الوفاء بالوعد !

حديثنا اليوم عن خلق تخلى عنه كثير من المسلمين غفلة وتهاونا على الرغم من أن التفريط فيه سائق لا محالة إلى النفاق .
وهذا الخلق هو خلق الوفاء بالوعد وبالعهد .
ومما يأسف له المسلم أن يجد الغربيين أشد ما يكونون حرصا على التمسك بهذا الخلق , لمعرفتهم بضرورته الجازمة في صلاح المجتمع , أما عندنا فنجد تهاونا أيما تهاون في هذا الخلق , فعلى الرغم من أننا نجد كثيرا من المسلمين يتحرجون من الكذب ولا يقدمون عليه ,
إلا أنا نجد أكثر منهم من هؤلاء الذين لا يرون في إخلاف الوعد حرجا أو ضيقا , لأته يحسب أن الكذب أو الخلق السيء هو تعمد الكذب أو تبيته ألا يفعل ! فيعطيك العهد والوعد على أنه سيأتيك في الساعة الفلانية ثم يأتيك بعدها بكذا وكذا من الزمان ثم يكتفي بالاعتذار بكلمات صغيرات وكأنه لم يفعل شيئا ,
وهناك فارق بين من خرج في ميعاده وتعطل في الطريق وبين من يخرج من بيته أساسا متأخرا ! ومنهم من يعدك بفعل كذا وكذا ثم لا يفعل وتكلمه في الشأن فيعطيك ميعادا آخرا ولا يوفي به أيضا وهكذا تستمر أنت في رحلاتك أو اتصالاتك المكوكية به ثم قد ينجز لك الأمر بعد أسبوعين أو شهر من الميعاد الذي حدده لك ! هذاإذا أنجزه على الرغم من الابتسامة العريضة التي أعطاها لك عند الاتفاق والتي تمنجك كل الثقة أن الشيء سينجز قبل وقته !

ومما يأسف له المرء أن هذا الأمر أصبح هو العام والقاعدة , فلم يعد المرء ينتظر من أحد أن ينجز ما وعد به في الميعاد المتفق عليه ويختلف الأمر في تقدير ميعاد التأخير المفترض !
وهنا يتساءل المرء : هل هذا من خلق الإسلام؟ بداهة ليس هذا من خلق الإسلام ولا الأنبياء وليس من صفات الله عزوجل نفسه ! فإذا نحن نظرنا في الكتاب وجدنا الله تعالى يقول :

” وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ , فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ , إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً , وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ , َوعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ , وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ “
والوفاء بالوعد والعهد من شيم الأنبياء الكرام , فنجد في وصف أبي نبينا إسماعيل : “وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً “

وهو من شيم نبينا الذي وصفه الله تعالى بأنه على خلق عظيم .ونورد لك عزيزي القارئ نموذجا واحدا على التمسك والالتزام بوفاء العهد والوعد من فعل الرسول وأن ذلك ليس من الرفاهيات :
«كان رسول الله (ص) واعد رجلاً إلى صخرة فقال : أنا لك هنا حتى تأتي ، قال : اشتدت الشمس عليه ، فقال له أصحابه : يا رسول الله ، لو أنك تحوّلت إلى الظل قال : وعدته هاهنا ، وإن لم يجئ كان منه الحشر»
لذلك ذم النبي الكريم من يخلف وعده وجعله من خصال النفاق , فنجد في الحديث الشريف :
” أربع من كن فيه فهو منافق خالص , ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب , وإذا وعدأخلف , وإذا عاهد غدر , وإذا خاصم فجر” ونجد كذلك :
عنعبد الرحمن بن يزيدقال : قالعبدالله :
 
اعتبروا المنافقبثلاث : إذا حدث كذب , وإذا وعد أخلف , وإذا اؤتمن خان : قال : وتلا هذه الآية : “ومنهم منعاهد الله لئن آتانا من فضلهإلىقوله : “نفاقا فيقلوبهمإلى قوله : بما كانوا يكذبون
فعجبا ممن يتحرج من الكذب وينسى خلف الوعد ,
أليس هذا من ذاك ؟ أليس كلاهما من خصال النفاق ؟ أم أننا نسينا أوامر ديننا ؟

لذا نحاول إخواني في الله أن نتخلق بأخلاق النبيين والمرسلين والتابعين لهم بإحسان , ونحاول قدر الإمكان أن نكون لهم من المقلدين المتبعين , ولا نترك هذه الأخلاق للغرب ونتهاون فيها , فبها انصلح حالهم 
أما نحن فلا نزال نشكو من الفوضى والفساد في بلادنا . فابدأ بنفسك وأصلحها وكن من الصادقي الوعد ولا تكن من المخلفين المنافقين أو ممن فيهم شعبة من النفاق فتكن على شفا حفرة من الهلاك , في الدنيا بإضاعة أمتك وأهلك وفي الآخرة تكن من الخاسرين وأعلم أن الأمة تحتاج إلى رجال تنهض بهم فكن من هؤلاء الرجال .

هدانا الله أجمعين وجعلنا من عباده المخلصين .

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

نقد رفض التعقل

من الأقوال المستفزة والمنتشرة بين العدميين –وأشباههم وأنصافهم- مقولة:“لا يوجد معنى في الطبيعة … نحن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.