فمما اشتهر به اليهود من الأوصاف وصفهم ب ” قتلة الأنبياء”! وهو وصف صحيح ملازم لهم –وللنصارى تباعا- إلى يوم بعثهم! ولكن هل من الممكن إطلاق هذا الوصف على اليهود المعاصرين؟
قد يقول بعض السائلين: ما ذنب اليهود المعاصرين , هل يكفي أنهم رضوا بقتل آبائهم للأنبياء لنصفهم بأنهم كذلك قتلة؟ فنرد قائلين: إن اليهود المعاصرين لم يكتفوا بالرضى عن قتل الأنبياء السابقين بل لا يزالون سائرين على درب أجدادهم في تقتيل الأنبياء, لذلك فهم مستحقون بجدارة للقب قتلة الأنبياء.
ويعجب القارئ ويسأل: كيف يقتل اليهود الأنبياء ولم يعد هناك أي أنبياء بعد الرسول الكريم محمد بن عبد الله؟!
نقول: المتتبع لحال اليهود ولوصفهم في القرآن يجد أنهم لا يزالون –كما وصفهم الله- يقتلون الأنبياء! فإذا نحن نظرنا في كتاب الله تعالى وجدناه يقول:
“لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ [المائدة : 70]”
ويقول: ” إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [آل عمران : 21]”
فكيف لا يزال اليهود يقتلون الأنبياء حتى الآن؟
نقول: إن الفهم الجزئي للفظة “قتل” هو الذي أدى إلى هذا الفهم! فبعض المفسرين أوّل المضارع في قوله تعالى “يقتلون” في سورة المائدة وقال أنه بمعنى “قتل” ومنهم من أوّل “النبيين” في سورة آل عمران وقال: ليس المراد حتما كل النبيين, فاليهود أو بنو إسرائيل لم يقتلوهم كلهم وإنما قتلوا بعضهم أو قليلا منهم!
أما نحن فنفهم الآيات كما هي ولا نأولها, ونقدم فهمنا العام المستند إلى اللغة للقارئ الكريم:
إذا نحن بحثنا في المقاييس عن الجذر “ق ت ل” وجدنا ابن فارس يقول:
“القاف والتاء واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على إذلالٍ وإماتةٍ. يقال: قتَلَهُ قَتْلاً.
والقِتْلَة الحالُ يُقْتَلُ عليها. يقال قَتَله قِتلةَ سَوء. والقَتْلة المرّة الواحدة.
ومَقاتِلُ الإنسان: المواضع التي إذا أُصِيبت قَتَله ذلك.
ومن ذلك: قتلتُ الشيءَ خُبراً وعِلْماً. قال الله سبحانه: وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً[النساء 157]. [ويقال: تقتَّلت الجاريةُ للرّجُل حتَّى عَشِقَها، كأنَّها خَضَعَتْ له. قال]:
تقَتَّلتِ لي حتَّى إذا ما قتلتِني تنسَّكْتِ، ما هذا بفعل النواسِكِ
وأقتَلتُفلاناً: عرَّضْتهللقَتل.
وقلبٌمُقَتَّلٌ،إذاقَتَّلَهُالعِشْق. قال امرؤ القيس:
وما ذَرَفَتْ عيناك* إلاّ لتَضرِبي بسهميكِ في أعشارِ قلبٍمقتَّلِ
قال أهلُ اللُّغة: يقالقتِلَالرّجل، فإنْ كان من عشقٍ قيل: اقْتُتِل، وكذلك إذاقَتَلَهُالجِنّ: قال ذو الرُّمَّة:
إذا ما امرؤٌ حاوَلْنَ أن يَقتَتِلنَه بلا إحنَةٍ بين النُّفوس ولا ذَحلِوقُتِلت الخمرُ بالماء، إذا مُزِجَت؛ وهذه من حَسَن الاستعارة. قال:
إنّ التي عاطَيتَنيفرددتُها قُتِلَتْقُتِلْتَفهاتها لمتُقتَلِ ” اهـ
إذا فكما رأينا فالقتل أساسا أصل يدل على الإذلال والمهانة واللعن والتي قد تصل إلى نهايتها فتنتهي بالموت! وهذا هو الذي فعله اليهود مع الأنبياء ولا يزالون يفعلون!
فالناظر في حال أنبياء بني إسرائيل في كتبهم يجده قبيحا بشعا, فلقد شوه اليهود صور أنبيائهم كلهم تقريبا, فلم يتركوا نبيا إلا وناله من الوصف القبيح المشين ما يستحق من أجله اللعن والاحتقار والذم . ( وحاشاهم أن يصدر ذلك منهم!) فنوح يسكر ويتعرى ويلعن ذريته من أجل تفاهات وإبراهيم رجل لا غيرة له ويغامر بزوجه –معاذ الله- ولوط يسكر وتخدعه بناته حتى يواقعهما
وهذا يعني أنه كان في حالة سكر شديدة لا يميز فيها!- وداود يغش ويقتل ويزني وسليمان يعبد الأصنام! وهارون يصنع العجل , وسيل الاتهامات طويل لا ينقضى وما ذُكر فهو غيض من فيض! فبفعلهم هذا وتدوينهم هذا في كتبهم فلقد قتلوا الأنبياء, وكل جيل يأتي ويؤمن بهذا الكلام المدون في الكتب فهو يقتل الأنبياء ويصد عن سبيل الله عزوجل, لأنه بهذا يحقر وينزع الأنموذجية والمثلية العليا المتمثلة في الأنبياء الذين اختارهم الله عزوجل وينزع الحكمة من فعل الله عزوجل , وحاشا لله أن يخلو فعل له من الحكمة, ولكن اليهود يقبلون بذلك في مسلسل إرسال الله للأنبياء وليس في نبي واحد!
واليهود بفعلهم هذا حاولوا ويحاولون أن يبرروا لأنفسهم أفعالهم المشينة التي صدرت ولا تزال تصدر عنهم, فإذا كان الأنبياء الذين اختارهم الله عزوجل يفعلون هذا فليس علينا حرج!
إذا فاليهود في كل زمان ومكان –بعد التحريف- هم قتلة للأنبياء وبعض اليهود هم الذين قتلوا انبيائهم في زمانهم, ولنلق نظرة على آيات القتل في كتاب الله عزوجل, وبداهة لن نذكرها كلها ولن نذكر الآيات التي هي صراحة في معنى الإماتة الجسدية لأنها صريحة في ذلك ولكن سنذكر ما ندلل به على كلامنا
ونبدأ بتقديم مجموعة من الآيات التي يستحيل كون القتل فيها بمعنى الإماتة وإنما هو حتما بمعنى الإهانة والإذلال واللعن:
ونبدأ بقوله تعالى: “قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ [الذاريات : 10]” فالذي يقرأ الآيات التالية لها يجد أن الله تعالى يقول: ” الذين هم في غمرة ساهون يسألون أيان يوم الدين” فالخراصون الذين قتلوا هم في غمرة ساهون, فيستحيل حمل القتل هنا على المعنى الأخير وهو الإماتة ويجب حمله على الإهانة واللعن!
فإذا انتقلنا إلى سورة المدثر وجدنا الرب الخبير يقول:
” إنه فكر وقدر فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ” ثم يقول في الآية التالية “ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ [المدّثر : 20] فهل من الممكن أن يقتل الإنسان مرتين؟ ثم نجد أن نفس هذا الشخص يقوم بأفعال تالية بعد قتله مرتين متباعدتين: ” ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر …..” فهذا يدل على أن القتل هنا حتما بمعنى الإذلال واللعن. ونجد نفس المعنى في سورة عبس, ففيها يقول الله تعالى:
“قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ [عبس : 17]” أي لعن الإنسان لعنا شديدا وأهين إهانة بالغة ما أكفره !
وفي سورة البروج نفس المعنى: “قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ [البروج : 4]” فلقد لعن أصحاب الأخدود, وهم الذين ألقوا المؤمنين فيها, ويدلل على ذلك قوله تعالى” إذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود” فهنا دليل على كون القتل بمعنى اللعن!
فإذا أخذنا التصريف “قاتل” وجدناه يأتي كذلك بنفس المعنى, فنجد الرب يقول في سورة التوبة:
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [التوبة : 30] أي لعنهم الله وأهانهم أنى يؤفكون!
والعجيب أن السادة المفسرين فهموا هذه الآيات على هذا الفهم ولكنهم عند تعاملهم مع آيات قتل الأنبياء بواسطة بني إسرائيل فهموها كلها على أنها في المعنى الأخير مما اضطرهم إلى القول بالمجاز! فإذا نحن نظرنا في هذه الآيات وجدنا الله تعالى يقول:
” ……. وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ [البقرة : 61]”
فإذا نحن نظرنا في هذه الآية والآيات التاليات نجد أن الله تعالى يصف قتل الأنبياء دوما ب “بغير الحق” أو ب ” غير حق” وهذا من المعلوم بداهة ولقد توقف الإمام الرازي عند هذه النقطة فقال:
“السؤال الثاني : لم قال : { بِغَيْرِ الحق } وقتل الأنبياء لا يكون إلا على هذا الوجه؟ الجواب من وجهين : الأول : أن الإتيان بالباطل قد يكون حقاً لأن الآتي به اعتقده حقاً لشبهة وقعت في قلبه وقد يأتي به مع علمه بكونه باطلاً ، ولا شك أن الثاني أقبح فقوله : { وَيَقْتُلُونَ النبيين بِغَيْرِ الحق } أي أنهم قتلوهم من غير أن كان ذلك القتل حقاً في اعتقادهم وخيالهم بل كانوا عالمين بقبحه ومع ذلك فقد فعلوه .
وثانيها : أن هذا التكرير لأجل التأكيد كقوله تعالى : { وَمَن يَدْعُ مَعَ الله إِلَهَا ءاخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ } [ المؤمنون : 117 ] ويستحيل أن يكون لمدعي الإله الثاني برهان . وثالثها : أن الله تعالى لو ذمهم على مجرد القتل لقالوا : أليس أن الله يقتلهم ولكنه تعالى قال : القتل الصادر من الله قتل بحق ومن غير الله قتل بغير حق” اهـ
أما نحن فنقول أن قتل الأنبياء كان بغير الحق! أي أنهم كانوا ولا يزالون يقتلونهم بالباطل وبما ينسبونه إليهم من الكذب والزور والبهتان, فهذا هو القتل بغير الحق الذي قتل به اليهود الأنبياء ولا يزالون!
فإذا نحن نظرنا في آية أخرى وهي قوله تعالى:
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ [البقرة : 87]
فنلاحظ أن الله تعالى استعمل التكذيب في الماضي لأنهم ما عادوا يكذبونهم في الحاضر أما التقتيل فاستعمل معه المضارع لأنه كائن على معنيين وهو الإماتة واللعن وهو ما لا يزال مستمرا!
فإذا نحن انتقلنا إلى آية أخرى في سورة البقرة وجدنا أنها تؤيد ما نقوله تأييدا تاما, والآية هي قوله تعالى:
“وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [البقرة : 91]”
ولقد لاحظ الإمام الفخر الرازي رحمه الله هذا الأمر فحاول أن يبرره فقال:
المسألة الثالثة : قوله : { فَلِمَ تَقْتُلُونَ } وإن كان خطاب مشافهة لكن المراد من تقدم من سلفهم ويدل عليه وجوه ، أحدها : أن الأنبياء في ذلك الزمان ما كانوا موجودين . وثانيها : أنهم ما أقدموا على ذلك ، وثالثها : أنه لا يتأتى فيه من قبل . فأما المراد به الماضي فظاهر لأن القرينة دالة عليه . فإن قيل قوله : { ءامَنُواْ } خطاب لهؤلاء الموجودين : { ولم تَقْتُلُونَ } حكاية فعل أسلافهم فكيف وجه الجمع بينهما؟ قلنا معناه : أنكم بهذا التكذيب خرجتم من الإيمان بما آمنتم كما خرج أسلافكم بقتل بعض الأنبياء عن الإيمان بالباقين .
المسألة الرابعة : يقال كيف جاز قوله : لم تقتلون من قبل ولا يجوز أن يقال : أنا أضربك أمس؟ والجواب فيه قولان . أحدهما : أن ذلك جائز فيما كان بمنزلة الصفة اللازمة كقولك لمن تعرفه بما سلف من قبح فعله : ويحك لم تكذب؟ كأنك قلت : لم يكن هذا من شأنك . قال الله تعالى : { واتبعوا مَا تَتْلُواْ الشياطين } [ البقرة : 102 ] ولم يقل ما تلت لأنه أراد من شأنها التلاوة . والثاني : كأنه قال : لم ترضون بقتل الأنبياء من قبل إن كنتم آمنتم بالتوراة ، والله أعلم .” اهـ
فالآية تلوم عليهم قتلهم الأنبياء وهو فعل بدأ من زمن طويل وهو لا يزال مستمرا ! ولا عجب في تركيب الآية فهي مثل قولي معاتبا من يكثر مشاهدة المرئية: لم تشاهد المرئية منذ البارحة؟! قم فذاكر!
إذا فالله تعالى يلوم عليهم فعلا بدأ ولا يزال مستمرا وهو إهانة الأنبياء ووصفهم بما لم يقوموا به وما لم يصدر عنهم!
ونجد في آيات أخرى أن الله تعالى يصدر حكما عاما على من تصدر عنه هذه الأفعال فيقول في سورة آل عمران:
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [آل عمران : 21]
فهنا يأمر الله تعالى النبي بتبشير من يقتل الأنبياء والذين يأمرون بالقسط من الناس بالعذاب الأليم, وهذا بداهة لا يكون إلا على الوجه الذي ذكرناه من الإهانة والكذب والبهتان.
ونجد وصفا آخرا في نفس السورة ولكن نلاحظ أن الله تعالى قال هنا: ” بغير حق” وليس : “بغير الحق” كما قال في البقرة, وهذا راجع إلى اختلاف المعنى
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ [آل عمران : 112]
فهناك في البقرة كان يتكلم عن أداة القتل وهي القتل بغير الحق وهو الكذب والبهتان , أما هنا فالحديث على انعدام أي وجه للحق في قتل الأنبياء!
فإذا نحن نظرنا في آية أخرى في نفس السورة وجدنا أنها تؤيد ما نقول, فالله تعالى يرد على من وصف الله تعالى بما لا يليق بقوله:
لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ [آل عمران : 181]
فمن المعلوم أن وصفهم لله تعالى لم يؤثر فيه ولكنه يعد نوعا من التجديف في حق الله, ونجد أن الله تعالى جمع في هذه الآية الإساءة بالقول إليه مع قتل الأنبياء, فيكون في هذا إشارة إلى ان المراد من قتل الأنبياء في هذه الآية هو مماثل لما قيل في حق الله تعالى, فهو قتل بالكذي والبهتان.
فإذا نحن نظرنا في الآيتين الباقيتين استطعنا أن نفهمها على هذا الوجه المذكور:
الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [آل عمران : 183]
لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ [المائدة : 70]
نخلص من عرضنا السريع لهذه الآيات أن الله تعالى في كتابه الكريم عند إخباره عن قتل اليهود للأنبياء فهو يتكلم عن نوعين من القتل: قتل ولى وانقضى ومضى, وهو الإماتة والتي حدثت من بني إسرائيل تجاه بعض الأنبياء, وقتل آخر مستمر إلى أن يشاء الله تعالى -وهو متعلق بكل الأنبياء تقريبا فلم ينج منه نبي , لأنهم شوهوهم كلهم فلم يبقوا !- وهو القتل الموجود في كتبهم والذي تقوم به كل الأجيال اليهودية –والمسيحية تباعا- بإيمانهم بالشين المدون في كتبهم والمنسوب إلى رسلهم! ودفاعهم عنه ومحاولة إيجادهم تبريرات منطقية لهذا الكذب والبهتان.
غفر الله لنا الزلل والخلل وجعلنا ممن يحسنون الظن به وبأنبيائه الكرام العظام.