سورة الإسراء والإنجاء من الإهلاك.

نعرض اليوم بفتح الله وفضله لسورة الإسراء لنبين وحدتها الموضوعية والأجواء التي نزلت فيها السورة, فنقول:
سورة بني إسرائيل سورة مكية نزلت في مرحلة عسيرة من مراحل الدعوة عانى فيها المسلمون من الاستضعاف والإيذاء أشد المعاناة
حتى وصل الرسول الكريم فيها إلى حالة شديدة من الضعف “النفسي”, لدرجة أنه اقترب من الاستجابة لمطالب المشركين بأن ينسب إلى الله ما لم يوحي به إليه

وكان هو نفسه في هذه الأثناء يدعو ربه ليريه من آياته ما يثبته به, فأسرى الله به ليريه من آياته ثم أُنزلت السورة بعد ذلك لتعرفهم بسنن الهلاك حتى يتجنبوها,
ولتقول للرسول وللمؤمنين أن أكبر المهلكات هو عبادة غير الله, لذا فلا تتوكلوا على غير الله ولا تدعوا سواه فهذا هو الضلال المبين, فكل من وما دون الله هو عبد لله, (ولهذا نجد أن السورة ركزت على قضية العبودية من أول آياتها, وتكررت كلمة: عبد, وعباد, في السورة في أكثر من موطن, فالأنبياء والملائكة كلهم عباد لله) وهكذا كان العنصر الرئيس للسورة هو:
المنجيات من الهلاك
وهو المحور الرئيس الذي تدور في فلكه السورة.

والاتصال بين السورة والسورة السابقة لها جلي, فلقد خُتمت سورة النحل بأمر النبي بالصبر
وبتعريفه أن الله مع …: ” وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ [النحل : 127-128]”

ثم تبدأ السورة بتسبيح الذي أسرى بعبده ليريه من آياته, فالله لم يترك النبي في همه وإنما أسرى به ليرى من آيات الله.
واستئنافاً لما عرضته السورة الماضية من اعتراض المشركين على شخص الرسول الذي يأتيه الوحي وكيف بينت أنه نعمة كبرى, فصلت السورة هنا في أن الوحي الذي أنزل على الرسول الكريم نفسه من أكبر المنجيات من الهلاك ومن يكفر بهذه النعمة يُهلك.

ونبدأ في تناول السورة لنبين كيف قالت بهذه المعاني, فنقول وعلى الله الاتكال:
بدأت السورة بتسبيح الله الذي جعل الرسول يصل على غير تخطيط وقصد إلى المسجد الأقصى * لتريه الملائكة من آيات الله, فهو السميع الذي سمع نداءات الرسول والبصير بحاله, فأسرى به ليرى الآيات (ليثبت حتى لا يذاق ضعف الحياة وضعف الممات), وأوتي موسى الكتاب (لاحظ أن موسى وصل كذلك إلى المكان الذي نودي فيه بدون قصد منه وإنما بتقدير الله: ” ….. فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى [طه : 40]”.)

وجُعل هدى لبني إسرائيل, ذلك العبد الصالح الذي كان مع نوح (تذكير بالأصل الذي نُجي من الهلاك) وليس: يعقوب, ألا يتخذوا من دون الله وكيلاً, ثم يثبت الله النبي بأنه سيدخل البلد الحرام فاتحا, بنبوءة الهلاك القديمة التي قضاها الله إلى بني إسرائيل في الكتاب (الذي أوتاه موسى) بأنهم سيفسدون في الأرض مرتين وسيعلون علوا كبيرا وكيف أن الله سيبعث عليهم في الأولى عبادا له فيجوسوا خلال الديار

(وهو ما حدث على يد يشوع بن نون عندما دخل هو والمسلمين بموسى الأرض المقدسة “مكة” التي كتب الله لهم, ومن ثم أصبحت السيادة عليها للمسلمين, ثم رد الله الكرة عليهم لبني إسرائيل (القبائل العربية المقيمة في تلك المنطقة), فإن أحسنوا فلأنفسهم وإن أساءوا ف (للمرة) الآخرة, (أي أن إساءتهم لتحقيق القضاء الرباني وليس لأنفسهم, لأن الإنسان إساءته على نفسه وليست لها)

فإذا جاء وعد الآخرة ليسوء المسلمون وجوههم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة**.فإن اتخذتم الله وكيلاً نرحمكم وإن عدتم لاتخاذ غيره عدنا لتعذيبكم.

ثم يبين الله للرسول وللمشركين أنه ليس ثمة مبرر لإتباع غير ما أنزل الله, فالقرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشالمؤمنين بالأجر وأن العذاب الأليم لمن لا يؤمن بالآخرة.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)
وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8)
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10)
___________________
*سيرفض القارئ المؤمن بالتاريخ والجغرافية التوارتيين المزيفين, واللذان يقولان أن اليهود وأنبياءهم كانوا في فلسطين وشمال جزيرة العرب, سيرفض العرض الذي نقدمه لمطلع السورة, لأننا نتبنى ذلك التصور الذي يقول أن اليهود وأنبياء العهد القديم بدءً من نوح ومرورا بإبراهيم وموسى كانوا يمنيين من جنوب جزيرة العرب, ولم تطأ أقدامهم فلسطين في يوم من الأيام

ولا يمكننا أن نبين بحال في هذا الموضوع المستندات التاريخية العديدة التي استندنا إليها في قبولنا بهذا القول غير المشتهر, وإنما نطلب إليه أن يستكشفه بنفسه.

وتبعاً لهذا التصور نقول:
رحلة الإسراء كانت رحلة عادية مشى فيها الرسول على قدمه (أو حتى راكبا دابة) حتى وصل إلى المسجد الأقصى والذي هو بالجعرانة بجانب مكة وليس ذلك المشهور في فلسطين, فلم يكن ثمة مسجد في ذلك الوقت في ذلك المكان وإنما بُني في العصر الأموي, ويمكن للقارئ أن يرجع لهذا الموضوع على هذا الرابط ليعلم ما هي الأدلة التاريخية على كون المسجد الأقصى بالقرب من مكة:
من هنا

** سيستغرب القارئ كون بني إسرائيل قبائل عربية عاشت في نطاق الحرم, وذلك لأن بنو إسرائيل هم عنده اليهود, وإسرائيل هو يعقوب, على الرغم من أن الله فرق بينهما (وثمة موضوع في الموقع يبين الفرق بين الاثنين)
إن بني إسرائيل قبيلة/ قبائل, والإسلام الموسوي (اليهودية) دين,
ومن ثم فلا يشترط أن يكون بنو إسرائيل يهودا! كما سيتعجب القارئ أكثر لقولنا أن اليهود هم الذين دخلوا المسجد الحرام وأنهم هم عباد الله الذين بعثهم, وذلك لأنه قرأ أن اليهود هم الذين بعث الله عليهم عباداً له (لاحظ أن الله لم يتحدث عن أتباع دين وإنما عن عرق/ قبيلة),

ولم يستطع المفسرون أن يحددوا له من هم عباد الله هؤلاء الذين بعثهم الله على أتباع دين من أديانه!! ومن هم النبي الذي بعث فيهم! ومن ثم قبلوا بأن يكون عباد الله وثنيين!! ثم لم يستطيعوا أن يبينوا كيف يصبح عباد الله الوثنيون! هم المسلمون في آخر الزمان الذين يُفترض أنهم سيدخلون المسجد (الأقصى) وكيف يكون كما دخلوه أول مرة!!

أما نحن فنقول أن المسلمين الموسويون هم من دخلوا مكة بعد موسى على بني إسرائيل القبائل العربية, والمسلمون المحمديون هم من سيدخلونها مرة أخرى على نفس القبائل العربية.

وبدلاً من أن يكون موقف الإنسان أمام القرآن الحق أن يدعو لنفسه بالهداية يدعو أن ينزل الله عليه العذاب, والعذاب لا ينزل هكذا, فلقد جعل الله الأزمنة وكل شيء يأتي بوقته, ولن يستثنى أي أحد من الحساب والسؤال فكل إنسان (بما فيه عيسى) سيُخرج له يوم القيامة كتابا, وكل إنسان حسيب على نفسه, فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فعليها, ولن تحمل نفس وزر أخرى

ولن يأتي العذاب على الشرك بدون بعث رسول, وإنما يكون بفسق المترفين فيحق القول, وليس الإهلاك بالأمر الجديد فكم أهلك من القرون بعد نوح, ولا يقتصر الدعاء على الهلاك, فمن طلب الدنيا عجلنا لمن نشاء ثم يعاقب بجهنم, أما من سعى للآخرة فيُشكر سعيه, فانظر كيف فضل الله بعضهم على بعض, ومن ثم لا تستجيب لهؤلاء وتجعل مع الله إلها آخر:
وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11)
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12)
وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17)
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)

وبعد الحديث عن الهلاك والمهلَكين ينهى الله الرسول والمؤمنين عن بعض الأمور السيئة المكروهة عنده (اجتناب لمهلكات) وعدم الاستجابة لدعاوى الجاهلية ومطالبهم بجعل إله مع الله (يُنسب إليه مثل الأنبياء أو الملائكة):

وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ* الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25) وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28) وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30) وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31) وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32) وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38) ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39)

فيرد الله على هذه الفرية بأنه هل من المقبول أن يجعل الذكور لكم والإناث له؟
إن هذا قول عظيم (تكاد السماوات يتفطرن منه) -ولقد جعل الله في القرآن ليذكروا إلا أنهم ينفرون بدلا من ذلك- سبحانه فكل ما ومن في السماوات والأرض إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون

وكما غاب فقه التسبيح عنكم كذلك جُعل حجاب بينك وبين المكذبين بالآخرة وأكنة ووقر عند سماع القرآن ونفور عند ذكر الله بدون آلهتهم, فهم لا يستمعون ليفقهوا وإنما ليتصيدوا وليضربوا الأمثال فقالوا أن الرسول مسحور وقالوا هل يمكن أن نبعث بعد أن نكون عظاما ورفاتا,
فقل بأي طريقة ستبعثون كما فطرتم أول مرة وقد يكون قريبا. وقل لعباد الله أن يقولوا التي هي أحسن فالشيطان ينزغ بينهم, فهو عدو لهم.

وربكم أعلم بكم فإن يشأ يرحمكم أو يعذبكم –على هذا القول العظيم- ولم نرسلك لتكون عليهم وكيلاً (فليس محمد هو الذي سيحدد من يرحم الله أو من سيعذب وإنما الله بعلمه وحكمته) وكذلك هو أعلم بمن في السماوات والأرض, (فهو الذي يعلم منازل الملائكة ورتبهم وأدوارهم وكذلك درجات الناس وفضل بعض النبيين على بعض, ومن ثم فليس لكم يا بني إسرائيل أن تؤلهوا الملائكة أو النبيين)

فادعوا الذين زعمتم فلن يكشفوا الضر فهم يدعون الله ويخشون عذابه, وبخصوص العذاب الذي تستبعدونه فإن الإهلاك سنة جارية فأي قرية لا بد أن تُهلك أو تعذب, ولا يعني هذا أن الله يريد أن يعذب البشر, فالله يهيئ للناس المنجيات من الهلاك ويخاطبهم بما يناسبهم 

ولهذا لم نرسل بالآيات حتى لا تكذبوا فتهلكوا, والله يرسل بالآيات تخويفا وكذلك لما قلنا لك أن الله أحاط بالناس وفي الرؤيا وعلى الرغم من التخويف لا يزيدهم هذا إلا طغيانا كبيرا!

إن ما تفعلونه من عبادة الملائكة هو قلب للحال, فالملائكة سجدت لآدم إلا إبليس توعد أن يضلكم ويهلككم, فجعلكم تعبدون الملائكة.
وليس للشيطان سلطان على عباد الله إلا وعد الغرور, أما الله فهو الوكيل, فهو الذي يزجي لكم الفلك وعند الضر تنسون غيره وفي البر تشركون به أفأمنتم أن يُخسف بكم
” أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ [النحل : 45]”, ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم على الدواب والفلك وفضلناهم, إلا أنه يوم ندعو كل أناس بإمامهم (فهل إمامك محمد أم الشيطان) فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك لا يُظلمون وأما من كان في هذه الدنيا أعمى فهو أضل سبيلاً في الآخرة:
أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (41) قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43) تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44) وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (46) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48) وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49) قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (52) وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (54) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57)
وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58) وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59) وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65)
رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (66) وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (69) وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70) يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72)


___________________
* قوله “عندك” يطرح تساؤلات حول مصداقية الروايات التي تقول أن الرسول كان يتيما, فظاهر الآية يقول أن والدا الرسول كانا حيين عند نزول هذه السورة.

ثم يذكر الله النبي بتثبيته مقابل كيد الذين لا يؤمنون بالآخرة, وكيف أنه كاد يفتتن بهم ومن ثم كان سيذوق العذاب, ثم يأمره بإقامة الصلاة والتهجد ليكون له مقاماً محمودا وكذلك بالدعاء بأن يجعل له سلطانا نصيرا,

إن الوحي الذي جاءك هو شفاء ورحمة إلا أنه خسران على الظالمين فهو يزيد الحجة عليهم, وإذا أنعم على الإنسان ظن أن هذا لحسن مسلكه فيعرض عن الوحي, وكل يعمل على شاكلته فالله أعلم بالأهدى, ويسألونك عن القرآن* (لماذا جاء بعد كتاب موسى)

فقل هو من أمر ربي, ولئن شئنا لنذهبن به فلا تجد وكيلا ولو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل القرآن لا يقدرون, وعلى الرغم من الأمثلة المصرفة طالبوا بالآيات الحسية فقل هل أنا إلا بشر, وهذا ما يعترض عليه البشر مع أن هذا هو المنطقي, فلو كان هناك ملائكة لأرسلنا ملائكة, إن هؤلاء يجادلون بغير منطق فقل كفي بالله شهيدا فهو الخبير بعباده

وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75) وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا (77) أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80) وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81) وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (84) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (86) إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (87) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89) وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا** (93) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94) قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (95) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (96)

ولأن الله هو الخبير البصير بعباده فهو يهدي من يستحق الهداية ويطلبها ومن يضلل فلن تنفعهم تلك الأولياء التي يدعونها (طلبا للهداية والرزق), ومأواهم جهنم بتكذيبهم بالبعث على الرغم من أنهم رأوا أن الله خلق السماوات والأرض, إلا أنهم أبوا إلا أن يكفروا (النعمة) ولو كنتم أنتم تملكون خزائن الرحمة لأمسكتم.

إن الهداية ليست بالآيات فلقد تكون سببا في الهلاك فلقد آتينا موسى تسع آيات فحدث ما حدث, وبالحق أُنزل القول لبني إسرائيل (النبوءة وليس القرآن فالشيء لا يُعطف على نفسه) وبالحق نزل ودورك البشارة والإنذار, وكذلك بالحق فرقنا القرآن لتقرأه, قل آمنوا به أو لا تؤمنوا فالذين أوتوا العلم يخرون سجدا مسبحين ربهم إذا يُتلى عليهم ويسبحون ربهم (كما بُدأت السورة بالتسبيح تُختم به).

وقل –للسائلين هل ندعو باسم الله أم بالرحمن- ادعوا الله أو الرحمن فلكل منهما الأسماء الحسنى فهما واحد (وهذا دليل على أن الرحمن مثل الله الاسم الذاتي الذي يُنعت بأسماء أخرى, فيقال: الرحمن العزيز … الخ), ولا تجهر بدعاءك ولا تخافت بها, واحمد الله

وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99) قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102) فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103) وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104) وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105) وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109) قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)

وكما رأينا فلقد عرضت السورة بشكل بديع للهلاك وعرفت كيف يمد الله الناس بما ينجيهم من الهلاك, وكيف يهلك الناس أنفسهم بأنفسهم! فهل تكون ممن يأخذون بالمنجيات من الهلاك أم من السائرين على درب الهلاك؟!

وندعو القارئ إلى إعادة قراءة السورة مرة واحدة فسيجدها نسيجا بديعا ليس له مثيل, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

______________________
* ليس المقصود من الروح ذلك الشبح الموجود داخل الإنسان وإنما هو القرآن, ويدل على هذا الآية التالية والآية الثانية في سورة النحل وغير ذلك, ويمكن للقارئ أن يرجع إلى موضوعنا حول الفرق بين النفس والروح, فلقد فصلنا فيه.
** الآية دليل قاطع على أن الرسول لم يُعرج به إلى السماء, فلقد طلب المشركون من الرسول أن يرقى في السماء ولو كان فعل –أو سيفعل- لقال لهم: انتظروا أو فعلت ولم تصدقون, ولم يقل هذا وإنما يؤمر بأن يقول: أنا بشر.

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

العلم ذو الفجوات

أتفق مع الملحدين في خطأ تصور “إله الفجوات”فلا ينبغي بأي حال نسبة “فراغات” العلم إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.