حكم إلقاء السلام على غير المسلمين !

فمما يأسف له الإنسان المسلم أن يجد كثيرا من الأقوال والظنون والتي تلصق بالإسلام لصقا وهو منه براء , وأصبحت هذه الأقوال مطعنا لكل طاعن ومرمى لكل رام , وأصبح المسلمون يشعرون ببعد عن الدين واغتراب منه , لأن الدين أصبح بفضل هؤلاء المتصدين له دين لا يحتاج إلى منطق أو تبرير بل هو هكذا وهكذا فقط ولا بد أن تأخذه وتسلم بما فيه وإلا لست مسلما حقيق الإسلام !

 

ومن المسائل الكثيرات التي ظهرت وانتشرت بمنأى عن كتاب الله عزوجل وكناتج طبيعي لأخذ السنة منفردة وعدم وزنها بميزان القرآن الحكيم مسألة حكم إلقاء السلام على غير المسلمين . فما يضطر له الإنسان المسلم اضطرارا هو التعامل مع غير المسلمين ,
فمن العسير إيجاد ذلك المجتمع الذي يخلو من غير المسلمين وإذا وجدت بعض المجتمعات فهناك أخرى كثيرات يحدث فيها الاختلاط بل ونجد مجتمعات أخر المسلمون فيها يمثلون الأقلية, ويتساءل المسلمون عن حكم تعاملهم مع هؤلاء الآخرين من غير المسلمين , هل يجوز بدأهم بالسلام مثلما يبدأوننا به ؟ أم أنه من المنهي عنه ؟

وتأتي الردود المعلبة من بعض العلماء الذين ما نظروا في كتاب الله حق النظر وإنما يكررون ما قيل لهم في هذا الأمر ,
مستندين على فهمهم وفهم سلفهم
لبعض روايات السنة مع إهمال تام لكتاب الله عزوجللذا نبدأ بإذن الله وعونه في تناول هذه المسألة لنر ماذا يقول الله تعالى في هذا الأمر , منطلقين من المنطلق المتين أن الله تعالى ما فرط في الكتاب من شيء وأن السنة حتما ولزاما موافقة للكتاب .

إذا نحن نظرنا في لب الخلاف في هذه المسألة وجدناه ينحصر في حكم قول ” السلام عليكم ورحمة الله ” لغير المسلمين لأنها تعتبر من باب الدعاء !, أما غيرها من الأقوال مثل صباح الخير أو كيف الحال أو ما شابه فلا يتشدد فيها المتشددون . وكذلك يأتي الخلاف في مسألة كيفية الرد على غير المسلمين , فهل نرد عليهم كما ردوا علينا أم نكتفي بقول ” وعليكم ” ؟

ولحل هذا الخلاف ننظر في كتاب الله تعالى لنر ماذا يعلمنا الله تعالى في هذا الشأن ,
فهل ذكر الله تعالى في هذه مسألة إلقاء السلام على غير المسلمين شيئا ؟ سيقول سراع الخاطر : لم يذكر الله تعالى في هذا الأمر شيء وإنما جاء المنع من السنة . فنرد قائلين : إذا فأنتم ترون الله تعالى بالتفريط في الكتاب والإهمال في هذا الأمر ! أما نحن فنجل كتاب الله عن النقص ونقول :
 ما فرط الله تعالى في هذه المسألة بل وضح لنا كل أحوالها !

فإذا نحن نظرنا في كتاب الله تعالى وجدنا أنه ذكر ووضح لنا أن حكم إلقاء السلام على غير المسلم يتأرجح بين الوجوب وبين الإباحة أما مسألة الكراهة أو التحريم هذه فليست من دين الله تعالى في شيء , وننظر في كتاب الله تعالى لنر من أين أتينا بهذا الحكم :

إذا نحن نظرنا في خطاب الله تعالى للنبي بشأن الكافرين وجدناه “ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الزخرف : 89] ”
من المعلوم أن الأمر للوجوب ما لم يصرفه صارف في النص ! فالله تعالى يأمر النبي عند معاملة الكافرين الذين لا يؤمنون ” وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون ” بأن يصفح عنهم ويقول : سلام . وليس هذا هو حال النبي الكريم فقط ولكنه كذلك شأن من سبقه من الأنبياء ,
فإذا نحن نظرنا في حال خليل الرحمن إبراهيم وجدناه كذلك : فبعد جداله الكبير مع والده ماذا كان قوله : كان هذا قوله للأبيه الكافر “
َقالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً [مريم : 47] ” ويطرد الأمر مع غيره من الأنبياء فنجد أن سيدنا موسى يأمره الله تعالى ب : فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى [طه : 47]

ويطرد الوصف في حال المؤمنين كلهم , الخصوص منهم والعوام فنجد الله تعالى يقول : َوعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً [الفرقان : 63]
وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ [القصص : 55] “
فهؤلاء يخاطبهم جاهلون وعلى الرغم من ذلك يقولون لهم : سلام عليكم ! ويذكر الله عزوجل هذا الموقف في معرض الثناء والمدح ,
فكيف يأتي بعض هؤلاء التاركين للكتاب ليقول لنا أنه من المكروه أو الحرام أن نبدأ بالسلام على المسالمين من غير المسلمين ؟!

إذا فمسألة إلقاء السلام مأمور بها المتعرض للدعوة إلى دين الله عزوجل حتى يدخل الهدوء والقرار في نفس محدثه ( وسنجد مصداق ذلك في السنة المهملة أو المؤولة من قبل بعض المشائخ ) , ونحن المسلمين كلنا مأمورون بالدعوة فلا حرج من إلقاء السلام , وهي مباحة لأنه لم يقم أي دليل على الحظر في كتاب الله عزوجل .
فإذا نحن انتقلنا إلى مسألة رد السلام وجدنا الآية الجامعة المانعة التي تقول :

” وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً [النساء : 86] ” فجاءت الآية بصيغة المبني لما لم يسم فاعله على هيئة العموم , فليس لأحد أن يخصصها ويجعلها في المسلمين فقط . فنفهم منها أنه إذا حيانا أي إنسان كائنا من كان أن نرد عليه بمثل تحيته أو أحسن منها , لذلك وجدنا الإمام ابن القيم يقول :
 إن الكتابي إذا قال لك: (السلام عليكم ورحمة الله) فالعدل في التحية يقتضي أن يردّ عليه نظير سلامه، أي تقول له: (وعليكم والسلام ورحمة الله). ولا تكتفي بالقول (وعليكم) لأن هذا القول له سبب وهو أن اليهود كانوا يقولون للمسلمين (السام عليكم) فأمروا بالردّ عليهم بهذا النص (وعليكم). فإذا زال هذا السبب فقالوا: (السلام عليكم ورحمة الله) زال الحكم المذكور، ورجعنا إلى الحكم الأصلي. فالسبب هنا هو علة الحكم وليس فقط المناسبة التي نزل فيها. ” اهـ

وتتوالى الآيات تترا تصديقا لهذه الآية فنجد قول الله تعالى :
” َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً [النساء : 94]
وبغض النظر عن سبب النزول الذي رووه عن عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى: (( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا )) قالَ:
قال ابن عباس: كان رجل في غنيمة له، فلحقه المسلمون فقال: السلام عليكم، فقتلوه وأخذوا غنيمته فأنزل الله في ذلك (( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا )) 
” فإن هذه الآية دليل على أن غير المسلمين كانوا يلقون السلام على المسلمين ويردون عليهم , إلا أنهم في حالة الحرب تركوا هذا وخالفوا لذا جاءت هذه الآية .

وقد روي هذا القول ـ أي عدم التحريم ـ عن ابن عباس وابن مسعود وأبي أمامة وابن محيريز وعمر بن عبد العزيز وسفيان بن عيينة والشعبي والأوزاعي ، ونقل القرطبي في تفسيره عن الطبري قوله: وقد روي عن السلف أنهم كانوا يسلمون على أهل الكتاب، 
كما ذكر القرطبي نفسه عن ابن مسعود أنه فعله بدهقان صحبه في طريقه، قال علقمة: فقلت له: يا أبا بعد الرحمن أليس يكره أن يبدؤوا بالسلام؟ قال: نعم. ولكن حق الصحبة. و جاء عن ابن عباس :
عن عكرمة عن ابن عباس قال : ” من سلم عليكم من خلق الله فردوا عليهم وإن كان يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا ” .

حدثنا يحيى بن سليم عن زمعة بن وهرام عن طاوس قال
: كان إذا سلم عليه اليهودي والنصراني قال : علاك السلام. عن أبي أمامة أنه كان لا يمر بمسلم ولا يهودي ولا نصراني إلا بدأه بالسلام . ما ورد عن ابن عباس أنه كتب إلى رجل من أهل الكتاب : السلام عليكم . كان عبدالله بن مسعود وأبو الدرداء وأبوفضالة بن عبيد يبدأون أهل الشرك بالسلام . ‎‎ وكــــان عمر بن عبد العزيز يقول : (لا بأس أن نبدأهم بالسلام).‏ وهذا ما فهمه جمع من الأئمة، فقد سئل الأوزاعي عن مسلم مر بكافر فسلّم عليه، فقال : إن سلمتَ فقد سلّم الصالحون، وإن تركتَ فقد ترك الصالحون قبلك.‏ وكتب عمر بن الخطاب إلى أهل رعاش : سلام عليكم . ونقل العسقلاني في فتح الباري الجزء الحادي عشر صفحة 33 عن ابن أبي شيبة عن طريق عون بن عبد الله عن محمد بن كعب أنه سأل عمر بن عبد العزيز عن ابتداء أهل الذمة بالسلام فقال: نرد عليهم ولا نبدأهم. قال عون: فقلت له: كيف تقول أنت؟ قال: ما أرى بأساً أن نبدأهم. قلت: لم؟ قال: لقوله تعالى: {فاصفح عنهم وقل سلام } [سورة الزخرف، الآية 89].

فإذا نحن نظرنا في أقوال الفقهاء وجدنا بعضهم قال بهذا القول فهو قول ابن وهب وبعض الشافعية وبعض الحنابلة وإليه مال ابن عبد البر و حكى القاضي عياض عن جماعة أنه يجوز ابتداؤهم بالسلام للضرورة والحاجة أو لسبب، وهو قول علقمة والنخعي.

والناظر في منظومة الفقه الإسلامي هذه يرى عجبا , فنجد أن بعض هؤلاء الفقهاء القائلين بعدم جواز بدء غير المسلمين بالسلام يجيزون الزواج من نساء أهل الكتاب! فبالله عليك كيف تستقيم حياة إنسان من امرأة بدون أن يحييها هي وأهلها وكيف يتعامل معهم ؟! هل بالغلظة والعنف أم بالمودة والرحمة والسلام والمزاح وما شابه ؟!

إن سبب وجود هذه المشكلة الفقهية كلها هو ذلك التأصيل الفاسد الذي جعل بعض الفقهاء! يأخذون الأحكام من السنة بدون النظر في القرآن , لذا نجدهم قد أتوا على بعض الروايات مثل التي سنعرضها واستخرجوا منها الحكم وتركوا باقي الروايات وكل آيات القرآن والتي لا يجدوا فيها آية واحدة تؤيد ما يقولون , وهذه هي أشهر الروايات التي يستدلون بها :

استأذن رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليكم , فقالت عائشة رضي الله عنها وعليكم السام واللعنة . فقال يا عائشة إن الله تعالى يحب الرفق في الأمر . قالت ألم تسمع ما قالوا ؟ قال قد قلت وعليكم

حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي ح وحدثني يحيى بن حبيب حدثنا خالد يعني بن الحارث قالا حدثنا شعبة ح وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لهما قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال سمعت قتادة يحدث عن أنس أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن أهل الكتاب يسلمون علينا فكيف نرد عليهم قال قولوا وعليكم 

حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز يعني الدراوردي عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تبدؤا اليهود ولا النصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه

وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة حوحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا وكيع عن سفيان ح وحدثني زهير بنحرب حدثنا جرير كلهم عن سهيل بهذا الإسناد وفي حديث وكيع إذا لقيتم اليهود وفي حديثبن جعفر عن شعبة قال في أهل الكتاب وفي حديث جرير إذا لقيتموهم ولم يسم أحدا منالمشركين

سنن بن ماجة : حدثناابن نمير عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عن أبي عبد الرحمن الجهني قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني راكب غدا إلى اليهود ( أي في الحرب والغزو ) فلا تبدءوهم بالسلام , فإذا سلموا عليكم فقولوا : وعليكم

حدثناوكيع عن عبدالحميد بن جعفرعن يزيد بن أبي حبيب عن مرثدعن أبي نضرة الغفاري قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا غادون إلى يهود فلا تبدءوهم بالسلام , فإن سلموا فقولوا : وعليكم .

إذا فهذه هي الروايات التي استدل بها المانعون وعلى قولهم هذا فهناك تعارض بينها وبين سابقتها من الروايات المذكورة , فكيف نوفق بين هذه الروايات ؟
وفق بعض العلماء بين هذه الروايات وبعضها بالقول بأن هذه الأحاديث المذكورة بصيغة العموم كانت قد قيلت في موقف مخصوص وهو موقف الحرب , حيث أنه من غير المناسب أن ألقي السلام على من أذهب لأقاتله , لذا كان التضييق والاكتفاء ب ” وعليكم ” , ثم إن هذا الرد الشديد كان في مقابلة هؤلاء اليهود الذين بدأوا الرسول الكريم بقولهم ” السام عليكم ” , فما ذنب غيرهم من اليهود والنصارى وغير المسلمين عامة في زماننا هذا ؟ هل نحاسبهم بما اقترفه من لا يعرفون ؟ بداهة هذا لا يجوز بأي حال , فعندنا القاعدة القرآنية التي تقول : “وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [الأنعام : 164]” .

قد يقول البعض : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب , ونحن نأخذ الأحاديث الواردة في المنع كما هي , لا أننا نربطها بمناسبة الله أعلم بصحة ارتباطها بها . فنقول : مع أن هذه القاعدة يجب أن تكون مخصوصة بالقرآن فقط , إلا أنا نقول : على قولكم هذا فقد أوجدتم تعارضا ما انتبهتم إليه , ونبينه لكم من خلال التوفيق الذي أتى به العلامة اللبناني فيصل المولوي حيث يقول:

” جاء في سنن بن ماجة : حدثناابن نمير عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عنمرثد بن عبد الله اليزني عن أبي عبد الرحمن الجهني قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني راكب غدا إلى اليهود( أي في الحرب والغزو ) فلا تبدءوهم بالسلام , فإذا سلموا عليكم فقولوا : وعليكم ….. وردت رواية أخرى في صحيح مسلم. وقد رواها أيضاً أبو داود والترمذي وفيها: (لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام ..).

وفي رواية أبي داود، قال سهيل ابن أبي صالح: خرجت مع أبي إلى الشام، فجعلوا يمرّون بصوامع فيها نصارى، فيسلّمون عليهم. فقال أبي: لا تبدؤوهم بالسلام، فإن أبا هريرة حدّثنا عن رسول الله قال: (لا تبدؤوهم بالسلام ..).
الجمع بين الروايتين : ونلاحظ هنا ما يلي :

أ. أن الرواية الثانية لم تربط منع الابتداء بالسلام بحادثة معيّنة بل تركت الأمر على الإطلاق. فكأنّ سبب المنع هو كونه يهودياً أو نصرانياً، وبغض النظر عن وجود حالة حرب أو هدنة أو ذمة.

فالأخذ بهذه الرواية على ظاهرها، يؤدي إلى إلغاء العمل بالرواية الأولى، التي يعلّل فيها رسول الله النهي عن البدء بالسلام، بوجود حالة الحرب، إذ عند وجود المنع المطلق، لا حاجة للتعليل بظرف طارئ. بينما لو أخذنا بالرواية الأولى، لما احتجنا إلى إلغاء العمل بالثانية، ولكننا خصّصناه فقط في حالة الحرب.
وهذه الطريقة في الجمع بين الأدلة عن طريق إعمالها كلّها هي طريقة الأصوليين، وقاعدتهم في ذلك أن (إعمال الكلام خير من إهماله).“اهـ

ثم يقول في آخر المطاف :

“نستخلص من هذه الروايات ما يلي :
1- أن السلام كان معروفاً بين المسلمين واليهود ابتداءً ورداً باللفظ المعروف.
2- أن اليهود حرّفوا كلمة (السلام) إلى (السام) وأصبحوا يبدؤون أو يردون بذلك.
3- كان ردّ الفعل الطبيعي منع المسلمين من ابتدائهم بالسلام، ورد تحيّتهم بـ (وعليكم)، فإن ألقوا السلام ردّ عليهم بالسلام. وإن ألقوا السام ردّ عليهم بالسام.
4- منع المسلمون أن يردّوا على التحيّة السيئة بأسوأ منها، بل يكتفوا برد السيئة بمثلها كما ورد عن الرسول من نهي عائشة عن الزيادة عندما قالت لهم: وعليكم السام واللعنة. فأمرها أن تكتفي بـ (وعليكم).
5- إذا زال السبب – وهو أن أهل الكتاب يقولون للمسلمين (السام عليكم) وجب على المسلمين أن يعودوا إلى الأصل فيبدؤون بالسلام، ويردون التحية بمثلها أو أحسن منها وليس فقط بكلمة (عليكم) لأن الحكم يدور مع علته، وإذا زال سبب الحكم الاستثنائي رجعنا إلى الحكم الأصلي.” اهـ
نخرج من هذا كله بأن إلقاء السلام على المسلم وغير المسلم هي من المباحات التي أتى بها الإسلام فمن شاء فعل ومن شاء ترك ولا حرج ! والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
…….

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

حول إنكار العقل الغربي ل “النظام الكبير”!!!

في إحدى اللقاءات المطولة على اليوتيوب عن اللغة وفلسفتها، ذكر المتحدث رأي دو سوسير، القائل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.