معاناة فاقدة “اللباس”!

الزوج –ذكراً كان أو أنثى- من آيات الله وأكبر نعمه على الناس, ففيه يجد زوجه سكنا ومودة ورحمة.
ولأسباب عديدة قد لا يُوفق الإنسان في الوصول إلى “رفيق الحياة”, ومن ثم يكمل حياته فرداً .. يعاني!
إلا أن معاناة المرأة في مجتمعاتنا العربية أكبر!

فالمرأة التي لم تتزوج يُنظر إليها باعتبارها “عانس”, وهو وصف لا ترغب أي امرأة في أن تحمله في يوم من الأيام! (والذي بسببه قد تقبل زوجاً غير مناسب, فتخوض تجربة أليمة تنتهي بالطلاق فتعود إلى الوضع التي كانت عليه, ولكن بلقب آخر لا يقل سوءً وهو: المطلقة)

ومن ثم يبدأ قلقها هي وأهلها مبكراً, بدءً من نهاية المرحلة الجامعية –إذا كانت في الأرياف أو المدن الصغيرة- فالبنت ستُنهي التعليم ولم تحصل على “خطيب” بعد! وبعد مرور ثلاث أو أربع سنوات إذا كانت في مدينة كبيرة! فها هي البنت قد أنهت التعليم, وربما بدأت في دراسات عليا أو في عمل ما وقد انقضت “مرحلة جامعية” أخرى (4 سنوات) ولم تحصل على زوج! ومن ثم ففرصها تتضاءل وبعد قليل لن يبقى أمامها إلا أن تتزوج رجلاً كبيراً أو مطلق أو صاحب أولاد!

والمشكلة الكبرى أن ما يشغل الأهل بدرجة كبيرة هو نظرة المجتمع إلى ابنتهم وإليهم أنفسهم! فهم يخشون ماذا سيقوله الناس عن بنتهم! فربما يرى الناس أنها سيئة السلوك ومن ثم لم تتزوج! أو من نظرة الناس إليهم باعتبارهم “مساكين” لم تتزوج ابنتهم! رغماً عن أنهم هم أنفسهم من قد يكونون السبب في أن بنتهم لا تتزوج, بسبب تعقيدهم لزواجها!!

ويغض الجميع الطرف عن “الحالة النفسية” السيئة التي تقع فيها الفتاة نتيجة عدم فلاحها في تحقيق الدور الرئيس لها في الحياة كأنثى أن تصبح: زوجة “أنثى لذكر” وأن تصبح أما “أن تنجب, أن تحمل كائناً آخر بداخلها”!

وسواء انتقدنا مجتمعاتنا لربطها الفتاة منذ صغرها بالزواج, “وعقبال ما اشوفك عروسة, بسم الله ما شاء الله البنت بقت عروسة”, أم لم ننتقد, فإن فطرة الفتاة مرتبطة بأنوثتها! ومن ثم فمهما حققت نجاحا وظيفيا وعلمياً, فإنها تشعر أنها لم تحقق ذاتها كإنسان! إذ لم “تمارس أنوثتها”!

(بينما يختلف الحال مع الرجل, الذي يحقق ذاته في عمله, سواء وُجدت الأسرة أم لم توجد, ولا يعني هذا أنه لا يعاني ولكن لا يقارن الحال بالأنثى, ولا يقع بأي حال ضحية لأزمة تحقيق ذات! ناهيك عن التعامل الطبيعي للمجتمع –المختل- معه!)

ورغما عن معرفتها بمشاكل صديقاتها أو أخواتها مع أزواجهن, إلا أن قلبها لا يكف عن الانقباض, عندما ترى صديقاتها أو قريباتها يسرن مع أزواجهن ويضحكن, وكذلك عندما تلاعب أبناء صديقاتها! بينما لم يُكتب لها هي أن “تُكون” واحدا أو أكثر بداخلها في أحشائها! إنه نفس شعور الشجرة غير المثمرة بين الشجرات المثمرات!

وكذلك عندما تسمع شكوى صديقة لها أنها تريد الإسراع إلى المنزل من أجل الأولاد! بينما لا تجد هي من تسرع لهم! وكذلك يتكرر شعور المرارة عندما تكثر صديقاتها من تمني الزواج لها! ويزداد الوضع سوءً عندما تشمت إحداهن فيها أو تسخر منها بتلميح إلى وضعها وإلى أنها لم تتزوج!

وهكذا تظل تعاني من الوحدة! رغماً عن كونها –غالبا ما- تعيش بين أهلها! وذلك لأنها تجاوزت مرحلة أن تكون تابعة “مرعية” وأصبحت في مرتبة من ينبغي أن يكون راعياً, وتعاني من نظرة المجتمع إليها! والمرأة كائن رقيق المشاعر, وليس صلباً قاسياً كالرجل! وقد كُتب عليها أن يكون قدرها –في مجتمعاتنا- بيد الرجل, الذي يتقدم إليها! بينما لا تستطيع هي غالباً أن تُصرح بمشاعرها لرجل ما, قد تكون أُعجبت به أو أحبته!

ولا يقتصر الأمر على من لم يتيسر لها الزواج, وإنما يتعداه كذلك إلى المطلقة –وبدرجة أقل إلى الأرملة-! فالمطلقة هي السيئة على الغالب, وهي لم تفلح في المحافظة على بيتها وهي كثيرة المتطلبات وهي وهي! وهي أقل بدرجات من “البنت البكر”! فإذا أراد رجل لم يسبق له الزواج أن يتزوج من مطلقة فإنه يواجه بمعارضة شديدة –وخاصة من الأم- التي تعترض على زواجه من “ثيب” وتصمم على زواجه من “بنت بنوت”!

فلماذا تتزوج “امرأة مستعملة” إذا كانت “الجديدات” كثيرات! ومن ثم يكون مكتوباً على المطلقة أن تتزوج من مطلق أو أرمل! إذا حدث ووُجد واحد من هؤلاء ويريد أماً لأبنائه!

والحال أسوء مع الأرملة أم الأولاد, فالأفضل لها –حتى ولو كانت لا تزال شابة صغيرة- ألا تتزوج, وأن تبقى لترعى أبناءها! ولا يراعي المجتمع أن هذه الإنسانة بحاجة إلى أن تحيى وأن تحب وتُحب! وأن هذه الأنثى بحاجة إلى ممارسة الجنس! كل هذا يغض المجتمع الطرف عنه!!

إلا الذئاب وبكل أسف! فهم يعلمون جيداً كيف أن المرأة التي ذاقت الجنس مسبقاً, يكون من العسير عليها أن تنساه! ومن ثم يحاول كثيرٌ من هؤلاء الذئاب تصيد المطلقات والأرامل, لأنهن بالنسبة لهم صيد ثمين, فهي امرأة ضعيفة, -لا تخشى على بكارتها- ومع كثيرٍ من الإلحاح والضغط قد تلين وتستجيب! وخاصة إذا كانت تعاني من عوزٍ مالي للإنفاق على أبناءها فتخرج للعمل!

ومن ثم تزداد معاناة الواحدة من هؤلاء! فلم يعد الأمر مقتصراً على آلام الوحدة أو فقدان الشريك أو تحمل مسؤولية أسرة كاملة بمفردها والقيام بدوري الأب والأم, وإنما كذلك صد هؤلاء الذئاب, وعدم الإنصات إلى نداء الأنثى بالداخل, والذي بدء في الظهور مجدداً مع تدخل هؤلاء الذئاب!!

ولا تفلح بعض هؤلاء في المقاومة –والله أعلم بالنسبة هل هي كبيرة أم صغيرة- ومن ثم يقعن ضحايا لأحد هؤلاء الذئاب, والذين قد يحولونهن إلى “محل تفريغ شهوة” لهم ولأصدقائهم!! أو قد يكتفون بممارسة هذا الأمر بشكل شخصي معهن!

ولا نريد أن نظهر الأنثى بمظهر الضحية دائما, فهناك من لم ترضين بدور المنتظرة لرجل “يحن” عليها ويتقدم للزواج منها! وبدأن يبحثن بأنفسهن عن طريقة لتلبية احتياجاتهن الجسدية, فهناك من تحاول تصيد الرجل, إما بأن تصبح زوجة ثانية له! رغما عن أنها لم تكن تقبل بأي حال من الأحوال أن يتزوج زوجها السابق عليها, وربما كانت ستحصل منه على الطلاق إن فعل! إلا أنها الآن تتقبل هذا! فنصف رجل أفضل من لا شيء!

وهناك من ترضى بمجرد ممارسة الجنس مع الرجال المتزوجين تحديداً, الذين سيخشون الفضيحة مثلها أو أكثر, بخلاف الشباب!! وإن كانت هذه نسبة صغيرة!

والظاهرة الجديدة والتي لا تزال في بدايتها في مجتمعاتنا العربية, والله أعلى إلى ما ستصل وتتطور, ظاهرة “المتعريات”! وهن في الغالب مطلقات أو أرامل, يتعرفن على الرجال من خلال برامج المحادثة أو مواقع التواصل الاجتماعي, ثم يقومون بالتعري لهم, وهو ما يمكن اعتباره “جنس شفهي” أو كتابي! وهن ينظرن إلى هذا باعتباره “حل” يستطعن به “تفريغ شهواتهن” بدون ارتكاب فاحشة!! وهن يفعلن ما يردن بدون الخروج من بيوتهن! ورغماً عن قيود المجتمع! الذي سيظل ينظر إليهن باعتبارهن “محترمات”!

الشاهد أن “الزوج” هو من الاحتياجات الإنسانية الرئيسة, مثله مثل الطعام والشراب وهو على نفس درجة “المأوى”! وبالتعبير القرآني, فإن الزوج للزوجة –وبالعكس- هو اللباس, وفاقدة الزوج هي مثل “العارية” التي تواجه المجتمع بلا لباس! حيث لم يتحقق لها معنى “الستر” فتشعر برياح المشاعر, ليس فقط تلامس جسدها, وإنما تعصف به عصفا, بدون لباس يقيها “الحر والبرد”!

والعجب أننا نحرص على أن تلبس بناتنا وأخواتنا “لباساً ساترا” ونتضايق إذا هن كشفن أجزاءً يسيرة من أجسادهن! بينما لا نهتم كثيراً لعدم زواجهن ولا إلى أنهن بدون “زواج” “شبه عاريات”!

وبدون توفير الاحتياجات الأساسية الرئيسة للإنسان, فلا فائدة من وعظ ديني أو معالجة نفسية! فكما أن كل مواعظ الدنيا لا تنفع جائع مشغول بكيانه والحفاظ عليه, فكذلك الحال مع الزواج!

فهؤلاء لسن بحاجة إلى من يوصيهن بالصبر أو بالصيام ولا إلى من تصمم شفتاها حسرة عليهن! وإنما بحاجة لمن يساعدهن على تحقيق ذواتهن! وعلى إدخال البهجة والسرور على قلوبهن هن وأهليهن –وعلى قلوب الرجال- بتيسير الزواج!

وإلى أن يتحقق هذا فهن بحاجة إلى معاملة مخصوصة من الوالدين –وخاصة الأب- بحيث يغدقان عليهن مشاعر الحب والعناية والحنان والرعاية, وليس المعايرة أو الضيق منهن وإلى كثيرٍ من الدعاء لهن ولأمثالهن أن ييسر الله لهن لباسا!

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

نقد رفض التعقل

من الأقوال المستفزة والمنتشرة بين العدميين –وأشباههم وأنصافهم- مقولة:“لا يوجد معنى في الطبيعة … نحن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.