد, ومنه:”اللُمة”

وهي الشعر الذي قد اجتمع و تقلص حتى جاوز شحمة الأذن, ومنه: ” تم الشيء” وما تصرف منها, ومنه : “بدر التم” إذا كمل واجتمع نوره, و منه: ” التوأم” للوالدين المجتمعين في بطن, ومنه: ” الأم” وأم الشيء أصله الذي تفرع منه فهو الجامع له, و به سميت مكة أم القرى, والفاتحة أم القرآن, واللوح المحفوظ أم الكتاب, قال الجوهري: أم الشيء أصله, ومكة أم القرى, و أم مثواك : صاحبة منزلك, يعني التي تأوي إليها, و تجتمع معها, أم الدماغ: الجلدة التي تجمع الدماغ, و يقال لها: أم الرأس, و قوله تعالى في الآيات المحكمات:{ هُنَّ أُمُ الكِتَاب}آل عمران: 7, والأمة: الجماعة المتساوية في الخلقة أو الزمان, قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ}الأنعام: من38. (…………)


و إذا علم هذا من شأن الميم, فهم ألحقوها في آخر هذا الاسم الذي يسأل الله سبحانه به في كل حاجة و كل حال, إيذانا بجميع أسمائه و صفاته, فالسائل إذا قال : ” اللهم إني أسألك” كأنه قال أدعوا الله الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى بأسمائه و صفاته, (الله تعالى ليس له صفات, وإنما له أسماء حسنى فقط!, والقول بأن لله صفات قول ما أنزل له به من سلطان! –عمرو-)


فأتى بالميم بمؤذنة بالجمع في آخر هذا الاسم إيذانا بسؤاله تعالى بأسمائه كلها, (……..) وهذا القول الذي اخترنا, قد جاء عن غير واحد من السلف.
قال الحسن البصري: ” اللهم ” مجمع الدعاء.
وقال أبو رجاء العطاردي: إن الميم في قوله: ” اللهم” فيها تسعة وتسعون اسما من أسماء الله تعالى. وقال النضر بن شميل: من قال: ” اللهم” فقد دعا بجميع أسمائه.” اهـ

وقبل أن نختم هذا المبحث الهام نتوقف مع الحرف يا! ذلك الحرف الذي ادعى النحاة أن الميم في “اللهم” عوض عنه, لنتساءل:
هل هذا الحرف حرف نداء أصلا؟!!
إذا نظرنا في القرآن وجدنا أن الأنبياء والمرسلين والعباد الصالحين كان يدعون رب العالمين ب: “رب, ربنا, أو: اللهم” مباشرة, ولم يأت الحرف يا إلا في آية واحدة في سورة الفرقان, في قوله تعالى: “وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً [الفرقان : 30]”

فإذا تتبعنا الآيات التي ورد فيها حرف “يا” وجدنا أن الله تعالى لا يستعمل فعل النداء مثل: “نادوا أو نادت أو نادى” مع “يا”, وإنما يستعمل فعل “القول”! فمثلا:

“فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً [مريم : 27]”

“قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ [النمل : 29]”


“قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء : 69]”


والإحصاء التالي يظهر مرات ظهور فعل القول مع الحرف “يا” في القرآن:
جاءت تركيبة: “قال يا …” ستا وأربعين مرة!
و: “قالوا يا” إحدى وثلاثين مرة!
و: “قلنا يا” أربع مرات!
و: “قالت يا” أربع مرات!
و: “قلتم يا” مرتين!
و: “قيل يا” مرتين!

هذا بخلاف الآيات التي جاء فيها فعل القول مفصولا عن الحرف “يا”, مثل قوله تعالى: “وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [الصف : 5]”

بينما لم تأت “يا” مع النداء في القرآن كله إلا مرتين, مرة متصلة في قوله تعالى: “وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ [الزخرف : 77]”

ومرة مفصولة بكلام, في قوله:
“وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ [هود : 42]”

وقد يقول قائل: إن مجرد مجيئها مرة أو مرتين كاف لقبولها كحرف نداء!
فنقول: وأيهما أولى بالإتباع, الأعم الغالب أم القليل النادر؟!
وبغض النظر عن الكثرة أو الندرة فإنه لا يوجد شيء اسمه حرف نداء أصلا! وإنما هناك نداء ودعاء وقول!
فالنداء هو ما يقوله الإنسان مناديا, فعندما أصرخ في هاتف السفينة:
“إن الأمواج عاتية, والسفينة ستغرق ونحتاج إلى النجدة العاجلة”
فإن مجموع ما قلت هو النداء! أما أن يكون هناك حرف للنداء فهذا عجيب!
فإذا نظرنا في القرآن وجدنا أن هذا هو الاستعمال الغالب مع فعل النداء,

فمثلا:
فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران : 39]
ف (محتوى) النداء هو أن الله يبشره بكذا وكذا, ولا نجد “يا” هنا! وكذلك الحال في باقي الآيات, نجد ذكرا مباشرا للنداء:
“فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ [الأعراف : 22]

وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [الأعراف : 44]


َونَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ [الأعراف : 46]


وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ [الأعراف : 48]


وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ [الأعراف : 50]”


أو نجد “يا” ولكنها مسبوقة ب “أن” وذلك في آيتين فقط كذلك, وهما:
“فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [القصص : 30]


وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ [الصافات : 104]”

وعلى الرغم من ورود أمثال هذه الآيات القادمة, فإنهم يتقبلون أن “يا” حرف نداء!!:
” يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون [يس : 30]”

” وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً [النساء : 73]”


” قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ [الأنبياء : 14]”


فهنا نجد أن “يا” دخلت على ما لا يُدعى أو يُنادى أو يعقل بحال! فكيف تكون حرف نداء؟!
ولم يغفل النحاة عن هذه الآيات, فلقد وجهوها توجيها جيدا, فقالوا أن العرب ينادون ما لا يُنادى في الحقيقة لإظهار الاهتمام وتنبيه السامع!

ونقول نحن:
ليس هذا هو الاستعمال الفرعي ل “يا” وإنما هو معناها الأصلي, فهي حرف للتنبيه وللمعاني الإنشائية من تعجب وتحسر ودهشة وشكوى وتمن!

وبهذا نفهم لماذا جاءت “يا” في أعم كتاب الله مرتبطة بالقول! ولا يعني هذا أنها لا تأتي مع النداء, فما هو إلا قول مخصوص, إلا أنها لا تفيد في ذاتها النداء, وإنما تفيد التنبيه, ولو نظرنا في الآيتين اللتين ورد فيهما حرف “يا” بعد النداء, نجد أنهما يتحدثان عن موقف عصيب لا يريد معه المنادي أن يفوت المنادى شيء مما يقول, فاستعمل حرف “يا” تنبيها, فأصحاب النار ينادون مالك بالقضاء عليهم ليرتاحوا من عذاب النار! وسيدنا نوح يريد أن ينبه ابنه الذي كان في معزل, فقال: يا بني!

وبالمعنى الثاني نفهم الآيةالوحيدة التي ورد فيها “يا” مع “رب”, فالرسول لم يكن يدعو ربه أن قومه اتخذوا القرآن مهجورا, وإنما كان يشكو ويتعجب منهم, لذلك قال: يا رب!

ولهذا نفهم لماذا لم يستعمل الله عز وجل حرف “يا” عند الحديث عن دعاءه ومناجاته, لأن الله تعالى لا يحتاج إلى تنبيه! فهو يجيب دعوة الداع إذا دعاه! وهو معنا أينما كنا وهو السميع البصير!

وبهذا نكون قد أظهرنا أنه من الواجب أن ندعو الله تعالى ب: اللهم, أو ب: رب أو ربنا أو إلهنا وأنه من إساءة الأدب قولنا: يا ألله, فلقد جعلناه غافلا يحتاج إلى تنبيه –تعالى سبحانه عن ذلك- كما أننا خاطبناه مباشرة بدون تعظيم!
كما بينا أن اللهم هي أصل ألوهيم وليس العكس

وأن الميم في اللهم هي للتعظيم والتفخيم وليست عوضا عن “يا” نداء مفترضة, بينا أنها ليست للنداء وإنما هي للتنبيه ولاستفتاح المعاني الإنشائية!
اللهم تقبلنا وتقبل منا واغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا!
والسلام عليكم ورحمة الله العظيم وبركاته!

_[1]كلمة ألوهيم واردة بصيغة الجمع، لانتهائها بالياء والميم , ولهذا ثببت هذه الصيغة إشكالا لدى أحبار اليهود منذ القدم، كما أن علماء النصرانية يستغلونها، ليثبتوا أن اليهودية ليست ديانة توحيد، وليؤكدوا صحة عقيدة التثليث !
إلا إن أحبار اليهود والمتخصصين في اللغة العبرية، لهم تفسيرات عدة لهذه اللفظة وصيغتها الجمعية, منها:

– أنها مفرد بصيغة الجمع.
_ أن الجمع لتأكيد الجلالة.
_ أن إضافة الياء والميم إلى بعض الأسماء في العبرية قد يأتي للدلالة على التجريد (abstraction) مثل لفظة “هاييم” التي تعني: الحياة.

بل إن هناك من يقول أن كلمة (إلوهيم) مركبة من لفظتين هما ” إيل” و”هيم”، ومعناهما معا: القادر عليهم.
وهناك من قال أن معناها: “إلاهنا” أو “إله الجميع”، بدليل أن كلمة “إلوهة” استعملت في 6 مواضع من “الكتاب المقدس” بصيغة الإفراد عند الحديث عن آلهة الأمم الأخرى.

[2]الروايات الواردة في السنة والتي تحتوي: “يا الله” نذكرها بلا تكرار, وهي:
ما رواه أبو داود عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ مِحْجَنَ بْنَ الْأَدْرَعِ حَدَّثَهُ قَالَ:
دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ قَضَى صَلَاتَهُ وَهُوَ يَتَشَهَّدُ وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ يَا أَللَّهُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. قَالَ فَقَالَ قَدْ غُفِرَ لَهُ قَدْ غُفِرَ لَهُ ثَلَاثًا”. والرواية ضعيفة سندا! مردودة متنا!

وما رواه الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي تَفَلَّتَ هَذَا الْقُرْآنُ مِنْ صَدْرِي فَمَا أَجِدُنِي أَقْدِرُ عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا الْحَسَنِ أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ وَيَنْفَعُ بِهِنَّ مَنْ عَلَّمْتَهُ وَيُثَبِّتُ مَا تَعَلَّمْتَ فِي صَدْرِكَ قَالَ أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَعَلِّمْنِي قَالَ إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَقُومَ فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَإِنَّهَا سَاعَةٌ مَشْهُودَةٌ وَالدُّعَاءُ فِيهَا مُسْتَجَابٌ وَقَدْ قَالَ أَخِي يَعْقُوبُ لِبَنِيهِ { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي }


يَقُولُ حَتَّى تَأْتِيَ لَيْلَةُ الْجُمْعَةِ فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقُمْ فِي وَسَطِهَا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقُمْ فِي أَوَّلِهَا فَصَلِّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ تَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةِ يس وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَحم الدُّخَانِ وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَالم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ وَفِي الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَتَبَارَكَ الْمُفَصَّلِ فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْ التَّشَهُّدِ فَاحْمَدْ اللَّهَ وَأَحْسِنْ الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ وَصَلِّ عَلَيَّ وَأَحْسِنْ وَعَلَى سَائِرِ النَّبِيِّينَ وَاسْتَغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلِإِخْوَانِكَ الَّذِينَ سَبَقُوكَ بِالْإِيمَانِ ثُمَّ قُلْ فِي آخِرِ ذَلِكَ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي بِتَرْكِ الْمَعَاصِي أَبَدًا مَا أَبْقَيْتَنِي وَارْحَمْنِي أَنْ أَتَكَلَّفَ مَا لَا يَعْنِينِي وَارْزُقْنِي حُسْنَ النَّظَرِ فِيمَا يُرْضِيكَ عَنِّي اللَّهُمَّ بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَالْعِزَّةِ الَّتِي لَا تُرَامُ أَسْأَلُكَ يَا أَللَّهُ يَا رَحْمَنُ بِجَلَالِكَ وَنُورِ وَجْهِكَ أَنْ تُلْزِمَ قَلْبِي حِفْظَ كِتَابِكَ كَمَا عَلَّمْتَنِي وَارْزُقْنِي أَنْ أَتْلُوَهُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي يُرْضِيكَ عَنِّيَ اللَّهُمَّ بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَالْعِزَّةِ الَّتِي لَا تُرَامُ أَسْأَلُكَ يَا أَللَّهُ يَا رَحْمَنُ بِجَلَالِكَ وَنُورِ وَجْهِكَ أَنْ تُنَوِّرَ بِكِتَابِكَ بَصَرِي وَأَنْ تُطْلِقَ بِهِ لِسَانِي وَأَنْ تُفَرِّجَ بِهِ عَنْ قَلْبِي ………..” قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ.

والحديث بتعليق الترمذي نفسه ضعيف! ومردود متنا لأسباب عديدة, منها قوله: “ساعة مشهودة والدعاء فيها مستجاب”, حيث لا تفرق الرواية بين إجابة الدعاء وقضاء الحاجة! فلا توجد ثانية في الزمن كله لا يستجاب فيها الدعاء! وإنما العبرة بقضاء الحاجة!

(ولقد ناقشنا هذه المسألة سابقا عند تناولنا لقوله تعالى: “وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان” وبينا أن الله يجيب كل دعاء ولكن هل يقضي حاجته كما يريد؟!
ويمكن للقارئ متابعة هذا التناول في موضوعنا: آيات الصيام نظرة تحليلية, في منتدى: آيات الأحكام في هذا الموقع!)
وما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه:
عن رجل يقال له ميكائيل شيخ من أهل خراسان قال : كان عمر إذا قام من الليل قال : قد ترى مقامي وتعرف حاجتي فأرجعني من عندك يا الله بحاجتي مفلجا منجحا مستجيبا مستجابا لي ، قد غفرت لي ورحمتني ….”
والرواية ضعيفة ولا تحتاج إلى تعليق!

وهذه هي الروايات التي استندوا إليها ولا ينهض واحد منها للاحتجاج! وهي مما وضع في القرون المتأخرة بعد فشو اللحن والجهل باللسان العربي!

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

نقد رفض التعقل

من الأقوال المستفزة والمنتشرة بين العدميين –وأشباههم وأنصافهم- مقولة:“لا يوجد معنى في الطبيعة … نحن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.