من المشهور أن أهل السنة يسلمون بوجود قراءات مختلفة للقرآن وأشهرها وأصحها سبع قراءات, ويصل الخلاف بين بعضها في بعض الأحيان إلى حذف حروف وإثباتها وكذلك تغيير بعض الكلمات مثل نشرا بدلا من بشرا وهكذا ,
وهم يرون أن هذه القراءات كلها منقولة عن النبي (ص) بالتواتر , وأن النبي كان يقرأ على أصحابه الآية بشكل ثم يعود فيقرأها بشكل آخر وآخر !
ويستدل أهل السنة على مسألة القراءات بروايات سنعرض حالا كيف ينقدها الشيعة. أما الشيعة فيرون أن القرآن أنزل على حرف واحد من عند الواحد ويقولون بوجود قراءة واحدة للقرآن , هي ما قرأها النبي المصطفى والتي يقرأ بها المسلمون الآن والتي تعرف – كخطأ منهجي نابع من تحديد المؤلفين في علم القراءات لكل قراءة بنسبتها إلى شيخ معين! – بقراءة حفص عن عاصم
وهي ليست قراءة قارئ معين بل هي قراءة الرسول والتي أخذها عنه سائر المسلمين , وتناقلوها جيلا بعد جيل إلى أن وصلت إلينا بحفظ الله تعالى
ويرون على ذلك الروايات عن أئمة أهل البيت , ومن ذلك ما ورد في الكافي للكليني :
1- ” عن الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن الناس يقولون : إن القرآن نزل على سبعة أحرف. فقال : كذبوا أعداء الله ، ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد ” .
2- ” عن حماد بن عيسى عن جابر بن عبد الله قال : قيل لأبى عبد الله عليه السلام إن الناس يقولون : إن القرآن على سبعة أحرف . فقال : كذبوا ، نزل حرف واحد من عند رب واحد إلى نبي واحد “.
3- ” عن أبى جعفر عليه السلام قال : قلت له قول الناس نزل القرآن على سبعة أحرف فقال : واحد من عند واحد ” .
4- ” عن زرارة بن أعين قال : سأل سائل أبا عبد الله عليه السلام عن رواية الناس في القرآن نزل على سبعة أحرف ، فقال : كذبوا الناس في رواياتـهم ، بل هو حرف واحد من عند واحد نزل به الملائكة على واحد”.
أول سؤال بنبغي أن يطرحه الإنسان في هذه المسألة هو:
هل قرأ الرسول المعصوم هذه القراءات كلها ؟ وإذا لم يكن فكيف يبرر الشيعة إذا وجود هذه الاختلافات الطفيفة بين القراءات ؟
يرد الشيخ أبوعمر صادق العلائي على هذا التساؤل موضحا رأي الشيعة قائلا : “هل قرأ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بـهذه القراءات ؟ قلنا سابقا إن منشأ الاختلاف في بداية أمر القراءات هو اجتهاد وتفنن بعض الصحابة في قراءة القرآن* ، وسار على دربـهم بعض التابعين وهكذا
وليس للشرع أدنى مدخلية في تلك القراءات سواء في نشأتـها أو في استمرارها وبقائها ، وفي عقيدة شيعة أهل البيت عليهم السلام إن كتاب الله عز وجل أنزله جبرائيل عليه السلام على قلب الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بلغة عربية فصيحة لا خلل فيها ولا زلل { قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}(الزمر/28)،
وكان نزوله على صورة واحدة وهيئة واحدة بلا تغيير أو تبديل ، وكان يعرض على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في كل عام مرّة وفي آخر حياته الشريفة مرّتين ، وفي كل مرّة كانت القراءة كسابقتها ، لا تزحزح عنها بحرف أو حركة أو إعجام أو بنبر أو همز أو شيء من هذا القبيل ، ولو حصل هذا – كما يزعم المشهور من غير الشيعة- لاشتهر وذاع ، ولصار حديث الساعة بين الصحابة ، فلا تفتأ الأخبار تذكر الوقت الذي تغيّرت فيه القراءة ، وفي أي شهر ومن أية سنة جاء جبريل عليه السلام مغيرا بعض الكلمات والأحرف ، ولسارت بـهذا الركبان وتناقلته الكبار والصغار ، ولطبّل المشركون له أيما تطبيل ولأثاروا هذا الأمر ووجهوه طعنة قوية وقاتلة في قلب القرآن والدعوة الإسلامية
وكما هو معلوم لا شيء من هذا وصلنا , لا من أهل التاريخ ولا من أرباب السير ومدوني المصنفات ولا حتى من أصحاب المسانيد والجوامع ، فحيث لم يصلنا أي خبر عن تغيير الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قراءته يوما ما نعلم وبلا ريب أن قراءة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم للقرآن طيلة حياته كانت على صورة واحدة ثابتة لم تتغير ولم تتبدل “
أما مسألة وجود قراءة واحدة ثابتة مشهورة عن النبي ترجع إليها القراءات الأخرى فأمر بين لا يحتاج إلى التدليل عليه ولكن يذكر الشيخ أبوعمر العلائي بعض الأدلة على ذلك :
1- عندما كتب المصحف في زمن عثمان لم ينقل لنا التاريخ توقف الكتبة إلا في مواضع قليلة وهي ( تابوت ) و ( يتسنه ) و ( منسأته ) وهذا يعني أن الموارد الأخرى كانت واضحة ومعلومة ، وحتى هذه الموارد لا يدل توقفهم فيها على عدم وضوحها بل كان الخلل في الكتبة لا أكثر من ذلك ، لذلك بين حالها أبي بن كعب بكل سهولة ويسر.
2- التغيير الذي حدث على خط القرآن الكريم بتشكيل حروفه وتنقيطها دليل على وجود قراءة متواترة تم التنقيط والتشكيل على أساسها .( وإلا لما كان هناك أولوية في الأخذ بقراءة معينة في التشكيل والتنقيط عن قراءة أخرى, فكلها يفترض أنها ثابتة عن النبي فلم لم تثبت كلها إذا ؟!)
فهذا أبو الأسود الدؤلي نقّط المصحف نقط إعراب ولا يمكن أن يتسنى له ذلك لو لم يجد عند المسلمين قراءة ثابتة ومشهورة . وكذلك تلميذه يحيى بن يعمر العدواني فقد نقطه نقط إعجام ، فكيف قدر على أن ينقط المصحف مع وجود التغاير والاختلاف في قراءة الكلمة الواحدة الناشئ من اختلاف مواضع النقط ؟!
3- إن حصر وتحديد موارد اختلاف بعض الصحابة في القراءة واشتهارهم بـهذه المخالفات من دون الجميع ، يثبت لنا وجود قراءة متواترة ومشهورة تقاس عليها الشواذ وإلا لو كان لكل صحابي قراءة خاصة لما صح تميّز هذا الصحابي بالقراءة لولا أنه كان يقرأ بعض كلمات القرآن بشكل غير معهود ومعروف .
4- كثير من الروايات تذكر استشهاد الصحابة والتابعين ومن بعدهم بآيات القرآن الكريم المختلف في قراءتـها بين القراء فنجدها مطابقة لما نقرؤه اليوم وكما هي مثبتة في المصحف . ” اهـ
بداهة هذه الأدلة أكثر من كافية في هذه المسألة , ولكن القارئ السني سيتردد كثيرا في قبول هذه الأدلة , فالمسألة مترسخة في وجودنا وتراثنا , فهل من المعقول أن كل هذا التراث باطل أو لا حاجة إليه ؟ وحتما هناك خطأ في رأي الشيعة في هذه المسألة, فمستند علماء أهل السنة في القول بالقراءات كثير من الأحاديث والروايات التي تعطي رأيهم وزنا لا يمكن رده بمثل هذه الأقوال, فما هو رد الشيعة إذن على هذه الروايات وأقوال العلماء؟
سنعرض للقارئ الكريم رد علماء الشيعة على هذه الأقوال وكيف يظهرون أنها متناقضة وأن الروايات الواردة في هذه المسألة متناقضة تناقضا كان يوجب سقوطها كلها وعدم الاحتجاج بها , ولكن -وبقدرة قادر- قبلت الروايات المتناقضة كلها !! وأسس عليها علم كامل ! ونعرض للقارئ الكريم الروايات وأقوال العلماء ليرى بنفسه كم هي متناقضة حائرة: أولا: كم هو عدد أحرف القرآن؟
الشائع والمشهور أنها سبعة أحرف , ولكن هل هذا ما تقوله الروايات ؟ لا , لقد وردت الروايات بأعداد مختلفة للأحرف التي عليها القرآن!, منها: حرفٌ واحد , كما في كنـز العمال : ” أتاني جبريل فقال : اقرأ القرآن على حرفٍ واحد “. نزل على ثلاثة أحرف , كما في المستدرك على الصحيحين للحاكم
وكما في غيره : ” عن سمرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله قال : أنزل القرآن على ثلاثة أحرف ” . أربعة أحرف كما في كنـز العمال : ” أنزل القرآن على أربعة أحرف : حلالٌ وحرام ، لا يعذر أحد بالجهالة به ، وتفسير تفسره العرب ، وتفسير تفسره العلماء ، ومتشابه لا يعلمه إلا الله ، ومن ادعى علمه سوى الله فهو كاذب “ . ( هنا توضيح للمعنى المقصود بالحرف ) خمسة أحرف كما جاء في تفسير الطبري : ” عن عبد الله بن مسعود قال : إن الله أنزل القرآن على خمسة أحرف : حلالٌ وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال فأحل الحلال وحرّم الحرام واعمل بالمحكم وآمن بالمتشابه واعتبر بالأمثال “.
___________________________
* هناك رأي آخر يقول بأن سبب نشأة القراءات هو إجازة النبي (ص) قراءة القرآن بلهجة القبيلة لمن يعسر عليه نطق حروف معينة . فمن المعلوم أن بعض القبائل كانت تنبر بعض الحروف وبعضها لا بنير, وهكذا . وفي هذه الإجازة تخفيف على من يدخل الإسلام من غير العرب ,فالأوروبيون مثلا لا ينطقون حرف الحاء, فلو دخل بعضهم في الإسلام – وكثيرا ما يحدث – وتعلم العربية وأراد أن يقرأ القرآن ستقابله مشكلة وهي أنه لا يستطيع أن ينطق بعض الحروف مثل حرف الحاء أو العين , فهل يأثم إذا قرأ الحاء هاءا ؟ وهل يعد هذا من باب التحريف؟
بداهة لا, هذا من باب التيسير والسعة في دين الله, فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها , ولكن لا يعني هذا أن ما يقرأه هذا الأوروبي قراءة جائزة للقرآن – واردة عن رسول الله – يمكن أن يقرأ بها غيره من الأوروبيين بل هي من باب الضرورة ومن استطاع أن يقرأ بالحروف الأصلية فعليه أن يفعل , و هذا هو سبب نشأة مسألة القراءات التي توسعت بعد ذلك !
نزل على سبعة أحرف كما في صحيح البخاري ومسلم: ” عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها ، وكدت أعجل عليه ثم أمهلته حتى انصرف ثم لببته بردائه فجئت به رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فقلت : إني سمعت هذا يقرأ على غير ما أقرأتنيها ، فقال لي : أرسله . ثم قال له : أقرأ ، فقرأ . قال : هكذا أنزلت ، ثم قال لي : اقرأ . فقرأت ، فقال : هكذا أنزلت ، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر “.
ونظرا لشعور مؤصلي هذه المسألة باختلافها عن كل الكتب المنزلة سابقا , وجدنا رواية في مستدرك الحاكم تشير إلى هذا: “عن ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : نزل الكتاب الأول من باب واحد على حرف واحد ، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف “. !!! عشرة أحرف كما في كنـز العمال : ” أنزل القرآن على عشرة أحرف ، بشير ونذير وناسخ ومنسوخ وعظة ومثل وحكم ومتشابه وحلال وحرام “.
وهذا أول وجه من وجوه التضارب في الأدلة ، ولا قيمة لرأي ترجيحي في هذه المسألة, لأنها ترجيحات ورد لروايات أخرى! لذا لا يعترض بأن أهل السنة اتفقوا على أنـها سبعة أحرف ، لأن بعضها تدعي خلاف ذلك وهي صحيحة السند . ثم إن هذه الروايات لا تشير إلى أن المقصود من الحروف هي القراءات بل يظهر أن المقصود منها هو تقسيم القرآن ! كما أن الروايات نفسها متعارضة المعنى والمبنى والمضمون
وفي هذا يقول أبو عمر :
“اختلفت الروايات في المقصود من الحرف إلى معنيين : المعنى الأول : نزول آيات القرآن على سبعة أشكال مترادفة في المعنى , ويدل على هذا المعنى الغريب كثيـرٌ من الروايات الصحيحة في مصنفات أهل السنة ، وهو الرأي المشهور بين علماء أهل السنة ، ولننقل هنا الروايات عليه :
” عن سليمان بن صرد عن أبي بن كعب قال : قرأت آية وقرأ ابن مسعود قراءة خلافها فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : ألم تقرأني آية كذا وكذا ؟ قال ابن مسعود : ألم تقرأنيها كذا وكذا ؟ قال : بلى . قال : كلاكما محسن مجمل . قلت : ما كلانا أحسن ولا أجمل ! فضرب في صدري وقال : يا أُبي ! أقرئت القرآن ، فقيل لي : على حرف أم على حرفين ؟ فقال الملك الذي معي : على حرفين . فقلت على حرفين ؟ فقيل لي : على حريفين أم ثلاثة ؟ فقال لي الملك : الذي معي على ثلاثة . فقلت : ثلاثة ؟ حتى بلغ سبعة أحرف ، قال : ليس فيها إلا شاف كاف . قلت : غفور رحيم، عليم حليم ، سميع عليم ،عزيز حكيم “. ……..
عن أبي بكرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أتاني جبرئيل وميكائيل عليهما السلام فقال جبريل عليه السلام اقرأ القرآن على حرف واحد فقال ميكائيل استزده فقال اقرأه على سبعة أحرف كلها شاف كاف ما لم تـختم آية رحمة بعذاب أو آية عذاب برحمة ” .
ورواية أخرى عن أبي بكرة توضح مقصود السابقة : ” قال-صلى الله عليه وآله وسلم- : كل شاف كاف ما لم تـختموا آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب نحو قولك تعال ، وأقبل ، وهلم ، واذهب ، وأسرع ، وأعجل ” * .
هذه الروايات تعطي للأحرف السبعة معنى صريحا لا يقبل التأويل ، وهو إمكان قراءة القرآن بألفاظ متعددة متغايرة على سبعة أنحاء وكلها من القرآن ، وقد ذهب لهذا الرأي جمهور علمائهم سلفا وخلفا وسيأتي ذكر بعض منهم بإذنه تعالى ، وعلى أي حال فرواياتـهم في هذا المعنى صريحة .
المعنى الثاني : الآيات القرآنية مدارها على سبعة مضامين : ذكرت بعض رواياتـهم في معنى الأحرف السبعة أن آيات القرآن مفرزة إلى سبعة أقسام من المعاني والمضامين ، وكما ترى فإن هذا المعنى متضارب مع المعنى السابق ومباين له ، ولا بأس باستعراض شيء منها :
عن ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : نزل الكتاب الأول من باب واحد على حرف واحد ، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف : زاجراً ، وآمراً ، وحلالاً ، وحراماً ، ومحكماً ، ومتشابـهاً ، وأمثالاً فأحلوا حلاله و حرموا حرامه وافعلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نـهيتم عنه واعتبروا بأمثاله وعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابـهه و قولوا أمنا به كل من عند ربنا ” كلماتهم في معنى الأحرف السبعة :
كلمات بعض المتخبّطين: وصلت استمزاجات القوم في تفسير معنى الأحرف السبعة إلى أربعين قولا وذلك إلى زمان العلامة جلال الدين السيوطي ، والله العالم إلى إي عدد وصلت اليوم ! (…….) ولننقل هنا ما في الإتقان من وجوه الاختلاف والتضارب في معناها :
” قال ابن حبّان: اختلف أهل العلم في معنى الأحرف السبعة على خمسة و ثلاثين قولاً ! فمنهم من قال : هي زجر وأمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال .
الثاني : حلال وحرام وأمر ونـهي وزجر وخبر ما هو كائن بَعْدُ وأمثال .
الثالث : وعد ووعيد وحلال وحرام ومواعظ وأمثال واحتجاج .
الرابع : أمر ونـهي وبشارة ونذارة وأخبار وأمثال .
الخامس : محكم ومتشابه وناسخ و منسوخ وخصوص وعموم وقصص .
السادس : أمر وزجر و ترغيب وترهيب وجدل و قصص ومثل .
السابع : أمر ونـهي وحدّ وعلم وسرّ وظهر وبطن .
الثامن : ناسخ ومنسوخ ووعد ووعيد ورُغم وتأديب وإنذار .
التاسع : حلال وحرام وافتتاح وأخبار وفضائل وعقوبات .
العاشر : أوامر وزواجر وأمثال وأنباء وعتب ووعظ وقصص .
الحادي عشر : حلال وحرام وأمثال وأنباء ومنصوص وقصص وإباحات .
الثاني عشر : ظهر وبطن وفرض وندب وخصوص وعموم وأمثال .
الثالث عشر : أمر ونـهي ووعد ووعيد وإباحة وإرشاد واعتبار .
الرابع عشر : مقدّم ومؤخّر وفرائض وحدود ومواعظ ومتشابه وأمثال .
الخامس عشر : مفسَّر ومجمل ومقضيّ ونَدْب وحتم وأمثال .
السادس عشر : أمر حتم وأمر ندب ونـهي حتمْ ونـهي مرشد ووعد ووعيد وقصص .
السابع عشر : أمر فرض ونـهي حتم وأمر ندب ونـهي مرشد ووعد ووعيد وقصص .
الثامن عشر : سبع جهات لا يتعدّاها الكلام : لفظ خاصّ أريد به الخاصّ ، ولفظ عام أريد به العام ، ولفظ عامّ أريد به الخاص ، و لفظ خاص أريد به العام ، و لفظ يستغْنى بتنـزيله عن تأويله ، ولفظ لا يعلَم فقهه إلاَّ العلماء ، و لفظ لا يعلم معناه إلاَّ الراسخون .
التاسع عشر : إظهار الرُّبوبية وإثبات الوحدانية وتعظيم الأُلوهيّة والتعبّد لله ومجانبة الإشراك والترغيب في الثواب والترهيب من العقاب .
العشرون : سبع لغات ، منها خمس من هوازن واثنتان لسائر العرب .
الحادي و العشرون : سبعة لغات متفرِّقة لجميع العرب ، كلّ حرفٍ منها لقبيلة مشهورة .! الثاني و العشرون : سبع لغات ، أربع لعجُز هوازن : سعد بن بكر وجُشم بن بكر ونصْر بن معاوية ، ثلاث لقريش .!!
الثالث و العشرون: سبع لغات : لغة قريش ولغة اليمن ولغةُ لجرْهم ولغة لقُضاعة ولغة لتميم ولغة لطيّئ .
الرابع والعشرون : لغة الكعبيين: كعب بن عمرو وكعب بن لؤيّ ولهما سبع لغات .
الخامس والعشرون: اللغات المختلفة لأحياء العرب في معنىً واحد ، مثل : هلمّ وهات وتعال وأقبل .
السادس والعشرون : سبع قراءات لسبعة من الصحابة : أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ –عليه السلام- وابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب رضي الله عنهم .
السابع و العشرون : همز وإمالة وفتح وكسر وتفخيم ومدّ وقصر .
الثامن والعشرون: تصريف ومصادر وعروض وغريب وسجُع ولغات مختلفة كلُّها في شيء واحد .
التاسع والعشرون: كلمة واحدة تُعْرَب بسبعة أوجه، حتى يكون المعنى واحداً، وإن اختلف اللفظ فيه.
الثلاثون: أُمّهات الهجاء : الألف والباء والجيم والدال والراء والسين والعين لأن عليها تدور جوامع كلام العرب.
الحادي و الثلاثون: أنّها في أسماء الربّ مثل : الغفور الرحيم ، السميع البصير ، العليم الحكيم .
الثاني والثلاثون: هي آية في صفات الذات ، وآية تفسيرُها في آية أُخرى ، وآية بيانـها في السنّة الصحيحة ، وآية في قصّة الأنبياء والرُّسل ، وآية في خلْق الأشياء ، وآية في وصف الجنّة ، وآية في وصف النار .
الثالث والثلاثون: آية في وصف الصانع ، وآية في إثبات الوحدانيّة له ، وآية في إثبات صفاته ، وآية في إثبات رسله, وآية في إثبات كتبه ، وآية في إثبات الإسلام ، وآية في نفي الكفر .
الرابع و الثلاثون: سبع جهات من صفات الذات لله التي لا يقع عليها التكييف .
الخامس و الثلاثون: الإيمان بالله ومباينة الشِّرك وإثبات الأوامر ومجانبة الزّواجر والثبات على الإيمان وتحريم ما حرّم الله وطاعة رسوله “!!.”
____________________________
* كنت أنتظر أن يكثر علماء أهل السنة من الانكار على هذه الروايات ولكن للأسف لم نجد –تقريبا- من أغلظ القول في ردها – كما يجب على كل مسلم – إلا الإمام بن حزم رحمه الله رحمة واسعة حيث قال في كتابه ” الإحكام في اصول الأحكام :
” وأما من حدّث وأسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقصد التبليغ لما بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يحل له إلا أن يتحرى الألفاظ كما سمعها لا يبدل حرفاً مكان آخر وإن كان معناهما واحداً ، ولا يقدّم حرفاً و لا يؤخر آخر ، وكذلك من قصد تلاوة آية أو تعلمها و تعليمها ولا فرق ، وبرهان ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم علم البراء بن عازب دعاء فيه ( و نبيك الذي أرسلت ) ، فلما أراد البراء أن يعرض ذلك الدعاء على النبي صلى الله عليه وسلم قال ( وبرسولك الذي أرسلت ) فقال النبي عليه السلام : لا ، ونبيك الذي أرسلت ، فأمره عليه السلام كما تسمع ألا يضع لفظة ( رسول ) في موضع لفظة ( نبي ) وذلك حق لا يجيل معنى وهو عليه السلام رسول و نبي ، فكيف يسوغ للجهال المغفلين أو الفساق المبطلـين ، أن يقولوا : إنه عليه السلام كان يجيز أن توضع في القرآن مكان ( عَزيزٌ حكيم ٌ) ( غفورٌ رحيمٌ ) أو ( سميعٌ عليمٌ ) وهو يمنع من ذلك في دعاء ليس قرآنا ، والله يقول مخبراً عن نبيه صلى الله عليه وسلم : {مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي}(يونس/15).
وقال في موضع آخر :” فحرام على كل أحد أن يظن أن شيئا أخبر رسول الله صلى الله عليه أمته لا تطيق ذلك ، وأن عثمان حمل الناس عليه فأطاقوه ، ومن أجاز هذا فقد كذب رسول الله صلى الله عليه في قوله لله تعالى ( إن أمته لا تطيق ذلك ) ، ولم ينكر الله تعالى عليه ذلك ولا جبريل عليه السلام وقال هؤلاء الـمجرمون : إنـهم يطيقون ذلك ، وقد أطاقوه فيا لله ويا للمسلمين !
أليس هذا اعتراضا مجردا على الله عز وجل مع التكذيب لرسوله صلى الله عليه وسلم ؟ فهل الكفر إلا هذا ؟ نعوذ بالله العظيم أن يمر بأوهامنا فكيف أن نعتقده ؟! “
“]فانظر أخي مقدار التخبط في تحديد معنى الحروف للاختلاف الشديد للروايات الورادة فيها واستحالة الخروج منها بمعنى محدد , حتى أن الإمام بن الجزري – وهو من هو في العلم – يقول:
” و لا زلت أستشكل هذا الحديث -الأحرف السبعة- و أفكر فيه وأمعن النظر من نحو نيف و ثلاثين سنة حتى فتح الله علي بما يمكن أن يكون صوابا إن شاء الله تعالى ، وذلك إني تتبعت القراءات صحيحها وضعيفها وشاذها فإذا هي يرجع اختلافها إلى سبعة أوجه ” ! فالحديث مشكل باعتراف أكابر العلماء , وما أقوالهم إلا محاولة للتوفيق !وعلى الرغم من ذلك تقبل الروايات وتفسر بأي شكل كان , المهم ألا ترد , بل إن هناك تفسيرات أخرى لهذه الحروف السبعة , وهو ما فقد ذهب إليه ابن قتيبة وبعض المتأخرين
فيقول ابن قتيبة :
“إن المراد بالأحرف السبعة ، الأوجه التي يقع بـها التغاير:
فأولها: ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته ، مثل “ولا يُضارَّ كاتِبٌ ” بفتح الراء وضمها.
وثانيها : ما يتغيّر بالفعل مثل ” بَعَّدَ و باعِدْ ” بلفظ الطلب والماضي .
وثالثها : ما يتغير باللفظ مثل ” نُنْشِرها و نُنْشِزُها ” بالراء المهملة والزاي المعجمة .
ورابعها: ما يتغيّر بإبدال حرفٍ قريب المخرج مثل ” طلحٍ منضود و طلعٍ منضود “. وخامسها :ما يتغيّر بالتقديم والتأخير مثل ” جاءت سكرة الموت بالحق ، وجاءت سكرة الحق بالموت ” .
وسادسها : ما يتغير بالزيادة والنقصان مثل “و ما خلق الذكر والأنثى” بنقص لفظ ” ما خلق” وسابعها : ما يتغير بإبدال كلمة بأخرى مثل ” كالعهن المنفوش ، وكالصوف المنفوش ” اهـ
وكما نرى فقد حاول الإمام بن قتيبة تفسير الحديث بشكل مقبول ولكن الملاحظ أن تفسيره مخالف لما جاء في الأحاديث , فليس هو من باب المعاني المترادفة! ولا من باب أقسام القرآن ! ولكن كل رأي في تفسير الأحاديث ولو كان بعيدا فهو جائز حتى لا ترد الروايات التي صحت وقُبلت – بلا مستند من القرآن !- .
ولأنه ليس هناك ما يمكن به تحديد القراءة الصحيحة من غير الصحيحة – والتي يفترض في كل واحدة منها التواتر وجدنا الإمام ابن الجزري يقول :” كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه ، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا ، وصح سندها فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ، ولا يحل إنكارها ، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بـها القرآن ووجب على الناس قبولها سواء كانت عن الأئمة السبعة أم عن العشرة أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين ، ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة أُطلق عليها ضعيفة ، أو شاذة ، أو باطلة سواء كانت من السبعة أم عمن هو أكبر منهم . هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف .” اهـ
فهل يمكن قبول هذا القول ؟ للأسف وجدنا أن العلماء قبلوا هذا القول وجعلوه عمدتهم ! مع أنه محكّم للبشر في كتاب الله ويجعله تابعا لهم في قبوله أو رده! , مناقض للتواتر الذي يؤمنون به فكيف يكون هناك تواتر وسند في آن واحد ؟! , فاتح لباب رد كتاب الله بحجة مخالفة العربية !
أما الأدلة على بطلان هذه الأقوال فواضحة جلية ولا تحتاج من المرء إلى استدلال إلا لاستغلاق أدمغة المقلدة على ما جبلوا عليه , لذا لا بد من التفصيل في كل بدهية , لذا نعرض الأدلة على ذلك:
“1- لا دليل يمكن التمسك به لإثبات هذا الأصل , وقد مرّ ذكر الروايات وتبيّن لنا أنـها متعارضة في بيان عدد تلك الأحرف ، وهي على خمسة أقسام ، وبعد أن رجّحنا ما رجحه أهل السنة سبعناها لـهم ، ثم حصل التعارض من جديد في معنى هذه السبعة وانقسمت الروايات إلى قسمين ، كل قسم لا يلتقي مع القسم الآخر ….
2- المعارضة لصريح القرآن , فهذا المعنى من الأحرف السبعة يعني جواز نسبة ألفاظ ليست في مصحفنا للقرآن بدعوى أن لها معنى واحد تمسكا بما ادُّعي أنه قول للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : ” كل شافٍ كافٍ ما لم تختم آية عذاب برحمة أو رحمة بعذاب ، نحو قولك : تعالَ وأقبل وهلمّ واذْهب وأسرع وعجِّل ” ،
وهذا اللفظ رواية أحمد ، وإسناده جيد “. وهذا الأصل المنحرف والمستند المائل يتعارض مع صريح الآيات التي تحظر على الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم التصرف في ألفاظ الآيات الكريمة وتغيرها من تلقاء نفسه ، وتوجب عليه اتباع ما يوحى إليه بلا زيادة ولا نقصان ولا تبديل ، وإلاّ لاستوجب العذاب الأليم جزاء للكذب على الله عز وجل –والعياذ بالله- ونسبة ما ليس منه إليه ، قال تعالى :
{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ} ]يونس:15-17[.
فهذه الآية تناقض ذلك الأصل الذي يجوِّز افتراء الكذب على الله عز وجل فيدعي كل قارئ قرآنية كل ما يحلو له ، فيصبح ويقول إن هذه الآية قالها الله عز وجل هكذا ، ويمسي ويقول قالها بشكل آخر وهكذا ، فيغير ألفاظ القرآن ويبدلها بدعوى أن هذا التبديل إنما هو من تلك الأحرف ، وكله كذب على الله وافتراء فإن قول فلان ليس هو قول الله ، ثم ما يدريه أن هذا هو قول الله عز وجل بعينه ؟! ثم ما نفعل بمثل الآيات التي يستفاد منها عدم تغيير آيات الله وتبديل كلماته بغيرها كقوله تعالى :{وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا}]الكهف:27[.
3 – امتراء نفر من التابعين في القراءة :
” أخرج سعيد بن منصور والطبراني عن الأخنس قال : امترينا في قراءة هذا الحرف ( ويعلم ما يفعلون ) أو ( تفعلون ) فأتينا ابن مسعود فقال ( تفعلون )” ” اهـ
فلو كانت هناك قراءات مختلفة لما حدث هذا التماري ولا الاختلاف ولبرر أحدهم فعله على الأقل بقوله : أليست قراءة , ألا يمكن قراءتها بهذا الشكل !, ولكن لم يحدث هذا بل وجدنا أن النبي (ص) ينهي عن ذلك وكذلك الصحابة ينفون ذلك ,
ففي مسند أحمد عن ابن مسعود قال : ” تمارينا في سورة من القرآن فقلنا خمس وثلاثون آية ، ست وثلاثون آية قال : فانطلقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدنا عليا رضي الله تعالى عنه يناجيه ، فقلنا : إنا اختلفنا في القراءة . فاحمر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال علي رضي الله تعالى عنه : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تقرؤوا كما علمتم ” .
نخرج من هذا كله أن رأي الشيعة في هذه المسألة هو الراجح بإذن الله وأن عقيدتهم أن القرآن واحد من عند الواحد صحيحة بإذن الله , وإذا لم يقبلها أهل السنة فلا يُنكر على الشيعة فيها لقوة أدلتهم فيها .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته