سورة العنكبوت … لا مفر من عذاب الله

نواصل اليوم بفضل الله وعونه تناولنا لسور القرآن لنبين وحدتها الموضوعية والأجواء التي نزلت فيها, ونعرض اليوم بإذن الله العظيم لسورة العنكبوت, فنقول

اختلفت الروايات في زمان نزول سورة العنكبوت فقيل أنها مكية نزلت في آخر المرحلة المكية (حتى أنه روي أنها آخر ما نزل في مكة) وقيل أنها مدنية وقيل نزلت بين مكة والمدينة, وقيل هي مدنية إلا الآيات من 1-11 (وكما بينا فهو قول فاسد, فسور القرآن كانت تنزل كل واحدة منها كاملة على مرة واحدة)

والذي يظهر من الجو العام للسورة أن أقرب الأقوال إلى الصحة هو تلك الروايات القائلة بأن السورة مكية وأنها من أواخر ما نزل في مكة, كتمهيد لفكرة الهجرة.

وظهر لنا من خلال نظرنا في السورة أن سبب نزولها هو رد المشركين تجاه إنذار الرسول لهم نزول العذاب بهم جزاء لهم على أعمالهم السيئة (والتي من أهمها ارتكاب الفواحش) حيث كانوا لا يزالون على موقفهم من رمي الرسول بالكذب وأنه هو من أتى بالقرآن من عنده ويدّعون أنه لن ينزل بهم العذاب في الدنيا (وليس ثمة آخرة ليكون فيها عذاب!) ويستعجلون نزول العذاب كدليل على صدق الرسول

والأمر الجديد هو أنهم ادعوا أنه لو نزل العذاب فإنهم سيفلتون منه, لأن آلهتهم –التي اتخذوها أولياء من دون الله- سترد عنهم العذاب وتحميهم.


ولم يقتصر موقف المشركين في تلك المرحلة على رد الفعل لما يأتي به الرسول, وإنما تعداه إلى محاولة إعادتهم إلى حظيرة الشرك مرة أخرى بشتى السبل سواء بالجدال أو بالخداع أو بإيذاء المسلمين ومحاربتهم في أرزاقهم, وكان المسلمون يردون على المشركين في جدالهم لهم ردودا حادة تسفه اعتقاداتهم, وامتدت هذه الحدة حتى أصاب أهل الكتاب منها نصيب.

وفي تلك المرحلة حدثت بلبلة من بعض المسلمين الجدد بسبب العذاب والأذى الذي يتعرضون له, إذ افترضوا أنهم لكونهم مسلمين أن ينصروا ويَسلموا.

فأنزل الله سبحانه سورة العنكبوت ليقول أنه لا سبيل إلى النجاة إلا ابتغاء الدار الآخرة في الأعمال –وهو المحور الرئيس للسورة الذي تدور في فلكه-, فلا مفر من عذاب الله ولا مانع لفضل الله, فالكل سينال جزاء أعماله في الدنيا قبل الآخرة, تبعا للقانون المذكور في السورة السابقة: “مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [القصص: 84] “

والاتصال بين السورة والسورة الماضية جلي, فالسورة الماضية كانت تدور في فلك أن الآخرة ليست لمن يريدون علوا في الأرض ولا فسادا, وهنا تدور في فلك ابتغاء الآخرة هو سبيل النجاة, وكانت سورة القصص قد ركزت على أن الله أعلم بالمهتدين وبالضالين, وهنا ركزت السورة على مسألة علم الله بأعمال العباد وبما في نفوسهم.

كما خُتمت سورة القصص بذكر نموذج لجماعة فُتنت بمال قارون, وبدأت هنا السورة بالتساؤل حول ظن الناس أنهم لا يفتنون إنهم قالوا أنهم آمنوا. كما خُتمت السورة الماضية بنهي الرسول عن أن يصده الكافرون عن سبيل الله وعن أن يدعو مع الله إلها آخر وأننا سنرجع إلى الله وهنا بدأت السورة بالحديث عن الآباء الذين يجاهدون ابنهم ليشرك, وأن عليه عدم الطاعة لأنه المرجع إلى الله.

ونبدأ في تناول السورة لنبين كيف قالت بهذه المعاني:
بدأت السورة بالرد على مواقف صدرت من مسلمين ومشركين, فبدأت باستنكار ظن من قالوا أنهم آمنوا أنهم يتركون بدون أن يُفتنوا ليتميز الصادق من الكاذب!

وكذلك باستنكار ظن الذين يعملون السيئات (من فحشاء ومنكر وخلافه) أنهم يفلتون من العذاب, وبالتأكيد على أن الله سميع عليم يعلم من يرجو لقائه وأنه غني عن البشر فجهادهم –بالقرآن- هو جهاد ينفعون به أنفسهم, وأن المؤمنون –حقا- ستُكفر عنهم سيئاتهم وسيجزون أحسن ما عملوا (بأعمالهم الصالحة وليس عن طريق حمل الآخرين لخطاياهم) وسيدخلون في الصالحين
ونعم نحن وصينا الإنسان بوالديه إلا أنه عليه ألا يطيعهما في مسألة الشرك إن فعلا!
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) -وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ- فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4) مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7) -وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ- (8) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9)

ثم تعرض السورة المواقف التي حدثت من المشركين –والتي رد الله عليها في الآيات السابقة-, وكيف أن زعمهم حمل خطايا المسلمين كذب وافتراء:
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)

ثم تبدأ السورة في عرض مواقف من حياة الأنبياء لترد على مزاعم المشركين, فقالت أن نوحا لبث في قومه ألا سنة إلا خمسين عاما * ثم جاءهم العذاب في نهاية المطاف فلا تستعجلوا العذاب, ولقد أنجاه الله هو ومن آمن, وجعلها آية للعالمين على هلاك الكافرين فكيف تظنون إفلاتكم وأنكم لا تؤاخذون بذنوبكم وأن آلهتكم ستمنعكم؟

ثم تذكر السورة قصة الخليل إبراهيم الذي ذكّر قومه أن هذه الأوثان –بالإضافة إلى كونها لا تمنع- أنها لا تنفع, فهي لا ترزق وإنما الله الرزاق, وعليهم أن يبتغوا عنده الرزق.

ثم تُعترض القصة ببضع آيات تلوم على المشركين عدم إيمانهم باليوم الآخر على الرغم من أنهم يرون الأدلة على إعادة الخلق أمامهم يوميا وتأمرهم بالسير في الأرض ليروا كيف بدأ الخلق, وأن الله على كل شيء قدير, فلن تكونوا معجزين في الأرض ولا في السماء فإن أراد أن يعذبكم فعل.

ثم تعود الآيات لذكر موقف قومه تجاه هذه الدعوة وكيف حاولوا قتله أو حرقه فأنجاه الله فهاجر, فوهبه الله الأولاد وجعل في ذريته النبوة والكتاب, وأوتي أجره في الدنيا:

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (15) وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (18) -أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (22) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (23)- فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25) فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27)

ثم تذكر السورة بعد ذلك نموذجا لقوم كانوا سابقين في فعل الفاحشة وكيف أنهم طلبوا العذاب كذلك, وكيف أهلكهم الله ونجّى نبيهم لوطا, وكيف أن الله ترك منها آية بينة (فكيف تدعون أنكم ستفلتون من العذاب؟!!), ثم تذكر السورة نبيا مقتصرة من دعوته على أمره قومه بعبادة الله ورجاء اليوم الآخر –فهما المنجى


ثم تنتقل السورة لذكر أقوام وزعماء عاندوا الدين وكيف أهلكهم الله –ومساكنهم شاهدة على هلاكهم- وكيف أن الكل أُخذ بذنبه فلم يفلت منهم أحد. وبعد هذه الأدلة الدامغة يبين الله أن من اتخذ أولياء لتمنعه من الله كمثل العنكبوت اتخذت بيتا فلم يحمها من شيء!

وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30) وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32) وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34) وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35) وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40) مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43) خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (44)

ثم يأمر الله النبي بتلاوة ما أوحي إليه من الكتاب –فلا يهتم ولا يسمع لاعتراضات المشركين ومطالبهم بنزول العذاب- وبإقامة الصلاة فهي تنهى عن الفحشاء والمنكر, مفندا اعتراضاتهم وحججهم ومبينا أن العذاب له أجل مسمى سيأتي فيه, ناهيا المسلمين –في أثناء ذلك- عن الشدة في مجادلة أهل الكتاب وعن وضعهم في خانة واحدة مع المشركين, فثمة نقاط اتفاق بينهم وبين المسلمين

اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47) وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54) يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55)

ثم يأمر الله المسلمين بإفراده بالعبادة, (معلما إياهم أن الإيذاء ليس مبرراً للشرك, فلو ساءت الظروف في هذه البلدة فأرض الله واسعة –فيمكنكم أن تهاجروا إلى بلد أخرى تعبدون الله فيها بدون إيذاء) مذكرا إياهم بثوابه العظيم لهم في الآخرة, وبأن الله هو الرزاق يرزق الدواب ويرزق البشر (فلا تخافوا مسألة الرزق هذه في البلد الجديدة)


يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62)

ثم تُختم السورة بإظهار تناقض المشركين وعدم سلامة مذهبهم فهم يؤمنون بأن الله يحيي في الدنيا, وينكرونه في الآخرة!! وبالتنبيه على أن الدنيا لا تساوي شيئا أمام الآخرة
ومن ثم فعلى الإنسان رجاء الآخرة الباقية- لا أن يكون من أولئك الذين يخلصون الدين لله عند العسر فإذا زال أشركوا –مودةً للآخرين- ليستمتعوا معهم بالحياة الدنيا!! كافرين بما أنعم الله عليه, أفلم يروا مثلا أن الله هو من منعهم وحماهم –وليس الأوثان- فجعل لهم حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم (فكيف يزعمون بعد ذلك أن الآلهة ستمنعهم من الله؟!!!)


فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق فعاقبته الخسران, أما من جاهد في الله فسيهديه الله وسيكون معه:
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63) وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68) وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)

وبعد أن بينّا للقارئ الوحدة الموضوعية للسورة والوجهة التي تتولاها, ندعوه أن يعيد قرائتها مرة أخرى مرة واحدة فسيفتح الله عليه فيها بفضله وكرمه ما لم نذكره نحن, إنه هو الفتاح العليم, وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

الإنسان ليس مجبرا

جاءني سؤال يقول:هل الانسان مجبر عن البحث عن حقيقة الكون والغاية من الحياة، فقد يقول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.