نواصل اليوم بفضل الله العظيم تناولنا لسور القرآن لنبين وحدتها الموضوعية والأجواء التي نزلت فيها, ونعرض بإذن الله الكبير المتعال لسورة الجمعة, فنقول:
سورة الجمعة مدنية بلا خلاف, قالت كتب أسباب النزول أنها نزلت بسبب انفضاض المؤمنين عن الرسول الذي كان يخطب الجمعة بسبب قدوم قافلة من الشام, ولا مانع من وقوع هذه الحادثة, إلا أنها لم تكن الوحيدة ولم تكن هي السبب المباشر لنزول السورة
ففي تلك الفترة كان الذين هادوا يشككون في رسالة الرسول وكيف يبعث الله رسولا في الأميين فمن المفترض أن يبعث فيهم فهم أولياء الله من دون الناس, فأنزل الله سورة الجمعة يقول أن هذا فضله يؤتيه من يشاء وأنهم ليسوا وحدهم أولياء لله (وهو المحور الذي تدور السورة في فلكه)
فلقد بعث في الأميين رسولا يعلمهم, وأنهم حملوا التوراة وقصروا في حملها, ثم يحث المؤمنين على عدم التقصير في حمل الرسالة (حتى لا يكونوا مثل الذين هادوا) فيأمرهم بالسعي لذكر الله ويلوم عليهم انفضاضهم المتكرر عن الرسول لأجل اللعب والتجارة وكيف أن هذا لا يستقيم مع قوم سيتحملون الرسالة.
والاتصال بين السورة والسورة الماضية جلي, فلقد لام الله على المؤمنين في الصف قولهم ما لا يفعلون وأمرهم بأن يكون أنصارا له, وهنا يلوم عليهم عدم التحمل الجدي للرسالة والإعراض عن التعلم ليكونوا أولياء حقا لله.
كما ركزت سورة الصف على رسالة الرسول والبشارة به وافتراء الكذب على الله من بعض المدعوين إلى الإسلام وكيف أن الله مظهره على الدين, وهنا تتحدث الآيات عن بعثة الرسول في الأميين وعن الذين هادوا ويزعمون أنهم أولياء لله من دون الناس.
والسورة لا تحتاج إلى تقديم يبين هذا التصور, فنقدمها للقارئ كما هي ليقرأها تبعا لهذه الوحدة الموضوعية, ليرى الاتصال البديع الذي غفل عنه السابقون وأضاعوه:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4) مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)
والحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين.