بين الأسماء الحسنى و الأسماء المستحسنة

الحمد لله رب العالمين الفتاح العليم وسلام على عباده المرسلين،
ثم أما بعد:
فبفضل الله وعونه قدمت في الفترة الماضية أثناء مناجاتي المكرورة لله بعضا من أسماء الله “الحسنى” الجديدة، التي لم يُسبق القول بها، مثل اسم الله: المسمع والمهلك، وبعض الأسماء المركبة الأخرى.
وكالعادة كان هناك الاعتراض الشهير بأنه لا يجوز أن يأتي الإنسان باسم جديد لله، وأن الأسماء الحسنى توقيفية، بالرغم من أنه لا يوجد دليل واحد على المنع أو التوقيفية، لا في كتاب الله ولا في كلام الرسول!
والقضية كانت في كتاب الله عندما ذُكرت الأسماء الحسنى أنها –أي الأسماء الحسنى- لله وحده –وليست للآلهة المزعومة-، وكذلك في وعيد من يتلاعبون بها، فيجعلون منها صيغا مؤنثة (للآلهة المزعومة).

وقمت بالرد في فيديو “لايف” قصير على من يقول إنه لا يجوز إطلاق/ إنشاء اسم جديد لله العلي العظيم، بينت فيه بعضا من معاييري وشروطي قبل إطلاق اسم ما لله.
وبعد هذا فلزامٌ هنا أن أتوقف لأبين نقطة محورية في هذه القضية،
وهي:
أنا ممن يقول إنه من المفترض ألا يفتي أحد –بعد الرسول-، وإنه كان من المفترض أن يكون ردود من يُسأل عن حكم فعل ما خارج كتاب الله، مثل ردود الصحابة الأبرار، فيقول: أحب هذا ولا أحب هذا أو أكره هذا أو أُكرهه! أو “أراه” إلى الحرام أقرب أو إلى الحلال أقرب، فيكون رده منسوباً لنفسه وليس إلى الله، فلا يقول: حكم كذا حلال أو حكم كذا حرام أو جائز ولا يجوز –وما شابه من التقسيمات الفقهية المستحدثة-، ومن ثم فليس قول أحد “دينا” وإنما هو اجتهاد ورأي في إلحاق المسألة بعامٍ أو مثيل في القرآن، أو إدراجها تحت خلق من الأخلاق الحميدة أو الذميمة.

إن المشكلة والخلاف الرئيس بين المنهجين هي في أن عامة المسلمين يجعلون أقوال العلماء بعد الرسول “دينا”، سواء في الفقه أو في العقائد، ولهذا حدث التشدد بين أتباع المذاهب وضللوا الآخرين وفسقوهم وربما قاطعوهم … الخ،
والعجيب أن التيار “العلمي” الديني الإسلامي تقبل اجتهاد العلماء في الأحكام الفقهية وجعله من الدين، بينما لم يتقبل الاجتهاد في الجوانب العقيدية واقتصروا على تفسير النصوص .. (وكان الخلاف حول ثبوت بعض النصوص الظنية) ! بالرغم من أنه لا اختلاف في الاثنين، فإما أن يُقبل التوسع والإضافة في الاثنين أو يُرفض في الاثنين!!
وأنا ممن يغلقه في الاثنين!!!

قد يقول قائل: كيف تقول هذا؟ وها أنت ذا تأتي بأسماء “حسنى” جديدة؟! ولك أفهام في كتاب الله واجتهادات في بعض الأحكام الفقهية؟!
فأوضح وأقول:
لا يعني قولي هذا أني أقول إن العلماء لن يجتهدوا أو إنه لن يوجد علماء أصلا أو إنه علينا ألا نبحث في مستجدات العصور ما هو تكييفها الديني، وكيف نتعامل مع مستجدات الزمان! يقينا لا أقول بهذا!
ولكن كما قلت: تظل أقوال العلماء مجرد اجتهادات وأفهام ولا تدخل في صلب الدين، ومن ثم فهي: “قولٌ دون قول”، هي رأي صواب يحتمل الخطأ –وربما رأي غيرهم هو الصواب-، وفي النهاية لا يمكن لأحد في الدنيا أن يجزم أيا هو حكم الله ومراده.

وكما أنه من المطلوب أن يربط الإنسان واقعه الجديد بالدين، فكذلك الحال مع الدعاء والمناجاة، فمن المفترض أن يدعو الإنسان ربه بما يشعر وبما يريد، سواء كان من المحفوظ أو جديداً ينشئه بنفسه، والصحابة رضوان الله عليهم أنشأوا العديد والعديد من الأدعية ولم يعترض الرسول الكريم عليهم، ولم يمنعهم هذا الحق!

ومن ثم فإذا كان للإنسان نظر في كتاب الله المسطور وفي كتابه المنظور –الكون- ورأى أنه يمكن أن يطلق اسماً جديدا لله –فيه من الأدب والكمال ما فيه- فليس لأحد أن يمنعه، وستظل النقطة المحورية الفاصلة أن ما يفعله ليس دينا! وإنما هو “قول بشر”.

فعندما أسمي أنا –أو غيري- الرب القدير باسم جديد له، فإن النقطة المحورية هل أزعم أن أسمائي هذه التي أتيب بها هي من الدين؟ وأن لها من الثواب والأجر والفضل كذا؟! يقينا لا، ليس لي أن أزعم هذا، وإنما أقصى الزعم أن أقول إنها مما “استحسنت” لله،
ومن ثم فهي: “أسماء مستحسنة” وليست يقينا من “الأسماء الحسنى”،
فمن استحسن منها اسما أو أكثر وأحس بمعانيه، وأراد أن يخاطب الله به فله ذلك، ومن لم يستحسن واكتفى بالوارد في القرآن وأحاديث الرسول فلا حرج، ومن أبصر بعض المعاني الأخرى والأفعال الجليلة الدائمة لله ومن ثم فأطلق اسما لله، فله ذلك،
وسيندرج كذلك تحت: الأسماء المستحسنة،
لأنها مما استحسنه العبد مخاطبا ربه معظما موقرا مبجلا.
والله أعلى وأعلم.

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

نقد رفض التعقل

من الأقوال المستفزة والمنتشرة بين العدميين –وأشباههم وأنصافهم- مقولة:“لا يوجد معنى في الطبيعة … نحن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.