سيدنا أيوب لم يضرب وليس هناك تحايل في دين الله !

مما ابتلينا به نحن معاشر المتبعين للقرآن هو تلكموا الإسرائيليات التي ألحقت بالقرآن وأصبحت تعامل كتفسير ! لآياته , وهناك الكثير من الإسرائيليات التي ألحقت بآي القرآن ولكنها أصبحت الآن بفضل علماء الحديث – وليس بسبب مخالفتها التامة للنص القرآني ! – مكشوفة ومعروفة ومرفوضة من عامة المسلمين وخاصتهم 
ولكن الناظر في كتاب الله يجد أن هناك الكثير من الإسرائيليات الموجودة كتفسير لآيات الذكر الحكيم ولما تكشف بعد , ونحن لها بإذن الله تعالى , ومن هذه الإسرائيليات ذلك القول المذكور في تفسير قوله تعالى لسيدنا أيوب ” وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [صـ : 44] “

فقالوا أن المراد من هذه الآية أن سيدنا داود يؤمر بأن يأخذ حزمة من نبات ما ويضرب بها زوجته , أما لماذا يضربها فاختلفوا في سبب الضرب , ونذكر هنا ما قاله الإمام الفخر الرازي تعليقا على ما ساقه المفسرون في تفسير ! هذه الآية 

” واعلم أن هذا الكلام يدل على تقدم يمين منه ، ( ولست أدري صراحة مع معرفتي المتواضعة بالعربية كيف يدل هذا الكلام على تقدم يمين منه , فليس هناك أي إشارة إلى مسألة اليمين هذه ! ) وفي الخبر أنه حلف على أهله ، ثم اختلفوا في السبب الذي لأجله حلف عليها ، ويبعد ما قيل إنها رغبته في طاعة الشيطان ، ويبعد أيضاً ما روي أنها قطعت الذوائب عن رأسها لأن المضطر إلى الطعام يباح له ذلك بل الأقرب أنها خالفته في بعض المهمات ، وذلك أنها ذهبت في بعض المهمات فأبطأت فحلف في مرضه ليضربنها مائة إذا برىء ، ولما كانت حسنة الخدمة له لا جرم حلل الله يمينه بأهون شيء عليه وعليها ، وهذه الرخصة باقية ، …… “

فأخذوا من هذه الآية جواز التحايل في دين الله عزوجل , فإذا كان الله عزوجل جوّز الحيلة لنبيه أيوب فلم لا يجوزها البشر من أجل عدم مخالفة الحكم الشرعي ! ويُعمل بظاهره كأداء فقط !

والآية لم تقل بهذا بتاتا ولا يجوز التحايل في دين الله عزوجل والحيل كلها باطلة مبطلة لا تُقبل أبدا , لذا فسنقوم بتحليل هذه الآية ليتأكد القارئ أن كل ما قالوه في هذه الآية باطل لا نصيب له من الصحة :
يقول الله تعالى لسيدنا داود بعد أن دعاه ليرفع عنه مس الشيطان ” ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) “
فالسادة المفسرون ! جعلوا أن المراد من الآيات أن الله أمره بعد أن أنعم عليه بأهله أن يضرب زوجه لأنه كان قد أقسم وما شابه ! ولست أدري من أين أتوا بهذا الكلام ؟! اللهم إلا إذا كانت التوراة تفسر لنا القرآن ! أما نحن فنحلل الآية كالتالي :

أول شيء يقال في الآية أن تطبيق الأمر بالأخذ والضرب أمر يتطلب الجلد والصبر , لذلك عقب الله تعالى بقوله ” إنا وجدناه صابرا ” , فهل ضرب المرأة بحزمة من النبات يحتاج صبرا ؟! ثم نسأل : من أين عرف أنه يضرب زوجه؟! من التوراة المحرفة بداهة ! ولم لا يقال أنه أمر أن يضرب به الشيطان فهذا أولى! أليس هذا الشيطان هو سبب ما نزل به من البلاء , ثم إنه هو الذذي سبق ذكره , بخلاف الزوج , فيمكن إعادة الكلام عليه ! – بداهة لا أحد يقول هذا الكلام العبثي , ولكنا نجرب خيالنا كما جرب السابقون ! –

من يتتبع السياق يجد أنه أُمر أولا بالركض في قوله تعالى ” ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ” ثم جاءت جملة خبرية اعتراضية هي قوله ” ” وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ “ ثم اسُتكمل الأمر الذي يوضح له نهوضه من النصب وهو ” وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ 

وهنا نتتبع مفردات هذه الآية حتى نبين للقارئ المراد منها , ونتجه كعادتنا إلى معجم مقاييس اللغة :
ضغث : الضاد والغين والثاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على التباسِ الشَّيءِ
وقال شمر: الضِّغْثُ من الخَبرِ والأَمْر: ما كان مُخْتَلِطاً لا حقيقة له؛ قال ابن الأَثير: أَراد عَمَلاً مُخْتَلِطاً غيرَ خالص .
قال أَبو الهيثم: كلُّ مجموعٍ مَقْبوضٍ عليه بجُمْعِ الكَفِّ، فهو ضِغْثٌ،والضِّغْثُ قَبْضَةٌ من قُضْبانٍ مختلفة، يجمعُها أَصلٌ واحدٌ مثلُ الأَسَل، والكُرَّاثِ، والثُّمام؛ قال الشاعر: كأَنه، إِذ تَدَلَّى، ضِغْثُ كُرَّاث وقيل: هو دون الحُزْمة؛ وقيل: هي الحُزْمة من الحشيش، والثُّدَّاء، والضَّعَةِ، والأَسَلِ، قَدْرَ القَبْضة ونحوها، مُخْتَلِطةَ الرَّطْبِ باليابس، وربما اسْتُعِيرَ ذلك في الشَّعَر.
وقال أَبو حنيفة: الضِّغْثُ كلُّ ما مَلأَ الكَفَّ من النبات.
فإذا نحن أردنا تحديد المعنى المراد من هذه اللفظة في هذا السياق , فيمكننا بداهة استبعاد الجانب المعنوي مثل الأخبار والأحلام لأنه أمره أن يأخذه بيده , فيبقى معنا الجزء المادي فيكون المعنى أنه يأمره أن يأخذ حزمة من النبات فيضرب بها , وهذه الكلمة ” ضرب ” هي موطن اللبس 
حيث قالوا : طالما أنه أمره بالضرب فلا بد من وجود مضروب به , ثم أخذوا يبحثون عمن ضُرب بهذا الضغث ! مع أن الآية وضحت أن المفعول به هو الضغث المأخوذ ولم تذكر أي مفعول آخر . وبما أنه لم يُذكر في الآية مفعول فلا يمكن أن نضع نحن مفعولا افتراءا من عند أنفسنا , فننتقل إلى معنى آخر من معاني الضرب وهو التجارة والحركة , وهذا المعنى لا يحتاج إلى مفعول فيمكنني القول ” ضربت في الأرض ” –

وهذا استعمال صحيح وارد في القرآن – ولا أحتاج إلى مفعول مقدر , أما على المعنى الذي قالوا به فقد اضطروا إلى تقدير مفعول , لذا فنحن نقول لهم : ” قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا , إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون “


فيكون أمر بالتجارة بشيء بسيط يبدأ به ثم يفتح له الله بعد ذلك .
أما قوله تعالى ” ولا تحنث “ فليس المراد من الحنث هو عدم الوفاء بالقسم , فليس هذا هو المعنى الوحيد للحنث , بل إن أصل الحنث ليس عدم الوفاء , فالحنث كما جاء في المقاييس : حنث : الحاءُ والنون والثاء أصلٌ واحد، وهو الإثْم والحَرَج. يقال حَنِثَ فلانٌ في كذا، أي أثِمَ. اهـ “

إذا فالمراد ولا تتحرج , أي فلا تتحرج وتتأثم من الضرب بهذا الشيء البسيط وتخالف الأمر. ويبدو والله أعلم أنه نفذ الأمر لذا قال إنا وجدناه صابرا على قضاء الله كله وعلى الأمر فنفذه .

وبهذا القول من أن المراد من الآية هو الضرب في الأرض للتجارة نكون قد فمهنا الآية كما هي فلم نزد فيها محذوفا من عند أنفسنا ونكون كذلك قد أتينا بسياق مقبول للآيات , فعندما يكون المعنى أمر بالتجارة لكي يعود الإنسان إلى سابق حاله فيكون في هذا إرشاد إلى إعادة بناء الإنسان نفسه بنفسه وأن ينهض الإنسان بنفسه من كبواته , كما أن التجارة أيضا من النعم فتكون متناسبة مع الآيات الماضية أما الأمر بالتعذيب فليس له أي علاقة بالسياق !

كما أنا نكون قد نفينا بذلك دليلا من أهم الأدلة التي يستدلون بها على جواز التحايل في دين الله تعالى , ونثبت أنه حرام حرام حرام ولا يمكن أن يأتي به الله تعالى عن ذلك أو يجيزه .
هدانا الله إلى ما فيه الخير والصواب .

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

نقد رفض التعقل

من الأقوال المستفزة والمنتشرة بين العدميين –وأشباههم وأنصافهم- مقولة:“لا يوجد معنى في الطبيعة … نحن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.