حديثنا اليوم بفضل الله وعونه عن موضوع هام خطير! يعز علي أن أطرحه, ولكنه الواقع الذي نحياه ونعيشه, ويحتم علينا أن ننبه إليه! وهو:
أيهما تقدس أكثر: الله أم محمد؟! أيهما تعبد: الله أم محمد؟!
إذا طرحنا هذا السؤال على أي مسلم, فسيندهش كثيرا, وربما يغضب ويحمر وجهه وتنتفخ أوداجه, ويتساءل: كيف تطرح هذا السؤال, فلم يدع أي مسلم في يوم من الأيام أن هناك مقارنة بين الله تعالى والرسول الخاتم محمد بن عبد الله! ناهيك عن أن يكون أحد قد دعا إلى عبادة الرسول الكريم, فكيف تقول هذا؟!
نقول: نعم, لم يدع أحد إلى عبادة الرسول, فيجعله هو الإله! إلا أن الواقع يقول أن كثيرا من المسلمين يقدس الرسول أكثر من الله تعالى!
وحتى لا يعترض المسلم أو ينفعل ندعوه لقراءة السطور القادمة:
إذا ذُكر اسم النبي “محمد”, ماذا يفعل المستمعون أو المتكلم نفسه؟
يتبعه طبعا بالصلاة والسلام عليه[1],
ومهما تكرر ذكر اسمه فمن المستحب أو الواجب على المؤمن أن يصلي على النبي الكريم, وإن لم يفعل فهو من الخائبين الخاسرين! (كما ورد في حديث مختلق منسوب إلى الرسول وجبريل!)
بينما نسمع اسم الله تعالى يُذكر أمامنا مرارا وتكرارا فلا نحرك ساكنا ولا ننطق بكلمة, فلماذا التأدب مع الرسول دون الله؟!
(قد يقول قائل: الصلاة على النبي الكريم دعاء له, والله لا يحتاج إلى هذا الدعاء! فنقول: لو كانت هذه هي النية لما كان هناك إشكال كبير, ولكن من يقولها يذكرها كتأدب مع الرسول ومن لا يفعل فهو لا يقدر النبي, فأصبحت في النهاية كذكر للنبي!!!)
من غير المقبول أن يذكر مسلم اسم الرسول هكذا بدون أن يلقبه بلقب, فلو قال: قال محمد كذا, لاعتُبر مسيئا للأدب ولا يحترم مقام النبي الكريم!
بينما نقول: قال الله بدون تحرج!!
نعم هناك من يقول: قال الله تعالى[2]
ولكن المسألة نفسها عدم التحرج في أن يُذكر اسم الله بدون تقديس!
لذا فمن الأولى تقديس الله العظيم فلا يُذكر اسم الله إلا ويتبع باسم من أسمائه الحسنى أو يسبق به, ويستحب التنويع, فيقال مرة: الله العليم, ومرة: الرحمن الخبير, ومرة: الخلاق العليم ..ولا يُذكر مجردا!
كذلك يرى كثير المسلمين أنه من إساءة الأدب “نداء” الرسول الكريم باسمهز ويرون أنه من الواجب أن يُسبق ب”سيدي” أو بأي لقب, فيقولون: سيدي يا رسول الله! ولو قال شخص: يا محمد, لاحتاج إلى تقويم!!
ولست أدري لماذا ينادون الرسول أصلا؟
إن الرسول ميت لا يسمع دعائهم! ولو سمع ما استجاب لهم, فليس له من الأمر شيء!
ولكنهم جعلوا الرسول حيا في قبره يسمع من يصلي عليه, بل وتُعرض عليه أعمال أمته!! فإن رأي خيرا حمد الله وإن رأى غير ذلك ….!!
ولست أدري كيف تُعرض على الرسول أعمال أمته!! إن هذا لا يدركه ولا يتحمله إلا إله!!
وعلى النقيض من ذلك نجد هؤلاء يدعون الله ليل نهار بقولهم: يا الله!
أليس من الأولى أن يُنادى الله مقدسا معظما, أليس الله هو الأولى بأن ينادى ب:
يا سيدنا!
(بينا على صفحات الموقع أنه لم يرد في القرآن ولا في حديث الرسول الصحيح قول: يا الله! وأنه من إساءة الأدب مع الله, وأن صيغة النداء الصحيحة هي: اللهم!)
يستحلف أكثر العوام الآخرين بقولهم: والنبي! والنبي! بل ونجد كثيرا منهم يدعو ويقول: والنبي يا رب!!! فلماذا القسم بالنبي أصلا؟!
كل هذا راجع إلى الصوفية بالدرجة الأولى وإلى أصحاب الحديث, الذين عملوا على تقديس وتعظيم ما يختصون به, فأصبحت هذه الأشياء هي مظهر الدين عند العوام! ولذلك نجد المصريين يقولون: “هو أنا غلطت في البخاري”
مع أنه من المفترض أن يقال: وهل أخطأت في القرآن!!
يُسب الله عيانا بيانا جهارا نهارا ويُصور بما لا يليق به, ويُساء إلى دينه, ولا يحرك المسلمون ساكنا, بينما ينتفضون ويهبون في غضبة كبيرة إذا أُسيء إلى النبي, فهل النبي أكثر قداسة, أليس من الأولى أن نهب لربنا ولديننا؟!
________________________________
[1]يظن من يقول: اللهم صل وسلم على سيدنا محمد, أنه يمتثل قول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب : 56],
والله تعالى لم يقل أنه يسلم على الرسول, وإنما قال أنه وملائكته يصلون عليه, بينما أمرنا أن نصلي عليه, ونسلم تسليما ليس بقولنا السلام عليكم وإنما أن نسلم له, أي أن نخضع له ونطيعه, أي نسلم له نواصينا فيقودنا بما أمرنا الله به! لذا فإن التسليم هو تسليم للنبي وليس على النبي!!!!
[2] ارتبط “الله” ب “تعالى” فلا يكاد يُذكر اسم الله إلا ومعه “سبحانه وتعالى” على الرغم من أن “تعالى” ليست من أسماء الله الحسنى!!
يحرص المسلمون أشد الحرص على تطبيق السنن وعلى معرفتها والإلمام بها, ويرونها باب الدرجات العلى ومعيار التزام المسلم, على الرغم من أنهم لم يلموا بالقرآن ولم يعرفوا ما فيه, بينما يهملون ويتهاونون في تطبيق أمر الله في القرآن! ناهيك عن عدم تمكنهم من قراءته بشكل صحيح!
فهل الأولى تطبيق أمر الله المفروض المكتوب, أم ترديد بعض الأدعية والقيام ببعض الشعائر التي لا يأثم الإنسان بتركها؟! والقيام ببعض الأفعال التي ارتبطت بمناسبات وأسباب مخصوصة, ويرونها مقياس التدين؟!
وحتى لا يتحذلق متفذلك فيقول: وما العيب في الجمع بينهما؟ نقول: لو فعل لكان حسن, بشرط أن يقدم أمر الله ويحافظ عليه ويداوم, فإذا حدث تهاون يكون في السنة, لا العكس!
(هذه النقطة نابعة من التعلم المقلوب للدين, فمن يطلب الدين يطلبه عند شيوخ السنة, فتراه يدرس الروايات والأسانيد, والأقوال في الأحاديث والروايات وتفسيرها! ورفع التعارض بينها! ولا يكون نصيب القرآن من هذا كله إلا الحفظ! أو دراسة مادة التفسير –المعتمدة على الروايات بشكل كبير!!-, باختصار: يتعلم المسلم دينه عبر الأحاديث بالدرجة الأولى والقرآن في الدرجة الثانية, مهما قالوا أن السنة هي المصدر الثاني والقرآن هو الأول!!!!!!!)
للنبي الكريم حضور بارز في حياة المسلم بينما الله ليس كذلك!
فنجد من يقول أننا أتباع رسول الله! ويخاطبنا ب: أحباب رسول الله! ومن يقول: إذا أردت أن يحبك رسول الله فافعل كذا وكذا! ومن يقول أننا نتبع دين محمد!
مع أن الدين لم يكن في يوم لمحمد فهو دائما وأبدا لله! فلماذا نغيب الله عن عقل وقلب المسلم ونستحضر محمدا؟!
لماذا لا يكون الله أولا وآخرا ودائما وأبدا؟!
يصعد الخطيب المنبر ويبدأ خطبته بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسول الله! فيحمد الله في كلمات قلائل, ويأخذ الدقائق في الدعاء للنبي والثناء عليه وعلى آله وعلى أصحابه!
أليس من الأولى أن يكون العكس, فيُثني على الله ويقدسه في دقائق ثم يدعو للنبي ولإخوته الغر الميامين من الأنبياء في كلمات قليلة!!
نرى الشيء الجميل فنقول: “اللهم صل على النبي” بدلا من أن نذكر الله, بدلا من أن نقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله!
ومن الكلمات المشهورة عند العوام المصريين: “اسم النبي حارسه وصاينه”!
فكأن اسم النبي سيحرس ويصون!
أصبحنا ندعو للنبي في كل صلاة في التشهد فنقول:
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ……… الخ, ولنا أن نسأل: هل كان النبي الكريم يقول هذه الصيغة في صلاته؟!
إن هذه الصيغة مما نجح الشيعة أو غيرهم من المقدسين للرسول وبيته وآله, في دسه على أهل السنة!
وتقديس الشيعة للرسول وآله من الوضوح بمكان, حتى أن المرء لا يحتاج إلى التعليق عليه!!
إذا قارنا كم الكتب عن النبي الكريم والكتب عن الرب العليم لوجدنا أن ما كُتب عن النبي أكثر مما كتب عن رب العالمين! وحتى لو كانا متساويين أو المكتوب عن الرب العليم الرحيم أكثر, فإن هذه الكتب لا تصل إلى العوام, بحجة أنها مما يصعب عليهم فهمه, فيُقدم لهم السهل اليسير!
وهكذا أصبح المسلمون يعرفون نبيهم ولا يعرفون ربهم! وعلى الرغم من أن الله عرف الناس به –بقدر ما يطيقون- في كتابه, إلا أننا اكتفينا من هذا بآية واحدة, وهي أنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير!
ولو كان الأمر كذلك لكان كلام الله عن نفسه وتعريفنا به في باقي سور القرآن عبثا –تعالى الله وتنزه- وإنما هي ضرورة, فلماذا أهملنا معرفة هذا وعرفنا تفاصيل دقيقة في حياة الرسول!!!
جعل علماء السنة أقوال الرسول حاكمة على القرآن بدلا من أن تكون تابعة له! وهكذا أصبح لأول مرة في التاريخ الشرح والتطبيق حاكما على الدستور! لدرجة تصل إلى إلغائه! ولهذا أصبحت السنة أهم عند المسلمين من القرآن, لأنه لا يفهم فهما صحيحا إلا بها!!
وليلاحظ القارئ الكريم أننا لم نعرض في موضوعنا هذا إلى الشطحات الصادرة عن الشيعة وعن الصوفية في حق النبي وقدره, مثل الذين يدعونه ويطلبون به وبآل بيته, ومثل الذين يتحدثون عن أزليته وأنه سبب خلق الأكوان, …. الخ, لأن هذا مرفوض من أكثر المسلمين! وإنما عرضنا لما يفعله الأكثرون ولا يرون فيه حرجا ولا يشعرون أنهم بفعلهم هذا يقدمون النبي على الله!
وفي الختام نقول:
إننا لا نريد أن نفرق بين الله ورسله ولا نريد أن نقلل من شأن الرسول الحبيب, فالله يعلم كم أحبه, ولكنني أريد أن لا تزيد هذه المنزلة عن منزلة الله, نريدها أن تكون دوما تابعة لله وبعده فعلا لا قولا! فنحن كلنا نقول هذا إلا أننا نقدم رسول الله على الله!
فلكي نعدل الكفة ونعيدها إلى الأصل الذي ينبغي أن تكون عليه, نقول لكل مؤمن: قدس الله وعظمه وأحبه من كل قلبك, واجعل كل ما عدا الله بعده –حتى الرسول- بعده, فهذا هو أصل الدين أن تحب الله من كل قلبك!
اللهم اجعلنا نحبك ونقدس ونعبدك ولا تجعل لغيرك مكانا في قلوبنا إلا بما يرضيك وينفعنا, فأنت الخلاق العليم والرب الكريم
والحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين