الزوج الخائن

من الجمل الشهيرة التي يتندر بها المصريون فيما بينهم جملة: “مصر أمانة يا رأفت” (والتي قيلت في المسلسل الشهير: رأفت الهجان), ولن يكون مقالي هذه المرة عن “الوطنية”, وكيف أن أكثرنا لا يستشعرها إلا شعورا خافتا, أو لا يجدها على الإطلاق, وإنما عن أمانة أخرى, وهي: أمانة الزوجة والأسرة.

فبكل أسف, فحتى وإن كان الزواج مستنداً إلى علاقة حب, فإن كلا الطرفين يبدأ الزواج محملا بموروث اجتماعي ثقيل, يُنسيه الموروث الديني الأخلاقي الذي يفترض أن تكون العلاقة بينهما علاقة تراحمية إحسانية قائمة على المغفرة المتبادلة والعفو, إلى علاقة ندية صدامية, وبموروث اجتماعي يحتم على الرجل أن يكون “سي السيد”, وأن تكون كلمته هي قانون المنزل, وبموروث “اجتماديني” يقلل من قدر المرأة ومن دورها

ومن ثم فإن كثيراً من الرجال لا يرون الزوجة ك “شريك حياة”, لا يرونها إنسانة مساوية له في الإنسانية يخوضان غمار الحياة سويا, وإنما يراها “خادمة”, تقدم له ما يريد مقابل إنفاقه عليها! فهو بتقديمه المال قد أدى واجبه, وليس مدانا لها بشيء!

وبداهة استشعار أنها “أمانة” سيحاسب عليها ويٌسأل عنها من الله منسية تماما, وللأسف فإن الزوج يستذكر تعاليم الإحسان والمغفرة خارج المنزل مع عامة الناس, أما في المنزل فهو غير مخاطب بها.

فرغما عن الوعود المقدمة قبل الزواج بحسن المعاملة والتدليل, ورغما عن المعاملة المعقولة أو الطيبة, فإن وجود خلاف في مسألة ذات أهمية للرجل, تدفع نسبة من الرجال لأن تضرب زوجاتها ضرب العبيد!

ولا أقصد بهذا مجرد صفعة انفعالية –وهي ليست بالهينة- كرد فعل لكلمة مهينة أو ما شابه وإنما ضرب مع سبق الإصرار والتعمد, ثم يبررون هذا –بكل صلف وعجب!!- بأنه يجب عليها طاعته –الزوج الإله!!- (وهو من الأوهام المكذوبة المنسوبة للشرع الحنيف, وكتبت في إبطاله مقالا مطولا)

ولا يقتصر الأمر على الضرب وإنما يتعداه كذلك إلى الطرد من البيت, وللأسف الشديد نجد بعض الأزواج يطردون زوجاتهم بملابس البيت, وربما يطردونهن ليلاً أو هن في الغربة, حيث لا ملجأ لها إلا بيتها, وربما إياهن وأولاده!! كل هذا من أجل فرض السلطة وتنفيذ الإرادة!!
وربما يطردها أو يفكر في طلاقها بعد سنين من الزواج, ليبدأ حياة زوجية جديدة مع امرأة جديدة!! ولا يتحرج من هذا, ولا يرى لزوجته هذه أي فضل عليه!! ولا حقوقاً عليه!

قد يقول قائل: ولم إلقاء اللوم على الزوج فقط, لماذا لا تلوم الزوجة كذلك, أليست مسئولة هي الأخرى عن زوجها وعن الأسرة؟! فأقول: بالتأكيد هي مسئولة, ولكن كم هي نسبة النساء اللاتي تخلين عن أزواجهن وأسرتهن وكم هي نسبة الرجال الذين تخلوا عن أسرهم؟! ي

قينا لا مجال للمقارنة بين الاثنين, فالمرأة تؤدي دورها بينما طيلة التاريخ الرجال هم –على الغالب- من يخونون أمانة الأسرة –وليس الحديث هنا بحال عن الخيانة الجنسية لأي من الطرفين-! وبالإضافة لنسبة المتخلين عن أدوارهم, فإن واقعنا الاجتماعي يجعل المرأة فعلا “أمانة” لدى الرجل, بينما يختلف الحال بالنسبة للرجل.

فواقعنا الاجتماعي والذي فيه المرأة لا تعمل وتكتفي بدورها كزوجة وربة أسرة يكون الزوج هو المتكفل بها وبتلبية احتياجاتها, ومن ثم يكون هو “وسيلة” مواجهتها للعالم, فهي تواجه العالم من خلاله, بينما هي بدرجة كبيرة “منعزلة”, تقضي النصيب الأكبر من حياتها بداخل هذا البيت, ترعى زوجها وأولادها وتمدهم بالحب. وما يتغاضى عنه أكثر الرجال هو أن المرأة في هذا الدور تكون أقرب إلى “الابنة” الصغيرة, فهي تطلب كل كبيرة وصغيرة –مادياً- من زوجها!

وليس هذا بالأمر اليسير على الإنسان, أن يطلب ويستأذن في كل شيء, وأن يلح وربما يتذلل للحصول على الأشياء! (ولهذا تفضل كثير من النساء أن يعملن ليكون لديهن الاستقلالية المادية, فلا يكن تحت رحمة أزواجهن), وإذا علمت أن المجتمع يفترض على المرأة أن تستأذن من زوجها قبل الخروج من المنزل, فإن هذا يوضح لك كم هو ضيق هامش الحرية عند المرأة, ومن ثم فهي “أمانة” عند زوجها, بينما يظل هامش الحركة والإنفاق والفعل عند الرجل جد واسع.

ومن أسباب الخيانة أن كثيراً من الرجال يرون أن “النساء ناقصات”, وينسون أن الرجال والنساء متساوون في “النقص” والاحتياج إلى الآخر!
فالرجل محتاج وبشدة إلى المرأة, والمرأة محتاجة وبشدة إلى الرجل, كلاهما بحاجة إلى الآخر ليكمل “نقصه” وليستطيعا سويا أن يواجها الحياة, والفارق أن المرأة ترى “نقصها” وتقر به, وتشكر جدا جدا للرجل الذي يكمل لها هذا النقص! الذي يعطيها الأمان والمعاملة الرقيقة ويحتويها, بينما الرجل يرى نقصه واحتياجه, ولكنه يتجاهله, ولا يرى للمرأة فضلا عليه! فلقد “دفع” لها مقابل “حياتها”!!

وبغض النظر عن الكلام الإنشائي عن المرأة القوية المستقلة, فالمرأة –في الأعم الغالب- لينة رقيقة, والرجل صلب غليظ, وهي تبحث في الزوج عن “الأمان”, عن الحماية .. عن الحب … شخص يخاطب مشاعرها!

ومنذ قديم الزمان -وحتى الآن- فإن المرأة –غالباً- هي الطرف الأضعف في العلاقة الزوجية عند حصول خلاف وشجار, حتى وإن كانت قوية الشخصية, (وأنا أعلم شخصياً نساءً أقوى شخصية من أزوجاهن بكثير, ورغماً عن هذا يُضربن أحيانا), ولأن الرجل لا يفهم طبيعة المرأة واحتياجاتها, يقدم لها المال ويظن أنه فعل ما عليه, بينما هي بحاجة إلى تواجده هو معها, إلى كلماته, إلى لمساته .. إلى احتواءه, وهو ما يفتقده كثير من الرجال ولا يستطيعون تقديمه!

العجيب أن الرجال يتمسكون جدا بالمقولة المنسوبة إلى الرسول بشأن النساء: “لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ”, وإذا كانت النساء يقلن هذه المقولة فعلا –وأشباهها-, فإن هذا قول باللسان له في كثير من الأحيان ما يبرره, لعدم إشباع احتياجاتها العاطفية,
وهو يظل في نهاية المطاف قولا, بينما يكفر الرجال العشير بالفعل, فيضربون المرأة ويطردونها في لحظة انفعال, وبعد سنوات من الزواج انحنى فيها ظهرها وشاب شعرها, يطلقها الرجل ويلقيها في عرض الطريق!! وبماله يشتري –يتزوج- أخرى ينفق عليها .. لتخدمه!!

وبعيدا عن مزاعم “النسويات”, فإن الرجولة تعني أن أرى المرأة كائنا رقيقاً ضعيفا يحتاج مني إلى الأمان, تحتاج مني إلى الدعم, إلى التشجيع, إلى أن اغفر لها أخطاءها وتقصيرها, أن أكون لها ذلك الأب الذي تركته وانتقلت لتعيش معي! الرجولة أن أدافع عنها, ولست أدري أين تكون “غيرة” الرجال, عندما يلقي “عرضه” وأولاده في عرض الطريق؟!

ولإخوتي الرجال أقول:
إننا كلنا نقدر وربما “نقدس” الأم, ونجلها بكل معاني الحب والعرفان, وزوجتك هذه هي أم أولادك, فقدرها وأعطها “ربع” ما تستحق, وصدقني ستجد منها “النعيم”! وكما يقال: “قدم السبت”, فالمرأة بطبعها تحب أن تُكرم. وحقها عليك هو حسن المعاملة قبل الإنفاق, وحسن المعاملة قبل الإنفاق .. وأن تحبها.

وأختم بقول النبي المصطفى:
“الله الله في النساء!”
وبقوله في حجة الوداع: “فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ”,
وإذا كان النبي قال في حق من يضربون أزواجهم: ليس أولئك بخياركم!
فما بالنا بمن يلقونهم في عرض الطريق … أولئك هم الخائنون!

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

الإنسان ليس مجبرا

جاءني سؤال يقول:هل الانسان مجبر عن البحث عن حقيقة الكون والغاية من الحياة، فقد يقول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.