الكفر …. والتكفيريون!

حديثنا اليوم بإذن الله وعونه عن قضية من أخطر القضايا البارزة على الساحة الإسلامية وهي قضية “التكفير”!
ذلك الحكم الفظيع الذي كثيرا ما نقابله في مناقشات ومحاورات الإسلاميين! والذي بدأ وبكل أسف مع بدايات انتشار الإسلام بعد الرسول, فرمت به الفرق الإسلامية مخالفيها, وواصلنا نحن المسيرة متبعين سنتهم السيئة مكفرين غير المسلمين والمخالفين لنا من المسلمين, كما فعل من قبلنا!

ولم يتوقف أكثرنا ليتساءل: هل يستحق الآخرون هذا التكفير؟! هل هم كفار أصلا, أم أن وصفهم بهذا الاسم هو حكم جائر؟!

والعجب العجاب أن العوام يتحرجون من أن يكفروا إنسانا مسلما, بينما لا نجد هذا عند كثير من المحسوبين على التيار الإسلامي, وخاصة من الشباب!

ومما يأسى له المرء أنه لا يجد هذا الاندفاع محصورا في شباب الحركة الإسلامية, وإنما يتعداه إلى الشيوخ!! فنجد رميا بالكفر بسبب اختلاف في الحكم على قضية من قضايا الدين!!

والعجب أن الرمي بالكفر لم يعد مقتصرا على التيار السلفي, الذي كثيرا ما يُكفر أتباعه الآخرين لمخالفتهم أصول مذهبهم!! وإنما تعداه إلى فرق أخرى, حتى أننا وجدنا أن القرآنيين أنفسهم يرمون مخالفيهم كذلك بالكفر … بدون دليل!
ويجزمون بأن من فعل كذا وكذا فهو كافر! ومن يفعل كذا فقد غادر ملة الإسلام!!

ولست أدري ما الاختلاف بين القرآنيين والسلفيين إذا؟ فالقرآنيون يعيبون على السلفيين التشدد وهم أصبحوا متشددين مثلهم أو أكثر ويرمونهم بالكفر كما سبق ورماهم به السلفيون!!

ولست أدري ما هي اللذة التي يجدها بعض المحسوبين على التيار الإسلامي في تكفيرهم لغيرهم, واستثناءهم لأعداد كبيرة من المسلمين وإخراجهم من الملة ومن ثم الحكم عليهم بالكفر والخلود في النار!!

إن المفترض في الداعية إلى الله أن يُعرف بالخطأ ويدعو إلى تصحيحه, ولكن ليس من مهامه بحال إصدار الأحكام بكفر الآخرين وخلودهم في النار! فهو لم يشق عن صدورهم ليجزم بأنهم يعرفون الحق ويأبون إلا اتباع الباطل!

لذا سنتوقف مع “الكفر” في كتاب الله العزيز, لننظر في أي المواضع ذُكر, وبأي سبب جاء, لنبصر هل كان الحق مع هؤلاء التكفيريين, أم أنه جانبهم في تشجنهم هذا, وإدعاءهم امتلاك ناصية الصواب في أصول وفروع الدين!!

وأول ما نبدأ به هو أن نطلب إلى القارئ أن يقرأ ما كتبناه في أول مشاركتين لنا على هذا الرابط, والذي تناولنا فيه سورة الكافرون:
http://www.amrallah.com/ar/showthread.php?t=45
والذي عرضنا فيهما لكلمة الكفر, وبيّنا أن عامة المسلمين يستعملونها على غير وجهها!! وعدم دقة التفريق التقليدي بين المشرك والكافر!!

وقراءة المقال لازمة لمن يريد أن يتحصل على قراءة سليمة لمقالنا هذا!

وبيّنا أن الكافر هو الذي يعرف الحق وينكره ويصر على موقفه وينشط في الصد عن سبيل الله والجدال بالباطل, بينما المشرك خامل! وبيّنا كيف أنه من الممكن أن يكون الكافر معترفا بوجود الله! ولكنه لعدم إيمانه بالرسل ولحركته للتفريق بينهم يكون كافرا!

والنقطة الرئيسة التي نود التركيز عليها هو أن الكفر لم يأت في القرآن إلا مرتبطا بالله, أو برفض الدين كلية والرضى بالعقيدة الباطلة التي عليها الإنسان أو الرضى بالدنيا ورفض الآخرة, أو بعدم التحاكم إلى كتاب الله والرضى بشرع الغير!
واختصارا هو بعدم الاعتراف (رفض) واحد من أسس الدين الخمس وهي:
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً [النساء : 136]”
فهذه هي أركان الدين التي يؤمن بها الإنسان أو لا يؤمن:
الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
فكيف جُعل فهم آية أو آيات من القرآن بشكلٍ ما –محالف للمألوف- كفرا؟!

إن الأفهام تختلف من إنسان لآخر, والله لم يقل أن من يفهم القرآن بشكل كذا فهو كافر, وإنما أنزله كتابا بينا, وأمرنا بتدبره!
(ولقد فصلنا في كتابنا الأول: لماذا فسروا القرآن, الأسباب التي أدت إلى الاختلاف الشديد في فهم القرآن, وقدمنا المنهج الذي يحجم هذا الاختلاف بشكل كبير)
المشكلة أن كل فرقة ترى أن فهمها هو القول الفصل الجلي البين في القرآن, وأن الفرق الأخرى تجادل –على الرغم من معرفتها بالحق-!

فرأينا أن الشيعة قد كفروا أبا بكر وعمر وأكثر الصحابة! –على الرغم من أنهم لم يخالفوا القرآن- وإنما خالفوا أمر الرسول! (عمدا!!!)

وكذلك كفّر أرباب مدرسة الحديث السنية الفرق الأخرى, فكفّروا الشيعة والخوارج …, ولم يقتصر الأمر على الفرق غير أهل السنة, وإنما تعداه إلى المخالفين لهم من أهل السنة, الذين رأوا في أقوال مخالفة لكلام رسول الله –تبعا لفهمهم هم- ومن ثم حكموا بأن هذا “الاجتهاد” في مقابلة النص هو نوع من الكفر بعدم قبول لكلام رسول الله!
(على الرغم من أنه لا يوجد مسلم يرد كلام الرسول, وإنما النقاش والاختلاف كله حول ثبوت الكلام للرسول, فالذي يخالف الروايات يرى أنها لم تصدر إلى الرسول أصلا, وإنما نُسبت إليه زورا!)

ثم أتى القرآنيون في العصر الحديث وحكموا على كل المسلمين غيرهم بالكفر لأنهم يشركون بالله وبكتابه!! فيقدمون غيره عليه!
وهكذا سرنا على الدرب مقلدين لمن سبقنا في رمي مخالفينا بالكفر! ولم نتوقف لنتحاور حول مسلماتنا الأساسية, مثل أن كل غير المسلمين كفار!
فهل كل من هو ليس مسلما كافر؟!

فهل الإنسان الذي لم يسمع بالإسلام أصلا, أو سمع عنه سماعا مشوها مثل أكثر الأوربيين والآسيويين, الذين قدمنا لهم أسوء النماذج للإنسان المسلم فصددناهم عنه, كافر؟!
بم كفر وهو لم يعلم أصلا, ولم نبلغه الدين ولم نره صورة حسنة لأتباعه؟!

ولقد حاولت جمعية التجديد الثقافية البحرينية تقديم فهم دقيق للكفر وللكافرين, لا يقع فريسة للتعميم, فخلصت في النهاية أنه لا كافرين في زماننا هذا وأن الكفر يكون في زمن الأنبياء فقط!!

وهذا الاجتهاد عجيب! فإنه يعني أن القرآن بمفرده ليس حجة وإنما لا بد من وجود الرسول معه! وليس معهم أدلة قوية في قولهم بحتمية وجود الرسول!!
ولكن النقطة التي نتفق معهم فيها هي مسألة: عدم الاطلاع على القلوب!

فكيف للإنسان أن يعرف أن الآخر يرى في القرآن صدقا وعلى الرغم من ذلك يصر على عدم الإيمان به؟! وكيف نعرف أنه يعرف أن في فعله شرك ويفعله عمدا؟! وكيف نعرف أنه يريد أن يضل المسلمين بتقديم تأويلات عجيبة للكتاب؟! وكيف نعرف أنه يعرف الحكم الصحيح لقضية ولا يخضع له؟! وكيف نعلم أنه متكبر عن اتباع الرسول وليس أنه لا يرى صحة الحديث؟!

إن هذه الأمور مما لا يستطيعها الإنسان بحال, وإنما يستطيعها رب الناس المطلع على ما القلوب, والذي سيحاسب الناس على اعتقدوا!
ومن ثم فإنه من غير الممكن بحال رمي المسلم بالكفر, لأن هذا يعني أننا حكمنا بإطلاعنا على سريرته, وهذا ما لا يمكن بحال! وأقصى ما في الأمر أن نقول أننا نرى –وليس نجزم أو نحكم- ضلاله في هذه المسألة!

والعجيب أنه وجدنا من يقول بأنه “من لم يكفر الكافر فهو كافر”!! وظهرت المقولة وانتشرت وأصبحت كقاعدة شرعية!! على الرغم من أنه ليس دورنا هو تكفير الناس وإنما دعوتهم! لذا فإني أدعو إلى استبدال المقولة القادمة بالسابقة الباطلة, والتي تقول:
من لم يدع غير المسلم فهو مقصر!

إن تعاملنا مع غيرنا ونظرتنا إليه يجب أن تكون على بصيرة وبحكمة, فلا نضع غير المسلمين كلهم في سلة واحدة, فإنا وإن كنا نحكم بضلالهم, إلا أننا يجب علينا أن نفرق بين المجادل المعاند الصاد وبين المسالم الغير عارف بحقائق الدين كاملة أو ابتداءً!

ومن ثم فعلينا أن نعيد النظر مرة أخرى في بعض مسلماتنا, مثل تقسيم العالم إلى دار إسلام ودار حرب, فنجعله: دار إسلام ودار دعوة!
وهي المهمة والدور الأول للمسلمين في كل زمان ومكان, أن يدعوا غيرهم إلى الدخول في الإسلام بأن يعرفوهم به!
علينا أن نجعل نظرتنا إلى الآخرين على أنهم في ضلال وواجبنا إنقاذهم, وليس أنهم أشرار نُثاب باستئصالهم!!
كما نصحح فهمنا لمقولة مثل:
إن الكفر كله ملة واحدة!

فهي وإن كانت صحيحة, إلا أن المفهوم منها هو غير صحيح, فالذي يُفهم منها أن كل غير المسلمين سواء, وأنهم كلهم ضد المسلمين!

وهذه مقولة يكذبها الواقع والكتاب! فليس كل غير المسلمين كفار, وليسوا كلهم سواء, فنتعامل مع كلٍ حسب موقفه, فمن لا يعلم نعرفه, ومن يقاتل ندفعه, ومن يستفسر نعرفه …. وهكذا!

ولقد كنت أنوي أن أكتب حول هذه النقطة, فوجدت أن الدكتور زين العابدين الركابي قد كتب حولها فأحسن, فنعرض هنا ما قال:
“(الكفر ملة واحدة).. هذه مسلّمة وهمية. أو (ثابت وهمي) لا يفتأ يتردد على ألسنة مسلمين كثيرين وعلى أقلامهم ـ أمس واليوم ـ وكأنه (حقيقة لا ريب فيها).

ولقد اشرنا ـ في غير مقال ـ إشارات موجزة إلى هذه المقولة الخاطئة مستدلين بآية «ليسوا سواء» في موضعها وابانها، فجاء احد الخطّافين فساقها في غير سياقها.. وهذه ازمة الذين يتسرعون بالكتابة قبل ان يعلموا، او تكون لهم قدم راسخة في العلم والفكر. وهي ازمة سنعود الى الحديث عنها في قابل الايام ان شاء الله.

ان (الكفر ملة واحدة) عبارة غير صحيحة ترتب عليها علم غير صحيح، ومواقف غير سليمة. ولئن نقضناها من قبل ـ في ايجاز ـ بالآية الآنفة، «ليسوا سواء»، فإن هذا الدليل ليس مفردا ولا معزولا. بل هو (قاعدة واحدة) فحسب في سياق (منهج كامل)، حان وقت اجتلائه والصدع به، وهو منهج ذو براهين ساطعة ومستفيضة.. منها:
اولا: برهان التمييز بين طائفة وطائفة:
1 ـ «ودت طائفة من اهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا انفسهم».. و(من) لا تفيد العموم.
2 ـ «فآمنت طائفة من بني اسرائيل وكفرت طائفة».
ثانيا: برهان التفريق بين فريق وآخر:
1ـ «وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون».
2 ـ «نبذ فريق من اهل الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم».
3 ـ «وان فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون».
ثالثا: برهان الكثرة والقلة ـ وهو برهان تمييزي ايضا:
1 ـ «ود كثير من اهل الكتاب لو يردونكم من بعد ايمانكم كفارا حسدا من عند انفسهم».. كثير منهم.. وليس كلهم.
2 ـ «منهم امة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون».
3 ـ «وترى كثيرا منهم يسارعون في الاثم والعدوان».
4 ـ «ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا».
رابعا: برهان الاختلاف فيما بينهم:
1 ـ «وان الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد».
2 ـ «ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات».
3 ـ «وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء».

والواقع التاريخي يؤكد هذا الاختلاف العاصف.. اما (الوفاق) الذي جرى في العقود الاخيرة فهو وفاق سياسي لا عقدي يدل على ان العقائد الدينية تسخر وتستغل وتوظف في خدمة الاهواء اوالمصالح السياسية.
رابعا: برهان التباين في التصور والحكم والعلاقة:
1 ـ لو كان (الكفر ملة واحدة)، لما انحاز المسلمون ـ انحياز المؤيد المبتهج المتمني ـ الى الروم النصارى، ضد الفرس المجوس في الحرب التي كانت مشتعلة بين الطرفين ابان الطور المكي لمجيء الاسلام: «الم. غلبت الروم. في ادنى الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون.
في بضع سنين لله الامر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون. بنصر الله».. قال سفيان بن سنيد ـ في تفسيره ـ وهو شيخ البخاري:
«حدثنا حجاج عن ابي الزناد عن ابيه عن عروة بن الزبير عن نيار بن مكرم الاسلمي انه قال: لما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم: «الم. غلبت الروم. في ادنى الأرض» الى قوله «وهو العزيز الحكيم». خرج ابو بكر وهو يقرؤها بمكة رافعا بها صوته. فقال له رؤوس اهل امكة: ما هذا يا ابن ابي قحافة، لعله مما يأتي به صاحبك؟. قال: لا والله، ولكنه كلام الله وقوله تبارك وتعالى. قالوا: فذلك بيننا وبينك ان ظهرت الروم على فارس في بضع سنين، فراهنهم ابو بكر بفتح الروم على فارس دون التسع. فأسلم عند ذلك خلق كثير من المشركين..

واورد ابو جعفر الطبري عن ابن عباس انه قال: «كان المسلمون يحبون ان تغلب الروم على فارس لانهم اهل كتاب. وكان المشركون يحبون ان تغلب اهل فارس لانهم اهل اوثان».. ومعروف انه حين جاء النبأ بنصر الروم النصارى على الفرس المجوس الى مكة: فرح النبي، ومن معه من المؤمنين بهذا النصر: «ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله».. بنصر الله!!!

2 ـ ولو كان الكفر ملة واحدة ، لما فرّق القرآن بين موقفي اليهود والنصارى من المسلمين: «لتجدن اشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين اشركوا ولتجدن اقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى».

3 ـ ولو كان الكفر ملة واحدة، لسوّى الاسلام في التزاوج او الأنكحة بين الكتابيين والمشركين. فقد حرم الإسلام الزواج من المشركات: «ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن»، في حين احل الزواج من الكتابيات ـ يهوديات كن أو نصرانيات ـ: «اليوم احل لكم الطيبات وطعام الذين اوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم».

الخلاصة المفيدة:
العلمية والعملية
إن القرآن: كتاب (العدالة المطلقة) لانه كلام الله الحكم العدل، القائم بالقسط الذي وضع الكون على ميزان الحق والعدل والذي حرم الظلم على نفسه.. والقرآن ـ كذلك ـ: كتاب (الامانة العلمية) التامة، والمعيار الحق في النظرة الى الناس، وفي الوصف والتصنيف والتقرير والحكم، مثلا:
نقرأ في هذا الكتاب المجيد: «ومن اهل الكتاب من ان تأمنه بقنطار يؤده اليك».. وهذا الوصف بالامانة نزل في طائفة من اليهود، على الرغم من ان طوائف أخرى منهم عادت الاسلام والمسلمين عداء شديدا.. والفقه المستنبط من هذا: انه اذا كان فريق من الناس يبتعد عن الله ثلاثة امتار (المثل حجازي طبعا)، فإن القرآن لا يصف المسافة بأنها ميل فضلا عن ثلاثة اميال.. واذا كانت خطيئة انسان او قوم تزن رطلا او كيلو فلا يحل لمسلم ان يصفها بأنها قنطار او طن: «واقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان».

ان هذا التصوير المنهجي، والتصنيف الموضوعي، والميزان القضائي، والحكم العادل: تنبني عليه نظرة واقعية عملية، ورؤية دبلوماسية وحضارية حصيفة للعالم الانساني الذي يكتنفنا ونكتنفه.. أي تنبني عليه نتيجة او خلاصة علمية وعملية مفيدة، من صورها وصيغها: أ ـ ان الكفر ليس ملة واحدة. فبراهين المنهج اثبتت ان هناك تفاوتا واختلافا.

ب ـ تحديد (دائرة العداوات). ذلك ان عدم التحديد ذريعة الى الهياج، والى فوضى تصور العالم كله بأنه (عدو)، ولا سيما في هذه الظروف المشحونة بما يحبط المسلمين، ويؤذي مبادئهم ومصالحهم.
ج ـ ترتيب العداوات لئلا يوضع رقم (5) موضع رقم (1) او رقم (2). فهذا التخبط تعبير عن ضلال استراتيجي، وخيبة عملية تنفيذية.

د ـ التركيز البصير على كسب الاكثرية غير المعادية او ـ على الاقل ـ تحييدها لكي لا تتحول هذه المنطقة المحايدة ـ بتقصير الذات او تحريض الشانئ ـ الى اعداء: غدا او بعد غد!!

في نهاية المطاف نقول:
إن النظرة الاستعلائية إلى الآخرين هي التي تجعل كثيرين يحكمون على غيرهم بالكفر, ومن ثم فلا حرج ولا ضرر في إبادتهم أو امتصاص خيرهم! وهي نظرة لا يجوز للمسلم بحال أن ينظرها إلى غيرها, وإنما نظرته –كنظرة نبيه- نظرة الرحيم الذي يرى آخرين على ضلال ومن ثم يسعى لهدايتهم!

نعم قد نرى في أفعال الآخرين وأقوالهم ما يتنافى مع الدين, ولكن هذا من الشرك وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ [يوسف : 106]”
فالإيمان قد يخالطه شرك لا يشعر به الإنسان ويحتاج إلى من ينبهه, ولكن لا يمكن أن يجتمع الإيمان والشرك!!
إن من يرمي المسلمين بالكفر هو من أرباب: ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد!

و: قولي صواب لا يحتمل الخطأ وقول غيري لا يحتمل الصواب!
إن علينا أن نتجاوز هذه الصغائر التي جعلناها مثل أسس الدين, ونلتمس العذر لإخواننا من المسلمين ونحسن الظن بهم, من أنهم لن يصروا على خلاف أمر الله, فالمسألة كلها اجتهاد لم يصيب! فهل يستحق هؤلاء أن يكونوا كفارا؟!!
غفر الله لنا وللمسلمين, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته!

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

نقد رفض التعقل

من الأقوال المستفزة والمنتشرة بين العدميين –وأشباههم وأنصافهم- مقولة:“لا يوجد معنى في الطبيعة … نحن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.