حديث الفرقة ….. الناجية!!!!!!!!!

نتوقف اليوم بإذن الله وعونه مع رواية من الروايات التي لعبت دورا كبيرا في تزكية التعصب في نفوس المتدينين وهي رواية –أو روايات- الفرقة الناجية, والتي جعلت كل المسلمين في النار إلا فرقة واحدة!

ومن ثم لم يعد عامة المسلمين على خير, وإنما “فرقة” واحدة منهم! أما الباقون فهم من أصحاب النار مهما عملوا ومهما قدموا ! فهم على ضلال, فما ينفعهم إن آمنوا بالله وبالرسول وباليوم الآخر وبالكتب وبالملائكة وعملوا صالحا, إن لم تكن باقي عقائدهم تبعا لفرقة من الفرق!

لذا نتوقف مع هذه الروايات لننظر هل من الممكن أن تكون قد صدرت عن الرسول الكريم!
إذا ابتدأنا نظرنا في هذه الروايات بجانب السند وجدنا أنها كلها –كلها- ضعيفة السند, وعند الحديث حولها نجد أن أصحاب مدرسة الحديث يقولون أن أسانيدها جيدة, وهذا يعني أنه من الممكن قبولها!! إلا أن بها من العوار ما بها الذي يجعلها لا ترتقي بحال لمرتبة الجودة! وإنما هي ضعيفة أو منكرة!!

ولن نتوقف طويلا مع مسألة السند هذه فسنجد من أرباب الحديث من يتفنن لتصحيحها, أو من ينقل بدون بينة عن مشائخه, وننتقل لمناقشة متن الحديث لننظر, هل هذا المعنى صحيح متفق مع أصول الدين أم هو مما ظهر في عصور التمزق والاختلاف , فزادها حدة!!

إذا نظرنا في الروايات الواردة بهذا الشأن, مثل الرواية القادمة:
افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة, كلها في النار إلا واحدة, وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة, وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة. وفي لفظ : على ثلاث وسبعين ملة. وفي رواية : قالوا : يا رسول الله, من الفرقة الناجية؟ قال : من كان على مثل ما أنا عليه اليوم, وأصحابي. وفي رواية : قال : هي الجماعة, يد الله على الجماعة} . صحيح مشهور ابن تيمية مجموع الفتاوى 3/345
نجد أنها تقرن مسلك الأمة الإسلامية باليهود والنصارى, فكما أن اليهود والنصارى تفرقوا فكذلك المسلمون! ولا إشكال في هذه النقطة, وهذا حادث وواقع ومتوقع! وإنما الإشكال كله في تحديد عدد الفرق!
ولو قيل أنهم تفرقوا على سبعين فرقة ونحن سنزيد عنهم لكان من الممكن القول بأن المراد من العدد الكثرة وأننا سنزيد عنهم!

أما أن تحدد الرواية عدد فرق اليهود والنصارى والمسلمين, فهذا مخالف للواقع!
فلم تكن فرق اليهود ولا النصارى ولا المسلمين بهذا العدد! ناهيك عن أن عدد الفرق الإسلامية في ازدياد, فما حكم هذه الفرق الإضافية؟!

هل تُلغى من تلقاء نفسها أم أنها واجبة الإدراج التلقائي في فرق أخرى؟!

إن هذا التحديد وحده كفيل بإسقاط هذه الرواية وعدم الالتفات إليها!
فإذا تركنا مسألة العدد الباطلة, وجدنا أن الرواية قد حكمت على ما يزيد عن 98% من المؤمنين بالله في العصور الأخيرة بالنار! ولن يدخل منهم إلا ثلة لا تناسب بينها وبين عدد المؤمنين الإجمالي!!
ولم يهتم المسلمون بمعرفة سبب دخول اليهود أو النصارى أو حتى المسلمين النار, وإنما سألوا عن الفرقة الناجية!! مع أنه كان من المفترض أن يسألوا لماذا أصبحوا من الضالين أصحاب النار؟!
إن هذه الرواية تؤصل لقاعدة أن دخول الجنة أصبح أمرا عسيرا يستلزم معرفة دقائق في الدين ومعرفة تاريخه والاعتقاد بأقوال طائفة معينة من العلماء! مع أن الله تعالى قال في كتابه الكريم:
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة : 62]
بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة : 112]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة : 277]
فالعبرة بالإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح, أما فروع المسائل فلا تقدم ولا تؤخر! فهي مسائل خلافية!
وعلى الرغم من ذلك حكمت الرواية على الأكثرية الساحقة بالنار!
فإذا تركنا هذه النقطة وجدنا أن الحديث عن “فرقة ناجية” هو كلام متناقض, لا يمكن قبوله بحال!
فالفرقة مرفوضة مذمومة في دين الله العلي, فطالما حدث اختلاف وتفرق فهذا بعد عن دين الله الواحد! فكيف تكون فرقة وتكون ناجية؟!

طالما أنها فرقة فهي ليست أصلا! وهي فرقة مثل غيرها وهذا يعني وجود نسبة ضلال! ولو كان الرسول أفصح العرب هو من قال هذه الحديث لما صاغه بهذا الشكل, ولقال –مثلا- أنه يزيغ عن الحق من أمته كذا فرقة, وتظل عليه جماعة أو أمة … الخ!

أما أن ينعت الجميع بالافتراق فهذا يعني أن كل الفرق قد خالفت بشكل من الأشكال, وهذا كلام متناقض, فمن المفترض أن الممسكين بالحق لم يفترقوا وإنما افترق غيرهم, وهم ظلوا وتمسكوا, ومن ثم فكان من الواجب أن أن يكون هناك حديث عن تفرق طوائف وتمسك طائفة بما هي عليه!! وهذه الطائفة ليست متفرقة!!

فإذا غضضنا الطرف عن هذا الخطأ التركيبي الذي لا يقع فيه الرسول الكريم ونظرنا في كتاب الرب العظيم وجدنا الله العليم:
إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [الأنعام : 159]
فنجد أن الله تعالى ذم التفرق في الدين, إلا أنه لم يقل أن المتفرقين من أصحاب النار, وإنما قال في الآية التالية:
مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [الأنعام : 160]
فقانون حساب الأعمال ساري في جميع الأحوال, فلن يبطل التفرق الأعمال ولن يجعل أصحابه من أصحاب النار حتما!!
إذا فالتفرق ليس حاكما بكون الإنسان من أصحاب النار وإنما مرجع هذا إلى الله, فجل إن لم يكن كل أصحاب الفرق يظنون أنهم يتبعون الدين الصحيح, والله وحده هو الأعلم بما في الصدور, ومن ثم سيحاسبهم على هذا!!

فإذا تركنا بطلان كون فرقة ناجية وانتقلنا إلى الجواب المفترض أن الرسول الكريم قدمه, وجدناه يجعل مقياس الفلاح هو الجماعة!! أي أن العبرة بالكثرة!! ولست أدري أي جماعة يقصد الرسول؟! فإذا كنت في بلد شيعي فالشيعة هم الجماعة والسنة قلة! وإذا كنت في بلد إباضي فكذلك!

ونجد أن رواية أخرى قالت أن العبرة بما كان عليه الرسول وأصحابه! ونعجب ونتساءل: من كان الرسول يكلمه أصلا؟ فمن المفترض أن الرسول كان يكلم الصحابة, فمن المفترض أن يقول: من هو مثل ما أنا وأنتم عليه!!
ولست أدري لماذا يدخل الرسول أصحابه في الدين؟! فلو كان قال أن العبرة بمن اتبعني, لكان الأمر مقبولا بدرجة! أما أن يجعل لأصحابه نصيبا من الدين فهذا هو العجب العجاب! فلقد اختلف الأصحاب فمن نتبع؟!

إن هذه الإجابة شبيهة بالرواية التي قالت أن الرسول لما ذهب ليقرأ القرآن على الجن ليؤمنوا فقالوا له من يشهد لك؟ فقال هذه الشجرة, فأتت الشجرة لتشهد للرسول!! فإذا كان الرسول قد أقر أن القرآن ليس بكاف واحتاج لآية حسية ليؤمن الجن, فهذا يعني أن الدين كله قد سقط, فلا بينة في القرآن نفسه!

وكذلك هنا, فبدلا من أن يقول الرسول أن الطائفة الأصل هم الذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة, أو يقول:
وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران : 103]
فبدلا من أن يقول أن العبرة بحبل الله القرآن, يقول لهم أن العبرة بمن كان على مثل ما هو عليه وأصحابه! وهكذا أصبح الرسول وأصحابه هم المعيار, وهؤلاء لن يعرفهم الإنسان بالقرآن, ومن ثم فعلى المؤمن حقيق الإيمان !!! أن يلجأ إلى أرباب الحديث ليخبروه بما كان عليه الرسول وأصحابه حتى يفعل مثلهم!!

ولست أدري بماذا آمن الإنسان إذا, وما الذي جعله يصدق أن ذلك الإنسان “محمد” رسول من عند الله! من المفترض أنه آمن بالقرآن أن محمداً رسول!

إلا أنه عليه أن يتبع الروايات والتاريخ ليصبح من الفالحين! أما حبل الله المتين وصراطه المستقيم فللقراءة فقط!!!
كما رأينا فالرواية باطلة من جميع النواحي, فكل جملة من جملها مناقضة للواقع وللتاريخ وللقرآن ولأصول الدين بل ولروايات أخرى –أصح منها سندا!- قالت أن من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه دخل الجنة!!

وعلى الرغم من ذلك نجد من يتمحك من أجل تصحيحها بشكل من الأشكال!!
إن هذه الرواية من وضع أنصار مدرسة الحديث لتأييد مذهبهم ولتنصيب أنفسهم حاكمين على القرآن وعلى الدين كله, وأقصوا بتطرف باقي المسلمين وحكموا عليهم أنهم من أصحاب النار!

وهكذا وجدنا صراعا مريرا بين المسلمين, كل يحاول أن يجعل نفسه هو الفرقة الناجية أو منها! ونشأت أجيال من المتعصبين تنظر إلى غيرهم باستعلاء لأنهم هم الفرقة الناجية …. مع أنه لا يمكن أن تكون فرقة … وتكون على صواب!!
هدانا الله وإياكم وأذهب من قلوبنا بذور العصبية الفارغة, وجعلنا على صراطه المستقيم … القرآن الكريم! إنه ولي ذلك والقادر عليه!!

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

اجتهاد جديد غير مسبوق حول صدقة الفطر

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد وسلام على عباده الذين اصطفى، ثم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.