نطرح اليوم بإذن الله وعونه تساؤل حول حكم متعلق بالنساء, وهذا الحكم يدور حول فهم كلمة واضحة المعنى وهي: الأجور.
والكلمة من الكلمات المشهورة المعنى, ولا يحتاج المرء للحديث حولها, والسؤال الذي نطرحه هو:
هل الأجور هي المهور؟!
وسبب هذا السؤال, أننا وجدنا أن المفسرين قالوا أن هذه الكلمة استُعملت في كتاب الله تعالى –بخلاف كونها دالة على الأجور!- كدال على المهور, التي يقدمها الرجال للنساء! لذا نتوقف مع هذه الكلمة في كتاب الله عزوجل, لنبصر, هل أصاب المفسرون في قولهم بأن الأجور هي المهور أم أن الأمر غير ذلك؟!
إذا نحن نظرنا في كتاب الله تعالى وجدنا أن كلمة “أجور” وردت اثنتا عشرة مرة, ست منها تتكلم عن إيتاء وتوفية أجور الأعمال, التي سيجازي الله بها عباده, مثل قوله تعالى:
“وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [آل عمران : 57]”
وست عن أجور النساء, وسنعرض لآياتها باستفاضة, لأنها موضوع نقاشنا!
أول ما نبدأ به موضوعنا هو السؤال: هل استعمل الله عزوجل في كتابه الكريم كلمة أخرى للمهر غير كلمة “الأجور”؟
وتأتي الإجابة بالإيجاب, فلقد استعمل الرب العليم كلمة “صدُقات” وذلك في قوله سبحانه في سورة النساء:
“وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً [النساء : 4]”
والآية تبين لنا على أي أساس تُعطى النساء الصدُقات, فهن لا يُعطين الصدُقات مقابل شيء أو منفعة وإنما هي هبة وعطية من الرجل, لأن المرأة كأنثى بشرية ترى أنها تستحق أن تُهدى, لا لشيء, فقط لمجرد كونها أنثى!!!
ولقد ذكر الإمام الفخر الرازي في تفسيره تحليلا طيبا لأصل كلمة “نحلة”, فقال:
“قال الكلبي: نحلة أي عطية وهبة، يقال: نحلت فلانا شيئاً أنحله نحلة ونحلا، قال القفال: وأصله إضافة الشيء إلى غير من هو له، يقال: هذا شعر منحول، أي مضاف إلى غير قائله ، وانتحلت كذا إذا ادعيته وأضفته إلى نفسك، وعلى هذا القول فالمهر عطية ممن؟
فيه احتمالان : أحدهما : أنه عطية من الزوج ، وذلك لأن الزوج لا يملك بدله شيئاً لأن البضع في ملك المرأة بعد النكاح كهو قبله ، فالزوج أعطاها المهر ولم يأخذ منها عوضا يملكه ، فكان في معنى النحلة التي ليس بازائها بدل ، وإنما الذي يستحقه الزوج منها بعقد النكاح هو الاستباحة لا الملك.
وقال آخرون: إن الله تعالى جعل منافع النكاح من قضاء الشهوة والتوالد مشتركا بين الزوجين ، ثم أمر الزوج بأن يؤتي الزوجة المهر فكان ذلك عطية من الله ابتداء.” اهـ
إذاً فالله تعالى يأمرنا ويعرفنا بأن نؤتي النساء صدقاتهن نحلة, فليس لها أي مقابل, فإذا أخذنا هذا الأمر كمنطلق, نتحول لننظر في آيات أجور النساء:
أول آية جاء فيها الحديث عن أجور النساء نجدها كذلك في سورة النساء, وهي قوله تعالى:
“وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً [النساء : 24]”
(قبل أن نبدأ حديثنا حول هذه الآية نقول: كنا قد استدللنا بهذه الآية فيما مضى على جواز الزواج المؤقت, انطلاقا من أن الآية في المهور (كما قال المفسرون), ونحن نرجع عن هذا الاستدلال, فليس لها علاقة به, إلا أن هذا لا يعني تراجعنا عن جواز الزواج المؤقت, فنحن نرى جوازه, انطلاقا من استيفائه شروط الزواج, وعدم وجود نص يحرمه, فما مستند القائلين بمنعه إلا الاستنباطات الفقهية, وليس النصوص الشرعية!)
أول ما نلاحظه في هذه الآية أن الله تعالى جعل إيتاء الأجور (لاحظ استعمال صيغة الجمع, لا المفرد “الأجر”, والذي يشير إلى التعدد) فريضة, بينما كان إيتاء الصدقات نحلة!
وهنا إيتاء الأجور مرتبط بالاستمتاع, أي أنه مقابل شيء, بينما الصدقات نحلة, أي بغير مقابل!
وليس الاستمتاع بمعنى التلذذ! كما يظن عامة الناس, تبعا للاستعمال الخاطئ, وإنما هو بمعنى الانتفاع, وفي هذا يقول الإمام الرازي في تفسيره:
“الاستمتاع في اللغة الانتفاع ، وكل ما انتفع به فهو متاع، يقال: استمتع الرجل بولده ، ويقال فيمن مات في زمان شبابه : لم يتمتع بشبابه . قال تعالى : { رَبَّنَا استمتع بَعْضُنَا بِبَعْضٍ } [ الأنعام : 128 ] وقال : { أَذْهَبْتُمْ طيباتكم فِى حياتكم الدنيا واستمتعتم بِهَا } [ الأحقاف : 20 ] يعني تعجلتم الانتفاع بها ، وقال : { فَاسْتَمْتَعْتُمْ بخلاقكم } [ التوبة : 69 ] يعني بحظكم ونصيبكم من الدنيا.” اهـ
فإذا كان إيتاء الأجور مقابل الانتفاع –وكانت الأجور هي المهور, والتي يفترض أنها نحلة!- تبرز مسألة عويصة وهي: ما هي المنفعة التي انتفع بها الزوج من زوجه ليدفع لها المهر مقابله؟
وتأتي الإجابة المدوية: لم ينتفع منها بأي شيء, وإنما المنافع كلها تكون بعد الدخول بها! وحاول الإمام الفخر الرازي أن يقدم توفيقا بين الانتفاع والذي لم يحدث بعد وبين الأجور, فقال:
“فما استمتعتم به من المنكوحات من جماع أو عقد عليهن ، فآتوهن أجورهن عليه ، ثم أسقط الراجع إلى «ما» لعدم الالتباس كقوله : { إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الامور } [ الشورى : 43 ] فأسقط منه (…….) وإنما سمي المهر أجراً لأنه بدل المنافع ، وليس ببدل من الأعيان ، كما سمي بدل منافع الدار والدابة أجرا ، والله أعلم .” اهـ
ولست أدري أين هو الدليل الصريح على أن المراد من الأجر هو المهر, ليقال أنه سمي المهر أجرا لكذا وكذا؟!!
إن الحديث في الآية عن أجور وليس عن أجر! ويفترض فيها أن تكون أجورا وليس مهرا!! والآية واضحة الدلالة, فهي تتحدث عن أجور للنساء مقابل ما ينتفع الرجل به منهن! من عملها في البيت ومساعدتها له في عمله, -وليس مقابل المضاجعة!-
ولأنه لم ينقل عن النبي أو الصحابة أن أحدا منهم كان يعطي زوجه راتبا شهريا أو أسبوعيا مقابل عملها ومساعدتها لم يلتفت أحد إلى هذا الحكم! ونسى هؤلاء أصلا أنه لم يكن هناك تنظيم لمسألة الرواتب كما في زماننا هذا!
ونحن لا نقول أنه يجب على الرجل أن يعطي زوجه أجرها على هيئة راتب منتظم: شهري أو أسبوعي أو سنوي, وإنما من الممكن أن يكون أجرها ما ينفق عليها كطعام وشراب وملبس, وهذا هو الحد الأدنى, وإذا كان هناك سعة ودخل زائد عن احتياجات المنزل, فمن الممكن أن يعين لها راتبا ثابتا, أو يقدم لها الهدايا بنية المكافأة على العمل!
قد يقول قائل: إذا كانت النفقة التي ينفقها الرجل تصلح كأجر, فما الجديد إذا؟
نقول: الفارق هو في النظرة التي ينظرها إلى النفقة التي ينفقها, فعامة الرجال –الشرقيين خاصة- يظنون أنهم يمنون على الزوجة بالنفقة الأساسية التي ينفقونها!
أما المولى القدير فيعلمنا نحن معشر الرجال! أننا مدينون للنساء وأن نفقتنا عليهن ليست من باب المنة وإنما هي حق واجب كأجر للمنفعة التي ينتفع بها الرجل من المرأة, فعمل المرأة في بيتها عمل كأي عمل خارج المنزل تستحق الأجر عليه, فهي ليست متعطلة في منزلها!! وأنه إذا استطاع أن يوجد لها راتبا –بخلاف النفقة من مطعم وملبس- فعليه أن يفعل!
وهذا الأجر قابل للتنازل -“ولاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ”, فلا تأخذ المرأة منه شيئا أو تجعله شيئا رمزيا.
وأدعوك أخي القارئ أن تقارن هذا الأمر بفعل بعض الرجال الذين يجعلون المرأة تعمل خارج المنزل, ثم يستولون على راتبها أو جزء منه لينفقوا على مزاجهم الشخصي!! لتعرف سعة الهوة بين الأمر الإلهي والتنفيذ البشري!!
فإذا انتقلنا إلى الآية التالية, وجدنا المولى القدير يقول:
“وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [النساء : 25]”
وهنا نجد الأمر الإلهي بإتيان الأجور مرة أخرى, لأن الحكم في هذه الآية متعلق بالفتيات المؤمنات “الإماء”, لأنه ربما يظن الرجل أنه ليس لهن عليه هذا الحق, فيوجب الله إيتاء الإماء كما أوجب إيتاء المحصنات!
وعندما نظرنا في تفسير الفخر الرازي لهذه الآية وجدنا أن هناك من قال بمثل قولنا هذا وهو القاضي عبد الجبار المعتزلي! وفي هذا يقول الإمام الفخر الرازي:
“قال القاضي: إن المراد من أجورهن النفقة عليهن، قال هذا القائل: وهذا أولى من الأول، لأن المهر مقدر، ولا معنى لاشتراط المعروف فيه، فكأنه تعالى بين أن كونها أمة لا يقدح في وجوب نفقتها وكفايتها كما في حق الحرة إذا حصلت التخلية من المولى بينه وبينها على العادة.” اهـ
فكما رأينا فالقاضي عبد الجبار قد انتبه إلى أن الأجور ليست هي المهر! ونلاحظ أن الحديث عن إيتاء الأجور كان بعد النكاح, ولو كان هو المهر, لكان من الأنسب تقديمه قبل النكاح!
فإذا انتقلنا إلى الآيتين التاليتين, وجدنا أنهما هما السبب الرئيس في فهم الأجور على أنها المهور!
“الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ …[المائدة : 5]”
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً [الأحزاب : 50]”
فلقد ارتبط تحليل النساء بإيتاء الأجور, لذلك قالوا أنها المهور! والآيتان تحتملان الفهم على أنها الأجور –كما نقول نحن- ومن الممكن أن تفهم أنها المهور –كما يقول المفسرون-, لذا ننتقل إلى آية ثالثة مشابهة لهما ترجح أحد الفهمين, وهي قوله تعالى:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُواوَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّأُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [الممتحنة : 10]”
فهنا نجد ربطا في الآية بين النكاح وإيتاء الأجور مثل الآيتين السابقتين, فتبقى احتمالية الفهمين, إلا أن قوله تعالى: “وآتوهم ما أنفقوا” و “واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا” ينفي احتمالية المهور ويبقي احتمالية الأجور, فهنا الحديث عن الإنفاق!
فعندما تأتي المرأة المؤمنة المهاجرة إلى المؤمنين في المدينة لا يرجعونها ويؤتوهم ما أنفقوا! وكذلك على المسلمين أن يسألوا ما أنفقوا على الكافرات, وكذلك يسأل الكافرون ما أنفقوا!
وعلى الرغم من أن الآية تكلمت صراحة عن الإنفاق, إلا أن المفسرين جعلوا الإنفاق بمعنى ما أنفقوه في المهور!! وهكذا جعلوا الإنفاق مثل الأجور وكلاهما يدل على المهور! أما نحن فنفهم الإنفاق بمعنى الإنفاق والأجر بمعنى الأجر, وهو ما ينفقه الرجل على زوجه, وأنه ليس منة منه وإنما حق للزوجة كأجر لها على ما تقوم به في البيت!
فإذا انتقلنا إلى الآية الأخيرة وجدنا أن الله سبحانه يقول:
“أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى [الطلاق : 6]”
ولأنه من غير الممكن هنا أن تكون الأجور بمعنى المهور اضطر المفسرون إلى القول بأن الأجور بمعنى الأجور!!! فمن ذلك ما قاله الإمام الفخر الرازي:
“وقوله: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} يعني حق الرضاع وأجرته وقد مر، وهو دليل على أن اللبن وإن خلق لمكان الولد فهو ملك لها وإلا لم يكن لها أن تأخذ الأجر،
وفيه دليل على أن حق الرضاع والنفقة على الأزواج في حق الأولاد وحق الإمساك والحضانة والكفالة على الزوجات وإلا لكان لها بعض الأجر دون الكل ، ……….. الأول: إذا قيل: ( من ) في قوله : { مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم } ما هي؟ نقول : هي التبعيضية أي بعض مكان سكناكم إن لم يكن ( لكم ) غير بيت واحد فأسكنوها في بعض جوانبه.” اهـ
وكما رأينا فالآية صريحة في أن المرأة تأخذ أجرا على فعل, يُفترض أن تقوم به كأم! ولا يقول أحد أن أجرها هو مجرد مأكلها ومشربها!!
فإذا تقبلنا أن تأخذ المرأة أجرا مقابل دور من أدوراها كأم, فلما العجب في أن تأخذ أجرا مقابل قيامها بدورها في البيت؟!
نخرج من هذا المبحث القصير, بأن الأجور هي الأجور وليست المهور, وأنه يجب على الرجل أن يعطي المرأة أجرا على ما تقوم به في البيت, وأن الحد الأدنى لهذا الأجر هو ما ينفقه عليها, وأنه إذا استطاع أن يجعل لها راتبا فعليه أن يفعل, كما أنه يجوز لهما التراضي حول هذه المسألة, فيجوز للمرأة التنازل عن أجرتها.
قد يستثقل القراء هذا الحكم, فليس كلنا قادر على تنفيذه, وأنا من هؤلاء, فأنا أعطي الحد الأدنى (الإنفاق) ولا أقدر على إعطاء أكثر, ولكن ليست العبرة بما تهواه النفس, وإنما بالامتثال لأمر الله, وإيجاد النية على تطبيقه كاملا عند الاستطاعة!
جعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.