وكل المسلمين تقريبا يذكرون قول الله تعالى:
ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات ليتخذ بعضكم بعضا سخريا
وكيف أننا مسخرون ل-خدمة- بعضنا بعضا.
ولكن أكثرنا يغفل عن أننا كذلك فتنة لبعضنا بعضا:
“وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ”
فكل منا فتنة .. اختبار وابتلاء وامتحان … للآخر
فالقوي فتنة للضعيف، هل سيسخط على ضعفه أم سيرضى أم سيحاول أن يتغلب على ضعفه،
وكذلك الضعيف فتنة للقوي، هل سيظلمه ويستقوي عليه أم سيحسن معاملته بالعدل والإحسان؟
وكذلك القبيحة فتنة للجميلة، هل ستسخر منها وتستعلي عليها أم أنها ستحسن المعاملة، وكذلك الجميلة فتنة للقبيحة!
وكذلك الغني فتنة للفقير والفقير فتنة للغني.
والكبير فتنة للصغير والصغير فتنة للكبير، هل يحسن تربيته وتهذيبه أم سيكسبه سيئ الأخلاق أم سيهمله أصلا؟
وكذلك الشاب فتنة للشيخ والشابة فتنة للعجوز، وكذلك الشيخ والعجوز فتنة للشباب هل يحسنون معاملتهم أم؟
وكذلك المرأة فتنة للرجل والعكس كذلك.
والعالم فتنة لغير المتعلم ومجموع عموم الناس فتنة للعالم.
وهكذا فكلنا كلنا فتنة لبعضنا بدرجة من الدرجات، وليس فقط تبعا لهذا التقسيم البسيط!
فقد يجتمع في إنسانة الغنى والجمال والنسب والشباب، فتكون فتنة لأكثر من صنف، ويكون كذلك أكثر من صنف فتنة لها!
فكيف ستتعامل معهم وكيف سيعاملونها!
وهكذا فكلُ منا مؤثر في غيره متأثر به، فاتن له مفتون به، وهكذا يمتد التفاتن ليشمل طبقات المجتمع كله وتياراته (والتي هي مجموعة أفراد ذوو مشتركات معينة)، فطبقة الأثرياء فتنة للفقراء، وطبقة الفنانين فتنة لغيرهم، وطبقة التجار مثلا فتنة للصناع، والتيارات الفكرية الرجعية فتنة للتقدمية والعكس والتيارات العنفية فتنة للسلمية والعكس … الخ
وتطرد القاعدة نفسها فتصدق مع المجتمعات ذاتها، فتكون المجتمعات/ الأمم فتنة لبعضها بعضا!
فهل تسرق المجتمعات القوية المجتمعات الضعيفة وتظلمها أم تحسن إليها وتمد لها يد الأخوة والعون، وهل تحاول المجتمعات الضعيفة إصلاح ما بها من خلل وعيب أم أنها تظل خانعة راضية بمد اليد، وباستغلال الآخرين لها، وهي تظن أنهم يحسنون إليها؟!
حول_التفاتن
تأصيل لكليةقرآنية_مجتمعية
الفلسفة التسييقية