ردا على القرآنيين: جواز وطء ملك اليمين بلا نكاح!

جواز وطء ملك اليمين بدون زواج لم يختلف فيها المسلمون منذ عهد الرسالة الشريفة, ولم نسمع بظهور رأي جديد فيها أو حول فهم ملك اليمين نفسه, إلا مع ظهور القرآنيين, الذين ألقوا التاريخ بأكمله وراء ظهورهم.

إن التاريخ يقول صراحة أن الإماء كن يوطئن من أسيادهن في مختلف أنحاء المعمورة, ولم تكن جزيرة العرب استثناء في هذا الأمر, ويفترض –على قولهم- أن يكون القرآن الكريم قد أتى بتشريع جديد يلغي هذا الفعل, فأين هذا التشريع الصريح؟!
إننا لا نجد في القرآن الكريم أثرا لهذا الأمر أو النهي! لهذا قال بعضهم أن العبيد عامة –ذكورا وإناثا- كانوا للخدمة فقط, وليذهب التاريخ بأكمله إلى مقالب القمامة, فكل تاريخ البشرية مزور!!

ولما كان لديهم بعض التصورات عن الصواب والخطأ وما ينبغي وما لا ينبغي, لم يعجبهم ما ورد في التاريخ فردوه كله, وفهموا القرآن تبعا لما يرونه هم مسبقا, وهكذا أقنعوا أنفسهم أن القرآن أتى بنظام مخالف تمام الخلاف لما هو موجود في ذلك العصر, بما يتناسب كلية مع حقوق الإنسان! ونسى هؤلاء أن يضيفوا “الأوروبية” لتكون: بما يتناسب كلية مع حقوق الإنسان الأوروبية, أو المنظور الغربي لحقوق الإنسان!

ولكن يجب علينا في نفس الوقت أن نقر بالمسلك الخاطئ لكثير من المسلمين, الذين أساءوا استعمال هذه الرخصة! فذلك الذي كان يقتني مئات وآلاف الجواري ويطأ منهن من تحلو له, متى يعن له ذلك! آثم إثم كبير, لأنه سيدفع أولئك الجواري لا محالة إلى الزنا!

فذلك الذي يجلب إنسانة ليقول لها: دورك أن توطأي وتغني وترقصي, لا يتوقع منها أن تكون ربة الصون والعفاف! كما أنه لا يعاشرها بانتظام, وإنما قد يعاشرها مرة في السنة وقد لا يعاشرها مطلقا, فهل نتوقع ألا تزني تلك المرأة المجعولة لمجالس الشرب بين الرجال؟! وهل نتوقع أنها إذا لم تغري الرجال, هل سيتركها الرجال لحالها؟!

إن عامة الأحرار كان ينظر إلى الجواري على أنهن كلأ مباح, مما أدى إلى وقوع عامتهن في الفاحشة!
ولأن القرآن لم يحدد عددا معينا لملك اليمين (1) –وإن كان قد ترك الأمر للعرف وللعادة وللعدل بأن يسد الرجل احتياجات المرأة الجسدية فإن لم يفعل يتحمل وزرها- تسابق الأثرياء في اقتناء الفتيات من أجل المتعة وليس الخدمة! وجعلوهن كقطع من الأثاث تزين المجالس!

ونسى هؤلاء أنهم سيُسألون: لماذا لم يزوجوا هذه الفتيات وتركوهم للفاحشة, ولماذا اقتنوا عددا من الفتيات لن يستطيعوا إشباع حاجاتهن الجسدية؟!


ونعود إلى موضوعنا فنقول:
موضوع اليوم نموذج ولا أروع لهذا الانقياد وراء بعض التصورات الغربية, ومحاولة جعل القرآن سباقا في القول بها –كما يفعل بعض أنصار الإعجاز العلمي مع كثير من الآيات فيقولونها ما لم تقل!-, فيأولون القرآن تأويلات عجيبة ما سمعنا بها في آبائنا الأولين! ومحاولة للدفاع عن القرآن, كأنه ارتكب جرما, عندما قنن العلاقات بين الأسياد والعبيد!

ومن هذا العجب رأينا بعض القرآنيين يرفض أن يكون ملك اليمين بمعنى ملك اليمين! ويفهمها بشكل مخالف فيقول:
“أنا أرى أن ملك اليمين لا علاقة لها بالحرب وإنما هي متوقفة على الحالة الاقتصادية .. فملك اليمين يحدث عندما تحد الظروف الاقتصادية المرأة فتعمل بخدمة سيدها وتكونتحت طاعته ولكن ليس له الحق بنكاحها …فلا يحق لرجل نكاح امرأة بدون إذنها وإذنأهلها حتى ملك اليمين!” اهـ

ولنا أن نسأل:
ما هو مستنده في هذا الرأي, لكل إنسان أن يرى ما يشاء, ولكن ما هو دليله على رأيه؟ بدون الدليل التاريخي –أو التطابق مع اللفظ- يبقى الرأي مجرد رأي لا يستحق أن يلتفت المرء إليه.

ثم أخذ ذلك القرآني في الاستدلال بفهم عجيب لبعض آيات القرآن, ومما خرج به في فهمه لآية 25 في سورة النساء: ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات, قوله:

“كذلك توضح هذه الاية أن نكاحملك اليمين لا يكون الا إذا لم يستطع الرجل أن ينكح المحصنات المؤمنات .. لذلك أرىأن المتزوج لا يحق له نكاح ملك اليمين وإنما يضطر لنكاحها إذا لم يقدر على المحصناتالمؤمنات وكذلك لا يكون على الاطلاق وإنما إذا خشي الشخص العنت ومع ذلك وضحت نهايةالاية أن الصبر خير من هذا النكاح … ولا أعلم كيف جعلوا نكاح ملك اليمين متى شاءالشخص وكيف شاء سواء كان متزوج او غير متزوج سواء برضاها او بدون
رضاها و لا أرى فيهذا النكاح فرق بينها وبين الزنا” اهـ

بغض النظر عن الأخطاء الكتابية الكبيرة التي صدرت عنه, وبغض النظر عن استعماله “النكاح” بمعنى الوطء وهو لا يكون إلا بمعنى الزواج, كان فيه وطأ أو لم يكن, فإن في قوله جزء من الصواب إلا أنه لا يوصل إلى ما يقول به, فلقد أبعد النجعة في استخراج قوله هذا استنادا إلى الآية, وسيرى القارئ الكريم هذا أثناء تناولنا للآية!

ثم استدل بفهم عجيب له على ما يقول, وذلك بفهمه لقوله تعالى:
قال تعالى:إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المعارج : 30]
فقال: “دقق جيدا في الاية ولاحظ ( او ) جاءتبين ازواجهم وبين ماملكت ايمانهم .. فهذا دليل على أنه لا يجتمع الزواج وملك اليمينلان ( او ) تدل على التخير ولو كان يجوز نكاح ملك اليمين بعد الزواج لحل حرف الواومكان (او)” اهـ
وهذه الآية منهية مبطلة لقوله,

والعجب أن يستدل بها, فلو كان ملك اليمين لا يحل وطأه إلا بالزواج ولو كان ملك اليمين حرا, لما كان هناك فائدة من إفراده, أليس في نهاية المطاف من الأزواج, فلماذا لم يقل: إلا على أزواجهم, فقط, وتنتهي الآية؟! إن العطف يقتضي المغايرة, وعلى رأيه جعل الاثنين واحدا, فلماذا غاير الله تعالى بينهما؟ لماذا لم يقل حتى:
إلا على أزواجهم وأزواجهم مما ملكت أيمانهم؟!

إن هذه الآية تبطل قوله تماما ولكنه وللعجب يفهمها فهما عجيبا حتى يخالف التاريخ والتراث المزيف كله, والذي ليس فيه أي جانب من الحق!!!!!!

ألا يذكرك –عزيزي القارئ- موقف القرآنيين هذا بفعل الشيعة, والذين جعلوا أكثر الآراء مخالفة لأهل السنة هو أقربها للحق؟! وهكذا أصبح الابتعاد عن أقوال أهل السنة هو معيار إصابة الحق!!!

وهناك من لم يشكك في كون ملك اليمين بمعنى ملك اليمين, إلا أنه أضاف له معنى جديد ليس له فيه أي مستند تاريخي, -وعلينا أن نتقبل هذا حتى نوافق على ما سيقوله- كما اتفق معه في عدم جواز وطأها إلا بالزواج,

فقال:
“اى ان الاحصان وهو الزواج هو الطريق الوحيد فى شرع الله لمعاشرة النساء وهذا الاحصان هو الاساس سواء كانت الزوجه حره او امه و لكن و للتفريق بين صنفى النساء فى وقت الاسلام الاول اطلق على المرأه الحره اذا نكحت انها زوجه و تستحق المهر و الامه تسمى ملك يمين اذا نكحها سيدها اى عقد عليها و عقدها يسمى نكاح ايضا و لكن بدون مهر لان مهرها هو عتقها بالزواج

اما اذا تزوجت الامه من رجل حر فتكون له زوجه و هى ملك يمين رجل اخر و يكون لها مهر و النكاح يكون بإذن اهلهن كما قال الله )وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ) (النساء:25)

و انا اتسائل بعد هذه المقدمه كيف يدعوالله الى الزواج من الاماء المؤمنات و هن حلائل لمن يملكوهن بدون عقد نكاح؟ اليس هذا منافيا للفطره التى فطر الله عليها الرجال الراغبين فى الزواج ؟ و هل لان الرجل غنى يحل الله له الزواج و التسرى معا؟؟

و ما معنى التسرى؟ اليس هو معاشره بدون عقد نكاح ؟ الا يتطابق هذا المعنى مع الزنا ؟ و خصوصا وانه لم يرد لفظ التسرى فى القرءان مع و رود الفاظ الاحصان و الزواج و ملك اليمين و النكاح” اهـ

ونرد فنقول: المشكلة فيمن يقول بهذا القول أنه يقيس الحياة في ذلك العصر على حياتنا وظروفنا, ويتوقع أن الناس كانوا يفكرون بنفس طريقة تفكيره, فنظرا لوجود العبيد في ذلك الزمان, كان من الممكن تقبل الأمر,

ولا يعني هذا أن من يؤسر أو تؤسر كان لا يمر بانتكاسة نفسية كبرى, ولكنه سرعان ما يتجاوزها ويتعايش مع الوضع الجديد, والمألوف والمتقبل في تلك الأزمنة!

كما أن هذا القائل لم يتدبر الآيات المتعلقة بالمسألة بالشكل الكافي, حتى يستطيع أن يخرج منها بتصور شمولي حولها!
إن تعجبه من زواج الإماء مشابه لمن يقول: كيف يتجوز الإنسان امرأة مطلقة أو أرملة وقد وطأها قبله رجل أو اثنان؟!
بداهة النفس لا تميل إلى هذا ولكن هذا لا يعني الكراهة المنفرة!

والعجب كل العجب أن يجعل التسري مطابق للزنا, على الرغم من الاختلاف الشاسع بينهما, ويحق لي أن أسأل أنا: ما الفارق بينه وبين الزواج؟!

الناس يعرفون أن هذه جاريتي, كما يعرفون أن تلك المرأة زوجتي, فإذا أنجبت الجارية ولدا فهو ابني, كما ابن الأخرى, كما أن هذه الجارية تسكن في داري وأنفق عليها, ومأمور بأن أعاملها معاملة حسنة.

فكيف تصبح كل هذه المعاملة الإنسانية شبيهة بالزنا, إن من يقول هذا إما أنه لا يرى أو يريد أن يجعل القرآن متطابقا مع ما يراه هو حقا!

ونبدأ في تناول الآيات المتعلقة بملك اليمين, لنوضح كيف أن كلا الرأيين الغريبين لا يتطابق مع الآيات, وسنذكر ما قاله المفسرون والفقهاء حول بعض الأحكام المذكورة في هذه الآيات!

ومن هذه الآيات آيات لا تحدد معنى ملك اليمين, لذلك لن نتوقف معها كثيرا, وهناك آيات أخرى فيها بعض أحكام ليس لنا بها علاقة مباشرة, لذا سنمر عليها مرور الكرام, ونبدأ باسم الله الرحمن الرحيم
أول آية ورد فيها ذكر ل ملك اليمين هي قوله تعالى:
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ [النساء : 3]

وهنا نرى تخييرا بين نكاح النساء وملك اليمين, فإذا كانت ملك اليمين هي امرأة حرة فقيرة, ألا تدخل في النساء الأحرار؟! وما الفارق الكبير بينهما حتى يفرق الله عزوجل بينهما فيخصهن بالذكر؟!

وليس في الآية رد على القول الآخر, فنتجاوزها إلى الآية التالية.
 هي قوله تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً [النساء : 24]

اختلف المفسرون في المراد من قوله تعالى في هذه الآية, فهل هي معطوفة على الآية السابقة, فتكون المحصنات محرمة, أم أنها مقطوعة فيكون المعنى مختلفا, وعلى الرأي الأول قال الإمام الفخر الرازي:

“المسألة الرابعة : في قوله : { والمحصنات مِنَ النساء } قولان : أحدهما : المراد منها ذوات الأزواج ، وعلى هذا التقدير ففي قوله : { إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أيمانكم } وجهان : الأول : أن المرأة اذا كانت ذات زوج حرمت على غير زوجها ، إلا اذا صارت ملكا لانسان فانها تحل للمالك ، الثاني : أن المراد بملك اليمين ههنا ملك النكاح ،

والمعنى أن ذوات الأزواج حرام عليكم إلا اذا ملكتموهن بنكاح جديد بعد وقوع البنيوية بينهن وبين أزواجهن ، والمقصود من هذا الكلام الزجر عن الزنا والمنع من وطئهن إلا بنكاح جديد ، أو بملك يمين إن كانت المرأة مملوكة ، وعبر عن ذلك بملك اليمين لأن ملك اليمين حاصل في النكاح وفي الملك .” اهـ

ولقد تناولنا هذه الآية في كتابنا لماذا فسروا القرآن, ويمكن للقارئ الكريم تحميل الكتاب من هذا الرابط للاطلاع على ما قلناه:
http://www.amrallah.com/ar/showthread.php?t=120
ولقد خرجنا بقولنا أن الآية مقطوعة وهي تقول أن الله كتب علينا الزواج من المحصنات أي الحرائر المؤمنات العفيفات , أما ملك اليمين فهو حالة استثنائية, ثم تضيف الآية حكم إباحة الزواج المؤقت, والذي عُرف باسم زواج المتعة!

والآية دليل واضح على جواز المتعة – النفعي أو المؤقت – فقوله تعالى ” { أَن تَبْتَغُواْ بأموالكم } يتناول من ابتغى بماله الاستمتاع بالمرأة على سبيل التأييد ، ومن ابتغى بماله على سبيل التأقيت ،

وإذا كان كل واحد من القسمين داخلا فيه كان قوله : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بأموالكم } يقتضي حل القسمين ، وذلك يقتضي حل المتعة , فمن يخرج أحدهما فليبرز لنا الدليل من القرآن 
.
أوجب في هذه الآية إيتاء الأجور بمجرد الاستمتاع ، والاستمتاع عبارة عن الانتفاع ، فأما في النكاح فايتاء الأجور لا يجب على الاستمتاع ألبتة ، بل على النكاح ، ألا ترى أن بمجرد النكاح يلزم نصف المهر ، فظاهر أن النكاح لا يسمى استمتاعا ، لأنا بينا أن الاستمتاع هو الانتفاع , ومجرد النكاح ليس كذلك .

إذا فالآية يمكن أن تحمل على نكاح المتعة والحمل عليه أولى من الحمل على النكاح العادي حتى لا يؤدي ذلك إلى التكرار , ثم إننا يجب أن ننتبه إلى نقطة حاسمة وهي أن الكل متفق على إباحة زواج المتعة والخلاف في الناسخ , أي هل نسخ أم لا؟

ويمكن للقارئ الكريم متابعة تناولنا لمسألة الزواج المؤقت (المتعة) على هذا الرابط!
http://www.amrallah.com/ar/showthread.php?t=116

ولست أدري كيف يفهم صاحب القول الأول هذه الآية, وليست هذه الآية قاطعة في المراد, أما الآية التالية لها فهي التي تحمل كثيرا من الأحكام!:

وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [النساء : 25]

يبين الله تعالى لنا أن من لم يستطع ماديا أن يتزوج الحرائر المؤمنات العفيفات فليتجه إلى نكاح ملك اليمين المؤمنات[1],
وهذا دليل على عدم جواز الزواج من الأمة إلا عند عدم القدرة على الحرة, وفي هذا يقول الإمام الفخر الرازي:
“وعلى هذا التقدير فكل من ليس تحته حرة فإنه يجوز له التزوج بالأمة .

وهذا التفسير لائق بمذهب أبي حنيفة، فان مذهبه أنه إذا كان تحته حرة لم يجز له التزوج بالأمة. وهذا التفسير لائق بمذهب أبي حنيفة، فإن مذهبه أنه إذا كان تحته حرة لم يجز له نكاح الأمة، سواء قدر على التزوج بالحرة أو لم يقدر.” اهـ

وهذا يبين لنا أن إقامة علاقة مع الإماء –على أي دين كانت- بشكل عام هو من المكروهات, فمن الأفضل أن تقتصر الأمة على الخدمة فقط.
وفي هذا يقول الإمام الفخر الرازي:
“المسألة السابعة: الآية دالة على التحذير من نكاح الاماء، وأنه لا يجوز الإقدام عليه إلا عند الضرورة، والسبب فيه وجوه: الأول : أن الولد يتبع الأم في الرق والحرية،

فإذا كانت الأم رقيقة علق الولد رقيقا، وذلك يوجب النقص في حق ذلك الانسان وفي حق ولده. والثاني: أن الأمة قد تكون تعودت الخروج والبروز والمخالطة بالرجال وصارت في غاية الوقاحة، وربما تعودت الفجور، وكل ذلك ضرر على الأزواج. …. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يقولن أحدكم عبدي ولكن ليقل فتاي وفتاتي » اهـ

فإذا أراد الإنسان أن ينكح الأمة المؤمنة[2] فعليه أن يستأذن صاحبها (سيدها), -وفي هذا دليل على أن الولي ليس بشرط في زواج الحرة, لأنه لم يشترط الاستئذان عند الحديث عنها وذكره هنا-

واستعمال كلمة “أهل” هي التي سببت الإشكال عند القرآنيين, فقالوا أن الحديث هنا عن الأهل بمعنى العائلة, على الرغم من أن مصطلح الأهل أعم وأشمل بكثير, ومصطلح أهل الكتاب أكبر دليل على استعمال الأهل مع الصاحب أو المالك! وهل أهل النار أقاربها؟!

وعلينا أن نؤتيهن أجورهن بالمعروف وأن يكن من العفيفات فلا يكن من الزواني ولا من متخذات الأخدان.
فإذا تحررن فعليهن نصف مع المحصنات من العذاب إذا زنت, فيكون على الواحدة منهن خمسون جلدة فقط

ولقد بينا في كتابنا: لماذا فسروا القرآن, أن المراد من الإحصان هو التحرر, ويمكن للقارئ الرجوع إلى مستندنا في هذا القول إلى الكتاب, وهناك قلنا:
“فإذا رأينا من الاستعمال المطرد للقرآن لهذه الكلمة بهذا المعنى (الحرية) وفهمنا هذه الكلمة بهذا المعنى فلا حرج علينا ونكون ملتزمين بمعنى واحد متفق في القرآن كله 

ونحن نعلم أن الإحصان هنا في هذه الآية مرتبط بالزواج و لكن المشكلة هي من اللبس بين الزواج والتحرير , فهي نعم تزوجت ولكن ليس هذا هو الإحصان بل هو ” التحرير” فعند زواجها من حر تعتق – بخلاف الزواج من عبد فلا تعتق  
وهذا من ضمن طرق الإسلام في تحرير العبيد فالمؤمن الحر إذا تزوج أمة ودفع أجرها أي مهرها بالمعروف تنتقل من ملك اليمين إلى امرأة حرة – فالزواج يحرر الأمة ولا سلطان لسيدها عليها- وتصير محصنة إذا زنت فعليها نصف ما على الحرائر بداية من العذاب وهو الجلد خمسين جلدة .

ويكون معنى الآية أن الأمة عندما تتزوج- وتحرر- يكون عقوبتها نصف عقوبة المحصنة العادية – وفي هذا إشارة واضحة أن الأمة لا عقوبة عليها إذا زنت ولم تكن متزوجة .

وأنا أعلم أن هذا القول يستثقله الناس من أن الأمة العزبة لا شيء عليها إذا زنت ولكن هذا راجع إلى وجهة النظر إلى فلسفة الإسلام في العلاقة بين الرجل والمرأة من زواج و علاقة إلخ

وهذا ليس رأي لي فقط بل قال به ابن عباس وطاووس وسعيد ابن جبير وأبو عبيد القاسم بن سلام وداود الظاهري , الذين رأوا أنها تضرب تأديبا فقط ولكن لا عقوبة محددة عليها , قد يقول قائل ما دامت قد تحررت فلم عليها نصف عقوبة الحرة وهي الآن حرة مثلها ؟

نقول أن الحرية هنا حرية منقوصة لا كاملة فهي إذا طلقها زوجها تعود لملك سيدها مرة أخرى ولا تصير امرأة حرة مثل المحصنات الأخريات , فهي حرية معلقة لا دائمة. أو مراعاة للبيئة التي نشأت فيها, فلقد كانت فيما مضى شخصية فاقدة لكثير من الحقوق, يراودها هذا عن نفسها وتتكشف لذاك! فمراعاة لنشأتها خفف الحكم.

إذا يظهر من هذه الآيات كلها أن المراد من المحصنة هي الحرة العفيفة فقط ولا دخل بالزواج في هذا الشأن , والغير محصنة لا عقوبة عليها والمحصنة عليها مائة جلدة.” اهـ

ومما يؤكد هذا المعنى هو قوله تعالى:
وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [النور : 33]
فالله تعالى ينهانا عن إكراه الفتيات على البغاء إن أردن تحررا, -فالعبد يعمل ليكتسب المال ليتحرر, وأما الفتاة فمن الممكن أن تتجه إلى هذا التوجه لتكتسب المال-,

وعلى قولنا يصبح للكلمة معنى مقبولا, ولو فهمناها بأنها بمعنى التعفف لكانت حشوا –كما قال أحد المفسرين الكبار- فالإكراه على البغاء لا يكون إلا إذا كانت الفتاة عفيفة, فلن أجبر فاجرة أبدا!

ويمكن للقارئ الكريم متابعة تناولنا لمسألة وجوب تحرير الصالحين المبتغين المكاتبة على هذا الرابط:
فرضان مضيعان
http://www.amrallah.com/ar/showthread.php?t=187

وسببت مسألة تنصيف العذاب للزانية إشكالية, إذ أن الفقهاء يقولون بالمخالفة بين المتزوج وغير المتزوج, فلهذا الرجم ولذاك الجلد, وفي هذا يقول الإمام الفخر الرازي:
“المسألة الثانية : في الآية إشكال قوي ، وهو أن المحصنات في قوله : { فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات } إما أن يكون المراد منه الحرائر المتزوجات ، أو المراد منه الحرائر الأبكار . والسبب في إطلاق اسم المحصنات عليهن حريتهن .
والأول مشكل ، لأن الواجب على الحرائر المتزوجات في الزنا : الرجم ، فهذا يقتضي أن يجب في زنا الاماء نصف الرجم ، ومعلوم أن ذلك باطل . والثاني : وهو أن يكون المراد : الحرائر الأبكار ، فحينئذ يكون هذا الحكم معلقا بمجرد صدور الزنا عنهن ، وظاهر الآية يقتضي كونه معلقا بمجموع الأمرين : الاحصان والزنا ،
لأن قوله : { فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بفاحشة } شرط بعد شرط ، فيقتضي كون الحكم مشروطا بهما نصا ، فهذا إشكال قوي في الآية” اهـ

ولقد ناقشنا هذه المسألة وبينا أن حد الزاني المتزوج وغير المتزوج واحد وهو الجلد مائة جلدة, ويمكن متابعة هذا التناول للآية عامة على هذا الرابط:
هل هناك نسخ في القرآن
http://www.amrallah.com/ar/showthread.php?t=98


وهذه الآية القائلة بالمخالفة بين العقوبتين مبطلة لقول القائل أنها متعلقة بالخدم أو الفقراء, فليس هناك في الدين أحكام للمعدمين وأحكام للأثرياء, وإنما هناك أحكام مختلفة لأصحاب الحقوق المختلفة!

ولأن الجواري عامة من المستبحات أصبحت عقوبتهن أخف من الحرائر, ولو كان سيدها لا يستطيع أن يصل إليها إلا بزواج لتساوت العقوبة بين الحرة والأمة.

والآية التالية التي ذكر فيها: ملك اليمين, لا تحدد معنى بدقة, ولا حاجة لها إلى ذلك, لأنها تتحدث عن معلوم!
وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً [النساء : 36]

أما الآية التالية فعلى الرغم من أنها لم تتكلم عن النكاح, إلا أنها تبين أن ملك اليمين فعلا من الإماء والعبيد (متملكات) وليس من الخدم, فالله تعالى يقول:
وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاء أَفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ [النحل : 71]
ونقدم للقارئ الكريم ما قاله الإمام الفخر الرازي عند تناوله لهذه الآية, وسيرى من خلاله كيف أنها قاطعة فيما نقول به:
“فيه قولان :
القول الأول : أن المراد من هذا الكلام تقرير ما سبق في الآية المتقدمة من أن السعادة والنحوسة لا يحصلان إلا من الله تعالى ، والمعنى أن الموالي والمماليك أنا رازقهم جميعاً فهم في رزقي سواء فلا يحسبن الموالي أنهم يردون على مماليكهم من عندهم شيئاً من الرزق ،

وانما ذلك رزقي أجريته إليهم على أيديهم وحاصل القول فيه أن المقصود منه بيان أن الرازق هو الله تعالى وأن المالك لا يرزق العبد بل الرازق للعبد والمولى هو الله تعالى ، وتحقيق القول أنه ربما كان العبد أكمل عقلاً وأقوى جسماً وأكثر وقوفاً على المصالح والمفاسد من المولى ، وذلك يدل على أن ذلة ذلك العبد وعزة ذلك المولى من الله تعالى كما قال : { تُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء } [ آل عمران : 26

والقول الثاني : أن المراد من هذه الآية الرد على من أثبت شريكاً لله تعالى ، ثم على هذا القول ففيه وجهان : الأول : أن يكون هذا رداً على عبدة الأوثان والأصنام
، كأنه قيل : إنه تعالى فضل الملوك على مماليكهم ، فجعل المملوك لا يقدر على ملك مع مولاه ، فلما لم تجعلوا عبيدكم معكم سواء في الملك ، فكيف تجعلون هذه الجمادات معي سواء في المعبودية ،
والثاني : قال ابن عباس رضي الله عنهما : نزلت هذه الآية في نصارى نجران حين قالوا : إن عيسى ابن مريم ابن الله ، فالمعنى أنكم لا تشركون عبيدكم فيما ملكتم فتكونوا سواء ، فكيف جعلتم عبدي ولداً لي وشريكاً في الإلهية؟” اهـ

والآية الفاصلة هي قوله تعالى:
إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المؤمنون : 6]
فلولا المفارقة في طبيعة العلاقة لما كان هناك حاجة إلى التفصيل ولقال: إلا على أزواجهم من المحصنات وملك اليمين!

والآية التالية لها تبين أن ملك اليمين لا يكونون خدما, فالسيدة يمكنها أن تتزوج الخادم, وهو قد يفكر فيها, أما العبد فيعلم بعد البون بينهما:

وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور : 31]


والآية التالية تبين أن ملك اليمين يعيشون مع الناس في بيوتهم ويخالطونهم, ولقد نظمت الآيات العلاقة بين السيد والمسود, فقالت:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [النور : 58]

ولقد استدل بعض القرآنيين بهذه الآية على قولهم بأنه لا وطء للجارية إلا بنكاح, بأنها لا تحتاج إلى الاستئذان, فلو كان الرجل يطأها فهل ستخجل أو سيخجل هو من أن تراه عاريا مثلا؟! فلماذا الاستئذان؟!

ونسى ذلك المستدل أن الإنسان يخجل من أن تراه زوجته نفسها عاريا, إلا عند الجماع! –فلم نبلغ تلك الدرجة من الوقاحة بعد!-, فكذلك لا بد من أن تستأذن الأمة, كما أن هذا المستدل نسى أن الرجل قد يكون مع زوجته, وبالتأكيد لا يرغب أحد في أن يراه أحد يضاجع زوجته!!!

كما نسى أن ملك اليمين قد يكون رجلا, فهل تقبل المرأة أن يراها عبدها –حتى ولو كان مخصيا!!- عارية؟!
إن القرآنيين يبعدون النجعة في استدلالاتهم, ويفكرون كما لو أننا في مجتمع أوروبي, خلع كل براقع الحياء!!!

والآية التالية تؤكد أن يكون ملك اليمين بالمعنى المعروف, فالله تعالى يقول:
ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الروم : 28]

وسيظهر للقارئ الكريم, من خلال ما قاله الإمام الفخر الرازي, وجه استدلالنا بهذه الآية, حيث قال:
“المسألة الأولى : ينبغي أن يكون بين المثل والممثل به مشابهة ما ، ثم إن كان بينهما مخالفة فقد يكون مؤكداً لمعنى المثل وقد يكون موهناً له وههنا وجه المشابهة معلوم ،
وأما المخالفة فموجودة أيضاً وهي مؤكدة وذلك من وجوه أحدها : قوله : { مّنْ أَنفُسِكُمْ } يعني ضرب لكم مثلاً من أنفسكم مع حقارتها ونقصانها وعجزها ، وقاس نفسه عليكم مع عظمها وكمالها وقدرتها وثانيها : قوله : { مِمَّا مَلَكَتْ أيمانكم } يعني عبدكم لكم عليهم ملك اليد وهو طار ( ىء ) قابل للنقل والزوال ، أما النقل فبالبيع وغيره والزوال بالعتق ومملوك الله لا خروج له من ملك الله بوجه من الوجوه ،

فإذا لم يجز أن يكون مملوك يمينكم شريكاً لكم مع أنه يجوز أن يصير مثلكم من جميع الوجوه ، بل هو في الحال مثلكم في الآدمية حتى أنكم ليس لكم تصرف في روحه وآدميته بقتل وقطع وليس لكم منعهم من العبادة وقضاء الحاجة ، فكيف يجوز أن يكون مملوك الله الذي هو مملوكه من جميع الوجوه شريكاً له

وثالثها : قوله : { مّن شُرَكَاء فِيمَا رزقناكم } يعني الذي لكم هو في الحقيقة ليس لكم بل هو من الله ومن رزقه والذي من الله فهو في الحقيقة له فإذا لم يجز أن يكون لكم شريك في مالكم من حيث الاسم ، فكيف يجوز أن يكون له شريك فيما له من حيث الحقيقة
وقوله : { فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء } أي هل أنتم ومماليككم في شيء مما تملكون سواء ليس كذلك فلا يكون لله شريك في شيء مما يملكه ، لكن كل شيء فهو لله فما تدعون إلهيته لا يملك شيئاً أصلاً ولا مثقال ذرة من خردل فلا يعبد لعظمته ولا لمنفعة تصل إليكم منه ، وأما قولكم هؤلاء شفعاؤنا فليس كذلك، لأن المملوك هل له عندكم حرمة كحرمة الأحرار وإذا لم يكن للملوك مع مساواته إياكم في الحقيقة والصفة عندكم حرمة، فكيف يكون حال المماليك الذين لا مساواة بينهم وبين المالك بوجه من الوجوه وإلى هذا أشار بقوله: { تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ}.” اهـ

والآية التالية تؤكد المعنى, وفيها قال تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً [الأحزاب : 50]

ولقد سأل الأخ أبو فاروق عن سر إفراد العم والخال وجمع العمات والخالات, فنقول:
ذكر الله تبارك وتعالى العم فردًا والعمات جمعًا -وكذلك قال: خالك وخالاتك- لأن العم والخال في الإطلاق اسم جنس كالشاعر والراجز وليست العمة والخالة كذلك. وهذا عرف لغوي، فجاء الكلام عليه, والله أعلم!

ولقد ذكر ابن عاشور في التحرير والتنوير
“وإنما أفرد لفظ (عم) وجمع لفظ (عمات) لأن العمفي استعمال كلام العرب يطلق على أخي الأب ويطلق على أخي الجد وأخي جد الأب وهكذافهم يقولون: هؤلاء بنو عم أو بنات عم، إذا كانوا لعم واحد أو لعدة أعمام ، ويفهمالمراد من القرائن. قال الراجز أنشده الأخفش
ما برئت من ريبة وذم في حربناإلا بنات العم

وقال رؤبة بن العجاج:
قالت بنات العم يا سلمى وإن كان فقيرامعدما قالت وإن
فأما لفظ العمة فإنه لا يراد به الجنس في كلامهم ، فإذا قالوا : هؤلاء بنو عمة ، أرادوا أنهم بنو عمة معنية ، فجيء في الآية ( عماتك ) من قوله وبنات خالك وجمع الخالة في قوله وبنات خالاتك . [ ص: 67 ] وقال قوم : المراد ببناتالعم وبنات العمات : نساء قريش ، والمراد ببنات الخال : النساء الزهريات ، وهواختلاف نظري محض لا ينبني عليه عمل لأن النبي قد عرفت أزواجه” اهـ

ونود التركيز على أن وطء ملك اليمين لم يكن يحدث مباشرة بعد الاسترقاق,- كما يظن بعضهم, أن الرجل كان يسترق الأمة ويطأها قبل أن يعود بها إلى بلده- وإنما ينتظر حتى يتأكد من براءة الرحم, وحتى تتأقلم مع الوضع الجديد, ونذكر هنا ما قاله الإمام الألوسي في تفسيره روح المعاني, عند تناوله هذه الآية:

“وبما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك نحو ريحانة بناء على ما قاله محمد ابن إسحاق أنه صلى الله عليه وسلم لما فتح قريظة اصطفاها لنفسه فكانت عنده حتى توفيت عنده وهي في ملكه ووافقه في ذلك غيره أخرج الواقدي بسنده إلى أيوب بن بشير قال إنه عليه الصلاة والسلام أرسل بها إلى بيت سلمى بنت قيس أم المنذر فكانت عندها حتى حاضت حيضة ثم طهرت من حيضها فجاءت أم المنذر فأخبرته صلى الله عليه وسلم فجاءها في منزل أم المنذر فقال لها : إن أحببت أن أعتقك وأتزوجك فعلت
(وهذا تأكيد على ما قاله أبو حنيفة من أن الحر لا يتزوج الأمة إلا عند عدم القدرة على نكاح الحرة, وإن أراد أعتقها وتزوجها) وإن أحببت أن تكوني في ملكي أطأك بالملك فعلت فقالت : يا رسول الله أحب أن أخف عليك وأن أكون في ملكك فكانت في ملك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطؤها حتى ماتت .

والذي في الصحيحين يقوي هذا القول ويعضده، روى مسلم عن عائشة رضى عنها أنهاقالت: كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأقول: أماتستحي امرأة تهب نفسها لرجل حتى أنزل الله تعالى: ” ترجي من تشاء منهن وتؤويإليك من تشاء ” فقلت: والله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك. وروى البخاري عن عائشةأنها قالت: كانت خولة بنت حكيم من اللائي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليهوسلم. فدل هذاعلى أنهن كن غير واحدة. والله تعالى أعلم. الزمخشري: وقيل الموهباتأربع: ميمونة بنت الحارث، وزينب بنت خزيمة أم المساكين الأنصارية، وأم شريك بنتجابر، وخولة بنت حكيم.” اهـ

والآية التالية تجزم بأن ملك اليمين كن جواري وأنهن كن يوطأن بدون زواج, فالله تعالى يقول:
لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً [الأحزاب : 52]
فلا أعتقد بحال أن هناك عاقل يقول أن الحديث هنا عن الخدم أو الخدمة فقط! أو أن وطء ملك اليمين سيكون بزواج, وإلا ستصبح الجارية زوجة, فأين المنع إذا؟!!!!

وآيتا النور والمؤمنون تغنيانا عن ذكر آخر آيتين, ذكر فيها ملك اليمين.

وأعتقد أننا بينا أن أقوال القرآنيين بهذا الشأن أقوال مثالية, متأثرة بشكل كبير بالتصورات الأوروبية, بعيدة كل البعد عن الواقع في ذلك الزمن, ضاربة بشهادة التاريخ عرض الحائط.

كما بيّنا أن أقوالهم لا تستند إلى القرآن, فهم لم ينطلقوا من القرآن ليصلوا إلى النتيجة, وإنما كانت النتيجة لديهم مقدما, فأسقطوا آيات القرآن عليها! وأعتقد أن هذا أكثر من كاف لرفض أقوالهم.

وختاما نقول:
إن ملك اليمين لم يعد موجودا في زماننا هذا, فمن الأفضل ألا نفكر فيه كثيرا وألا نسعى بحال إلى إعادته, فلقد ولت أيامه وانقضت, وعلينا أن نسعى لتأسيس وتقديم تصور إسلامي للمجتمعات الإنسانية مناسب للقرون القادمة, بدلا من الجدال حول مسائل في القرون الغابرة.
غفر الله لنا وللمسلمين والسلام عليكم ورحمة الله.

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

نقد رفض التعقل

من الأقوال المستفزة والمنتشرة بين العدميين –وأشباههم وأنصافهم- مقولة:“لا يوجد معنى في الطبيعة … نحن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.