تاريخ المرحلة المدنية المستخرج من القرآن
والذي كنا قد وعدنا بتقديمه, وأعلم أنه سيثير كثير من التساؤلات, ولكن هذا هو العرض الإجمالي, هناك عرض تفصيلي سيوضع لاحقاً في ملف ورد لمن يرغب في الاستزادة:
بعد أن أُخرج الرسول من مكة وصل إلى المدينة وهناك عاهد المسلمون بعض العهود (مع من حولهم) كما وجد الرسول أن اليهود يحرمون بعض أصناف الطعام والعمل في يوم السبت وينسبون هذا لله, بل ويذبحون لغير الله, وطالبوه بالعمل بما لديهم!!
كما حدثت مبكراً بعض الاعتداءات على المسلمين وقام المسلمون بالرد عليها, (وعالجت سورة النحل –أول سور المدينة هذه القضايا).
ورغماً عن أن هناك من أهل الكتاب من استجاب وآمن إلا أن أكثرهم ظل على ما هو عليه, وكان المسلمون والرسول في تلك الفترة يتساءلون عن حالهم ومآلهم في هذه البلد الجديد فثبتهم الله وأعطى الله الرسول الوعد بأنه سيُرد إلى معاد وأن العاقبة للمتقين فلا يحزنه/م علو الكافرين!
وبعد أن وُعد الرسول في سورة القصص بأن العاقبة للمتقين وأن وأن, جاء بعض اليهود يسألون الرسول متى سيحدث هذا النصر ومتى سيُمكن للمؤمنين وكيف؟ فتم الرد في “يوسف” بأن هذا قد يأخذ فترة طويلة!
وفي هذه الأثناء وقعت المعركة الشهيرة بين الفرس والروم وغُلبت الروم, فجاءت النبوءة الربانية في الروم بأنهم سيغلبون في بضع سنين, وأن مع غلبتهم سيأتي نصر الله, فتم التأكيد للمسلمين الحائرين على وقوع النصر في فترة بضع سنين.
وفي هذه الفترة ومع انتشار الإسلام احتدم الجدال والخصام بين المسلمين وغيرهم حول الله والمسجد الحرام, وحدثت عمليات ارتداد عن الإسلام ممن لم يتمكن الإيمان في قلوبهم! كما حدثت اعتداءات على المسلمين وعلى دور العبادة, ويمكن القول أن الأمر تطور فلم يعد مجرد اعتداءات وإنما أصبح قتال بمعنى قتال, حيث لم يتقبل المحيطون بالمسلمين المسلمين وانتشارهم (وهو ما تناولته سورة الحج).
وكذلك ما أكدته “العنكبوت” من الحديث عن فتنة المؤمنين وتحول بعضهم لمجرد الأذى وعن الجهاد في الله, والأمر بقصر الجدال على التي هي أحسن مع أهل الكتاب والقول بأن الإله واحد وأن المسلمين يؤمنون بما أنزل إليهم وكذلك بالكتاب الذي أُنزل على محمد.
وفي هذه الأثناء كان الإسلام يواصل انتشاره واكتساب المزيد من الأتباع, (وهذا ما نستشفه من خلال أمر الرسول بالقول أنه سيعدل بين الطوائف المختلفة من أهل الكتاب, فلقد أصبحت له المكانة القوية ليكون حكماً بين المختلفين من غير دينه, كما نجد الحديث عمن يحاجون في الله من بعد ما استجيب له وكيف أن حجتهم داحضة, فليس لهم مستند فيها)
إلا أن اكتساب الأتباع يعني حتماً مزيداً من العداوات وتفرق بين الأهل والأصحاب وفي هذا الجو المشبع بالفرقة والاختلاف واصلت “الشورى” التأكيد على أهمية إقامة الدين وعدم التفرق فيه وأمر الرسول بإعلان إيمانه بما أنزل بكل ما أنزل الله من كتاب, والتأكيد على أن حال المسلمين لم يتغير, فهم ينتصرون إذا أصابهم البغي ويجزون السيئة بمثلها وأن العفو أفضل!
ورغماً عن استجابة كثيرين لله ودخولهم في الدين إلا أن هناك من كان يحارب بكل السبل, فهناك من كان يتقبل ويجلب أباطيل القول (يشتري لهو الحديث), ليضل عن سبيل الله بغير علم, وهناك من الآباء من كان يجاهد أبناءه ليردهم عن الدين, وهذا ما تناولته سورة لقمان.
ومقابل جهل وسيئات غير المؤمنين واستهزاءهم بآيات الله واستكبارهم يؤمر المؤمنون -في الجاثية- بأن يغفروا للذين لا يرجون أيام الله (وفي هذه إشارة إضافية إلى أن المؤمنين أصبحوا قوة يُطلب إليهم المغفرة, ويرجوا أعدائُهم ألا يحققوا مزيداً من الانتصارات والانتشار)
ويتم التأكيد للرسول أنه ليس مطالباً بالفصل بين بني إسرائيل فيما اختلفوا فيه من الكتاب (اعتماداً على ما أنزل إليه) فالله سيقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون, وإنما عليه اتباع ما يوحى إليه فقط.
وعلى العكس من أولئك المستكبرين كان هناك من استجاب ودخل في الدين وأدمن “العبادة”, فإذا ذُكر بآيات ربه خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون, و”أيام الله” قادمة ولكنها ستأخذ وقتاً, -فلم تُجعل “الإمامة” في بني إسرائيل إلا لما صبروا,- فالفتح قادم (وهو ما تناولته: السجدة).
ومقابل انتشار وتمدد المسلمين ودخول “أهل كتاب” في الإسلام والتزامهم بتعاليمه كان هناك نقض لعهد الله من “أهل كتاب” فلم يكتفوا بعدم الإيمان وإنما أخذوا يقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض, وفي الاستهزاء بالرسول والاعتراض عليه بحجة أنه له أزواجاً وذرية, وهذا ما تناولته “الرعد”.
وكما بيّنا فإن الإسلام كان يحقق انتشاراً وانتصارات, ترتب عليها دخول أناس في الإسلام نفاقاً, ولكن مع هذا الانتشار وتمدد المجتمع و”تعقده” بدأت تظهر تساؤلات من المسلمين الجدد (وخاصة من أهل الكتاب) عن بعض الأمور الحياتية, وبالتوازي حدثت اعتداءات على مسلمين في مكة وأجبروا على التحول من دين الله ومنعت بعض المساجد من أن يذكر فيها اسم الله
وكان المسلمون في تلك الفترة خارجين للحج والعمرة فاكتسبت الرحلة بعداً إضافيا وهو فتح مكة, وهو ما كان كثيرٌ من المسلمين في خوف وتوجس منه! وهو ما تم تناوله في “البقرة”, (والتي ابتدأت معها التشريعات, والتي كانت مالية أسرية بالمقام الأول).
إلا أن التساؤلات لم تنقطع, فظهرت تساؤلات بخصوص أمور أخرى, كما حدث رفض لتلك التشريعات الجديدة من بعض المنافقين الذي يزعمون الإيمان, ودعوة إلى التمسك ب “التشريعات/ الأحكام” القديمة, كما كان هناك اعتداءات من قبائل محيطة بالمدينة تظهر الإيمان للرسول والكفر لأقوامهم, وهو ما تناولته “النساء” والتي واصلت تشريعات البقرة وبدأ فيها اللوم على عدم الهجرة إلى “المجتمع المؤمن”.
وفي تلك الفترة حدث احتكاك بين المسلمين والمسيحيين, كما وقعت معركة انهزم المسلمون فيها وكاد الرسول أن يُقتل, وبدأ بعض سطحي الإيمان في التحول من الإيمان إلى الكفر, كما حدثت معاهدات “ولاية” بين المسلمين وبين كافرين, وهو ما تناولته سورة آل عمران ففندت عقيدة التثليث وعرضت لتلك الأحداث.
وكما بينا سابقاً فإن المسلمين كانوا قد فتحوا مكة بالفعل وسيطروا عليها, إلا أنه حدثت اعتداءات من بعض المسلمين على حجاج البيت من غير المسلمين, ووقعت مخالفات من مسلمين لأوامر الله بالاستباحة والتحريم في الطعام, كما حدث أن تأثر كثيرٌ من النصارى بما جاء في آل عمران فدخلوا في الإسلام.
ورغما عن الانتصارات التي كان يحققها الإسلام فكانت هناك وقائع تحول كبيرة وارتداد عن الإسلام, (وذلك لاتساع دائرة الخصومة والأعداء فلم يصبح الإسلام بعد الدين الأكثر عدداً في جزيرة العرب!), وفي تلك الفترة كان بنو إسرائيل (والذين هم أوسع بكثير من: يهود المدينة) يتولون الكافرين ضد المسلمين!! وهو ما تناولته سورة المائدة.
وقبل هذه الأحداث ومع ازدياد قوة المسلمين, عقد المسلمون –وليس الرسول- (ربما بعد فتح مكة مباشرة) عهوداً بالموادعة مع قبائل من المشركين عند المسجد الحرام (لا تذكرها كتب السير!!)
وبعد هذه المعاهدات –بفترة- حدثت عمليات تحول جماعي ودخول لقبائل في الإسلام –لا يشترط كل أفراد القبيلة-, إلا أن إسلامهم كان ظاهريا أو باللسان, فعاد بعضهم مرة أخرى إلى شركهم بأفعال و بأقوال, فأشركوا بالله وكانوا يدعون غيره في المساجد, وكانوا يساعدون غير المسلمين في الاعتداء على المسلمين –على الرغم من أنه من المفترض أنهم مسلمون!!- ولم يكونوا يؤتون الزكاة ولا يقيمون الصلوات في بلادهم!)
وحدثت المعركة الشهيرة حنين, وحاول بعضهم الغدر بالرسول –والمؤمنين- من مكة, وكان منهم من يلمز ويؤذي الرسول باللسان, وكان هناك اعتداءات على المسلمين حتى في الأشهر الحرم.
وكان المسلمون إذا استنفروا للقتال تثاقلوا إلى الأرض وبخلوا عن الإنفاق, لأسباب عديدة مثل الانشغال بالدنيا أو أن المقاتَلين هم أقارب لهم. وهو ما تناولته “التوبة” ولامت المؤمنين على هذا!
وبعد “التوبة” حارب الرسول الغادرين وأغنمه الله, وفي منقلبه نزلت سورة الفتح والتي حكت فضل الله على الرسول وكيف نصره بآيات من عنده!
وبعد “الفتح” قاتل المسلمون عدواً معتدياً ذا بأس شديد, وفيها انكسرت شوكة الأعداء وعدّ الله هذا النصر فرقانا, وفي هذه الأثناء كانت هناك عملية هجرة عملية هجرة كبيرة إلى المؤمنين, وهو ما تناولته سورة الأنفال ونظمت مسألة الموالاة للمؤمنين.
ورغماً عن العداوة الشديدة لهؤلاء لله ورسوله إلا أنه كان هناك من المسلمين من يوالونهم, فجاء النهي في الممتحنة عن موالاة عدو الله والمؤمنين, وتنظيم أحكام النساء المهاجرات والنهي عن الإمساك بعصم الكوافر.
وفي هذه الأثناء حدثت مشكلة في البيت النبوي ترتب عليها أن حرم النبي على نفسه ما أحل الله له, وهو ما تناولته التحريم والتي ركزت كذلك على التولي وأمرت النبي بجهاد الكفار والمنافقين. وفي هذه الأثناء حدثت حالات طلاق كثيرة من المسلمين (ربما امتثالاً للنهي الوارد في الممتحنة, وربما للضيق الذي كانوا فيه), كما لم يكن هناك امتثال تام لأوامر الله من بعض المسلمين وهو ما تناولته سورة الطلاق.
وفي هذه الأثناء حدثت معركة مع عدو كبير هائل نصر الله المسلمين فيها, كما أبطل الرسول (في غير القرآن) التبني والظهار, فكان هناك اعتراض على هذه الأحكام ورغبة في التمسك بهما, كما كانت هناك مطالب من أزواج النبي بالتوسعة عليهن
كما بدأت حالات تحرش وإطلاق إشاعات عن المسلمات الجدد المهاجرات, وهو ما تناولته سورة الأحزاب! وبعد الأحزاب استمر المنافقون في إطلاق الشائعات وإيذاء المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا, بل وكرر بعض المسلمين أقوالهم فنزلت سورة النور, والتي وسعت دائرة التشريعات الواردة في الأحزاب.
ورغماً عن النهي عن الظهار في الأحزاب استمر بعض المسلمين في الظهار كما استمر بعضهم في موادة من يحاد الله ورسوله والنجوى وعدم التأدب مع الرسول والكذب عليه, وهو ما فضحته المجادلة. ورغما عن هذه استمروا على ما هم عليه في الحلف كذباً والتكبر عن الرسول, بل وحاولوا إخراج الرسول والمؤمنين من المدينة, إلا أن الله فضحهم فحاصرهم الرسول وأخرجهم من المدينة ( وهو ما بيّنته المنافقون والحشر).
وفي تلك الفترة كان الرسول يعلم الداخلين في الدين القرآن كما كان هناك حث على الإنفاق في سبيل الله, إلا أن هناك من كان يستهزأ بالرسول وبالقرآن, وكفروا بعد إيمانهم, بل وحاربوا الرسول والمؤمنين فنصره الله عليهم, وهو ما تناولته سورة محمد حاكمةً بإحباط أعمالهم!
ويبدو أن المسلمين لم يكونوا يثبتون في القتال كما ينبغي, بينما كانوا يقولون أنهم سيفعلون كذا وينفقون كذا! كما استمر الاستهزاء بالرسول وإيذاءه, وهو ما تناولته سورة الصف والتي حثت على أن يكونوا أنصار الله.
وفي تلك الفترة لم يتوقف ايذاء الرسول من المسلمين الجدد, الذين لم يتهذبوا بآداب الإسلام ولم يعرفوا للرسول قدره, ولما يدخل الإيمان في قلوبهم, فكان بعضهم يغلظ القول للرسول ويرفع صوته عليه, وحدث أن جاء من ينادي الرسول نداءً عجولاً فلما تأخر انصرفوا!
وفي هذه المرحلة كان في المدينة مؤمنون من قبائل عدة وأخذ بعض المؤمنين يزكون أنفسهم (أو غيرهم) فيحكمون على أنفسهم بالإيمان, بل ويمنون على الرسول إيمانهم (وأنهم سيكونون نصيرا له .. الخ), وأخذوا يتفاخرون على بعضهم بعضا بأحسابهم وبأنسابهم وبقوتهم وحدث اختلاف وشد وجذب قوي بين طوائف من المؤمنين, وأشاع أحد الفساق أن قتالا نشب بين وفدين أو أن وفداً اعتدى على الآخر وأنه ظالم, وهو ما تناولته سورة الحجرات.
وفي هذه الفترة (ربما السنة الأخيرة من الإسلام) والتي بدأ فيها تحول جماعي لقبائل إلى الإسلام, وأصبح الأمر متقبلاً من العرب, كان يحدث أن يؤمن الرجل مثلاً ولا تؤمن زوجه أو لا يؤمن أولاده! وكانوا يعيشون في بيت واحد! وفي نفس القبيلة
وكان مما يحدث أن يؤمن البعض وكانت هناك مخاصمات ومجادلات ونقاشات بشأن التحول إلى الدين ورمي بالضلال في كلا الطرفين, وتحت ضغوط العائلة أو القبيلة كان البعض يعود مرة أخرى إلى ما كانوا عليه! وكان هناك كذلك من يدخل في الدين مجاراة لباقي القبيلة, وكان أن نزل في تلك الفترة مصيبة بالمسلمين, وظهرت تساؤلات –من أو بين المؤمنين الجدد- لماذا هذه المصيبة؟!!
وفي تلك الفترة كان المسلمون في عسر وضيق لمصيبة نزلت بهم, ولمّا أُمر المسلمون بالإنفاق, حرضت بعض الأزواج والأبناء أزواجهم وآباءهم على عدم الاستجابة والسمع وعلى عدم الإنفاق, وهو ما تناولته سورة التغابن.
وفي نفس الأجواء التي نزلت فيها التغابن, حيث القبائل والأعداد الكبيرة من المتحولين الجدد إلى الإسلام حيث أكثر (أو نسبة كبيرة من) الداخلين في الإسلام من أهل الكتاب
وكان هناك من الداخلين في الإسلام من يبخل ويأمر الناس بالبخل, وبطبيعة الحال لم يكن من دخل في الإيمان قد ترسخ الإيمان في قلبه, نزلت سورة الحديد آمرة بالإيمان بالرسول الخاتم.
وبعد نزول الحديد كان لا يزال هناك نسبة من اليهود على دينهم وبدء حدوث تراخي من المسلمين في الالتزام بالصلاة الأسبوعية لتعارض ميعادها مع السوق, بل وتكرر انفضاضهم عن الرسول إذا رأوا تجارة أو لهوا! وهو ما تناولته سورة الجمعة!
وبعد الجمعة لا تظهر أحداث تاريخية في نصوص تلك المرحلة الخاتمة, وإنما نجد ما يشبه الحديث الختامي, فنجد الحديث عن الرسول وعن موقف الذين أوتوا الكتاب من البينة, فالرسول يتلو صحفاً مطهرة, لينفكوا مما هم عليه, (ولكن هذا لا يعني أنه سيٌرفع التفرق فسيبقى التفرق دائما! فالبينة من ناحية تزيل الكفر ومن ناحية أخرى توجد اختلاف, لوجود البغي في القلوب ولرفض الحق وليس لسبب فيها نفسها)!
وبعد: البينة التي خُتمت بالحديث عن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين وكيف أنهم شر البرية, يأتى في: الكافرون, التأكيد على ما كان في البينة بإعلان الانفصال التام الصريح عن هؤلاء الكافرين!
وبعد أن أُمر الرسول بإعلان تمايز الأديان والمعبود في: الكافرون, تنزل الكوثر لتأمر الرسول بأن يصلي لله وينحر –حمداً له على أنه- أعطاه الكوثر وأن مبغضه معانده هو المقطوع المنقوص!
وبعد أن أُمر الرسول بحمد ربه في الكوثر (بالصلاة والذبح) يؤمر في الفلق والناس بالاستعاذة بالاستعاذة برب الفلق من شرور عدة .. ثم انقطع الوحي!!