فيفتخر الآباء بأن أبنائهم “مبتطلعش منهم العيبة”! ويشعرون بالرضا التام عن أنفسهم, لأنهم نجحوا في تعريف أبناءهم بالحلال والحرام أو بالصح والغلط!
إذ يمثل “الحلال والحرام” أو “الصح والغلط” أو “الأصول والعيب” الركن الركين في العملية التربوية عندنا نحن معشر العرب المسلمين, وطالما فعلنا هذا فقد وفينا!
لهذا فعندما يرتكب الأطفال فعلاً ما, يأتي التعنيف على أنه “عيب أو حرام”, -وربما يُعاقب الطفل على فعله هذا, رغماً عن أنه لم يُنبه إلى كونه غير مباحٍ مسبقا!-
, وكذلك الحال عندما يقصر الأطفال في فعل بعض الواجبات, أو لا يأتون بها على الوجه الأمثل, يكون التعنيف أو الحث على فعله لأنه واجب أو هكذا الأصول.
ولهؤلاء الآباء –وللآباء المستقبليين- نقول:
لم تكن معرفة الحلال والحرام هي المشكلة في يوم من الأيام,
فبواسطتكما أو بواسطة الأصدقاء والمجتمع سيتعرف الطفل / الإنسان على الحلال والحرام والصواب والخطأ عبر الأيام والليالي! وأكثر البشر على الرغم من معرفتهم بالصواب والخطأ إلا أنهم يتركون الصواب ويفعلون الخطأ! فمن من البشر لا يعلم أن الكذب حرام/ سيئ,
ومن من المسلمين لا يعلم أن الزنا كبيرة من الكبائر, وأن الصدق طيب جيد! ورغماً عن هذا يأتي بالعكس؟!
إن القضية بالمقام الأول هي كيفية غرس “صواب وجودة وجمال الحلال” و “قبح وسوء الحرام” عند الطفل المتلقي, فإذا نحن نجحنا في هذا,
كان الطفل في طفولته ومستقبل حياته مسارعاً إلى فعل الحلال واجتناب الحرام, ولن يكون هذا بطبيعة الحال عن طريق التعنيف والعقاب الشديد على كل صغيرة وكبيرة, وإنما بالتربية بالقدوة وبضرب الأمثال وبالدين وبالقصص وبالتعامل في الشارع واستغلال المواقف التي يتعرض لها الطفل وتفسيرها لمصلحة التربية … الخ
ولا يمثل الحلال والحرام في التربية –بأي شكل كان- إلا ركناً محدوداً منها, فهناك أركان أخرى نغفل عنها تماماً, مثل: تنمية الأخلاق الحسنة وطمس الخصال الحيوانية!
فلا فائدة في تعريف الطفل بأن الصدق واجب, ونحن لم ننمي لديه خلق الصدق! ولا فائدة تُرجى من تحديثه عن العطاء وإعطاء الآخرين بدون إضعاف خصلة الأنانية وتعويده على المشاركة, ولا فائدة ترجى من حثه على التسامح ونحن نأمره بالعكس! ولا فائدة من الحديث عن الشجاعة والطفل محبوس في المنزل ولا يخرج إلا ممسكاً بيد أبيه … الخ.
وبالإضافة إلى تنمية الأخلاق الحسنة يأتي في مرحلة لاحقة تنمية الجانب العقلي والحس الجمالي –وخاصة عند الفتيات-, وليس دور الآباء أن يعلموا أبناءهم إجراء العمليات الحسابية بدقة,
وإنما دورهم أن يعلموه كيف يفكر وكيف يزن الأمور وكيف يبصر الأمور المحيطة به وكيف يكون واعياً, وكيف يستشعر جمال الخلق والطبيعة حوله. وغني عن الذكر أهمية التنمية البدنية, حتى تخرج إنسانا صحيح البدن! وكذلك دور القدوة في العملية التربوية
وهذا ما سنفرد له بإذن الله المعين المقال القادم- وبهذا تؤتي التربية ثمارها بتكامل هذا العناصر مع بعضها!
إن هذا الأسلوب التربوي الذي يلتزمه الآباء هو انعكاس لأسلوب “علماء الدين” في تقديمهم الدين للمسلمين, فأكثر الكتابات والخطب والدروس تدور حول الشريعة والفقه وأحكامه, ومن ثم كان التركيز الأكبر للآباء على فعل نفس الشيء مع أبناءهم!
إذ يرون أن هذا هو الأصل وما عداه هو من الثانويات التي لا يؤثر كثيراً حضورها أو غيابها!!
وينسى هؤلاء أن أكثر المواقف التي يمر بها الإنسان والتي تحدد مستقبله ومسار حياته لا تدور بين حلال وحرام وإنما بين جيد وأجود, وسطحي ومهم وأكثر أهمية, وهي كلها من المباحات! فليس في الرسوب في الامتحان أو الحصول على درجات منخفضة وكذلك اختيار مسار دراسي معين أو وظيفة معينة أسهل وأقل مخاطر ..
كل هذا ليس من الحرام أو العيب! وإنما اختيارات يميل الإنسان إلى بعضها تبعاً لأسباب عديدة!
في الختام أقول:
إن عملية تربية الإنسان ليست بالأمر اليسير وهي بحاجة إلى جهد جهيد مستمر من الوالدين, ولا يغني بأي حال من الأحوال أي ركن فيها عن باقي الأركان, وطغيان أي ركن فيها على باقي الأركان لن يؤدي إلى الصلاح بأي حال, وإنما إلى إخراج إنسان مشوه مختل الشخصية ..
سيظل يعاني طيلة حياته بسبب هذا الاختلال إن لم يتداركه … ونادرٌ من يفعل!
فإذا كنا نزعم أننا نحب أبناءنا أكثر من أي شيء في دنيانيا, فعلينا أن ندرك جيداً أن ما قام به الآباء معنا ليس كافياً بأي حال من الأحوال, -وخاصة مع التغير الكبير الذي حدث في مجتمعاتنا- وأن دورنا ليس إرسال الأبناء إلى أغلى مدارس اللغات!! وإنما علينا البحث عن أفضل السبل التي يمكن استخدامها في تربيتهم!
وأن نستخدمها كلها قدر استطاعتنا .. بحكمة .. وبتوازن.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شاهد أيضاً
تقديم المبصر
“-من فضلك ارتد هذه “العوينات/ النضارة” لترى جيدا!يا أستاذ .. اسمعني .. أجبني! لماذا؟ من …