الحب في كتاب الله عزوجل !

إن الحديث عن هذا الموضوع حديث ذو شجون يحتاج إلى إفراد الصفحات الطوال له, لذا فإننا سنكتفي في هذا الموضوع بالعرض.
وهذا العرض ما هو إلا عرض سريع للآيات التي ورد فيها الحب من الإنسان في القرآن لشيء ما ونعلق عليها نحن تعليقا سريعا , أما ربط الآيات ببعضها واستخراج المواقف المتشابهة المتماثلة فسنفرد لها موضوعا آخرا ولكنا نكتفي هنا بتجميع الآيات حتى تكون عونا للباحث .

إذا نحن تتبعنا المفردة ” ح ب ” في كتاب الله عزوجل بغض النظر عن موقعها في الجملة مرفوعة كانت أو منصوبة حتى ولو كانت جزءا من كلمة أخرى وليس لها أي علاقة بالحب , نجد أن أول ذكر لها في كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه هو في قوله تعالى: ” وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ [البقرة : 165] “
ونلاحظ أنها ورد بصيغة فعلية واسمية وتكررت ثلاث مرات في الآية الكريمة !
إذا أول ذكر للحب في كتاب الله هو التنبيه على ضلال من يحب أي شيء من دون الله فيتخذه ندا لله عزوجل . وفيه تنبيه على أن حب الله هو أصل الدين , فلكي تكون عابدا لله حق العبادة لا بد أن تكون محبا له حق المحبة أكثر من أي شيء في الدنيا كلها , ولا يعني هذا أن لا نحب الدنيا وما فيها وإنما يعني هذا أن يأتي كل هذا بعد حب الله عزوجل !
وفي الموضع الثاني الذي ذكر فيه الحب في كتاب الله عزوجل يأتي ذكر حب المال والتملك المترسخين في الإنسان , فيقول الله تعالى في سورة البقرة : ” لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ ….. “

ونحن عندما نتكلم عن الحب في كتاب الله عزوجل فإنما نتكلم عن حب البشر لله أو لغيره , وسنفرد للحديث عن ما يحبه الله وما لا يحبه الله موضوعا مستقلا !

وفي الموضع الثالث
يأتي الحديث عن أسباب الحب الخاطئة , فيقول الله تعالى ُكتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [البقرة : 216]
فحب أي شيء من الدنيا قد يصيب ويخطىء , أما حب الله فليس تعتريه الظنون !

أما في الموضع الرابع
فيذكر الرب العليم الخبير الأصناف التي غرس حبها في تكوين الإنسان , فيقول : ” زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران : 14] “
وفي الموضع الخامس
يبين لنا الرب الرحيم طريقة الوصول إلى محبته فيقول : “ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [آل عمران : 31] “

وفي الموضع السادس ي
ذكرنا الله عزوجل بسيطرة الحب على العقل وأنه يجب على الإنسان أن يحكم عقله في قلبه فيقول : ” هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [آل عمران : 119] “

ثم يردف الله عزوجل بذكر نوع متأصل في النفس وهو حب الحمد وإن لم يفعل الإنسان ما يستوجبه فيقول : ” لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [آل عمران : 188] “

ثم يذكر الله عزوجل بعد ذلك الوهم المتأصل في النفس البشرية وهو أن حب الله سيكون منجاة للإنسان عند الله عزوجل , فيقول ” َقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ [المائدة : 18] “
ثم يذكر الله عزوجل وطأة الحبيب على حبيبه فيقول : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة : 54] “
عد ذلك يذكر لنا الرب القدير موقف سيدنا إبراهيم من النجوم وكيف أن الحب العقلي المنطقي ! قاده إلى رفضها كآلهه , فقال :
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ [الأنعام : 76]
فيعرض المولى عزوجل لنا قول الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ” لا أحب الآفلين ” وهنا يعرضه الله عزوجل كموقف منطقي من الخليل والذي يجب على كل إنسان أن يكنه ! فليس الأمر هوى أو إعجاب غير مبرر, فأنا أحب هذا وأبغض ذاك بدون سبب منطقي عقلي ! ولكنه شيء منطقي ! فإذا كان الحبيب يأفل فهو ينبغي أن لا يُحب 

والأفل كما جاء في المقاييس : الهمزة والفاء واللام أصلان: أحدهما الغيبة، والثاني الصِّغار من الإبل. فأمّا الغَيبة فيقال أفَلت الشّمس غابت، ونجوم أُفَّلٌ. وكلُّ شيءٍ غابَ فهو آفلٌ. اهـ
والذي أراه أنه ليس كل ما غاب عنك فهو آفل , ولكن كل ما بعد ون
تج من هذا البعد صغر حتى تلاشى أو اختفى فهو آفل ! ( وهذا ما يحدث مع الإنسان حتى أنه قيل : البعيد عن العين بعيد عن القلب , فيظل الحب يخفت حتى يتلاشى ) والإله لا ينبغي له أن يغيب فما بالنا أن يأفل ! لذلك حق للخليل أن يقول لا أحب الأفلين .

ثم يعرض الله عزوجل لنا موقف المكابرين وكيف أن الإنسان قد يبغض من يسدي له نفعا , فيقول :
فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ [الأعراف : 79]
فيذكر الله عزوجل موقف قوم شعيب منه , وليس هذا الموقف خاص بقوم شعيب ولكن الإنسان الفاسد عامة لا يحب من ينصحه لأنه يعلمه خطأه .

ثم يتحدث الله عزوجل عن موجبات الحب وأنها وإن كانت نابعة من القلب والعِشرة والمودة ولكن لا بد أن يكون للعقل دور فيها فلا تكون عمياء هكذا بدون ترو فتورد الإنسان موارد الهلاك وإنما يجب أن تكون ممتلكة لأسباب الحب الحقيقية , لذلك يقول الله تعالى في سورة التوبة :

” يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ُقلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة : 24,23]
ثم يتحدث المولى عزوجل بعد ذلك عن رجال ترسخ الإيمان في قلوبهم حتى أنهم أصبحوا يحبون التطهر ! المعنوي منه قبل المادي الجسدي ! فهم يأتون المسجد ليطهروا أنفسهم من كل ما علق بها من أدران الذنوب أو هموم الدنيا , يحبون كل ما يحببهم فيه . فيقول :
لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ [التوبة : 108]
ثم يذكر الله لنا قصة يوسف عليه السلام وكيف لعب الحب فيها دورا رئيسا , فأخوة يوسف يكيدونه بسبب الغيرة – والتي هي من النواتج العمياء للحب – ورغبتهم بالانفراد بأبيهم لأنهم يرون أن أباهم قد ضل بحبه الشديد ليوسف وأخيه لذلك :
إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ [يوسف : 8]
أما النسوة المتكلمات ! فيرين أن امرأة العزيز في ضلال مبين ! أيضا لأنها شغفت بحب يوسف ! قكل من يتعلق بيوسف يراه الآخرون في ضلال مبين !
َقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ [يوسف : 30]
ولكن يوسف لا يهمه ولا يؤثر فيه أي حب فحب الله ومنهجه أحب إليه من أي شيء , فلما ترسخ الحب في قلبه أحب أي شيء يحافظ له على هذا الحب , لذلك قال :
َقالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ [يوسف : 33]
وبعد أن تحدث الرب اللطيف الخبير عن دور الحب في قصة الخليل وحفيده يوسف ينتقل إلى موقف أقوام آخرين من الحب !

ثم يخبرنا الله عن الذين يطلبون حب الدنيا ويستجدونه حتى يقدمونه على الأخرة , – فهو الرحيم بنا لا يعيب علينا حب الدنيا ولكنه ينبهنا إلى خطورة تقديمها على الآخرة وكيف أنها توردنا وإياهم موارد الهلاك -, فهم في ضلال بعيد والله لا يهديهم بسبب ” استحبابهم ” لشيء غير مقدم أساسا ! في القلب !

الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَـئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ [إبراهيم : 3]
ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [النحل : 107]
ثم يحدثنا الله عزوجل عن دور الحب في إلغاء العقل والمنطق , فيخبرنا بقصة إلقاء سيدنا موسى في اليم وكيف أنه سيلقي محبة على موسى حتى لا يفكر من سيلتقطه في قتله فبذلك ينجو ويعيش النبي القادم! فيقول

أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّ
ةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [طه : 39]

( وليتدبر القارئ في الآية جيدا فسيرى عجبا في الموافقة والمخالفة ! )

ثم يتحدث الله عزوجل عمن تمكن الزيغ والضلال من قلوبهم حتى أنهم أصبحوا يكرهون العفاف وأصبحوا يرونه تخلفا ورجعية ويريدون أن تتحرر المسلمون من قيود العفاف والحشمة وينطلقون في الحياة !! كالبهائم طبعا ! فيقول :
إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النور : 19]
أما الصنف الآخر فهو الذي يبحث عن مغفرة الله عزوجل ويحس بثقل ذنوبه فهو يحب أن يغفر الله له ! فيفعل أي شيء من أجل هذا !

.. أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [النور : 22]
ثم يذكر الرب القدير ويوضح أن الحب لا يتحكم فيه أحد فها هو النبي الخاتم يحب بعض الناس ولحبه لهم يحرص على دعوتهم من أجل هدايتهم , لذا يقول الله تعالى له : ِإنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [القصص : 56] .
وكما نعلم أن النبي المصطفى كان رحمة للعالمين لذلك فهو كان حريصا على كل البشر : لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين !
أما سيدنا سليمان فهو يحب حب الخير , وينشأ هذا الحب عن ذكر الله , لذلك َقَالَ “ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ [ص : 32]
وعلى العكس من الناس فالله حبب للصحابة ولمن نهج نهج النبي الإيمان 
– (الناس زين لهم حب الشهوات أي أن الحب زين ولولا التزيين لأعرضوا)
أما المؤمنين فحبب إليهم الإيمان وزين الإيمان في قلوبهم فنشأ الحب أصيلا , فكرهوا من أجل ذلك الكفر والفسوق والعصيان
وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ [الحجرات : 7]
ثم يحدثنا الله عزوجل عن كراهية بعض الأفعال عند كل الناس على الرغم من أنهم يفعلونها ويأتونها , فيكرّهنا في الغيبة ضاربا لها أبشع صورة وهي : “أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ [الحجرات : 12] “

أما المؤمنين فيحبون إخوانهم لتمكن الإيمان من قلوبهم, ومن تمكن الإيمان من قلبه صغر عنده “الأنا ” وكبر لديه “الهو” , وهذا هو حال المسلمين الخلص . لذلك مدحهم الله مبينا وجه استحقاقهم للمدح وهو حب إخوانهم:
وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر : 9]
فلما أحبوهم فعلوا كل شيء من أجلهم فتنازلوا لهم عن المال والنساء والدور وكل شيء .

ثم يذكر لنا الله أن الإنسان يحب الفوز في العاجل والآجل لذلك قال بعد أن تحدث عن التجارة الرابحة التي فيها ربحان , فربح مغفرة الذنوب والجنة ومساكن عدن فيقول :

َوأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [الصف : 13]
فالإنسان يحب النصر في الدنيا ويحب أن يكون هو ومبادئه عاليان لهما السيادة ولا يحب أحدا الضعف والذلة .
ثم ينقطع الحديث عن الحب فلا يأتي إلا في القيامة لوما وعتابا لمن ضيع نفسه فيقول لمن لا يؤمن إلا بما تراه عيناه
كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ [القيامة : 20]
ولكن هناك دوما جانب آخر ويأتي في السورة التالية وهي ” الإنسان ” فمن يفعل ذلك هو الإنسان الحق , َوهؤلاء يقدمون حب الآخر وحب ثواب الله على حب الطعام ” ويُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً [الإنسان : 8] ” فهم ليسوا حيوانات محبة للعاجل .
وفي نفس السورة يذكر الرب القدير نفس الصنف المذكور في القيامة مرة أخرى حتى يكون دوما النوعان في مقارنة – كما هو حال القرآن دوما في ذكر المقابل – إنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً [الإنسان : 27]
وفي آخر جزء في القرآن يأتي الوصف العام لعامة الناس , فيأتي خطابا للجمع كما في الفجر ” وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً [الفجر : 20] “ ويأتي خطابا للفرد كما في العاديات : وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات : 8]
ولكن لا ينبغي لأي حب أن يشغل الإنسان عن حب الله عزوجل !
في الموضوع القادم نناقش معنى الحب . ثم نقوم بعد ذلك بربط هذه الآيات ببعضها إن قدر الله ويسر . وعليه العون

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

الشك

بعض “القارئين” -تقليدا لبعض الفلاسفة- يمدحون ويزينون لك:“الشك”وأنه ضروري لتحقيق المعرفة .. وبناء الذات والحضارة!!!!!!! …

26 تعليق

  1. Learn the viral Normal Zepbound Recipe applying pink salt, vinegar, cinnamon,
    and grapes. A secure, powerful way to mimic Zepbound’s Extra fat-burning consequences —
    In a natural way and without Uncomfortable side effects.

  2. Thanks , I’ve recently been searching for information about this subject for a while and yours is the best I have discovered so far.

    However, what concerning the conclusion? Are you certain in regards to the supply?

  3. Hey there! I could have sworn I’ve been to this site before but
    after reading through some of the post I realized it’s
    new to me. Anyhow, I’m definitely delighted I found it and I’ll be bookmarking and checking back often!

  4. This is the right website for anybody who wants to understand this
    topic. You understand a whole lot its almost hard to argue with you (not that I personally would want to…HaHa).

    You definitely put a brand new spin on a topic that’s been discussed for many years.
    Excellent stuff, just wonderful!

  5. This design is spectacular! You obviously know how
    to keep a reader amused. Between your wit and your videos,
    I was almost moved to start my own blog (well, almost…HaHa!) Wonderful job.
    I really loved what you had to say, and more than that, how you presented
    it. Too cool!

  6. Great website. Lots of helpful info here. I am sending it to a few pals
    ans also sharing in delicious. And naturally, thanks to your effort!

  7. Hey There. I found your blog using msn. This is a really well written article.
    I’ll be sure to bookmark it and come back to read more of your useful information. Thanks for the post.
    I’ll certainly comeback.

  8. Just want to say your article is as amazing.
    The clearness to your submit is just excellent and that
    i can think you are knowledgeable on this subject. Fine along with your permission let me
    to grasp your feed to keep up to date with impending post.

    Thank you a million and please continue the rewarding work.

  9. I am in fact glad to glance at this weblog posts which
    includes tons of useful data, thanks for providing these
    kinds of statistics.

  10. If you would like to grow your familiarity only keep visiting this web page and be updated with the
    most up-to-date news update posted here.

  11. Hello, just wanted to tell you, I enjoyed this blog post.
    It was inspiring. Keep on posting!

  12. Thanks for finally writing about > الحب في كتاب الله
    عزوجل ! – أمر الله < Loved it!

  13. I’m really enjoying the theme/design of your weblog. Do you ever run into any internet browser compatibility
    issues? A couple of my blog readers have complained about my website not operating correctly in Explorer but looks great in Chrome.
    Do you have any recommendations to help fix this issue?

  14. You need to take part in a contest for one of the best
    websites online. I’m going to highly recommend this web site!

  15. Hi my family member! I want to say that this article is awesome,
    nice written and come with almost all significant infos. I would like to look more posts like this .

  16. Thank you for every other informative website. The place else could I get that type of information written in such a
    perfect manner? I have a challenge that I’m just now working on, and I have been at the look out for such information.

  17. Hello, this weekend is good for me, as this point in time i am reading this impressive informative piece of writing here at my home.

  18. Nice blog here! Also your site lots up fast! What host are you the usage of?
    Can I get your affiliate link on your host? I desire my site loaded up as quickly as yours lol

  19. Hello! This is my first visit to your blog! We are a group of volunteers and starting a new initiative in a community in the
    same niche. Your blog provided us useful information to work on. You have done
    a outstanding job!

  20. Wonderful blog! I found it while searching on Yahoo News.

    Do you have any suggestions on how to get listed in Yahoo News?
    I’ve been trying for a while but I never seem to get there!
    Thank you

  21. Hello, its good paragraph on the topic of media
    print, we all know media is a fantastic source of facts.

  22. Login ke Foxibet melalui link alternatif terbaru dan nikmati pengalaman bermain slot online gacor hari ini!
    Tersedia berbagai pilihan game menarik dari Slot88 online yang siap memberikan peluang maxwin setiap harinya.
    Temukan info slot gacor terupdate dan raih kemenangan besar bersama Foxibet,
    situs slot terpercaya yang selalu memberikan layanan cepat, aman, dan menguntungkan.

  23. HPTOTO merupakan Situs Toto resmi yang telah dipercaya sebagai penyedia layanan togel
    daring top di kawasan Asia. Dengan sistem keamanan modern serta akses
    login yang dirancang stabil dan cepat, pemain bisa langsung mengakses halaman utama tanpa hambatan, baik lewat perangkat desktop maupun mobile.
    HPTOTO menghubungkan para pemain dengan beragam pasaran togel yang sudah dikenal luas
    seperti Macau, Hongkong, dan Sydney. Semua itu dirancang untuk menghadirkan pengalaman bermain yang
    aman, nyaman, dan bebas kendala di berbagai perangkat.

    Sebagai Bandar Togel Online, peran HPTOTO bukan hanya menyediakan nomor keluaran,
    tetapi juga menjadi perantara antara pemain dan pasar taruhan secara transparan. Bandar semacam ini
    memiliki tanggung jawab untuk menjamin keamanan transaksi, menjaga keakuratan data result, serta memberi dukungan jika terjadi kendala teknis.

    Lebih dari sekadar tempat bertaruh, fungsi bandar toto online
    kini berkembang menjadi pusat layanan hiburan digital yang mengutamakan pengalaman pengguna dan kredibilitas layanan.

  24. IPTV kaufen – Einfach, schnell und zuverlässig zum eigenen Fernseherlebnis
    Entdecke die Welt des IPTV und genieße eine große Auswahl an Kanälen, hochwertige
    Streams und flexible Nutzungsmöglichkeiten. Mit einem zuverlässigen IPTV Anbieter kannst du bequem von zu Hause aus live TV,
    Serien und Filme in bester Qualität streamen. Jetzt unkompliziert dein IPTV-Abonnement sichern und das Fernseherlebnis
    auf ein neues Level heben!

  25. It’s very straightforward to find out any matter on web as compared
    to books, as I found this piece of writing at this web page.

  26. Howdy superb blog! Does running a blog such as this require a massive amount work?
    I have no knowledge of coding however I had been hoping to
    start my own blog soon. Anyway, should you have any suggestions or tips for new blog owners
    please share. I know this is off topic but I just needed to ask.
    Many thanks!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.