الإيمان أم … العمل؟!

نناقش اليوم بفضل الله وعونه قضية خطيرة في حياة كلٍ منا, وهي:
النظرية والتطبيق!
فنطرح سؤالا هاما, وهو:
أيهما أكثر أهمية ونفعا في حياة الإنسان والناس, المبادئ التي يؤمن بها ويتبعها أم الأعمال التي يقوم بها؟!

المشكلة التي نعاني منها نحن معشر البشر بجميع أطيافنا هي وجود انفصام بين النظرية والتطبيق! فنجد كثيرا منا يؤمن بعدد من المبادئ العظيمة, إلا أن إيمانه هذا لا يكون دافعا له لتطبيقها كما هي, وقليلٌ هم من يفعلون!
وهناك من الغربيين من لا يهتم بمسألة المبادئ هذه فلتكن سكيرا عربيدا زير نساء المهم أن تكون مكثرا من عمل الخير –تبعا لتصورهم للخير!-

وعلى النقيض نجد من يتكل على إيمانه هذا ويتيه به فخرا, ثم يكتفي بهذا!
وهذه مشكلة نعاني منها نحن معشر المسلمين أي معاناة!

فنجد أن كثيرا من المحسوبين على الإسلام يظنون أنهم لمجرد إيمانهم قد حازوا قصب السبق إلى الجنة! فهم من أصحابها وإن لم يعملوا إلا الأعمال القليلة والتي قد لا تتعدى مجرد التفوه ببعض كلمات على سبيل الذكر أو التلاوة, وإقامة بعض الشعائر التعبدية التي لا تنفع إلاهم! –هذا إذا أثرت فيهم أصلا!!

والمشكلة الأكثر إيلاما أننا نجد كثيرا من شبابنا الناشط على الشبكة المعلوماتية –أو على أرض الواقع- يجاهد من أجل ضم البشر إلى مذهبه, فتجد كل سعيه لأن يصبح المسلمون سلفيين –حتى يصبحوا من الفرقة الناجية!-
وتجد آخر يسعى لتصويفهم, ليصبحون من الزاهدين في الدنيا … الملعونة!

وتجد آخر وآخر ….
كلٌ يسعى لنشر مبادئ فرقته, ولا يبقى له بعد استنفاذ هذا الجهد في إقناع الآخرين أنه على صواب! ومن ثم فعليهم اتباعه! لا يبقى له ما يكفي من الجهد إلا لعمل عشوائي يأتي عامة الناس به أو بأكثر منه! هذا إذا أتى به!

فكثيرا من هؤلاء الأصناف لا تختلف تصرفاتهم سوءً عن غير المتدينين!
ولست أدري هل ستنهض أمة بلحى رجالها وبمسابحهم, أم برجال يجدون ويكدحون ويعطون أكثر مما يتقاضون؟!!
لذا فإننا نسأل المسلم الذي اطمئن إلى إيمانه –المكتسب وراثة أو إلى الفرقة! التي التحق بها!- ويظنه مفتاح الجنة الأعظم:
هل تعتقد أن إيمانك كافٍ لإدخالك الجنة؟! هل تعتقد –لأنك وُلدت مسلما أو لالتحاقك بفرقة ما- أنك أفضل من غير المسلم, الذي أفنى عمره في عمل الخير, ومساعدة الناس في مختلف أنحاء البسيطة؟!
ألا تظن أنك أكثر سوءً من غير المسلم, لمعرفتك بتلازم النظرية بالتطبيق, ثم بعد ذلك تصر على الافتخار بالنظرية –التي ورثتها ولم تصل إليها بنفسك- ولا تقدم في مجال التطبيق إلا الفتات؟!

قد يرى كثيرون أن غير المسلمين هؤلاء من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يسبون أنهم يحسنون صنعا!
فنقول: هذا في الآخرة, لمن عرف الإيمان وأصر على كفره! أما من لم يعلم فليس بكافر, وفي الدنيا لهم جزاءهم وأجرهم على عملهم, ومكاسب معنوية يحققونها لأممهم ولنظريتهم … المتهاوية!!

ونتساءل بعجب:
هل نظن أن جل الناس يعيشون في عالم المثاليات والنظريات, أو يعرفونها أصلا, أم أنهم ينظرون إلى النتائج المترتبة عليها؟!
فإذا كان ما يزيد عن تسعة أعشار الناس يقيسون النظرية بتطبيقها –وهم على حق في ذلك- فإلى متى سنظل مضيعين أعمارنا في الجدال النظري, ونترك التطبيق العملي لغيرنا! والذي يدفع البشر إلى تقليدهم واتباعهم!

لقد وعى سابقونا فطبقوا …. فسأل الناس عن نظريتهم وتصوراتهم!
أما نحن الآن فنريد أن لا ينظر الناس إلينا وإلى أحوالنا وأعمالنا, وإنما عليهم أن يقتنعوا أننا على صواب!!

وفي الختام نسأل:
بماذا نسمي الشخص الذي يؤمن بمبادئ ولا يعمل بها؟ هل نسميه مؤمنا؟!
ما فائدة النظرية بلا تطبيق, هل تعد مزية أم عبئاً؟!
ألا يساهم الأتباع –باللسان- بدون تطبيق في تشويه المبادئ؟!
هل تعتقد لأنك سلفي أو سني أو ذو معرفة كبيرة بالدين أفضل من عوام المسلمين الذين يسعون في عمل الخير في السر والعلانية؟!
بماذا نفعت المجتمع حتى الآن؟!
هل نفعك من أجل مذهبك أم لله, فتعطي وتساعد جميع البشر؟!
هل أنت ممن تلازم عندهم النظرية والتطبيق أم ممن ينظرون إلى البشر بنظرة استعلاء, لعدم اتباعهم للأفكار التي تؤمن أنت بها؟!
باختصار: هل أنت من الذين آمنوا وعملوا الصالحات؟ أم من الذين يظنون أنهم من الذين آمنوا –ثم لم يعملوا الصالحات-؟!!
والسلام عليكم ورحمة الله!

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

حول إنكار العقل الغربي ل “النظام الكبير”!!!

في إحدى اللقاءات المطولة على اليوتيوب عن اللغة وفلسفتها، ذكر المتحدث رأي دو سوسير، القائل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.