إشكالية الحل!

“الإسلام هو الحل”

“التمسك بالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة”

“أهل البيت هم حبل الله المتين”

عبر تاريخنا الإسلامي الطويل تعددت وتنوعت تلك الشعارات التي تزعم أنها تقدم حلولاً لمشاكل الأمة (قاطبة وليس مجرد المشاكل الخاصة بذلك المجتمع), وأنه بفعل كذا أو كذا ستُحل المشاكل ويتغير الحال, وتعود إلى الأمة مكانتها الرفيعة التي حازتها في يوم من الأيام!

وكالعادة كان –ولا يزال- هناك الكثير من المسارعين إلى الانطواء تحت لواء هذه الشعارات التي تقدم حلاً دينيا لمشاكل الأمة .. بل والبشرية جمعاء! وتمر عقود وربما قرون ولا تقدم هذه الشعارات حلولاً للمجتمع, بل ربما تزيدها تعقيدا!

ورغما عن هذا تظل الأجيال اللاحقة من الممسكين بها على مواقفهم لأنهم يرون أن هناك “مؤثرات جانبية” هي التي أعاقت سريان مفعول هذه الحلول, وإذا رُفعت هذه العوائق فستأتي هذه الحلول بنتائج كالسحر!

وعدم تنازل أتباع الفرق عن شعاراتهم أو التفكير في إمكانية خطأها راجع إلى “إشكالية المشكلة”! فالأتباع لا يرون المشكلة كما هي موجودة في الواقع, وإنما كما قدمها لهم منظّرو الفرقة, الذين عرضوا أزمة الأمة بشكل معين ومن ثم فلن يجدي نفعاً مع تلك المشكلة إلا هذا الحل!!

وبكل عجب فإن المشكلة الكبرى هي دوما انحراف الأمة عن مبادئ الفرقة! وعدم تطابق ميزان الأولويات ل “عوام الناس” مع ميزان الأولويات للفرقة!

وبكل عجب يقتنع الأتباع بما يُلقنون أنه مشاكل وأزمات, بينما كانوا في الأمس القريب لا يلقون له بالاً أصلا! وكما يرون صغائر وفرعيات إشكاليات عظمى, فهم لا يرون كثيراً من المشاكل الكبيرة الموجودة في الواقع أصلاً, والتي هي بحاجة إلى حلول جذرية, وإذا رأوها كانت في ميزانهم أموراً عرضية “تافهة” يمكن أو ينبغي عدم الالتفات إليها!!

والعجيب في ممارسات أتباع عامة الفرق هو إيمانهم ب “الحل الواحد”, فالحل الوحيد الممكن للإشكالية هو الذي يقدمون, وما من حل سواه!

رغما عن أن إمكانية تعدد الحلول هو بديهية عقلية! ومع تعقد المؤثرات الاجتماعية وتنوعها في عصرنا هذا فإن “الحلول المتعددة” تصبح أمراً واجباً وليس ترفاً فكريا أو تنظيريا!! ولكن لأنهم يرون المشكلة من زاوية واحدة قاصرة –وقد تكون مقلوبة- ولأنهم لم يُربوا على رؤية الأمور من زوايا عديدة, وإنما على المنظور الواحد “منظور الدين المطلق”, فلا بد أن يكون الحل واحداً … ودينيا!!

والعجيب أن “الحل” كثيراً ما يصبح في فترة لاحقة مشكلة, وذلك عند محاولة استنساخ “تجربة سابقة” في زمان ومكان آخرين, انطلاقاً من التصور القائل بأن:
ما يفلح مرة يفلح ألف مرة! وبأن هذا “الدواء” مجرب ومضمون النتائج, وهي مشكلة “التيارات السلفية” في كل الأديان والمذاهب الفكرية, التي تتغاضى عن أن اختلاف الزمان والمكان يحتم إنشاء حلاً مغايرا!

وقد تكون ” نظرية الحل” لا تزال صالحة, إلا أن الأتباع لا يفرقون بين الثابت والمتغير وبين الأصيل والطارئ العارض, فيجعلون النظرية كلها وحدة واحدة واجبة التكرار, بل (قد) يضيفون إليها من تفسيرات وأقوال أتباع المذهب أو الدين, مما يؤدي إلى تعقد “الحل” وتضخمه, حتى يصير هو ذاته مشكلة في حاجة إلى الحل!

وللإنصاف فلا تقتصر الإشكاليات على أبناء التيار الإسلامي, وإنما كذلك على كثير من أتباع التيارات “العلمانية”, والذين لا يرون حلاً لإشكاليات مجتمعنا إلا بتهميش التيار الإسلامي أو القضاء عليه إذا أمكن! ولا يختلف حالهم بشأن تقديم وعود مثالية خيالية! فكذلك عندهم “العلمانية هي الحل”, وبتطبيقها في مجتمعاتنا العربية ستتحول إلى جنات وأنهار!!

والملاحظ بشأن كثير من الحلول المقدمة من مختلف التيارات أنها حلول نظرية, تقتصر على التأصيل والتأطير في الكتب مع بعض الندوات, بينما لا عمل على أرض الواقع إلا في أضيق نطاق, لا يثمر جدوى مؤثرة! ومن ثم تبقى مشاكل المجتمع كما هي وتظل الحلول حبيسة المناقشات والمجادلات.

لذا وحتى لا يتوه المتلقي بين الحلول المختلفة, فإن الخطوة الأولى لاختبار دعوى صلاحية أي حل هو معرفة الإشكاليات أولاً وتعريف العوام بها, بما يصرخ معها السامع: نعم هذا ما نعاني منه فعلاً! وكما قيل: إن لم تعرف الغاية فكل الطرق صالحة!

فكذلك: إن لم تعرف المشكلة فكل الحلول جيدة!! ولأن كثيراً من الإشكاليات التي تتناطح الفرق الإسلامية بشأنها, والتي تستنزف فيها جهود أبناءها وعقول أبناء الأمة الإسلامية هي إشكاليات سطحية بسيطة, بينما لم تعرض لكثير من القضايا المحورية المصيرية في القرآن إلا بشكل سطحي!

ولأن النتاج الفكري لأكثر “الإسلاميين” عبر التاريخ الإسلامي لم يكن “حلا” وإنما “مشكلة” بدرجة كبيرة, فإننا ننوي أن نقدم للقارئ سلسلة مقالات تعرض كثيراً من الإشكاليات الكبرى للمنظومة الفكرية الإسلامية, ليبصر القارئ بعينيه كيف أن الإشكاليات مترسخة عميقة متشعبة, وأنها بحاجة إلى حلول جذرية اجتثاثية تصل إلى درجة “تغيير المسار”, وليس مجرد شعارات عامة تدغدغ قلوب العوام, بدون وجود أي خطوط عريضة أو خطوات مفصلة لهذا الحل, وإنما “بركة الرب” كفيلة بحل المشكلة!

وسنحاول أن نقدم في هذه المقالات “حلولاً محتملة” لهذه الإشكاليات, لا نزعم أنها الحل النهائي أو السحري لها, فالغاية من المقالات بالمقام الأول أن نلفت انتباه القراء إلى المشاكل فيضعوا أيديهم عليها, وعندها ستبدع عقولهم حتماً حلولاً أجود من الحل المقدم, أو حلولاً تتضافر معه للقضاء على المشكلة … نظرياً على الأقل!!

 

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

تقديم المبصر

“-من فضلك ارتد هذه “العوينات/ النضارة” لترى جيدا!يا أستاذ .. اسمعني .. أجبني! لماذا؟ من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.