سألتها: أتعرفين الزهد؟
فقالت لي: في قديم زمان سمعت هذه الكلمة
مرات ومرات
ثم غابت عن أذني فتلاشت من المسموع
فلا أعرف ما هي
ماذا تعني وماذا بها يُقصد
لأني كأكثر الناس نسيناها
سألتني: أتظن أنه من الممكن أن نجدها في واحد تلك المعاجم؟
فقلت لها مريرا:
ربما في معجم ما استعجم .. تجدينها
ولكن هذه الكلمة ليس مكانها بين طيات الورق
مكانها هناك
بين أضلع الصدور
بين خفقات القلوب
متلبسة في شوارد النفوس
سألتها: هل تعرفين: هل من مزيد؟
قالت: أجل .. زدني زدني!
فقلت: الزهد ألا تستزيد من وقود النار
وأن تقنع بسكينة نفسك
وأن تستعلي على التنافس على فان
فقالت لي: إن الناس في الزهد زاهدون
وللاستزادة طالبون وللعلو محبون
ولهذا يكدون ويسعون
وبما في أيديهم يتفاخرون!
فقلت:
أترين لو شرب الظمآن ماء البحر
أيرتوي؟
قالت: لا، يزداد عطشا
فقلت لها:
فما الدنيا كلها إلا ماء البحر الأجاج
وهدى الرحمن
هو العذب الفرات
فمن ذاق غُرفة أو غرفات
من العذاب الفرات
أدرك نار ملح ما كان يُسقى
فزهد فيه
وظل طالبا للري
لرشفات تُهدى من يد الرحمن
تروي النفس
وتذهب الغلة
وتطفأ النار
وتُهدئ السعار
فيتلاشى سراب الدنيا من أمام عينيها
فيتخذها ظهريا
وتتجلى له مواعيد الله
فوراءها يسير
حتى يلتقي
فيرضى