المغتصبة

ذات مرة كنت أتصفح إحدى الصفحات النسوية على “الفايس بوك” فوجدت صاحبة الصفحة تعلق على فيديو بأنها لم تعد تستطيع مشاهدة مثل هذه الفيديوهات!

فظننت من اللقطة الأولى أنها فيديو لعنف ضد المرأة, ربما شاب يضرب فتاة! ثم اتضح لي بعد ذلك أنه فيديو لفتاة ومجموعة من الشباب صغار السن يتحرشون بها, ويجذبونها من ملابسها يحاولون تجريدها منها!! وانتهى الفيديو بالفتاة وهي تجري تحاول الفرار من هؤلاء الذئاب وأحدهم يمسكها من ذراعها!

والحق أني شعرت بالقرف الشديد من هذا الفيديو وأخذت أتساءل: هل نجحت هذه الفتاة من الفرار منهم؟!

كنت أرجو هذا! ولكن من خلال عدد هؤلاء الذئاب والمكان الخاوي الذي كانوا فيه توقعت أنها لم تستطع الفرار منهم! وأنهم اغتصبوها فعلاً! وحتى إن كانت نجحت في الفرار منهم, فهناك مثلها الكثير والكثير من الضحايا اللاتي لا يستطعن الفرار من الذئاب! ومن ثم شرد ذهني مجدداً وأخذت أحاول أن أتصور شعور هذه الفتاة أو مثيلاتها في مثل هذا الموقف عندما يتعرضن للاغتصاب!!

ثم تقينت أننا نحن معشر الرجال لا نستطيع تصور مثل هذا الشعور! وأنه قد يمكن تشبيهه بشعور الفزع الذي قد يصيب الرجل عندما يواجه بعدد من الرجال الذين يعدون تجاهه بسيوف يريدون تقطيعه!!

والمشكلة أن الرجل إما ينجو وإما يُقطع فيموت! أما الفتاة فلا تموت وتستمر في حياتها بجسدها ولكن روحها تكون قد ماتت بالفعل! وغالباً ما تٌصاب الفتاة بمشاكل نفسية عديدة! وتكون مثل هذه الضحايا بحاجة إلى إعادة تأهيل نفسي حتى تستطيع مواجهة الحياة والاستمرار مرة أخرى! والتي غالباً ما لا يحصلن عليه! وإنما عليها الصمت … والصبر!!

وأخذت أتساءل: ما الذي حدث ل –مثل- هذه الفتاة بعد هذه الحادثة؟! هل ستستطيع أن تخفي ما تحدث عن أمها أم أنها ستنهار وستخبرها؟ وماذا سيكون رد فعل الأم؟! هل ستستطيع أن تأخذ حق ابنتها من هؤلاء الذئاب الكثيرة؟ أم أنها ستؤثر الصمت من أجل المحافظة على سمعة ابنتها؟! أم أنها ستلومها وربما تعاقبها على أنهم نجحوا في استدراجها إلى مثل هذا المكان!

الواضح من ثياب الفتاة –والتي كانت ترتدي ثياباً مثل الشباب, بنطلون رياضي وتي شيرت- أنها فتاة فقيرة, وفي مجتمعاتنا لا تخرج مثل هذه الفتيات في هذا السن للعمل إلا للعوز والحاجة, ولأنه غالباً لا يوجد في الأسرة من يتولى الإنفاق, فربما الأب متوفي أو الأم مطلقة, وغالباً لا يوجد لها إخوة ذكور!

ومشكلة هؤلاء الضحايا الفقيرات أنها غالباً ما ستترك العمل في هذا المكان الذي تعرضت للاعتداء فيه –وربما تكمل!!- ولكن ليس لديهن رفاهية ترك العمل مطلقا!! فتضطر للذهاب إلى عمل جديد! والمشكلة أن هؤلاء المعتدين الذين لم يقع عليهم عقاب غالباً ما يتتبعون الضحية ليفترسوها مرة أخرى! ولكن هذه المرة تحت تهديد الفضيحة! وليس بالاختطاف ولا الإكراه البدني!

وللأسف كثيراً ما تستجيب الضحية وخاصة إذا تم تصويرها! ومرة بعد مرة يجلبون لها الزبائن ويحولونها إلى عاهرة! والتي ربما لا تحصل على شيء أو على ملاليم قليلة مقابل بيع جسدها!! والمشكلة أنهم غالباً ما يذيعون في أوساطهم أنهم فعلوا كذا ومن ثم تُدمر سمعة الفتاة ويطمع آخرون في الحصول عليها! وتبدأ في التعرض لمضايقات وتحرشات جديدة! لأنه أصبح يُنظر إليها ممن حولها باعتبارها “ساقطة”!

وانتقل بي تفكيري إلى التفكير في وضع “المغتصبة” بشكل عام ونظرة المجتمع إليها! فليس كلهن يتعرضن لمثل هذه الظروف, فهناك من تتعرض للاغتصاب من شخص واحد وربما في “العمارة” التي تقيم فيها, وربما من أحد جيرانها أو أقاربها وربما من محارمها!! ولكن ربما لمطالبتها بحقها –أو لسبب آخر- تُعرف هذه الواقعة!

نعم ربما –أقول: ربما- يتعاطف معها المحيطون بها! ولكن في نهاية المطاف يُنظر إليها أنها “فاسدة”, بمعنى أنها لم تعد صالحة للزواج!! ويظل هذا الموقف الذي تعرضت له نقطة سوداء في “سيرتها الذاتية”, رغماً عن أنها لم يكن لها فيه يد وأنها كانت ضحية!

وإذا حاول إنسان الاقتران بها فإنه يجد مقاومة عنيفة وخاصة من نساء أسرته! وهذه النظرة الظالمة التي تتعرض لها المغتصبة راجعة إلى أننا نرى “العملية الجنسية” خارج إطار الزواج ك: عار, وليس ك: فاحشة! ولو كنا ننظر إليها ك: فاحشة, لاختلفت نظرتنا إلى المغتصبة كثيرة, لأنها لم ترتكب أي فاحشة وإنما كانت ضحية لذئاب بشرية!!

نعم “المغتصبات” عامة بحاجة إلى إعادة تأهيل نفسي, ولكنهن بحاجة كذلك إلى حاضنة اجتماعية وإلى معاملة عادية وألا ينظر إليهن نظرة “مسكنة” متبوعة بمصمصة الشفاة وأنها “يا عيني غلبانة”! وكذلك هن بحاجة قبل ذلك إلى تحسين ظروف العمل اللاتي يعملن فيه, وكذلك ينبغي عدم كتمان مثل هذه الوقائع!

ولا يقتصر العلاج على المرأة وإنما يجب أن يتعدى إلينا نحن الرجال, فنحن بحاجة إلى أن نفهم أن لمسة تحرش –وليس اغتصاب- قد تعيد المرأة إلى بيتها مرتجفة وقد تفقد ثقتها بنفسها إذا طال التحرش قليلاً! فما بالنا بالاغتصاب! وأن التوابع لمثل هذه الفعلة كارثية وأنها مثل القتل ولا تقل عن هذا! قتل للفتاة ولوالديها الذين يرون زهرتهما تذبل أمام أعينهما!!

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

نقد رفض التعقل

من الأقوال المستفزة والمنتشرة بين العدميين –وأشباههم وأنصافهم- مقولة:“لا يوجد معنى في الطبيعة … نحن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.