أفضلية الملائكة على البشر!

قد يكون من الغريب أن يُتحدث في هذا الباب عن هذا الموضوع, لأنه يُصنف عادة تحت العقائد!
ولكنها تعد في رأينا كذلك من الأحكام التي ينبغي للإنسان المسلم الإلمام بها!

ومن المسائل التي خالفت فيها الزيدية أهل السنة كذلك قولهم بأفضلية الملائكة على البشر, وللفرق الإسلامية في هذه النقطة أقوال عدة
فقالت :الأشاعرة: الأنبياء أفضل من الملائكة.
وقالت الإمامية : الأنبياء والأئمة أفضل من الملائكة.
وقال آخرون : الأنبياء والمؤمنون أفضل من الملائكة.
وقال أهل البيت عليهم السلام (الزيدية) والمعتزلة : بل الملائكة أفضل من الأنبياء, بمعنى أن ثواب أدنى المـلائكة أكثر من ثواب أفضل الأنبياء .
وقد يبدو هذا القول مستثقلا بالنسبة لكثير من الناس والذين اعتادوا أن يصفوا النبي (ص) بأنه خير خلق الله. ولكن لكي يُجري المرء مقارنة بين شيئين لا بد من وجود التساوي والمشابهة , أما أن أجري المقارنة بين ذرة ومجرة ! فهذا ليس عادلا بأي حال . وحتى يكون الأمر واضحا للقارئ فإن النقطة الفاصلة بين الأقوال هي:

أن أصحاب الأقوال الثلاثة الأولى يتهمونالملائكة بالجبر وانتفاء حرية الإرادة , فهم عندهم مسيرون !، ولذلك يفضلون البشر عليهم باعتبار أن البشر غير مجبورين وحرية الإرادة كاملة لديهم.

أما أصحاب القول الأخيرفإنهم يثبتون للملائكة حرية الإرادة وأنهم مكلفون مختارون . هذه هي النقطة المهمة في كلام الفريقين, فمتى ثبت أن الملائكة غير مكلفين ولا حرية إرادة لهم ثبت أن البشرأفضل من الملائكة , وإذا ثبت العكس, وأن الملائكة مكلفون مختارون دل ذلك دلالة قاطعة على أن الملائكة أفضل من البشر بمراحل كبيرة جداً . ونظرا لوضوح الأدلة على هذه المسألة في القرآن ,

فسنذكر للقارئ الكثير من الأدلة التي تؤكد حرية الملائكة, وتباعا أفضليتهم على البشر لفرق الإمكانيات والأدوار, كما قلنا سابقا:
الدليل الأول : و نبدأ بالدليل الذي يستدلون به, و هو قوله تعالى: “ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ” [التحريم : 6] ,
و التكليف عبارة عن أمر بالفعل وأمر بالكف عن الفعل ( أفعل، ولا تفعل ) . هذا هوالتكليف ، والله تعالى لا يخاطب بالتكليف إلا مـن يعقل معنى التكليف, فالجمادات والحيوانات التي لا تعقل غير مكلفة وبالتالي لا عقاب عليها ولا حساب
وفي هذه الآية بين الله تعالى أن الملائكة مكلفون, لتوجيه خطاب التكليف إليهم بقوله تعالى )ما أمرهم ( وقوله ) مـا يؤمرون , ( وكذلك نسب الله تعالى الفعل إليهم فيقوله: ( لا يعصون ( وقول ) يفعلون ( كما نسب الأفعـال إلى المؤمنين من البشر إليهم, وفي هذا دلالة على عدم الجبر على الفعل, و لو كانوا مسيرين لما كان لهم فضل,

ويكون مدلول الآية مطابق لمن يقول: “إن هذه الآلة رائعة جدا , تنفذ كل ما آمرها به , ولا تعصيني أبدا ” , فليس هناك أي فضل للآلة , فالمرء هو الذي وضع لها البرنامج الذي تتحرك به , فلا يكون المدح لها بل لمصصمها وصانعها .

الدليل الثاني: قوله تعالى : ” لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً [النساء : 172] “
في هذه الآية من الدلالة على أفضلية المـلائكة الشيء الكبير ، وبيان الاستدلال بهذه الآيةأنقوله تعالى: )وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ( ترق وصعود من درجة إلى درجة أعلى منها , وأضيف أن الله ذكر ملائكته المقربين وقد يكون المقصود بالمقربين جميع الملائكة أوالمقربون مـنهم كجبريل وميكائيل وإسرافيل ،
وفي كلا الحالتين بين الله لنا عظيم منزلتهم حيث خصهم الله تعالى بهذا الوصف العظيم , وقال : لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا من هم أفضل منه وأفضل من غيرهم ، ولو كان أحـد أفضل منهم لعطف الله تعالى البيان عليه .

الدليل الثالث: قوله تعالى” : وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً ” [الإسراء : 61]وكل الآيات التي تتحدث عن أمر الملائكة بالسجود لآدم .

في هذه الآيات دلالةعلى التكليف من عدة أوجه:
الوجه الأول: الخطاب الموجه إلى الملائكة بالسجود وفي الخطاب بالأمر دلالة على التكليف.
الوجه الثاني: أن الأمر بالسجود لآدم كان اختبارًا للملائكة وامتحانًا لهم بالإضافةإلى إبليس حيث كان معهم في الاختبار ، فنجح الملائكة بالاختبار وفشل إبليس فيالاختبار , والابتلاء والاختبار لا يكون إلا لمكلف لأن الله لا يبتلي ويختبر غيرالمكلفين وهذا شيء متفق عليه وإلا ما الحكمة من الابتلاء والاختبار إذا كان المبتليغير مكلف ؟! 

أما عن نوعية الجزاء على الابتلاء والتكليف الذي يجازى به الملائكة فلسنا مخاطبين بمعرفته , فإذا كنا نحن لا نعرف بالضبط حقيقة وكنه الجزاء الذي نحن سنجازى به مقابل التكليف الذي كلفنه الله ، قال تعالى: ” فلا تعلمنفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون “, فهل سنعلم ما أعد للملائكة ؟

الوجه الثالث:إن إبليس مكلف بدليل أنه لم يكن مجبوراً على المعصية ورفـض السجـود عصيانا واستكبارا منه, قال تعالى ” وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ “[البقرة : 34] , و قال تعالى ” وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ” [الكهف : 50] .”

الدليل الرابع: قوله تعالى: ” إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْفَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُوا”]الأنفال /12] . في هـذه الآية يوحي الله تعالى إلى الملائكة أنه معهم , والاستدلال بالآية على التكليف أن الله يوحي إلى الملائكة أنه معهم, وهذه بشرى من الله تـعالى إلى الملائكة والبشرى لاتكون لمجبور وإنما لمختار .هذا وجه, والوجه الآخرالأمر بتثبيت الذين أمنوا والأمر لا يكون إلا لمكلف كما سبق وأن بيّنّا.

الدليل الخامس: قوله تعالى: ” إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُـوَّةٍعِندَ ذِي الْعَـرْشِ مَـكِينٍ مُـطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ” [التكوير 19-21] . وصف الله تعالى أمينه جبريل عليه السلام بأنه مكين ومطاع, ثم ذكـر الله تعالى جبريل عليه السلام بأنه أمين , وكيف نتصور أن يمدح الله أحداً بالأمانة وهو مجبول علـى فعل الأمـانة لا يستطيع أن يخون, لأن الله جبله على هذا الفعل .

الدليل السادس: قوله تعالى: “ ِإنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [البقرة : 161] “ . وقوله تعالى ” أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [آل عمران : 87]
نستشف من خلال هذه الآية في لعن الملائكة للذين ماتوا وهم كفار على أن الملائكة لهم إدراك وتمييز في استحقاق الكفار اللعنة , ومن كان له هذا الإدراكوالتمييز يكون مكلفاً لإن التكليف لا يكون إلا لعاقل مـدرك مميز .ثم إنهم يذكرون قبل الناس أجمعين , وهذا الترتيب دليل على تقدمهم عليهم .

الدليل السابع: قوله تعالى : ” شَهِدَاللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ [آل عمران : 18] “ . في ذكر الملائكة بالشهود على وحدانية الله تعالى مع أولي العلم من الرسل والنبيين والصديقين ومن هو عالم بوحدانية الله تعالى وعدله دون غيرهم من المخلوقين غير المكلفين لدلالة على تكليفهم ومنزلتهم حيث ذكروا بعد الله وقبل البشر.

الدليل الثامن: قوله تعالى: ” وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ [الرعد : 13] “, يسبح الرعد بحمد الله تـعالى بكيفية تتفق مع كونه وخلقته وبطريقة يعلمها الله ،وتسبح الملائكة من خيفته .
وذكر الله تعالى الفارق في سبب تسبيحالملائـكة وهو الخوف من الله سبحانه وتعالى وهذا السبب ( أي الخوف ) غير مذكور في الرعد ومن في حكمه مِن مَن لا إرادة – ظاهرة – له ,
أما الملائكة فذكر الله تعالى أنهم يخافون الله تعالى وهذا ينافي قول من يقول أن الملائكة مجرد آلة أو خلق للعبادة فقط ، فإذا كان الله سبحانه وتعالى أراد الملائكة مخلوقات مجبولة على العبادة لما فرق بين الرعد ومن في حكمه وبين الملائكة في مسألة الخوف من الله تعالى .


الدليل التاسع: قال تعالى “ : وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَايَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْـفِقُونَ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ[الأنبياء :26, 29] “ . فالله في قوله : ” وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ[الأنبياء : 29] “

يتوعدالملائكة بجهنم في حال قول أحدهم بما يستوجب العقاب أيأن عليـهم ثواب وعقاب والله لايستثني أحداً ، وفي هذه الآية دلالة واضحة كافية لمنكان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد, ثم إن الملائكة هم المخصصون بالذكر عند الشفاعة , وما عدا ذلك تذكر الشفاعة عامة .

الدليل العاشر: قوله تعالى “ وَلَقَدْكَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُممِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَـى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تفضيلا [الإسراء : 70]”, هذه الآية تدحض الأوهام التي يتصورهاالبعض من أن الإنسان أفضل مخلوق خلقه الله تعالى بقوله تعالى “فَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ ” .
ولم يطلق الله التفضيل على جميع المخلوقات وإنمـا قال: (عَلَى كَثِيرٍ) ومخلوقات الله كثيرة من أجرام ودواب باشكالها من حيونات وأسماك وحشرات وهوام وملائـكة ، والإنسان مفضل على كثير من هذه المخلوقات وما أكثرها من أجناس ، ولـكن يوجد جنس مـن المخلوقات أفضل من البشر بنص الآية .

إذا نخرج من هذه الأدلة القاطعة بصواب رأي الزيدية في هذه المسألة , بأن الملائكة أفضل من البشر , وأنه من الظلم البين أن نقارن بين خلقين متفاوتي الإمكانيات .


منقول من كتابنا: عقائد الإسلامين بين وحدة المنهج وتباين الأحكام.

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

التقديس لدرجة الهجران و التهميش

يقدس الناس في بلادنا العربية و الإسلامية الدين أيما تقديس و هذا أمر حميد في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.