هل يوجد مسلمون وأفارقة؟

يقينا يبدو السؤال غريبا، فمن شكك في وجود المسلمين أو الأفارقة سواء الحالي أو عبر التاريخ؟!!
ولكن هذا السؤال هو مدخل جيد للتعريف بأهمية “المنظور” الذي تُرى به الأمور، ثم تكوين التصورات -لا شعوريا- تبعا لهذا المنظور.

في الكتابات الغربية المعاصرة يتم رؤية العالم من خلال المنظور الغربي، حيث الغرب والرجل الأبيض في المركز والشرق الأقصى في الأطراف والحضارات القديمة في الناحية الأخرى، بينما يتم التغاضي عن المسلمين وإنجازاتهم وعن الأفارقة وإنتاجهم، كأنهم غير موجودين أصلا!
وهكذا فإن من يقرأ هذه الكتابات للغربيين، أو حتى للشرقيين الذين يقدمون لنا هذه الكتابات فإنه سيرى العالم من منظورهم، وسيرسخ لديه لا شعوريا أن الحضارة والفكر والعمل والتأثير والانتاج .. الخ هو عندهم، بينما نحن صفر على الشمال، ومن ثم ينتمي لهم فكريا وروحيا ويدافع عنهم .. الخ.

واسمح لي أن أقدم لك نموذجا واضحا من أحد أشهر مقدمي المحتوى المرئي في عالمنا العربي، وكيف يصيغ حلقاته -لا شعوريا**- صياغة غربية صرفة!
في الحلقة قبل الأخيرة له بعنوان: الملح، أخذ يتكلم في بداية الحلقة عن دور الملح في المجتمعات القديمة مثل الفرعونية والصينية والهندية، ثم طرح سؤالا على لسان المشاهد:
طيب والرجل الأبيض، ما تعرفنا كده عمل ايه وموقفه ايه؟!
(وكأننا كشرقيين مهتمين بالرجل الأبيض ومواقفه، بدلا من أن نسأل عن أنفسنا ودوره في حضارتنا وتاريخنا!!)
ثم انتقل باقي الحلقة -وهو الجزء الأكبر منها ربما ثلاثة أرباعها- للحديث عن الملح وماذا فعل الأوربيون به وكيف تجاروا للحصول عليه وكيف طور حياتهم وكيف وكيف .. الخ الحلقة.
واللقطة الوحيدة التي ذكر فيها المسلمين كانت في الحروب الصليبية، وكيف استخدم كلا الطرفين الملح في انتاج “قنابل” بدائية!

وهكذا فإنه يحق لنا أن نتسائل: أين نحن كمسلمين ذوي حضارة امتدت جغرافيا وزمانيا امتدادا كبيرا غطى منتصف العالم لما يزيد عن الألف عام، وأثر تأثيرا كبيرا في مسار العلوم وتطويرها وابتكرنا فيه الكثير والكثير من النظريات والتطبيقات، أين نحن كمسلمين في المسار العالمي؟!
الغربيون ومن ينقلون عنهم سيصمتون ولن يتكلموا عنا ولن يذكروا لنا أي دور، كأننا غير موجودين ولم نوجد يوما في التاريخ ولم نؤثر.
وكذلك الحال هناك صمت مطبق عن الأفارقة وأثرهم الحضاري والإصرار على تقديمهم كمجموعة من القبائل البدائية المتراقصة حول النيران، والتي جل همهم اصطياد الرجل الأبيض وأكله!

في الختام أقول لك صديقي القارئ:
أنت موجود ونحن موجودون وكنا مؤثرين زمانا ومكانا، ولكي نعود إلى هذا التأثير، يجب أن نرى أنفسنا وأن نؤمن بذاتنا وأن نبصرها، وأن نجعل غيرنا يبصرها، وأن نسلط عليها الضوء (كما يفعل الكل)، وأن نزينها ونكبرها في أعيننا وأعين أبنائنا، وكذلك علينا أن نسلط الضوء على إخوتنا الأفارقة والآسيويين الذين يعانون كذلك من التهميش مثلنا بدرجة كبيرة، فكلنا في خانة التهميش الغربي وخانة الظل عند الإنسان الأبيض، ويقينا علينا ألا نتقبل هذا، وعلينا أن نسعى أن نخرج إلى دائرة الضوء،
أو بتعبير أدق: علينا أن نجذب الضوء لنسلطه علينا! فنبصر أنفسنا ويبصرنا غيرنا! غير ذلك سنظل كأشباح يظن البعض أنها موجودة ويجادل آخرون في وجودها، هل وجدت يوما وهذه الأشباح أثرها، أم أنها لم توجد أصلا، وما هذه الأشباح إلا أوهام متخيلة!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
** لا أقول إن الغندور أو غيره من صانعي المحتوى هم من الأشرار الذين يطلقون الضحكات وهم يقومون بتجهيز الحلقات ثم يقولون: هاهاها، سنقوم بطمس الهوية الحضارية للمسلمين وللعرب .. سننسيهم أنفسهم .. سنجعلهم ظلالا للغرب … ثم يحتسون كأسا من النبيذ قبل أن يسجدوا لمجسد البيت الأبيض !!!
يقينا هم ليسوا كذلك، فهم لا ينتبهون إلى المنظور الذي انطلق منه الكاتب الغربي ولا إلى الفلسفة التي تحركه، وهم لا يبصرون ما يفعلون ولا إلى الدور الذي يقومون به، ويظنون أنهم يقومون بدور إيجابي في تبسيط العلوم .. بدون أن يدركوا أن “الدواء فيه سم قاتل”!

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

الأدب مع الله

سبحانك ربنا المتعالتباركت ربنا الكبيرجلت عظمتك يا عزيزمتفرد أنت بوحدانيتكمتكبر أنت عن كل مثلبةلك الكبرياء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.