بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربنا وخالقنا ومالك أمرنا، بيده الخلق والتدبير والتصريف، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وسلام على عباده الذين اصطفى، ثم أما بعد:
بادئ ذي بدء أود التنبيه إلى أنني لا أعني بالعنوان فرعاً من فروع “العقيدة” قائماً على الروايات! وإنما أعني بذلك مسلكاً جديداً في عرض وتقديم الروايات الواردة في كتب الأحاديث، يرفع من درجة موثوقيتها، حتى أنه يمكننا الحديث عن كتاب حديث سيكون أصح من كتاب صحيح البخاري –عند أهل السنة- كما أنه يعمل على التقريب بين المسلمين وإذابة قدر كبير من الحواجز المذهبية الكائنة بينهم.
وقبل الشروع في عرض الفكرة أود أن أُعرّف أن هذه الفكرة ليست جديدة، وإنما هي قديمة، فلقد راودتني وجالت بخاطري قبل ما يزيد عن خمسة عشر عاما، وكنت قد كتبت حولها في مبحث كبير –لم يُكتب له الاكتمال- فظلت حبيسة صدري وحبيسة المبحث* ، حتى رأيت أنها تستحق أن تُفرد بالكتابة بشكل مستقل، وذلك لأن أخذ خطوات في طريق “توحيد المسلمين”
والتقريب بين المذاهب الإسلامية هو مما يستحق التحرك له، فأقول وعلى الله الاتكال:
لم تكن رواية الأحاديث حكراً على “مذهب” أهل السنة، وإنما كان لجُل المذاهب روايتها الخاصة بها عن رسول الله، منها ما اشترك مع روايات أهل السنة، ومنها ما اختلف، -مثلما تفرد أهل السنة بروايات لم تظهر عند باقي الفرق الإسلامية.
والفكرة بكل بساطة هي تجميع الروايات المشتركة الموجودة في كتب الحديث عند كل الفرق الإسلامية! فمثلا هناك روايات رواها رجال أهل السنة وهي موجودة كذلك عند الشيعة وعند الإباضية .. مع ملاحظة أن بعضاً من الروايات المنسوبة للرسول عندها سنجدها منسوبة عند المذهب الشيعي لبعضٍ من آل البيت!!
(والذي سيدفعنا للتساؤل، هل كانت هذه الروايات من قول الرسول ثم نسبها رجال الشيعة لأئمتهم أم العكس، فهي كانت لآل البيت فنسبها بعض أهل السنة للرسول، أم أنها كانت من هذا وذاك؟!!)
وهذا التعاضد في الروايات –قد- يؤدي إلى رفع درجة صحة بعض الأحاديث (تبعا للمنهج التقليدي في التصحيح والتضعيف)، فقد تكون هناك رواية ضعيفة عندنا في كتب أحاديث أهل السنة فتتقوى بورودها عند الإباضية أو الشيعة، كما أن ورود الرواية بألفاظ معينة عند الشيعة أو الإباضية قد يكون مقوياً ومرجحا لهذه الألفاظ الواردة في رواية معينة عندنا –والتي قد تكون خالفتها روايات أخرى بذكر لفظ آخر-.
وما يجب أن نذكره ونضعه نصب أعيننا أن من معايير التضعيف عند علماء الحديث لدى أهل السنة، كون الراوي على غير المذهب!!! فكون الشخص متشيعاً أو إباضياً مؤيد لمذهبه، يكون كافياً لرد رواياته! وهذا شرط متعصب لا يصلح بحال في ميزان الصدق والكذب ولا بالميزان التاريخي! فتبعاً لمثل هذا الشرط فإن المفترض أن نرد الروايات التاريخية لغير المسلمين عن الإسلام والذين كانوا معاصرين لزمن بعثة الرسول! وهو ما لا يقول به أحد! نعم هناك احتمالية للتعصب وللرؤية من الزاوية الشخصية أو الدينية، ولكن لا يمكن الاستناد بأي حال لمثل هذا الشرط في رد الرواية!!
إن وجود مثل هذا الكتاب مفيد كذلك في قبالة طعون غير المسلمين، الذين يشككون في أحاديث الرسول وفي الوجود التاريخي له أساساً، فها هم أفراد من مذاهب مختلفة ومن بلاد متباعدة يروون نفس الروايات في نفس المرحلة الزمنية، وهذا يوهن تلك المطاعن والتشكيكات ويزيد الرواية الإسلامية الحديثية إجمالا موثوقية.
وبرواية رجال هذه المذاهب المختلفة لهذه الأحاديث فإن هذا يكون مقوياً –أو مصححاً-، وبهذا يمكننا أن نخرج فعلاً أصح كتاب حديث مقارنة بباقي كتب الحديث –وليس مقارنة بكتاب الله-، والذي سيلعب دوراً هاماً في تقديم “الأفكار” والآراء التي كانت سائدة في فترة بداية البعثة ومنتشرة بين المسلمين، بعيداً عن تلك التي “اختُلقت” لاحقاً ونُسبت إلى الرسول!
أعلم أن هناك من علماء أهل السنة من قام بقريب من هذه الخطوة، ولكن في نطاق كتب أحاديث أهل السنة، فهناك من قام بخطوة تجميعية مثل الإمام السيوطي في كتابه: “جمع الجوامع” أو الجامع الكبير، وفي العصر الحديث قام الشيخ صالح أحمد الشامي، في كتابه: معالم السنة النبوية، بخطوة تجميعية “اختصارية”، حيث اختصر ما يزيد عن 14 كتابا من كتب الحديث في كتاب واحد، حيث اختصر 28430 رواية –بعد حذف المكرر- إلى 3931 رواية.
وأعلم كذلك أن هناك من الباحثين من قام بمثل ما اقترحته، فقام بتجميع وقرن الأحاديث الواردة عند المذاهب المختلفة، ولكن يظل هذا العمل جهدا جزئياً، وذلك عند بحثه بشكل مقارِن في قضية ما، فجمع مثلاً الأحاديث المتعلقة بموضوع الطلاق عند أهل السنة والشيعة والإباضية، وهو قريب من كتب مقارنة الأديان والتي تقارن بين ما لدى المسلمين وبين الموجود في التوراة أو الإنجيل.
الشاهد أنه وجدت خطوات داخل المذهب، ووجدت خطوات متجاوزة للمذهب، ولكنها في نطاق بحثي جد محدود، بينما لم يقم أحد بإنشاء كتاب شامل لكل المشتركات .. يُقدم لعوام المسلمين يقرؤون فيه … باعتباره كتاب حديث بدون أي شروحات أو تعليقات .. اللهم إلا إذا كانت شرحا لمعاني المفردات!
إننا كلنا –باستثناء المتشددين في كل المذاهب- نرى أنفسنا مسلمين، ونسعى للتقارب ولإذابة الفواصل، ولكن هذا يظل كلاما إنشائيا لا يسانده واقع متحقق، بينما مع تجميع أحاديث رسول الله في كتاب واحد فإنه يضع لبنة في بناء وإنشاء أرضية مشتركة بين المذاهب الإسلامية الكبرى! ستلعب دوراً في التقريب بين المذاهب وتخفيف حدة العداء! فإذا كنا قد أخذنا قرونا حتى نستطيع أن نتجاوز الخلافات بين المذاهب الفقهية الأربعة والمذاهب العقدية الكبرى –لدى أهل السنة- ونتقبل الاختلاف ونعتبره اختلاف تنوع، فنحن بحاجة كذلك لأن نخطو الخطوة التالية في تجاوز الاختلافات مع المذاهب الإسلامية الكبرى، والتقريب.
في الختام أتساءل:
هل سيتطوع بعض دارسي الحديث! أو بعض الباحثين التاريخيين وبعض المهتمين بالتقريب بين المذاهب أو بعض المؤسسات الإسلامية الكبرى التي تدندن دوما حول التقريب والتوحيد، هل سيبادرون لإخراج هذا السفر الكبير؟! والذي سيكون جد مفيد للراغبين في البحث في “التاريخ الإسلامي” بشكل جدي؟!
أنا عن نفسي لا أعتقد أن “طلبة الحديث” التقليديين سيقبلون على هذا، لأنهم يرون أن روايات الآخرين هي ك “الهباء المنثور” وأنها مما لا يُعتد به! وأن فيما لدينا الغناء والكفاء والشفاء! وإن كنت أرجو أن يخيب ظني ويتطوع بعضهم للقيام بسبق جديد في خدمة “السنة”، وأن يأتي بما لم يأت به الأوائل!!
*حاولت بالفعل أن آخذ خطوات في هذا الاتجاه، إلا أن الظروف المادية آنذاك لم تساعد على هذا، ناهيك عن أني لم أجد تعاوناً من بعض المسئولين في المذاهب الأخرى! والذين نظروا إلى الفكرة باعتبارها شطح جديد لأحد الباحثين!