الإسقاط الإمبريالي: وأثره على الأقليات المسلمة في أوروبا في ظل تنامي اليمين السياسي

يعرف الإسقاط  النفسي على أنه حيلة دفاعية-هجومية يسقط من خلالها الشخص رغباته المنحرفة وعيوبه على الأخرين، فالغرب بعد أن غزى العالم بدايا من أواخر القرن ال15 ميلاديا احتل قارات و أباد شعوبا و ثقافات ثم كان يتهمها بالهمجية و اللاإنسانية  وأنه بتقدمه المعرفي يخرحها من براثن الجهل الى جنات التقدم والرخاء: فتلك العنصرية المدعومة بالعنف المنظم التي تقوم على شيطنة الأخر لتبرير قتله بل إبادته و سرقة ثرواته هى أحد اهم أدوات الإمبريالية لذا أعترف صامويل هنتجتون بهذا حين قال: ” إن الحضارة الغربية لم تتقدم لمرجعيتها الأخلاقية او الذكاء و لكنها حققت ما حققت بالعنف المنظم”.

لكن بعيد الحربين العالميتين ( الغربيتين بالأحرى) خرجت دول أوروبا منهكة و ممزقة من الحرب و جاءت خطة مارشال الأمريكية لاعادة بناء أوروبا: فكانت أوروبا في حاجة الى عمالة رخيصة لإعادة بناء تلك الدول فكان العالم الإسلامي الذي قسمته الإمبريالية الأوروبية و فتته بعد أن سيطرت سيطرة شبة كاملة ابان القرن 19 على أراضي العالم الاسلامي،لذا طالبت بعض الدول الأوربية مثل بلجيكا، في سيتينيات القرن المنصرم باتفاقيات رسمية، مع المغرب تونس و الجزائر و تركيا لجلب العمالة اللازمة للعمل في المناجم و المصانع و مختلف المهن و الحرف المطلوبة.[1] و تتابع وفود هؤلاء العرب و المسلمون على أوروبا بنية الإقامة المؤقتة لكن مع الأوضاع الاقتصادية المزدهرة في أوروبا استقر هؤلاء ثم تتابعت الهجرات في العقود اللاحقة من العالم الإسلامي طلبا للعلم، الرزق، أو اللجوء السياسي. و مع ثورات الربيع العربي و قبلها الغزو الأمريكي للعراق، افعانستان والأوضاع في فلسطين المحتلة زاد من أعداد المهاجرين حتى شكل المسلمون كتل سكانية كبيرة تشكل 10% من سكان بعض البلاد الأوروبية: حيث بلغ عددهم ما يربو عن ستين مليون نسمة في القارة العجوز.

هذا التحول الديموغرافي يثير حفيظة اليمين السياسي المتبني لخطاب الاسلاموفوبيا و الذي يعمل على التضييق على المسلمين و تطفيشهم من خلال افتعال ازمات بشأن الحجاب و إرتداء العبايات او منع النساء من نزول البحر بلباس محتشم: فشاهدنا تلك الحوادث في فرنسا بحجة علمانية الدولة و الحفاظ على قيم المجتمع! او تتجلى محاولات التضييق في منع الذبح الحلال مثلما حدث في منطقة الفلاندرز في بلجيكا و مدينة استراسبورج. المفارقة ان تلك الدول الأوروبية مثل ألمانيا و إيطاليا و إسبانيا في حاجة الى مهاجرين بسبب انخفاض معدل المواليد لاسباب اقتصادية و ثقافية حيث تراجع مفهوم الأسرة و شيوع اللذة و الفردانية. كما أن تلك الحكومات لم تعد قادرة على الوفاء بإلتزامتها فيما يتعلق بمرتبات التقاعد لعدد كبير من السكان.

عقد مؤتمرا في مدريد تحت شعار أوروبا الحية يضمن كل أحزاب اليمن المتطرف مثل حزب فوكس اليميني الإسباني وحضره رئيس الأرجنتين ميلي و جورجيا ميلوني و اخريين من رومز التيار العنصري المعادي (حتى من خارج أوروبا) للأجانب فهو يرفع شعار لا لأسلمة أوروبا و ان المسلمين يريدون غزو أوروبا و أسلمة أوروبا.[2] و أنهم لن يسمحوا بأندلس ثانية ( حزب بوكس الأسباني) ، و من المفارقات ان تخرج السيدة ميلوني رئيسة وزراء إيطاليا بالدفاع عن قيم أوروبا المسيحية! و هى لها ابنة من علاقة خارج الزواج ما يخالف التعاليم المسيحية.[3] فهنا تتجلى مظاهر الإسقاط النفسي فأوروبا التي مزقت العالم الإسلامي  و ارتكبت جرائم الابادة المادية و المعنوية : حيث القرون الوسطى و ملف الموريسكيين في القرن  السادس عشر و من قبلها إبادة المسلمين في صقلية ابان حكم فريديك الثاني حيث بحلول القرن 14 تم استرقاق و تنصير مسلمي صقلية. و بعد ان عمل الغرب على تغير المنظومة التعليمية و السياسية و الإقتصادية للعالم الإسلامي  بشكل ممنهج و عنيف في العصر الحديث، يتهم المسلمون بمخطط امبريالي وهمي لأفراد كل حلمهم لقمة العيش و تحقيق حياة أفضل لابناءهم في سلام، و المعايش للجالية المسلمة في أوروبا يعرف أنها جالية لا تمتلك رؤية و لا مؤسسات حتى لتضمن حقوقها و مصالحها بحكم القانون و الدستور في ظل تلك الأجواء اليمينية الضاغطة مع ركود اقتصادي تكون الأولوية فيه لابن البلد الأصيل لا المهاجر الدخيل لذا فهناك العديد من التقراير التي تتكلم عن الهجرة العكسية للمسلمين من فرنسا خاصا حيث تنشر وسائل اعلام اوروبية عن صعوبة الحصول على عمل لحملة شهادات عليا يحملون أسماءا مسلما مما دفع الكثير للهجرة من أوروبا الى كندا، أمريكا، او بلاد عربية خليجية.[4]

ختاما: تعاني أوروبا من أزمة هوية و أزمة ديموغرافية  فهى غير قادرة على دمج المهاجرين (من الجيل الثاني و الثالث) مع الحاجة الماسة لهم بسب النسق الثقافي المنغلق على الذات المتاثر بحداثته الامبريالية المادية ،التي لا تقبل برؤى أخرى للعالم الا رؤيته ذات الجذور الرومانية اليونانية على الرغم من ان الحضارة الغربية منذ اليونان قامت على معارف الشرق حيث حضاراة العراق و مصر و الفنيقيين كما قالت :المؤرخة البريطانية جوزيفين كوين في كتابها الصادر حديثا ” كيف صنع العالم الغرب”.[5] المسلمون ساهموا في تقدم الغرب قديما من خلال الاحتكاك الحضاري في شبة الجزيرة الايبيرية و صقلية فعصر الاستنارة الحقيقي بدأ مع الزرقالي و ابن رشد الحفيد، البكري الجغرافي، المجريطي, وابو الجراحة في القرون الوسطى الزهراوي, ابن الطفيل وابن سينا والقائمة تطول. أما المرحلة الثانية التي ساهم المسلمون بالقتال مع فرنسا و انجلترا في الحربين العالميتين و كانوا هم الأيدي العاملة لبناء أوروبا المدمرة لكن يبدوا أن كل تلك الحقائق التاريخية غير مقنعة لليمين المتطرف الذي يوظف الدين المسيحي و الجغرافيا للدفاع عن ايدولوجية عنصرية استعمارية عنيفة تبرر اقصاء وتهميش المسلمين ليس فققط في أوروبا او الغرب بل هذا الخطاب يبرر الهجوم الاستباقي على المسلمين بحجة الارهاب ( مصنوع على اعين مخابرات غربية ) و أخطار اخرى وهمية في عقول مريضة يملأها الغل و الكره و الطمع في ثروات الأخر. على المسلمين ان يكونوا أكثرا وعيا و ان يدافعوا عن مصالحهم من خلال القنوات القانونية و بما تكفله دساتير تلك الدول كما عليهم الأهتمام بالعمل الجماعي ووضع خطط لمواجهة تلك الحملات التي تشكل خطرا على مستقبلهم في أوروبا و ما تاريخ الأندلس ببعيد فطرد المسلمين أوروبا احتمال قائم ان لم ينتهبوا …

و  الله أعلم

بقلم : أحمد أمير


عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

مناقشة كتاب عقائد الإسلاميين جزء ٢

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.