ما هو المعنى اللغوي لكلمة “عيد”؟!
الناظر في القرآن يجد أن كلمة “عيد” لم ترد إلا مرة واحدة, في قوله تعالى:
“قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [المائدة : 114]”
ولم يعول اللغويون كثيراً على الآية في تحديد معنى الكلمة وانصرفوا إلى الاستخدامات المختلفة للأصل “ع و د” ليحددوا معنى الكلمة, والمشهور في معنى كلمة “عيد” أنها من العود والرجوع, فقيل:
“العيد مشتق من العود فكل عيد يعود بالسرور, وإنما جمع على أعياد بالياء للفرق بينه وبين أعواد الخشب وقيل غير ذلك.
أن أصله عود بكسر العين وسكون الواو, فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها مثل ميعاد وميقات وميزان.
وقال ابن الأنباري: يسمى عيداً للعود في الفرح والمرح.
سمي عيداً لشرفه من العيد وهو محل كريم مشهور في العرب تنسب إليه الإبل العيدية.
اشتقاقه من العادة، لأنهم اعتادوه، والجمع أعياد ،ويقال عيد المسلمون : شهدوا عيدهم ،
والعجيب أننا وجدنا ابن عابدين يقول:
سمي العيد بهذا الاسم ،لأن لله تعالى فيه عوائد الاحسان ،أي أنواع الاحسان العائدة على عباده في كل يوم ،منها ،الفطر بعد المنع عن الطعام ،وصدقة الفطر
واتمام الأضاحي،وغير ذلك ولأن العادة فيه الفرح والسرور ، والنشاط والحبور
مع أن الكلمة موجودة من قبل الرسول محمد! وعليه أن يحدد معناها اللغوي أولا ثم يسقطها على المدلول الإسلامي.
وخلاصة الأقوال أن العيد عيد لأنه يعود! وهو قول بعيد في كلمة على وزن “فِعل”, فليس هذا الوزن من أوزان الفاعل! والقول باشتقاقه من العادة قول بعيد كذلك, فما الذي اعتادوه أصلاً حتى يُسمى عيداً؟! هل اعتادوا اليوم؟ الأيام كلها تتكرر ولا يوجد يوم واحد لا يعود في العام التالي؟!! فهل يُقبل أن تُسمى كل الأيام أعياداً لأنها تعود ولأننا اعتدنا عليها؟!
فإذا نظرنا في لسان العرب بحثاً عن معانٍ أخرى ل “ع و د” ألفينا ابن منظور يقول:
” …. والعائدَةُ: اسم ما عادَ به عليك المفضل من صلة أَو فضل، وجمعه العوائد. قال ابن سيده: والعائدة المعروفُ والصِّلةُ يعاد به على الإِنسان والعَطْفُ والمنْفَعَةُ.
والعُوادَةُ، بالضم: ما أُعيد على الرجل من طعام يُخَصُّ به بعدما يفرُغُ القوم؛ (…..)
والعَوْد أَيضاً: الشاة المسن، والأُنثى كالأُنثى.
وفي الحديث: أَنه، عليه الصلاة والسلام، دخل على جابر بن عبد الله منزلَهُ قال: فَعَمَدْتُ إِلى عَنْزٍ لي لأَذْبَحَها, فَثَغَتْ، فقال عليه السلام: يا جابر لا تَقْطَعْ دَرًّا ولا نَسْلاً. فقلت: يا رسول الله إِنما هي عَوْدَة علفناها البلح والرُّطَب فسمنت؛ حكاه الهروي في الغريبين. قال ابن الأَثير: وعَوَّدَ البعيرُ والشاةُ إِذا أَسَنَّا، وبعير عَوْد وشاة عَوْدَةٌ. ….. ” اهـ
فإذا عدنا مرة أخرى إلى الآية الكريمة وجدنا أن عيسى بن مريم سأل الله مائدة تكون عيداً:
قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [المائدة : 114]
وقال المفسرون مثل الإمام الفخر الرازي:
” وأما قوله {عِيداً لاِوَّلِنَا وَءاخِرِنَا} أي نتخذ اليوم الذي تنزل فيه المائدة عيداً نعظمه نحن ومن يأتي بعدنا ، ونزلت يوم الأحد فاتخذه النصارى عيداً ” اهـ
ونحن نشكر للإمام الرازي قوله ونرده عليه, فالمسيح عيسى بن مريم لم يطلب مائدة يكون يوم نزولها عيداً, وإنما تكون هي نفسها عيداً وآية لهم! فهل يُقبل أن تكون هي الآية ويكون المراد من العيد يومها وليس هي؟!!
ونلاحظ أن القرآن –والعرب- كانوا يعرفون أيام الاحتفال بمناسبة معينة ويسمونها “يوم كذا”, ونجد في القرآن قوله تعالى على لسان موسى:
” قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى [طه : 59]”
ولم يقل “عيد الزينة”.
ومن ثم فالمائدة يمكن أن تكون عيداً, فما هو العيد؟
كما قرءنا عند ابن منظور, ف: عيد (مثل: عير وعيس) ارتبطت بالإبل (والشاة) كما ارتبطت بالطعام والفضل, ومن ثم يمكننا القول أن العيد هو المائدة (الطعام) الموضوعة للأكل مجانا, التي يُدعى الناس إليها فيعودونها.
فالناس يعودونها (يأتونها/ يزورونها, كما يُعاد المريض) ولأنها مفعول وليس فاعل صارت على وزن: فِعل> عيد.
وبداهة فإن وجود طعام بدون مقابل أمر محبوب ومرغوب فيه عند كل الناس.
ومن ثم فالعيد مرتبط بالطعام, أما الاحتفال بمناسبة بدون طعام, مثل ذكرى وفاة فلان أو انتصار رمضان/أكتوبر مثلاً فيُسمى بيوم 6 أكتوبر مثلاً.
وفي الألمانية مثلا نجد تفريقاً, فالمناسبات التي ترتبط باحتفالات (وطعام وولائم) تُسمى: Fest
بينما المناسبات الأخرى تُسمى: يوم كذا! مثل:
Muttertag > يوم الأم. Arbeittag> يوم العمل (عيد العمال).
ويؤكد هذا ما رواه أبو داود في سننه:
حَدَّثَنِي ثَابِتُ بْنُ الضَّحَّاكِ قَالَ:
نَذَرَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ قَالُوا لَا قَالَ هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ قَالُوا لَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْفِ بِنَذْرِكَ فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ.
فنجد هنا أن الرسول الكريم يربط العيد بالمكان وليس بالزمن! فيسأله: هل كان في هذا المكان “بوانة” عيد من أعياد الجاهلية؟ فلما نفى الرجل أباح له النبي. فهذا الرجل كان يريد أن يقيم عيداً في مكان معين, بأن يذبح الإبل ويدعو الناس إليها, فيعودونها.
فإذا تركنا الأصل اللغوي للكلمة وانتقلنا إلى اليومين المسميين: بعيد الأضحى وعيد الفطر, ونبدأ بالنشأة, فنجد في ذلك الرواية الشهيرة, التي رواها النسائي في سننه:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:
كَانَ لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَانِ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ قَالَ كَانَ لَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا وَقَدْ أَبْدَلَكُمْ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى.
ويرويها الإمام أحمد في مسنده بشكل مختلف قليلاً فيقول:
سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ:
قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قَالُوا كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ.
والناظر في الأحاديث التي تتحدث عن يوم الفطر ويوم الأضحى يجد أن أكثرها كان يستعمل كلمة “يوم” وليس كلمة عيد, مثل ما رواه مالك في موطأه:
حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ
أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُؤْمَرُونَ بِالْأَكْلِ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْغُدُوِّ
قَالَ مَالِك وَلَا أَرَى ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ فِي الْأَضْحَى.
وكذلك ما رواه الترمذي في سننه:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ وَلَا يَطْعَمُ يَوْمَ الْأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ.
حتى الروايتين عن تشريع الفطر استعملتا كلمة: يومان, وليس: عيدان, لأنهما ارتبطا باللعب.
ونتوقف مع هذه الروايات التي مدارها على أنس بن مالك لنتساءل:
(بغض النظر عن أنها توحي بأن الرسول كان يشرع قبل أن يأتيه الوحي, فما أن علم بأمر العيدين حتى قال أن الله أبدلهما بكذا!! فمتى أوحي إليه أنه أبدلهما كذا بكذا؟!!!)
كيف يتحدث الرسول الكريم عن أمور لم توجد بعد, فالصيام يفترض أنه كُتب في العام الثاني من الهجرة والحج في السنة السادسة أو التاسعة؟!
ثم ما هما هذا اليومان اللذان لم يجر لهما ذكر إلا في هذه الرواية وكيف اختفيا من ذاكرة الأنصار, فلم يرو أحدهم أننا كنا نفعل كذا وكذا؟!!!
لقد انتبه الشيخ سفر الحوالي إلى هذه النقطة وأوجد لها تبريراً “سلفياً” فقال:
“فهنا شَيْخ الإِسْلامِ يستدل بالواقع، ففي أيام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأيام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، لا وجود لهذين العيدين بل أكثر المسلمين لم يكونوا يعلمون متى كان موعد هذين العيدين، وهذا دليل على استئصال الشرع لهما استئصالاً نهائياً، حتى لم يبق لهما ذِكَرٌ أو أثر.
فالنهي يكون من أشد أنواع النهي وأشد أنواع التغليظ -كما ذكر رحمه الله- مع تشوق النفوس إلى العيد، وإلى الفرح وخاصة كما ذكر: من النساء والأطفال والفارغين من الناس، وهو صادق؛ فما أكثر الفارغين من الناس اليوم الذين يحبون الأعياد، ويتمنون أن يكون في كل شهر حفلات وأعياد وعطل، والنساء كذلك يردن الزينة والبهرجة والفرحة، والأطفال.
فرغم قوة الداعي لبقاء هذين اليومين في نفوس الناس إلا أنهما استؤصلا واجتثا؛ حتى لم يبق لهما من أثر.” اهـ
أما نحن فنقول أنه لم يكن لهما وجود أصلا, وهذه رواية مكذوبة, ترمي لتأصيل الاحتفال بيومي الفطر والأضحى بنسبة ذلك إلى النبي الكريم.
ولا يعني ذلك أننا نقول أنه ليس لهذين اليومين مزية مخصوصة عند المسلمين أو الرسول, فهما يومان ارتبط كل منهما بعبادة مخصوصة, فالأول بانتهاء الصيام, والثاني بالذبح, وفي هذه المناسبة كان الرسول كرسول وكقائد للمدينة يجمع المسلمين فيخطب فيهم, كما روي في موطأ مالك:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إِلَى الْمُصَلَّى فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلَاةُ ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ فَيَعِظُهُمْ وَيُوصِيهِمْ وَيَأْمُرُهُمْ فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا قَطَعَهُ أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ.
وكان كل المسلمين يخرجون فليس الأمر للرجال فقط, فكانت النساء تؤمر بالخروج حتى الحيض, كما روى الإمام ابن ماجه في سننه:
عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ:
أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ قَالَ قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ فَقُلْنَا أَرَأَيْتَ إِحْدَاهُنَّ لَا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ قَالَ فَلْتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا.
كما أن الرسول الكريم نهى عن صيام هذين اليومين, وهو أمر جد منطقي, فيوم الفطر هو أول يوم بعد رمضان ومن ثم فعلى الناس الانقطاع عن الصيام –ولهذا وجدنا من السلف من كرّه الصيام من ثاني أيام شوال-, ويوم الأضحى يوم أكل ومن ثم فلا ينبغي الصوم, وهذا ما ورد في الروايات نفسها, فنجد أبا داود يروي في سننه:
عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ:
شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صِيَامِ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ أَمَّا يَوْمُ الْأَضْحَى فَتَأْكُلُونَ مِنْ لَحْمِ نُسُكِكُمْ وَأَمَّا يَوْمُ الْفِطْرِ فَفِطْرُكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ.
والمشهور بين علماء السنة أنه يحرم صوم هذين اليومين, إلا أنه لم يرد دليل على الحرمة في القرآن, ومجرد نهي الرسول لا يعني الحرمة, وإنما الكراهة, ويدل على ذلك روايات أخرى, مثل ما رواه أبو داود كذلك:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:
نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الْأَضْحَى وَعَنْ لِبْسَتَيْنِ الصَّمَّاءِ وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَعَنْ الصَّلَاةِ فِي سَاعَتَيْنِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ.
ونجد الإمام الترمذي يصنف لحديث أبي عبيد السابق تحت عنوان:
” بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الصَّوْمِ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ”
ويصنف كذلك للصيام في في أيام التشريق بعنوان:
بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الصَّوْمِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ
قَالَ وَفِي الْبَاب عَنْ عَلِيٍّ وَسَعْدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ وَنُبَيْشَةَ وَبِشْرِ بْنِ سُحَيْمٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ وَأَنَسٍ وَحَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَعَائِشَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ أَبُو عِيسَى وَحَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَكْرَهُونَ الصِّيَامَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ إِلَّا أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ رَخَّصُوا لِلْمُتَمَتِّعِ إِذَا لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَلَمْ يَصُمْ فِي الْعَشْرِ أَنْ يَصُومَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَبِهِ يَقُولُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَقُ. ”
فمن غير المقبول أن يتعنت بعضهم ويصوم في هذه الأيام التي هي أيام أكل وشرب وفطر فيصوم!!
ونلاحظ في الحديث الأخير عن عقبة بن عامر أن الرسول قال عن أيام الأضحية وكذلك يوم عرفة أنها عيد أهل الإسلام, وأنها أيام أكل وشرب. (وهذا يدفعنا للتساؤل حول صحة الأحاديث التي تأمر بصيام يوم عرفة!!)
ومن هذه الرواية وغيرها مثل ما رواه البخاري في صحيحه:
عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ:
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنَى تُدَفِّفَانِ وَتَضْرِبَانِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَغَشٍّ بِثَوْبِهِ فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ أَيَّامُ مِنًى وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرُنِي وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْهُمْ أَمْنًا بَنِي أَرْفِدَةَ يَعْنِي مِنْ الْأَمْنِ.
منها أُطلق العيد على أيام الأضحية, وهو إطلاق صحيح لما في العيد من إطعام وتوزيع على الناس, إلا أن الاستعمال المخصوص الذي يجعل العيد هو اليوم العاشر استعمال غير دقيق, فالعيد يُطلق على كل هذه الأيام, فليس “العيد” اسم مخصوص باليوم العاشر, وإنما من اليوم التاسع وحتى آخر أيام التشريق كل هذه أيام عيد المسلمين.
ثم توسع في الاستعمال فأصبح يوم الفطر يُسمى “عيداً” كذلك, بنوع من التجوز, فهو وإن لم يكن فيه إطعام للغير ودعوة للطعام, إلا أنه مرتبط بالفطر والذي هو تناول للطعام! كما أن بعض الروايات جعلت الواقعة السابقة في يوم الفطر, مثل ما رواه ابن ماجه في سننه:
عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ
دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الْأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ فِي يَوْمِ بُعَاثٍ قَالَتْ وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَبِمَزْمُورِ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدِ الْفِطْرِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا.
إلا أن الأصح ما رواه البخاري, من أن ذلك كان في أيام منى, فقد روى عبد الرازق في مصنفه كذلك أنها كانت أيام منى:
وهشام بن عروة عن عروة قال : دخل أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم وعند عائشة قينتان تغنيان في أيام منى ، والنبي صلى الله عليه مضطجع مسبحا ” (1) ثوبه على وجهه ، فقال أبو بكر : أعند رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع هذا ؟ (2) فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه ، ثم قال : دعهن يا أبا بكر ؟ فإنها أيام عيد وذكر الله.
نخرج من هذا بأن العيد هو الطعام (المجاني) الذي يعوده الناس, أم الاحتفال بمناسبة كذا وكذا فيسمى ب: يوم كذا.
والله أعلى وأعلم